استقالة موصوفة, ومتابعة بالريموت
أربع مقاتلات اسرائيلية على الأقل فيما تناقلت الأنباء يسمع شهود عيان دويها في السادس من أيار الجاري, خارقة جدار الصوت فوق المجال الجوي السوري في هدوء ليل الأربعاء ـ الخميس لمنطقة تل أبيض, على بعد 160 كيلومترا شمال الرقة, قريبا من الحدود التركية.
الطائرات التي قدمت من المتوسط -وربما عن طريق تركيا نفسها- استهدفت وفق التقارير إياها شحنة أسلحة إيرانية كانت موجهة إلى حزب الله على ما يؤكد مسؤولون أمريكيون, ليخالفهم في التو واللحظة مسؤولون آخرون -أمريكيون أيضا- ارتأوا أن الهدف إنما كان موقعا ذا طبيعة (نووية), مع التشديد على وجود زوار من كوريا الشمالية (الديموقراطية) أشرفوا على العناية بعتاد ذري وصل عن طريق ميناء طرطوس أوائل هذا الشهر على متن باخرة من بيونغ يانغ, التقط صورها قمر التجسس الاسرائيلي (أفق 7) الذي أطلق في حزيران الفائت بحسب رئيس جهاز الموساد مائير دغان, قبل أن (تصادر) هذه الشحنة (المهربة) فرقة الكوماندوس الاسرائيلي المرافقة والتي أنزلت في المنطقة, بحسب أنباء متفاوتة الـ(فبركة) في الاعتبار الرسمي السوري.
ومع أنّ رواية الغارة الاسرائيلية الأخيرة هذه والتي من غير المنتظر أن تصدر طبعتها الأخيرة قريبا؛ نالت نصيبها الوافر من التغطية الاعلامية عربيا ودوليا؛ إلا أنها لم تحظ لسبب ما بالقدر ذاته من الاهتمام والمتابعة الشبابية سوريا.
على الرغم من كونها قضية لم يبخل المحللون السياسيون والأمنيون بمختلف مشاربهم على مدى أسبوعين ونصف هما عمر الانتهاك حتى اللحظة في أن يسبغوا عليها صفات ونعوتا من قبيل (بالغة الأهميـّة), و(مؤشر خطير), و(شديدة الحساسية)...
ومن طهران (شبه النووية) وحساباتها, إلى بيروت (شبه الأكثرية) وتحسباتها, امتد طيف العواصم والمواقف واسعا إقليميا ودوليا, والغائب الأكبر عنه ليس سوى أحد أصحاب الشأن الأساسيين من شبيبة البلد نفسها.
للبيت رب يحميه ...
سامر البالغ من العمر السادسة و العشرين يعمل منذ بعض الوقت وبشكل متقطع مترجما بين الانكليزية والعربية, ويقف اليوم بالحاح على أبواب إحدى السفارات الغربية سيئة الصيت محاولا نيل كرت هجرة يعشـّمه بعض الأصدقاء خيرا في تحصيله, يقول سامر:(كنت أعمل كالعادة على ترجمة بعض المواد في المنزل عندما دخل أخي الغرفة وأطلعني على نبأ الغارة الاسرائيلية, والذي ربما كان قد سمعه أو قرأه كخبر عاجل فيما أذكر على إحدى القنوات الفضائية), ويتابع:(أنا عادة ما أشاهد الأخبار بشكل يومي تقريبا, لكن في ذلك النهار بالذات لم أتمكن من ذلك لتراكم بعض المهام علي في العمل, لذلك فقد سارعت الى محاولة استقصاء مزيد من التفاصيل على الانترنت, لكن الأنباء كانت متضاربة بشكل مزعج, الأمر الذي أصابني بالملل فعدت إلى عملي).
وعما إذا كان شعر بالخوف أو بالتهديد في تلك اللحظة يجيب سامر بالنفي قائلا:( لا أبدا, لم أحس بأي خوف أو ماشابه, لاعتقادي أن اسرائيل لا يمكن أن تضرب \عن جد\ حاليا).
أما مصدر يقينه في أن الاسرائيليين لن يعمدوا إلى مهاجمة سوريا؛ فيؤكد سامر أنّ هناك (حالة من عدم الاستقرار كانت سائدة منذ زمن طويل بين سوريا واسرائيل ولازالت), وأنّ الأمور سارت (على ما يرام) بين الطرفين طوال الفترة الماضية, وأن( شيئا جديدا) لم يطرأ ليغير المعادلة القائمة.
وحول الطريقة التي أمضى فيها بقية يومه ذاك يقول سامر(ذهبت ذلك المساء مع رفيقة لي ملببيا دعوة أحد الأصدقاء الى حفلة كنا رتبنا لموعدها مسبقا في منزله, وقد قضينا وقتا ممتعا).
ومادام أن الاسرائيليين غير جادين في مهاجمة سوريا كما يقول, ينظر سامر إلى الغارة الاسرائيلية باعتبار أنـّها(رسالة أكثر منها عملا عسكريا فعليا, بمعنى أنهم في اسرائيل يقولون لنا افهموا أننا نستطيع الوصول الى أي مكان نريده, ومتى شئنا ذلك).
وعما إذا كان قد توقع ردا سوريا من نوع ما على الخرق الاسرائيلي؛ يجيب سامر (لم أتوقع ردا سوريا سريعا في حينه, وشخصيا لا أتوقع ردا سوريا بطيئا كذلك), ويضيف( في الحقيقة لا أنا ولا معظم من أعرفهم ننتظر أي رد سوري على الإطلاق, اللهم فيما عدا التصريحات التي صدرت حتى الآن, وربما المزيد منها, إنما ليس أكثر).
ويضرب سامر مثلا بالانتهاك الاسرائيلي المماثل الذي وقع السنة الماضية في اللاذقية, ومن قبله الاعتداء الذي تم فيه قصف بناء في "عين الصاحب", قبل أن يضيف (لو كان هناك مزيد من الحرية في البلد لحصل تحرك من قبل الناس من نوع ما للتنديد بهذه الغارة, كي يعرف الآخرون في الخارج أن الناس قد يقومون بشيء اذا سنحت لهم الفرصة), ليستدرك لاحقا (مع أنني لا أفضل أي رد عسكري على أمثال هذه العمليات, بل أرى أنّ التعامل السياسي و الديبلوماسي هو الأجدى).
ويبدو أن هادي. أ يتفق من جانبه مع كثير مما سبق. ونظرا لأنّه يعمل محررا في إحدى وسائل الاعلام السورية الخاصة؛ فقد عرف بخبر خرق الطائرات الاسرائيلية للأجواء السورية أبكر نسبيا من غيره,وذلك عن طريق (الموظف المكلف )AFPمراقبة وكالة فرانس برس
إنما من دون أن يشكل الخبر أية مفاجئة له. ويبررهادي الـ(العاديـّة) التي استقبل بها النبأ بالقول (في المرحلة الحالية يمكن للمرء توقع كل شيء على هذا المستوى). ويستطرد شارحا وجهة نظره(لقد مررنا منذ وقت قريب بفترة من التصعيد \السلمي\ إن صح التعبير, حيث انهمرت رسائل السلام من هنا وهناك, تلاها مباشرة تهديدات متبادلة وأخبارعن تحركات للقوات على الأرض من الجانبين, ومن ثم تراجع هذه القوات, وتسويق للحديث عن جهود لـ\إاراحة\ الجبهة السورية, وتخفيض الاحتقانات, الأمر الذي يجعل أي أحد -وقد مرّ عبر هذه السلسلة- يتوقع خطوة ما تصعيدية من أحد الطرفين, وأنا شخصيا كنت أتوقع للتصعيد أن يأتي من الجانب السوري لا الإسرائيلي).
هادي سيتم الرابعة والعشرين في غضون أسبوع, وهو لا يتوقع أن تقوم بلاده برد عسكري من نوع ما قبل عيد ميلاده, عدا عن(الرد الروتيني بالاحتفاظ بحق الرد), معللا ذلك بأنه لايمكن للسوريين أن يردوا (كلاسيكيا), مع أنه يعود بعد قليل ليتحدث عن أنّه لا يريد أن يقطع (الأمل) نهائيا من هذا الأمر, مرجحا للرد الميداني -فيما لو تم- أن يأتي في (غزة أو الجنوب اللبناني), و(ربما... ربما الجولان), إنما مع مزيد من انتظار (اللحظة الأنسب لسوريا) فيما يخص الخيار الأخير بالذات.
ويسرد هادي مفارقة أنه كان من بين المحررات في مكتب العمل من اطلعن قبل غيرهن على الخبر, إنما من دون أن يحركن ساكنا, إلى اللحظة التي انتبه إليه فيها المحرر السياسي, ويتابع واصفا ما جرى بعد ذلك (تحلقنا جميعا حول التلفزيون بانتظار ما ستبثه الجزيرة في النشرة التالية), معربا عن خيبة أمله في الطريقة التي أتى فيها الرد الرسمي الأولي على الحدث, ووصفا أداء وزير الاعلام بأنّ (أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كان سيئا للغاية, وليس على مستوى المستجد من تطورات بأي شكل من الأشكال), مفضلا عدم إعطاء تفاصيل محددة لانتقاداته, مؤكدا أن الحياة استمرت بشكل(طبيعي) بعد (بيان) الوزير, وعاد كل (إلى عمله المعتاد).
وعن الرد الذي كان يراه الأنسب على الانتهاك الاسرائيلي, لايخفي هادي حماسته الشخصية لرد عسكري مباشر, من قبيل( قصف ثكنات ومواقع عسكرية اسرائيلية في الجولان), معتبرا أنّ(لا أهمية لمن يبدأ التصعيد في هذا الوقت, بل ربما يكون ذلك في صالح من يبادر به), باعتبار أنّ الحرب (قادمة قادمة)!
(الله أعلم) يقول مصطفى عن نبوءة (قادمة قادمة) تلك, وقبل أن يطلب مني بتوجس إطفاء جهاز التسجيل بين يدي؛ يذكرني للمرة الثانية أنّه لايملك سيارة الأجرة التي يعمل عليها, وأنها تعود لابن عم محسن له, وهو لايريد (وجع راس), ونصحني أن ابتعد عن هذه المواضيع التي لها (أهلها) ومكانها في (مجلس الشعب) و(قصر المؤتمرات)!!
يقول مصطفى (أبو الخير) بعد تردد ومداورة وهو يقطع بنا أتستراد المزة, مشعلا سيجارة (الحمرا), ماسحا عرقه بفوطة متدلية على كتفه (عندما سمعت عن \القصة\ أول مرة, كنت \أتسبب\ على السيارة عالقا عند زحمة المرور في شارع بغداد, وكان أحد الشوفيرية على محطة الوقود \يتسمّع\ على غارة \ما غارة\, فحاولت البحث في الراديو عن الخبرية, ولكني لم أجد شيئا, ولم يكن هناك شيء على إذاعتنا كذلك, ثم غاب الموضوع عن ذهني \شي ساعت زمن\ بعد أن اتصلوا بي من البيت مشان دوا للوالدة, وعدت فتذكرت الموضوع عند \السمّان\ وأنا اشتري \مونة\ للبيت, لأن المذيع في الدش كان يتحدث عن ذات الموضوع).
ويشرح (أبو الخير) ببعض الضيق كيف اضطر لـ( الأخد والعطا) مع البائع حول المسألة, بعد أن راح العجوز يشتم ويلعن لأنه ليس في موقع يؤهله كي (يحرق نفس أعداء \لا إله إلا الله\ المستكبرين).
ويعترف مصطفى خيرو أنه لايتذكر الكثيرمن تفاصيل ما وقع, ولم يسمع الكثير من التحليلات على (لندن) لأنها مليئة بـ(الكلام الكبير), بل حتى أنّ متابعته للخبر عند ذلك البائع لم تتعد الدقائق الخمس لاضطراره مغادرة السوبرماركت بسرعة كون السيارة (مصفوفة رتل تاني).
وعن رأيه في السبب الذي شنت إسرائيل هذه الغارة من أجله, يجيب (أبو الخير) فجأة (فركت إدن), ويصمت قليلا منتبها لتغير لهجته في الحديث, ليعود ويؤكد بأن أمورا كهذه (تحصل دائما), لأننا (وحدنا), ولايوجد أحد لـ(يدعمنا), أما (هدول العرب), فلا يمكن أن نستفيد منهم بشيء سوى (الكلام) و(الارهاب)!!
وعن طبيعة الرد الذي يرى أنه الأنسب ليكون من طرفنا, يجيب مصطفى بأنه كان علينا أن (نسقط على الأقل إحدى الطائرات التي هاجمتنا), أمّا مستقبلا فـ(سيقوم حزب الله والشيخ حسن \ربي ينصرو\ باللازم عاجلا ام آجلا), وعما إذا كان قد تحدث مع أحد حول موضوع الخرق الاسرئيلي للأجواء السورية بعد عودته إلى البيت, قال (أبو الخير) أنّه قد تحدث عن ذلك بالفعل مساء مع بعض الأصدقاء الـ(المسقفين), وهم يدخنون النرجيلة في بيت (نزار) -أحد أولئك الصحبة- والذي كان من رأيه أن هذه السنة (لن تمر على ستر وسلامة أبدا), خاصة إذا لم (تنتخي إيران إلى جانبنا).
من جهتها لم تكن يمنى \23\ عاما أقلّ ترددا من مصطفى, إنما لأسبابها المختلفة.
فالطالبة الجامعية, والسكرتيرة في إحدى شركات القطاع الخاص حديثة العهد, تشعر ببعض الحرج كونها كانت (في إجازة على البحر) مع بعض الأصدقاء والصديقات, الأمر الذي حال دونها وأن تعرف عن الموضوع في حينه.
(سمعت الخبر بعد يومين وأنا اقلب محطات التلفزيون) تقول يمنى, وتضيف بأنها لم تشعر بخوف حقيقي إلا عندما علمت أن الطيران الحربي الاسرائيلي الذي دخل الأجواء السورية ربما قد يكون (مرّ فوق المنطقة التي كنت أسبح فيها مع صديقاتي على البحر).
على أن مخاوفها تلك سرعان ما تبددت عندما طمأنها ابن عمها الذي يملك مقهى انترنت, ولديه اطلاع على أخبار (المواقع المحجوبة)؛ أنه (لا وجود لأي خطر), لأنه لو كان مقدرا لأي شيء أن يحدث لـ(حدث يومها مباشرة), أما الآن وقد مرت عدة أيام على الحادثة فكل شيئ مستقر وطبيعي حسب تعبيرهما.
ليس لدى يمنى أي معلومات دقيقة عمـّا كان عليه رد الفعل الرسمي للمسؤولين السوريين, ولم تسمع أيا من محسن بلال أو فيصل المقداد أو وليد المعلم أو عماد مصطفى وهم يدلون بتصريحاتهم تباعا إثر الحادث, ذلك أنها (لاتفتح على القناة الأولى أو الفضائية), كما أنّها لاتملك تصورا يعتد به عن الطريقة التي تريد للرد العسكري أن يكون عليها فيما لو كان, باعتبار (الجيش أدرى بعمله منا جميعا), وهم لن يقصروا في (ساعة الحقيقة).
أما عن إذا ما كانت تشعر بأنه يمكن لهذه الحادثة أن تتكرر قريبا, أجابت يمنى أنها (لاتدري), بيد أننا (تعودنا على هذه الأمور), وأن الوضع عندنا (مهما حصل) يظل (أرحم) من الجاري في (العراق ولبنان وفلسطين), إنما بكل الأحوال (ربنا يحمينا).
أمّا (أم ناريمان) فليس عندها ما تقوله ابدا, و(لاتحاول)!
فهي (لا تفهم بالسياسة), ومع طفلتها التي تبلغ السنة إلا شهرين بالكاد تجد وقتا لأي شيء على الاطلاق. لكن طالبة البكالوريا المتخلفة عن دراستها, وزوجة المهندس الميسور, سرعان ما تبدي استعدادها للتطوع بالحديث عن موضوع آخر هو (الدراما السورية) ومساسلات رمضان, والتي حسب كلامها (تشد المشاهد), وهي شخصيا (لا تفوت منها شيئا) على ضيق وقتها الذي تذمرت منه آنفا!!
حول الـ(لماذا) ...
لايحتاج المراقب كثير جهد ليدرك أنّ أغلب الشبان السوريين ليسوا على ذلك القدر من الاستثارة والاستنفار حتى يعاجلهم بمهدئ موضعي من نمط أن البلاد ليست مستهدفة لذاتها, وأن الغارة قد لا تعدو كونها (بروفه) قريبة لهجوم مستقبلي أبعد في طهران.
F16-Eأو ليضع ذلك الملاحظ ضمن توقعاته أنّ تلك الشبيبة لن تميز بسهولة الـ
أو تتعرف على (بانتسير), نظام الدفاع الجوي الذي تزودت به دمشق مؤخرا من موسكو, والذي يحلو للبعض الاعتقاد أنّ المقاتلات الاسرائيلية إنما شنت تلك الغارة للوقوف على مدى نجاعته في أيدي السوريين.
إذ أنّ هذه المقاربات والتحاليل تظلّ -كغيرها مما سال الحبر فيه مؤخرا- قاصرة عن انتزاع استجابة من شبابنا تداني في حرارتها سخونة الحدث الداهم.
الدكتور مروان قبلان عضو مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق, والأستاذ فيها, لم تشكل له ردة الفعل المرتخية هذه لدى الشباب السوري أية مفاجئة -شخصيا على الأقل-, حتى وهو يشهد كيف أن هذا المسلسل الرمضاني الطارئ على ما فيه من عناصر التشويق والاثارة السياسية, والأحداث التي تكتسي مع مرور الوقت والتسريبات بوليسية فضفاضة؛ فشل في الاستئثار بانتباه شريحة هي الأوسع ضمن المجتمع السوري اليوم, وكيف أنّ الاستبصاري المتخيل لتمثيليات رمضان ودراماه الأصلية؛ استحوذت على البصري المثخن بواقعية صلدة دونها مثل هذه المستجدات.
ويعزو الدكتور قبلان هذا الأمر إلى مجموعة من العوامل والترسبات القديمة, يأتي على رأسها ضعف المشاركة في الحياة السياسية لدى المجتمع السوري في العموم, ولدى هذه الشريحة الواسعة على وجه الخصوص, والتي تتعدى نسبتها إلى العدد الإجمالي للسكان الـ\43%\.
معللا بأنّ (الحياة المجتمعيّة في سوريا قد مرت بمراحل كان التعاطي خلالها في الشأن السياسي يعد نوعا من أنواع التابو), مذكرا بموروث قديم حديث, يتداول فيه الناس بين بعضهم التحذيرات من الحديث حول التمظهرات السياسية لـ(الأوضاع العامة للبلد), وهي الحالة التي ورثتها الأجيال الجديدة لاحقا, ووجدت نفسها عالقة فيها, الأمر الذي كان من نتيجته أن (ابتعد الشباب عن السياسة, والنشاط السياسي), ووصلوا في ارتدادهم عن التواصل مع مفردات المُعاش السياسي حدا دفع أكثر من\76%\ منهم -وفق دراسة رسمية لافتة- إلى الاعتقاد أن بلدهم لاتتهدده أيّة أخطار عسكرية من أي طرف!
وذلك في وقت يعافر فيه دون جدوى ما يربو على \200,000\ جندي أميريكي ومرتزق لضبط الأوضاع الأمنية المتفلتة في بلد جار لهم, وتجتاح موجة الاغتيالات الجوالة عاصمة لاتبعد عن عاصمتهم أكثر من ساعتين بالسيارة, ويحجر فيه على مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة, باحتهم الخلفية إقليميا وسيكولوجيا, دون أن يحرك أحد -دولي- ساكنا. ناهيك عن أنّ بلادهم لازالت عمليا منذ العام 1967في حالة حرب مع اسرائيل, ولديها أراض محتلة تتجاوز مساحتها الـ\1200\ كم‘.
سبب آخر -فيما يرى الدكتور قبلان- يعزز فصام جيل اليوم عن واقعه السياسي, ألا وهو (ضعف أداء الاعلام السوري في مجمله), ضعف حرم هذا الاعلام من أن يكون حاملا موثوقا للمعلومة والخبر أولا, و(منبرا) ومتنفسا لهواجس هذه الفئة في المقام الثاني, وسهل اتجاه هذه الشريحة نحو الـ(استقالة) من الحياة العامة محليا.
يضاف إلى ذلك كله (سلسلة الاحباطات) التي غرق -أو أغرق- فيها الشباب السوري جراء (المواقف العربية من القضايا الأساسية والمصيرية), والنكسات المتتالية التي لازالت شعوب المنطقة ككل تعاني نتائجها وعواقبها المدمرة على مستوى قومي.
وبنسب تعليم متواضعة /85.4% منهم تعليم ثانوي فما دون/, وبطالة مرتفعة؛ يعتبر ارتهان شباب هذا الجيل للهم المعاشي اليومي, وانخراطهم في اللهاث وراء أوليـّات اقتصاديـّة عصيـّة, وآمال الحد الأدنى من مستقبل بلا خضات (داخل او خارج حدود بلادهم), عاملا إضافيا ينأى بهم عن الاشتغال بالهم العام كما يوافق الدكتور قبلان, والذي لا يرى في المدى المنظور أي علاج (فوري) للخلاص من هذه الظاهرة الخطيرة, بيد أنه يعتقد أنّ أيّ محاولة في هذا الصدد لا بد لها إن كانت جادة في سعيها أن تبدأ من نقطة (الاعتراف) بوجود هذه المشكلة بين ظهرانينا, منطلقين نحو (طمأنة) هذه الشريحة الفتية من المجتمع بأنّ (الانخراط إيجابيا في النشاط السياسي؛ أمر لا يترتب عليه أية محاذير, أو متاعب), بل على العكس, يجب أن يكون واضحا في أذهان هؤلاء (المواطنين) أنّ ذلك (مسألة مطلوبة, وواجب وطني).
وكغيره من الباحثين, والسياسيين, وأصحاب الرأي في هذا المجال, لا يألو الدكتور قبلان جهدا, في الحث على ضرورة البدء بتهيئة الأرضية الملائمة لاستقبال وتفعيل المشاركة الشبابية في الشأن العام, من قبيل (إصدار قانون عصري وملائم للأحزاب والجمعيات) و(السماح بقدر أكبر من الحريات الإعلامية).
وهما مطلبان ملحان, من شأنهما اليوم أن يفسحا المجال أمام فئات المجتمع المختلفة -وعلى رأسها الشباب- لـ(التداول في الشأن السياسي, وبالتالي تحمل هذه الفئات لمسؤولياتها تجاه وطنها وما يحيط به من تحديات وأخطار).
........
وبين تطنيش أولمرت, وتبصيرات بولتون, وهزة أكتاف كوشنير؛ لا يبدو على الشباب السوري أنّه تسلم حقا, عبر ذلك البريد الجوي الحربي المضمون؛ ما اصطلح عليه أخيرا ليكون الـ(رسالة) الاسرائيلية.
وجدار الصوت الذي تتفنن مقاتلات الـ(عدو) في خرقه كل مرة, هش على ما يظهرمقارنة بجدار الصمت الذي يعلو ويرتفع مع غيره من الجدران في المنطقة, ليلف مواقف وردات فعل سوريين شباب.
لتبدو في النهاية تلك الأسماء المستعارة التي أصرّ الشباب على تنقبها والتـلطي خلفها قبل أي حديث, مقدمة منطقية للحقائق المستعارة التي تمنح الواشنطن بوست نفسها –على سبيل المثال- ترف تخليقها بلا رادع.
ومن اتهم سوريا بالأمس باستخراج اليورانيوم من (الفوسفات) الذي قد يتراجع مخزونه مع الوقت, قد يعنّ على باله اتهامها غدا باستخراجه من (المتـّة), والتي قد لا تنضب أبدا, شراب الاسترخاء الشبابي المفضل كل يوم.
2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق