إذا سألك سائل عن سبب استعجالك الانصراف قبيل انتصاف الليل في بيروت؛ يمكنك أن تتذرع بضرورة مباشرتك بالإجراءات الطويلة لركن الـ"مازدا 323"
الخاصّة بك (في الواقع أنت لا تملك أية سيارة) في مرآب الـ"تاور" الزجاجي
حيث يقيم مُضيفك.
فالحارس ناعس الطرف الذي يطمح منفرداً لتدارك "تقصير جميع الأجهزة
الأمنيّة في لبنان منذ الطائف"؛ سيستيقظ دفعة واحدة لدى رؤيتك (يا سوري)، ليمرّر
عصاه الالكترونيّة الصفراء على كل عضو ظاهر، أو ضامر، من الأعضاء المختونة لعربتك ذات
لوحة التسجيل التي تحمل بخط رقعة سائل اسم "دمشق"، بالأسود.
ذلك، وإلا..
فإنّ سيّارة الأجرة "المرسيدس" المتهالكة التي ستضطر لركوبها (إن
تأخرت في حفلتك بعد 12 ليلاً) قد تستحيل في غمضة عين إلى "هامفي"
عسكريّة، أو "دودج شارجر" دركيّة، وتتغير بالتالي ملامح الوجهة، كما قد
تتغير –لاحقا- معالم الوجه، أو القفا، في أحد بيانات "هيومن رايتس ووتش"
الغزيرة عن الأجانب المستجدين في لبنان.
أو أنّ السائق الذي سيستسلم مبدئياً، على فطرته، بشكل غير متوقع للـ"ألفين"
ليرة لبنانيّة الشحيحين (1.3$ تسعيرتك الثابتة للتنقل بين "الحمرا" و"مار مخايل")، قد
تطفر جينات هدوءه السياسي فجأة، إثر ملاحظة مسيئة لشخص السيد الرئيس (هناك)، فيلوي
خُطام فرسه إلى محطّة "مستودع آل المقداد" (جوقة محلية من خاطفي
السوريين) بدلاً من حانة "راديو بيروت". حيث سيعجز قصاصو الأثر في
"فرع المعلومات" عن إدراكه، بالطبع. رغم أنهم يعرفون مكانه، بالطبع
أيضاً.
أمّا في حين كان خيارك مشواراً مع "فان رقم 4" (خط الضاحية
الجنوبية في بيروت) بأغانيه التي تشجع على "النأي بالنفس"، في أول
شارعين (وتوسم عادة بالهابطة)؛ فقد تستحيل العربة "المقاومة" للبيئة –إذا
سحبتك رقصة الفالس من زمانك الأرضي- إلى دورة حزبيّة عقائدية على عجلات. بفصحى مقعّرة،
وأحرف جرّ لا نهائية إلى "حيفا"، وما وراء "حيفا"، حيث لا يصل تردد
"إذاعة النور" (راديو حزب الله) عادة بعد 2006.
إذنْ..
قبّـل سريعاً مودّعيك ثلاثاً على الخدّين (عادة لبنانية) في
"مزيان"، و"تاء مربوطة"، و"أم نزيه". ومرتين فقط
(عادة سورية)، مغادرا شبّاك توزيع السلال الغذائيّة الخيريّة، أو العيادة البدويّة
النقّالة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ومرةً واحدةً (عادة شخصية) صورةَ منْ
تركتَ في محفظتك سنتين حتى اهترأت. على أمل ألا يُجبركَ أحدٌ على تقبيل "مكونات"
إضافية أنكى (عادة أمنية) وأنت في طابور –مظاهرة- تجديد أوراق إقامتك في اليوم
التالي.
في حكايات ما قبل النوم، تُضيّع حسناء القصر حذائها، مُسابقَةً دقات الساعة
"التوراتيّة". ومع انتصاف الليل؛ تعود الفتاة إلى مسح البلاط، وجلي
الصحون.
في مرويّات ما بعد اليقظة (2011)، تواصل الفتاة بعد الدقات الاثنتي عشر "تعزيل"
الحظيرة، مطمئنة إلى حُسنها، وخدودها الموّردة... وتقرر في اليوم التالي أن تذهب
إلى حفلة الأمير حافية.