2010-11-20

نعم سيدي، كل شيء جاهز لقانون إعلام سيء آخر (2)

Yes Sir, all is ready for another lousy Syrian media law




على أن أخبار المسودة الأخيرة لقانون الإعلام المتوقع لم تبلغ كل الآذان المشنفة للصحفيين والإعلاميين السوريين على ما يبدو، مع أن بعضها نشر عمليا على الانترنت منذ وقت قريب، ورغم تميز عدد من أولئك الإعلاميين بحواس إضافية جوّالة في أروقة صنع القرار المحلي. ما لم يكن الأمر متعلقا بـ"المصيبة أعظم" على رأي الشاعر فيما لوكان منهم من يدري ولا زال يحتسي شرابه من مقاعد الفرجة, التي لن تكون "ببلاش" هذه المرة.

وهذا دليل بدوره على مدى التراخي إن لم يكن الإهمال الذي يتعاطى به الوسط الإعلامي السوري المحلي مع أنباءه وأخباره وعاجل تطوراته هو نفسه. وهو سبب آخر لا يمكن للمرء أن يرفع عقيرته بالصراخ ضده في وجه الحكم والحكومة محملا إياهم جريرته وتبعاته بالكامل. فليست كل مشاكل الإعلام السوري ذات منشأ سلطوي حكومي في النهاية.

ومن الأمور التي تجعل فبركة تلك المواد والبنود في أي قانون سابق أو لاحق للإعلام -مما هو مسيئ للبيئة الإعلامية المحلية- شيئا يسير التحقيق من قبل أي جهة او لجنة أو فرد؛ هو تشرذم وتفرق أهواء أصحاب الشأن أنفسهم كل في متاهته.

فإعلاميو الرسمي قانعون بما قسط أربابهم لهم من لقمة "الحلال" و"وظيفة" الدولة، منكبين على التبشير بما يتنزل على رئيسـ/ـة التحرير، أو عليهم مباشرة من دون حجاب. ملتزمين صراط "سانا"، وحائط اقتصاد الشارع الاجتماعي.

في حين أن نظرائهم من مستنسبي الإعلام الخاص -المستقل بزعمه- لاهثون بإرادتهم أو رغم أنوفهم لتحصيل نسب الإعلان، والمكافئات الهزيلة، والاستكتابات الضئيلة من درج هذا وجيب ذاك. ودائما وراء اللقمة، وإن ضاع الطبق بكامله.

-1-
من المحبط حقا تلك الفجوة غير المبررة بين الصحفيين والإعلاميين السوريين من جهة وبين المنافحين عن حقوق حرية التعبير والإعلام منظمات وأفرادا.

فلئن وقفت المحاذير التحريرية الذاتية، والخطوط الحمر المطاطة عائقا أمام تعاطي معظم الإعلام الحكومي والخاص مع المنشورات الحقوقية حول الانتهاكات والمحاكمات والتوقيفات –باستثناء الالكتروني أحايين كثيرة- فإن مما لايخفى أن من أولئك الحقوقيين من لا يعرف -بحسن نية أم بسوءها وكل منها أنكى من أختها- من الصحفيين والكتاب وأرباب القلم والكيبورد سوى أولئك المنتمين والمحسوبين على الأطراف السياسية المعارضة، والتكتلات والشخصيات المناوئة للحكم، ممن تطلق البيانات بحقهم ليل نهار، وتغطى أدق تفاصيل توقيفاتهم واستجواباتهم ومحاكماتهم من لحظة اعتقالهم إلى نحنحة القاضي أوالجلاد لدى استحقاق تنفيذ الحكم، وتنتقل أخبار أحوالهم سراعا على أثير المنظمات المحلية والدولية، -وكل ذلك من حقهم بلا جدال- في حين يقبع بقية المعنيين بـ"حرية التعبير" إياها وهم الأكثرية -ومنهم الإعلاميون- في أسفل تلة أولويات أولئك الناشطين والحقوقيين.

ليبدو الصحفي والإعلامي السوري على سلم التصنيف ذاك كائنا "تعبيريا" من الدرجة الثانية، في المنزلة ذاتها تقريبا التي تنزله إياها الدوائر الرسمية.

ومرد ذلك كله إلى طريقة الفهم المتخلفة التي يتبناها القائمون على الحقوق من منظمي هذه المنظمات، حيث يطغى "الحق" و"الاستحقاق" السياسي المباشر في صوره الضيقة أحيانا على حقوق أخرى أرحب لا تقل خطرا وأهمية, تعاني بدورها من الانتهاك شبه الروتيني.

فلا يعتد والحال هذه بمعاناة من يرفعون أقلامهم ضد شؤون "عادية" كغلاء المعيشة مثلا، أو ممن يفضحون فجور التعدي على الأملاك العامة وتراث البلد، أم ممن ينافحن بالوثائق والأرقام ضد غيلان الفساد، خاصة –وهنا الخطورة- إن كانوا من إعلاميي القطاع الحكومي، على اعتبار أن للبيت ربا يحميه.

ولا ينبس الحقوقيون –على كثرة لغطهم- في مثل هذه القضايا ببنت شفة، حتى عندما يجرجر أولئك الصحفيون والكتاب إلى قاعات المحاكم، بعد أن يتنمر عليهم المسؤولون المتضررون من كشف عطنهم، بدء بالوزراء "المثقفين"، وانتهاء بمدراء الإدارات العامة المصروفين من الخدمة لسوء الائتمان.
بل يسمع المرء من بين حراس "حرية التعبير" أولئك من يحمل الإعلاميين أنفسهم مسؤولية إهمال ما ينال حقوقهم من إساءات, بذريعة أن تلك الإعلامية أو ذاك الكاتب لم يقيما خيمة عزاء جوالة بمصابهما الصحفي، وإلا فكيف للمنظمات العتيدة –المتابعة والمطلعة والمؤسساتية والخبيرة والمهنية والديموقراطية- أن تعرف ؟!

-2-
وإذا كان من اليسير على المرء أن يلوم غيره بمثل هذه السخاء، فما تراه يوفــّر لنفسه في السياق والموضوع ذاته؟
هل سأل أحد منا نحن المحسوبين على الإعلام والصحافة كم مرة أظهرنا ما يجب علينا أن نظهر من تعاضد مع زملاء لنا يمرون بمثل ما سلفت الإشارة إليه من ظروف ونكبات، مما نتمناه على غيرنا فيما لو كنا نحن من يمر بتلك الظروف؟
ومتى اتصل أحدنا آخر مرة بزميل له صديق كي يحصل منه على رقم هاتف زميل آخر لا يعرفه ممن يعانون أحد هذه المتاعب بقصد الاطمئنان على حاله والوقوف على ما قد يحتاجه ويصدف أن بمقدورنا تقديمه؟

متى حضر أحدنا آخر مرة محاكمة زميل له تحت "قوس العدالة" لا للحصول على تغطية إعلامية خاصة، ومجادلة مسؤول التحرير في مؤسسته الصحفية بضرورة بث الخبر أم لا –وحبذا لو كان-، وإنما لمجرد أن القانون يسمح له بحضور هذه المحاكمات، موفرا نوعا من الدعم المعنوي غير المباشر لزملاءه غي ذلك الموقف؟

كم مرة استجاب أحدنا نحن الإعلاميين والصحفيين لنداء مركز دراسات أوبحوث أو مرصد إعلامي، أو تبرع بمعلومة عن انتهاك، أو خبر يستحق الإشادة، أو فكرة لتحسين الدائرة الإعلامية المحيطة به، نهوضا بالبيئة الإعلامية السورية ككل؟

متى استطلع صحفي منا آخر مرة فرص التدريب والدورات المتاحة من حوله صقلا لأدواته المهنية، أو طالب المؤسسة التي يعمل فيها بتوفير دورات من هذا القبيل له، بدل أن يكتفي بالجلوس و"النق" وحسد زملاء له "دبروا" أنفسهم فيما يشبهها؟

متى عادت خريجة من قسم الإعلام انطلاقا من المؤسسة التي تعمل فيها لتتفقد القصور و"التخلف" الذي كانت تعاني منه أيام الدراسة في الجامعة، ومنتقدة من موقعها وسلطتها الجديدة ما هي أدرى به، بغرض إحراج المقصرين وإخراجهم؟

متى تحدى صحفي منا آخر مرة تكتلات التخلف في مجتمعه، وتلك المنابر التي تدعي لنفسها سلطات رقابية وتوجيهية لم يمنحها لها القانون, ليوقفها شيئا فشيئا عند حدودها؟

-3-
واستطرادا في الأسئلة، متى كانت آخر رسالة أو ملاحظة وجهها أحد منا لمسؤوله المفترض في اتحاد الصحفيين أو وزيره الافتراضي في وزراة الإعلام يفضح فيها تجاوزا، أو يشيد فيها بإنجاز، أو يقترح فيها ما يفيد، عامدا إلى تسجيلها في ديوان الاتحاد أو النقابة أو الوزارة؟

فذلك أن التشاؤم العصابي بات مهنة أخرى رديفة للإعلامي السوري، تغذيها التعميمات الجائرة، والاستغناء غير المنطقي أو الموضوعي عن هذه المؤسسات الإعلامية الحكومية، والتي هي ملك له، والميل التعففي الجزافي لوضع كل من فيها في سلة واحدة، ومنهم زملاء مجتهدون له.
فحال المؤسسات –إن صح إطلاق التسمية عليها أصلا- الخاصة ليس أكثر "طهارة"، وإن في جوانب أخرى.

فمعظم تلك المنشآت التي تتكلف الملايين، تراوح بين أن تكون مجرد واجهات و"فترينات" لزوم وجاهة النعمة المحدثة لأصحابها، أو مجرد استثمار اعتباطي بحسب الموضة الدارجة، أو تكليفا من مرجعيات مطلعة على "غيبنا". لكنها نادرا ما تكون مشروعا إعلاميا خالصا ذا معنى ومبنى.

والدلائل على هذه المزاعم كثيرة وافرة، آخرها ما كان ربما من لجوء قناة "الدنيا" الخاصة إلى أسلوب مميز في "المأسسة".

إذ وبعد الفتح الأمني الذي دشنته بإدخال نظام البصمة الشخصية لإثبات الحضور لدى "موظفيها" كبديل مؤقت عن البصمة الإعلامية الشاردة، عمدت الإدارة الجديدة إلى تمرير أوراق بيضاء للعاملين فيها كي يوقوعوها ليتم ملؤها لاحقا من قبل الهيئة الإدارية –النزيهة والشريفة- بما تشاء من أجور، وساعات دوام، ومتطلبات وظيفية.

ما دفع فنيي مونتاج نشرة الأخبار في القناة إلى اللجوء للإ ضراب احتجاجا على هذا التصرف الصفيق، والذي فاجأ أصحاب "المشروع الإعلامي" إعلامييهم به، وبلا ذرة من حياء، متخيلين أنه لازال بإمكانهم –من الخلفية التي جاؤوا منها- أن يستعبدوا الناس قانونيا، بحيل الحواري السوقية هذه.

-4-
مشكلة أخرى تبقي الهمّ الإعلامي محصورا بالإعلاميين أنفسهم، وشأنا فئويا معزولا ليس من اليسير على بقية فئات المجتمع تلمس خطره عليها –وبالتالي لا خلاص له-؛ هي في الناس الذين لا زالوا لا يرون أنفسهم ممثلين في هذا الإعلام كما ينبغي.
إعلام فشل لدرجة بعيدة في أن يلتقط نبضهم لتقصير أصيل فيه أو عارض، أو مكره عليه، والذي قد يكون في النهاية حصيلة كل تلك الأمراض والقيود التي يرزح تحتها، ليعود فيصدرها إلى محيطه و"جمهوره".

فمعظم السوريين أخذتهم المشاغل فانحدرت قراءتهم ومطالعاتهم لواقعهم، وتراجعت ثقتهم بالمؤسسات من حولهم الحكومي منها والخاص، فخفت حشريتهم "المدنية" بمتاعب غيرهم من المحشورين في الأشغال العامة المؤبدة، كحال الصحفيين.
بل إن معظم السوريين لازالوا يتحرجون من النظر بعينيهم الاثنتين في عين الكاميرا الواحدة وقول ما يعتقدون، أو يشعرون. بدل استظهار تلك الكليشيهات العدمية التي رسخت في أذهانهم على مدى عقود عن "دورهم" المفترض لدى الاحتكاك بالإعلام المفروض.

ولا يشعر كثير من السوريين بجدوى مجزية لـ"الاتصال" أو مقاطعة أو امتداح أو ذم كثير من أولئك "الموظفين" الإعلاميين، خاصة وراء مكنات الإعلام الحكومي. لينقلوا إليهم خبرا عاجلا مفاده أن من يجلس وراء الشاشة أوالجريدة لم يعد أميا تماما، وأنه بات من العسير اليوم أن تنطلي على كل الناس كل الوقت كثير من ترهات البروباغندا العمياء، وأن على الذين يقبضون رواتبهم من عرق وضرائب هذا "الجمهور" أن يفكروا جديا باحترام أنفسهم وغيرهم من الآن فصاعدا.

نعم يحتاج الأداء الإعلامي المحلي السوري حكوميا وخاصا لا إلى نقطة نظام واحدة فحسب وإنما إلى طقم كامل من إشارات المرور، شرط أن تكون صادرة من الجسد الإعلامي ذاته، وليس عن أي وصاية أخرى، وعلى أرضية من حرية العمل والتعبير والمعايير الدولية للصحافة والإعلام، وضمن مؤسسات قانونية ودستورية منتخبة ومعينة وفق معايير الكفاءة والنزاهة وحدها. وإلى ذلك الحين لا يستغربن أحد إن أفاق على قوننات لا يفهمها و لا تفهمه، و لايعنيها منه إلا ما بقدر ما يعانيه منها.

2010-11-15

نعم سيدي، كل شيء جاهز لقانون إعلام سيء آخر (1)

Yes Sir, all is ready for another lousy Syrian media law

(1)


طوال ما يقارب الثماني سنوات ظلت الانتقادات التي أمطر بها الإعلاميون والصحفيون السوريون من مختلف المشارب قانون المطبوعات رقم 50 للعام 2001 محافظة على حدتها وحرارتها.


وهي لا زالت كذلك اليوم أيضا ونحن نستعد لتلقف قانون جديد يجري الإعداد له، والذي سيتفوق دون شك على سابقه من حيث السوء والتخلف، بحسب ما قرأنا عنه وفيه مؤخرا.
على أن أية أضرار إضافية يمكن للقانون الجديد أن يلحقها بجسد الإعلام السوري لن تعدو كونها تنويعا إضافيا على ما في ذلك الجسد المثخن من جروح وندوب وعاهات، تكاد تكون في ذاتها أصلا لأي نكبات أخرى في أي قانون جديد فضلا عن أن تكون ناتجة عنه أو عن غيره.

لدرجة تنتفي معها أي مفاجئة تجاه مواد أو بنود بعينها في التشريع الجديد قد تكون مثارا للندب أكثر منه للانتقاد، إذ أن كل شيء جاهز عمليا لقانون إعلام سوري سيء ثالث، يراد له في الخطابيات أن يسهم في تحسين أداء الإعلام السوري, غير أنه لن يفلح في حال كان أمينا لما فيه من كوارث سوى في تطوير أداء "معامل البصل والكونسروة".[1]

وفيما يلي بعض هذه الأسباب / النتائج التي لا يمكن لأحد على أساسها إلا أن يتأبط شرا من أي قانون جديد أو قديم.


-1-
لن يكون بعيدا جدا ذلك اليوم الذي سيفتح المرء فيه إحدى الموسوعات العالمية الشهيرة والفخورة بموضوعيتها وحصافتها على كلمة "سلبطة" لتظهر له على الفور صورة لوغو "المؤسسة العربية للإعلان" كتعريف مباشر وواف لهذا التعبير الذي باتت له خصوصية سورية لافتة مؤخرا.

فالخدمات التي توفرها هذه المؤسسة لزبائنها الإعلاميين كي تستحق عليه ما تقتطعه من دخلهم الإعلاني هي في أحيان كثيرة أقل من "لا شيء".

وتكاد تكون الرسالة الوحيدة لـ"مؤسسة الإعلان" لعقود هي استغلال سلطاتها الاحتكارية والانتهازية لتجفيف أية منابع محتملة للكفاية المادية والتمويل الذاتي لمختلف الوسائل الإعلامية في البلاد، حارمة إياها من أحد أهم دعائم استقلالها المنشود، وهو الاستقلال الاقتصادي، في ظل غياب أي دعم حكومي مالي مستحق لهذه الوسائل الخاصة.

ليمسي دور المؤسسة الهدام أفدح فأفدح على أبواب –بل في غرفة نوم- أزمة مالية يعرف أصحاب وسائل الإعلام والإعلان كما مديرو المؤسسة الطفيلية إياها أنها بالغتهم. بغض النظر عن التطمينات الوزارية الجوفاء بين حين وآخر، والتي بلغت حدود التضارب والتناقض.

وتفتح "العربية للإعلان" عبر ما تفرضه على وسائل الإعلام الخاص الناشئ، والجبان ماديا، من الضرائب والرسوم والنسب والاقتطاعات والخوات الجائرة والصفيقة الباب واسعا أمام احتكار المتنفذين السابقين والحاليين وأولادهم وشركاهم للقدرة المالية الضرورية لإصدار وتأسيس مؤسسات إعلامية وصحفية وفق المقاييس والمواصفات الرسمية، كأذرع إضافية للبروباغندا الحكومية. مع كل ما قد يشوب ذلك المال من شبهات فساد، نرى انعكاساتها ونسمع صداها بشكل شبه يومي.


-2-
سبب آخر يجعل قانونا مجحفا للإعلام أمرا يسير التطبيق، وهو وجود "المؤسسة العامة للنشر وتوزيع المطبوعات" وتمتعها بصحة وظيفية أكثر من ممتازة حتى الآن.

إذ يكاد من شبه المستحيل أن يمر مطبوع أو مكتوب أو منشور إلا من تحت إبط هذه المؤسسة الديناصور، والتي تستغل عند الطلب طاقاتها الكبيرة وطاقم موظفيها المنتشر على مساحة البلاد لعرقلة توزيع أي صحيفة أو مجلة عبر وسائل باتت معروفة للقاصي والداني، وتكاد المؤسسة نفسها لا تنكرها.
من تأخير التوزيع أو تحديد عدد الأعداد الموزعة، إلى سحب أعداد المطبوعة المغضوب عليها من الأسواق والمكتبات، أو نزع بعض صفحاتها، وصولا إلى منع توزيع المطبوعة نهائيا.

وعلى الضد من شقيقاتها في القطاع العام؛ لا تشكو هذه المؤسسة فيما يبدو من البيروقراطية السورية الممضة، بروتينها الرسمي الأشهر، إذ يمكن لإحدى تلك الإجراءات أن تأخذ طريقها للتنفيذ بسرعات قياسية، وعبر مكالمة هاتفية مقتضبة، وأوامر مرتجلة من قبل هذا المسؤول أو ذاك، كما سبق وأن حصل مع صحيفة الوطن شبه الرسمية، وجريدة بورصات وأسواق المحليتين، وصحيفتي الأخبار والديار اللبنانيتين، على سبيل المثال لا الحصر.

وترفض المؤسسة –التزاما بقانون الحصرية المبنية على أساسه- رفضا باتا، أن توكل مهمة التوزيع لمؤسسات محلية خاصة لا تنقصها الموارد والخبرات أحيانا، ما لم تخضع الأمر لمساومات مجحفة، تبقى تفاصيلها مثار التكهنات كما وقع مرة مع صحيفة "بلدنا" اليومية، والتي تملكها المجموعة المتحدة للإعلام، رغم ما هو مشهود لها من التزام الخط الرسمي في معظم ما تقوم به.


-3-
أما عن اتحاد الصحفيين السوريين فحدث ولا حرج. بدء بتعريفاته التمييزية ضد الصحفيين الذين لا يروقونه، ومرورا باستثناءه صحفيي الإعلام الخاص من عضويته، واحتكاره تمثيل صحافيي البلد في المحافل الدولية –إن كان له أي تأثير فاعل فيها أصلا- وصولا إلى وقوفه مكتوف اليدين، تجاه مصالح من يفترض أنه يمثلهم داخل كيانه وخارجه، وتحوله مع الأيام إلى مركز جباية للاشتراكات من أعضاءه الحاليين، بدل المنافحة عن حقوقهم المادية المتدهورة والمنتهكة.

ولا يسع معظم صحفيي الإعلام الخاص إلا الاكتفاء بالتقاط بعض التصريحات الثمينة من رئيس اتحاد زملائهم "الموظفين" والـ"بلا إبداع" **** في الحكومي، خاصة وهو يقرّع هؤلاء الصحفيين "الخاصـّين" بقول من قبيل "لا يلومن صحفيو هذا القطاع إلا أنفسهم لعدم تمكنهم من توفير مصادر معلومات لموادهم" !

وهو العارف أن اتحاده بقي عاجزا لسنوات طويلة رغم الانفتاح النسبي هنا وهناك في قطاع الإعلام عن استصدار أو طرح تشريع يتيح حرية الحصول على المعلومات أمام الصحفيين السوريين على الجملة، كسبيل بديل عن الطرق الكلاسيكية في تحصيل المعلومة والخبر سوريا، والتي كثيرا ما تعتمد على التلفونات الاستنسابية لرؤساء تحرير الرسمي ذوي السلطة ما فوق الصحفية، أو تسهيلات رئيس الفرقة الحزبية هنا وهناك، أو واسطات شهبندر التجار، أو شيخ الكار، أو دفع الرشاوى، أو الاعتماد على الإحصاءات والمعلومات "المغرضة" للمؤسسات الدولية المتآمرة على اقتصاد البلد وسياسته واجتماعه ورياضته ولحمته الوطنية.
وكل ذلك للتمتع بخمر وعسل بضع ليرات سورية للمادة الواحدة وفق أسعار الصحافة غير المدرجة في بورصة هذه الأيام.

والشيء ذاته ينطبق على أداء وزارة الإعلام السورية، والتي بلغ من "مهنية" ممارساتها أنها تعيق في بعض الأحيان دخول الصحفيين إلى البلاد رغم موافقة جهات أخرى لا تقل عنها نفوذا، وتعرقل بعض المشاريع الإعلامية الإنمائية في الجامعات السورية، وتمنع إعطاء بعض المعلومات الخاصة بالوسط الإعلامي المحلي لإعلاميين سوريين، ناهيك عن فهمها المتأخر لدور الإعلام الحكومي وقصره على تمثيل وجهة نظر الدولة كما جاء على لسان مديرة التلفزيون مؤخرا.

-4-
وإمعانا في النظرة التشكيكية بدور الإعلام السوري الخاص حد ابتذالات التخوين والعمالة أحيانا [2] فليس من المستغرب تماما السعي الرسمي الدؤوب لتدجينه و"تربيته" مع إسناد مهمة طباعة منشورات وزارة الأعلام -والتي هي ملك لكل الإعلاميين السوريين مادامت قائمة- إلى وزارة التربية، رغم الوظيفة المختلفة تماما لهذه الأخيرة.

ولو أن الإعفاءات الضريبية والجمركية الواسعة التي تتمتع بها المؤسسة العامة للمطبوعات توضع في خدمة جميع الصحف والمطبوعات السورية لهان الأمر، لكن خدماتها أيضا وأيضا حكر على المطبوعات والصحف الحكومية، ما يسبغ عليها ميزات تنافسية كبيرة تنعكس لاحقا وحكما على سعر مبيع تلك الصحف -دون الارتقاء بمستواها المهني ضرورة- ما يجعل منافستها لجهة التكلفة المادية الصافية من قبل المطبوعات الخاصة أمرا عسيرا وبالغ التعقيد، في بلد لايزال الإعلام الخاص فيه ناشئا، برؤوس أموال جبانة وعديمة الخبرة. ناهيك عن اضطراب دخل الفرد في البلاد نزولا، وتقلص إنفاق السوريين الضئيل أصلا على القراءة يوما بعد يوم.

ناهيك عن أن فصل عملية الطباعة للصحف الحكومية عن إجراءات التحرير وجعل كل منهما في جزيرة معزولة عن الأخرى, هو قرار أقل ما يقال فيه إنه "غير مهني" و لا يصدر عن خبير بأعراف العمل الصحفي.

-5-
أما "الاتصالات" فقصة أخرى. فـهذه المؤسسة العامة التي وبرغم أرباح جبايتها التي تقاس منذ سنوات بالمليارات إلا أنها تقدم خدماتها للسوريين بمفهوم الصدقة.

وتتعاطى "الاتصالات" مع المساءلات الصحفية والاستجوابات الإعلامية بطريقة فوقية تدعو للغثيان أحيانا،
ولا أحد تقريبا عدا المرضي عن تحريرهم من الصحف الرسمية وأشباهها يجد منفذا ليسأل أحدا فيها مجرد سؤال عن مسببات واقع الخدمة السيئ, والانقطاعات المتكررة أثناء الدخول على شبكة الانترنت المحلية، وبطء هذه الشبكة وغلاء أسعار خدماتها.

مع أن بعضا من أكابر متنفذيها والمسؤولين عنها لا يعدون كونهم –كما تبين لاحقا- لصوصا محترفين وسارقين وقحين للمال العام. [3]

ولا تكلف المؤسسة نفسها عناء الاعتذار عن أداءها المخزي بالمقاييس الإقليمية والدولية، والذي غالبا ما يعقب بعض فصوله ترقيعات إعلانية نافرة، و"وتوك شو" استعراضي أكثر منه مؤتمرات صحفية لكل تلك المنجزات التي لا يجد المرء منها مسمارا على الأرض.

ناهيك عما تضعه من شروط غير مهنية مقابل منحها رخص استثمار مقاهي الانترنت، وتحميلها المواطن العادي جريرة قوانينها المتخلفة، وكادرها الحقوقي والإداري المترهل والذي يحار منذ سنوات في مخارج قانونية لما يحلو للمؤسسة أن تطلق عليه اسم "تهريب الاتصالات عبر الانترنت".

إضافة لكون المؤسسة أداة تنفيذية طيعة لتوقيع سياسة الحجب الرسمية على المواقع الالكترونية السورية وغير السورية، وبمزاجية لا يفقه المتابع لها منهجا ولا منطقا.


(يتبع)
_____________________
[1] تصريح للمعاون السابق لوزير الإعلام طالب قاضي أمين.
[2] راجع صحيفة الوطن اليومية والأحكام القضائية الصادرة بحقها على خلفية مادة تتعلق بـ"سفراء إسرائيل العرب".
[3] راجع بعض مواد الرأي والتحقيقات في الصحف الرسمية في الفترة السابقة.

2010-10-21

29/10 يوم عالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف






في هذا اليوم الحزين، 29/10/2009، قررت محكمة سورية أن قاتلا لشقيقته هو بطل لأنه ادعى أنه قتلها باسم "الشرف"! مئات النساء السوريات يقتلن كل عام تحت هذه الذريعة على مرأى ومسمع وتأييد من الحكومة السورية!

آلاف يقتلن سنويا في سورية والأردن والعراق وفلسطين ومصر والسعودية والجزائر والمغرب وليبيا وغيرها.. على مرأى ومسمع وتأييد من حكومات دول لا تلتزم بأهم مبرر لوجودها: منع التذابح بين مواطنيها!

عشرات الآلاف يقتلن سنويا على مدار الكرة الأرضية تحت مسمى "جرائم الشرف"، الاسم الذي يعبر جيدا عن الانحطاط البشري في هذه الجرائم، على مرأى ومسمع من العالم أجمع.. الذي يقدم "إدانات" نادرا ما ترقى إلى مستوى الفعل على الأرض!

حان الوقت في القرن الواحد والعشرين لكي تنتهي هذه الجريمة القذرة. حان الوقت لكي لا يكون هناك أي مجال للتهاون مع "قتلة الشرف" عبر منحهم عقوبات رادعة تطال كل من حرض أو وافق أو صمت على ارتكاب الجريمة!

لذلك، نعلن هذا اليوم، التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول من كل عام، يوما عالميا للتضامن مع ضحايا "جرائم الشرف"، يوما لكي نتذكر أن هذه الجريمة لن تصير تاريخا أسود ما لم نقم جميعا بمواجهتها دون كلل ولا ملل، دون تساهل ودون أعذار.

وندعو الأمم المتحدة، وجميع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان متضمنة حقوق المرأة، وجميع الأحزاب والقوى التي تدعي أنها تعمل من أجل المجتمع، كليا أو جزئيا، كما جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، إلى تبني هذا اليوم لجعله شوكة في حلق مؤيدي القتل الحرام، لجعله سلاحا فعالا في مواجهة جرائم القتل المسماة "جرائم الشرف".

*- هذا الإعلان ليس ملكا لأحد، ويمكن لمن يتبناه أن يعيد نشره بالشكل والطريقة التي يراها مناسبة.

2010-10-10

الثقافة السورية بين الواقعية الغيبية والفانطاستيكية العلمانية (2)



Syrian Ministry of Culture: like Secularism.. don`t like Secularism




9-
كثيرا ما كان يحلو لوزير الثقافة السوري السابق رياض نعسان آغا فرض تصوراته الأدبية الخاصة على غيره، من قبيل تصريحات منشورة له يعلن فيها عن هواه النقدي المتمثل بأن "ما يحتاجه الأدب هو الإيحاء وليس التصريح"، وهو ينظر بذات العين إلى أسلوب الكتابة المفترض به تناول الدين أو السياسة. *(14)

وربما من هذا المنطلق خرج علينا في تصريح - فتوى - آخر له قائلا أن يجب ألا "نقيم الدنيا من أجل موضوع الحجاب في الثقافة العربية"، لأنه موضوع "فـُرض منذ زمن طويل"!!

وإذ يفخر نعسان آغا بأعضاء قيادته الثقافية الذين أتى بهم والملتزمين صراطه المستقيم، نسمع اليوم عن مدرس يرفض تدريس "بريخت" لأنه يهودي وكافر، وآخر يفلتر نصا أدبيا مترجما، من المؤخرات والأحضان، حرصا على الأخلاق العامة وحياء شبيبتنا الطلاب القاصرين، وهذا ليس في محراب كلية الشريعة، أو بطريركية الروم، أو معهد الفتح، أو مجمع أبو النور، وإنما في قاعات "المعهد العالي للفنون المسرحية".

في تساوق لافت مع استمرار انتشار تخوينات المخالفين في الرأي في رقعة أخرى من البساط الثقافي السوري غير الأحمدي هذه الأيام، مثل تفوهات رئيس "اتحاد الكتاب العرب" في سوريا حسين جمعة ضد "بوكر" العربية، وجائزة "نجيب محفوظ" اللتين تشرف عليهما وفقا له "جهات صهيونية"*(15) حيث يلمس المرء استمراء واستدامة ثقافيين لـ"التخوين"، و"التعميل" اللذين سبق لعضو آخر في الاتحاد المذكور -حسن حميد- ومحررين "مقاومين" في صحيفة "الوطن" شبه الرسمية أن كان لهم قصب السبق في بعث هذ العادة المسفـّة
والقميئة من قبرها النتن. *(16)


10-
ما سبق كان بعضا من ملامح البيئة الثقافية التي فاخر السيد الوزير السابق بها مرارا وتكرارا، والتي وصلت وفقا له إلى "ذروتها"، حيث "العالم كله يهنئنا على الدور الثقافي الضخم"، على اعتبار أننا "الآن نعيش حراكاً ثقافياً غير مسبوق"،..كذا. *(17)
ثقافة كهذه هو ما يجعله ممكنا إعادة نشر "تحقيقات" صحفية ثقافية عمرها أكثر من 3 سنوات على أنها جديدة راهنة، في إحدى المطبوعات المحلية الخاصة العائدة من التوقف، دون أن ينتبه أحد أو يلحظ أي فرق أو تطور - تخلف - ما.
وهي الثقافة ذاتها التي تقوي من شوكة رقابات مخزية، كتلك التي تعرقل توزيع صحف محلية خاصة بذريعة حماية البشرة الدينية الحساسة لبعضهم من مواد "مسيئة"، رغم أن المواد ذاتها مصرح بتداولها من قبل رقابات أخرى، لا بل وتنشرها صحف حكومية تلتزم الصراط. *(18)

ولكن هل كان السيد الوزير السابق يدري حقا بحال ثقافة البلد؟ أليس هو من اعترف في وقت من الأوقات كانت فيه دمشق عاصمة الثقافة المتوجة -كما أشيع عنها- بأنه ووزارته العتيدة لا يعلمان شيئاً عن دورهما فيها، وأنه شخصيا غير دار بما يدور في أروقتها والكواليس؟
هل كان السيد نعسان آغا يصغي حقا أو يلقي أي بال لتصريحات تأتي ممن هو أعلى شأنا منه في صالح العلمانية في البلد، وربما من وزراء مثله أيضا، أم أنه كان أكثر انشغالا برفع الدعاوى على منتقديه-الراغب بعضهم بالمصالحة بالمناسبة- وباللقاءات الصحفية التي يمكنه من خلالها الترويج لانجازاته الافتراضية وعلى رأسها ذلك الشيئ الأثير، بل الأثيري المدعو "حوار". ودائما لحساب تصريحات لا يفخر كثيرون من زملاءه سوريين وعربا بتردادها اليوم، من قبيل "لم يجلب لنا الحداثيون غير الإلحاد". *(19)
كان الوزير السابق ليحسن صنعا حقا لو أنه أخذ التنوع الحضاري السوري بعين الاعتبار، ووسع "ترسانته" الدفاعية الثقافية شيئا ما. إذ لم يعد كافيا اليوم الركون اليقيني النهائي إلى مقولات من نمط "الولايات المتحدة تقود العالم عبر قواعدها العسكرية بينما دمشق قادت رسالتها الحضارية"، والتي يعرفها –الرسالة- بأنها "والرسالة معروفة بكل العالم، وهي رسالة القرآن الكريم وهذه ميزة مهمة". *(20)


11-
أليس مؤسفا أن يتحمس سيادته ويظـّهر توقه الشديد لإقامة مآدب الحوار، نظريا على الأقل، ولا يكون المدعوون الأوّل سوى جماعة "الإخوان المسلمين". وهو من قال بالفم الملآن حينها "أتمنى أن يكون لي شرف المساهمة في حوار مع الإخوان"، وهو "حماس" لـ"شرف" لم نعهده في دعوات أخرى له. *(21)

هل من الممكن أن تكون هذه هي حصيلة حوار "أكثر من ‏500‏ شخصية أدبية وإبداعية في الوطن العربي‏" أيام عمله الإعلامي، بحسب ما يقول عن نفسه، متناسيا أن وزارة الثقافة اليوم ليست كالتلفزيون السوري في بداياته، عندما كان سيادته مسؤولا عن قناة واحدة يتيمة، لا مناص للسوري منها، من العلم إلى العلم.


12-
ولعلنا بعد مطالعة كل تلك الشواهد أقرب الآن للاقتناع بحجة الوزراة في إلغاء "مؤتمر العلمانية" في دمشق. نعم، ثمة خلل في أجهزة الصوت العلماني التابعة لوزراة الثقافة السورية بكل تأكيد.

بل لعل المشكلة نابعة من التباس لدى السيد نعسان آغا في الفرق بين كونه وزيرا مسلما للثقافة -وهو مالا ينازعه فيه أحد- وبين كونه وزيرا لثقافة مسلمين بعينهم. وهو أمر لا يمكن أن يستقيم في بلد مثل سورية، والتي أحصى أحد الباحثين فيها ما يزيد عن 40 ثقافة محلية أصيلة، و"أصولية" بالمعنى الإيجابي الذي يحلو للسيد الوزير تعريف الأصولية به.

ولا مكان هنا، لادعاءات إطلاقية لا ضابط لها، ولا عقال. إذ وبعد سفسطة مكرورة حول فتح العين أو كسرها علمانيا، وربط أحدهما ثانية بالإلحاد، يختتم السيد الوزير إحدى مقالاته بالقول: "... وبين الفلسفات التي رفضت حضور الدين حتى في النفوس، فانهارت تلك الفلسفات القمعية، وبقي ما في النفوس راسخاً وسيبقى". *(22)

وإن صح قول الوزير "الذين يطالبون بأن توزع عشرة ملايين نسخة من رواية ناجحة مع الخبز فهذا «فنطاستك» فيه الكثير من التوهّم"، فهل يكون من "التوهم" أيضا والـ"فنطاستيكية" أن نحلم بسرافيس وتكاسي خالية من جحيم الوعـّاظ الأغرار ورؤوس ثعابينهم وأجنحة ذبابهم الشافي؟ ومن هؤلاء وأشياخهم من سبق له أن سجد ثلاثا شكرا لربه على هزائمنا "العربية"، ومنهم الآخر من يرفض اليوم أداء التحية للعلم الوطني. *(23)


13-
لا يطمح أحد في سورية اليوم، ولا يمني نفسه العلمانية الأمارة بالسوء، بتبشير "علمانوي" لاسلكي من نموذج ما يصلنا اليوم عبر احتكارات شركات الهواتف النقالة، والتي اكتشفت على ما يبدو منجما "مباركا" جديدا للذهب، من قبيل إعلان "إحصل على دعاء الرزق الخاص باسمك، أرسل إسمك إلى 1866". ولا نتوقع أن تصبح -وحال الثقافة على ما هو عليه- أي من "إم تي إن" أو"سيرياتل" "سبونسر" للثقافة العلمانية في البلد.

لكن حيفا وظلما كبيرا سيلحق بالسوريين إن تمكن أشخاص مثل البوطي وحبش والنابلسي وسالم ومن هو من طينتهم -بطريقة أو بأخرى- من تسلم دفة الحياة الثقافية الوطنية في سوريا. *(24)

كيف لا، وهذا الأخير –سالم- لم يتورع عن تخصيص كتب دينية دعوية إسلامية كجائزة لإحدى مسابقات الأطفال الثقافية، حتى عندما كان الفائزون أطفالا لآباء غير مسلمين. علما أن دار النشر التي يديرها لا تهتم من قريب أو بعيد بالملل والثقافات السورية الأخرى، ولا يعنيها من التنوع الثقافي الروحي في البلاد إلا "روحها" والسلام.


14-
وكما أن "برامج الحياة في سورية" لن تتوقف لحين صدور أحكام بحق مثقفين في السجون، حيث "الآن يتحدّث بعض الذي يكره أمتنا العربية عن نقص الحرية في التعبير"، علاوة على أن "المثقف ليس معصوما، العصمة للنبي وحده" وفق تعبيرين للسيد الوزير السابق، فإن برامج الحياة نفسها لن تتوقف أيضا وإن طال عمر السيد نعسان آغا داخل قميص الوزير أو مناصب أخرى مع سياسته الثقافية الراهنة. على أمل ألا تتحول وزارة الثقافة إلى "معتقل" للمثقفين المخالفين رأي الوزير ومسلماته. *(25) أو يضطر هؤلاء إلى كتابة وصاياهم وهم أحياء *(26)

لم يكن خبرا (عاطلا) أن نسمع ان رياض نعسان آغا قد تخفف من أعباء منصبه الحكومي الأخير، كي يعود إلى أوراق المنصب الذي عينه فيه الله كما قال "عينني الله سبحانه وتعالى كاتباً منذ أن بدأتُ أخربشُ على صفحات ورقة بيضاء".

نعم، إن الوزير السابق، مجرد وزير واحد، لحقيبة واحدة، صادف أنها تحمل اسم "ثقافة"، لكنه أيضا يتحمل مسؤولية ما كان يجري في عهده وهو القائل "لا أصدر قرارا خلاف رأيي إطلاقا".

ونعم، إن مقالا كهذا قد لا يكفي مردوده المادي كاتب سطوره أو غيره من الصحفيين لشراء فردة حذاء واحدة، لكن هذا ليس مسوغا لنا لترك –كما فعل الوزير- نقد الاعوجاج والانحراف الذي نراه كل يوم. *(27) إنه مما يثلج الصدر أن يكون فعلا "فساد وزارة الثقافة دون العشرة آلاف ليرة سورية"، *(28) لكن من قال أن معيار الفساد في الثقافة مقصور على المالي المحض؟

جلّ ما نرومه في يومنا السوري الثقافي الطويل هذا، هو أن نتيح الفرصة أمام طلابنا السوريين في أحد المعاهد الرسمية ليتمكنوا من الإجابة بوعي وصدق عن سؤال وجهته لهم مؤخرا وزراة التعليم العالي، زميلة وزارة الثقافة في الحكومة ذاتها، وذلك ضمن الموسم الامتحاني الجارف -وليس في اختبار قبول جامعي خارجي مثلا- حول ما يعرفونه عن "الديموقراطية" و"العلمانية"، ولئن كان من المتوقع أن تتعذر أو تتعثر إجابات الطلبة بشكل دقيق وواف عن كلا المصطلحين معا، فدعوا لهم ان يجيبو بصدق عن أحدهما على الأقل، وهذا أضعف إيمان الثقافة، ولا يضعف في شيء من ثقافة الإيمان.


الثقافة السورية بين الواقعية الغيبية والفانطاستيكية العلمانية (1)

...................................
هوامش

*(14)- يتفق معه رئيس اتحاد الكتَّاب العرب في سوريا حسين جمعة، والذي أعطى رأيه بجائزة "نجيب محفوظ" التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة، والتي تدرس ضمن مناهجها رواية "الخبز الحافي" للروائي المغربي الراحل "محمد شكري"، وقد وصف جمعة الرواية بأنها "منحرفة" و"شاذة". ناهيك عن نعته بعض الكاتبات السوريات بأنهن سرن "على الطريق ذاته"، وذلك "أملاً في الشهرة والمال" على حد زعمه.

 *(15)- سبق للمذكور اتهام الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس بأنه سارق!

 *(16)- راجع ما كتب الأول في بعض الصحفيين السوريين، وما نشرت الثانية في بعض الكتـّاب السوريين.

 *(17)- جريدة "البعث".

 *(18)- راجع "صحيفة سورية تتهم مديرية الإعلام المحلي بتعمد تأخير توزيعها ومنع أعدادها" – كلنا شركاء

 *(19)- هامش سابق، راجع "ارتجالات مزمنة في راهن الثقافة السورية".

 *(20)- تصريح صحفي لوزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا.

*(21)- وهو المعجب ببعض آراء شيخ قناة "الجزيرة" يوسف القرضاوي. راجع كتابات الوزير في صحافة الخليج.

*(22)- مجلة "المعرفة". علما أن قضايا الإيمان والكفر والإلحاد وما إلى ذلك، ليست من شأن الوزير ووزارته، ولا يوجد لها بحسب علمنا اعتمادات من رئاسة مجلس الوزراء لينفق السيد الوزير جل وقته الحكومي وهو يناقشها.

*(23)- راجع ما قيل عن الشيخ الشعراوي في هذا السياق، وخبرا نقلته "بي بي سي" مؤخرا من الجزائر.

*(24)- رغم حق هؤلاء المحفوظ في إبداء آرائهم المحافظة وممارسة عقائدهم.

*(25)- راجع مقابلة مع وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا في "كلنا شركاء".

 *(26)- راجع وصية الروائي السوري حنا مينة.

 *(27)- . يقول السيد نعسان آغا :"فغادرت المسرح وأتيت إلى النقد فاكتشفت أنني قادر على أن أكون ناقداً كبيراً وهذا ما شهد لي به أصدقائي بالسبعينيات لكنني اكتشفت أن الأجر الذي أتقاضاه من الجريدة على المقال الذي يكلفني شهر عمل لا يكفي لشراء فردة حذاء فتركته".

*(28)- تصريحات صحفية لوزير الثقافة السوري السابق رياض نعسان آغا.


2010-10-07

الثقافة السورية بين الواقعية الغيبية والفانطاستيكية العلمانية (1)

 Syrian Culture: Secularism In Hijab   






1-
لم يفاجئ قرار إلغاء الدورة الثانية من مؤتمر "العلمانية في المشرق العربي" كثيرين على ما يبدو، بعد أن سحبت وزارة الثقافة السورية بإدارتها القديمة في اللحظات الأخيرة موافقتها الرسمية والخطية بذريعة ركيكة هي "وجود خلل في أجهزة الصوت" لدى رئاسة جامعة دمشق، قبل أن تضطر الوزارة لاحقا للإفصاح عن السبب الحقيقي –بحسب عادتها الشهيرة بالاحتفاظ بأسباب أخرى سرية لقراراتها التعسفية- وهو أن موضوع العلمانية بالذات بات من محرمات الحوارات المفتوحة على الملأ، من باب الحرص على السكون الفكري، وصفاء بال بعض أصحاب العمائم التي تطمح "لفـّاتها" إلى الازدياد يوما بعد يوم. *(1)

 إذن، "ميجر فيلير" في أجهزة الصوت، و"سيستم خربان"، رغم باع الوزارة الطويل في التطبيل والتزمير *(2) الذي شرعنه الوزير السابق رياض نعسان آغا، لإقامة الليالي الملاح كرمى لعيون بعض محدثي النعمة في البلد، وإن على أطلال منزل رئيس وزراء سوريا الأسبق مثلا، قبل أن ينكفئ متراجعا عن قراره إثر الحملة التي شنت على ارتجاله الجديد حينها، وهو الساعي لإبراز "الأفراح" السطحية هذه، فرارا من مطارح أقل بهجة وأنسا كانت تحت إدارته، بحسب تعليق مدير آخر في وزارته وصف الساحة الثقافية المحلية بأنها "خاوية". *(3)

 2-
وتجد هذه الانتكاسة مؤشرا آخر لها في الرد المرير لرئيس اتحاد "بعض" الناشرين السوريين عدنان سالم *(4) على منتقدي تمدد بسطات الكتب الأصولية في ما سمي معرض "ربيع الكتاب" نيسان الماضي.

فرغم كل الفصاحة اللغوية –بفتح اللام- والسجع الباهت مدحا بنفسه ومعرضه؛ لم يتجرأ سالم -وشخص آخر تحته في الاتحاد المذكور- على أن ينكر الاتهام الأساس الذي وجه له، وهو قيام جماعة "المكتب التنفيذي" في الاتحاد إياه بتشكيل كوماندوس مطاوعة محلي في أحد معارض الكتاب الرسمية في سوريا، واقتحامهم أجنحة ناشرين آخرين ليصادروا منها كتبا "لا أخلاقية" بحسب تعريفهم القاصر لـ"الأخلاق"، ومخاطبتهم إدارة المكتبة الوطنية، التابعة لوزارة الثقافة، كي تعينهم على "إماطة أذى" مخالفيهم في الرأي والاتجاه.

 وهنا يجد المرء –آسفا- تقاطعات من نوع ما بين تطاولات "اتحاد الناشرين"، وإقرار وزير الثقافة السابق بأنه لا ينشر الكتب التي لا تدافع عن الإسلام ورؤيته هو للعيش المشترك، إذ يقول في إحدى مقابلاته "وقرارنا في نشر الكتب ينسجم مع هذه الرسالة، فإن جاء كتاب ضدها . لا ننشره باسمنا وإن نشر، فإننا نحاور صاحبه". *(5)
ما يثير سؤالا كبيرا عن صاحب القرار في قصر استراتيجات النشر الرسمية على هذا المستوى غير المقبول من الاعتبارات.

 3-
ومن "اتحاد الناشرين" إلى اجتهاد بحثي تاريخي آخر، استنبطه دون كثير عناء على ما يبدو -كحال مفارقات بعض الاكتشافات العظيمة- الشيخ البرلماني محمد حبش، والذي دعا في 17 نيسان، عيد الاستقلال الأخير إلى ضم عدد من "الصحابة" وقادة الجيوش المسلمين الذين عاشوا قبل بضعة عشر قرنا إلى قائمة أبطال "الجلاء السوري".

 وإذ يستعرض حبش الاحتلالات المجوسية والنصرانية والوثنية (فرساًً، وروماً، وسواهم)، نراه يقفز على قدم واحدة في صحيفة "تشرين" الحكومية -التي ندفع من جيوبنا أجر استكتابه وغيره فيها- فوق احتلال "الخلافة" العثمانية، باعتبار أن حبش لا يجرؤ على الحديث –وإن المعتدل بحسب وصف تياره- عن الإخوة الأتراك هذه الأيام.
وذلك في انسجام "استقلالي" ملفت مع وصف السيد وزير الثقافة في مكان آخر حملات التبشير والتوسع الإسلامي ذاتها بـ"جيوش التحرير". *(6)

4-
ويبدو وزير الثقافة السابق أكثر تركيزا – رغم أنه معروف بمواهبه الارتجالية المثيرة للإعجاب حقا- عندما يصل في إحدى المرات إلى مناطق معينة في حديثه، مثل "سارع مفكرونا إلى التغريب، وقدموا الحداثة لنا تقديما باهتا ورديئا"، متهما "رسل الحداثة" عندنا بأنهم نافحوا من أجل "إفهامنا أن القرآن الكريم جزء من التراث"، مستخلصا أن المطلوب منه –ودائما على لسان رواد الحداثة- هو ببساطة ... أن يلحد!

فلئن كان فهم وزير ثقافتنا للحداثة –وهو حر في رأيه- على هذا المنوال، فهل نعتب مؤخرا على الشيخ سعيد البوطي وهو يستنزل بفتوى متشنجة غضب السموات على أحد المسلسلات التي لم يشاهدها، أو وهو يطالعنا في صحيفة "الحياة" السعودية -بعد أن رفع عنها حظر وزارة الإعلام- مهاجما فكر طه حسين و"ظلاميته"؟*(7)

5-
ولا يقف الهجوم الإسلاموي المحلي على تنويرية مؤلفين أو مؤلفات عند حد "المعارضة" الكلامية، أو رشق التعاويذ على العدادت الالكترونية المستوردة من الصين، بل ينطلق لاويا عنق العلم "العدو- الصديق"، لنكحل الأنظار قريبا ربما بكتاب تنظر في شأنه اليوم "الرقابة" السورية، لمؤلف سوري أيضا يتحدث وبالعلم عن "ثبات الأرض ودوران الشمس حولها". *(8)

ومفحم "كوبرنيكوس" هذا، هو كابتن طيار سوري متقاعد، يقول بعضهم إن الله فتح عليه ما فتح، وألقى في روعه ما ألقى، في حين يقول آخرون إنه ليس سوى مجرد تلميذ "حفـّيظ" في أحد كتاتيب الشيخ السعودي ابن باز، الذي سبق له تكفير من يقول بدوران الأرض حول الشمس.

وكل هذا في الوقت الذي تسحب فيه وزارة الثقافة من الأسواق كتابا من نشرها تزعم أنه يهين
السوريين *(9) وتلغي اشتراك "دار الجمل" وتنبش رفوف "دار الساقي" وتصادر كتابا للمفكر السوري جورج طرابيشي *(10)، وهي ممارسات لا يبدو أن أحدا يشعر على الإطلاق بأي إهانة من أي نوع وهو يشهد فصولها المؤسفة، داخل بيئة سورية ثقافية باتت موئلا لتفريخ ورعاية أمثال مواهب الكابتن إياه.

على أن المثال السابق ذلك ليس حالة "بحثية-إمبريقية" معزولة على ما يبدو، إذ كان ثمة "عالم" سوري آخر رابض لنا في أحد زوايا "مركز ثقافي عربي" في قلب العاصمة دمشق.

ومن دون الدخول في سفسطة تبعية المراكز الثقافية التي بلغ عددها نصف الألف أو يكاد، يسأل المرء السيد نعسان آغا كيف عميت ألحاظ وزارته عن تلك المحاضرة التي ادعى صاحبها "الأكاديمي" الحصيف فيها أن "التمتمة"، و"الرقية"، و"تحريك اللسان" على رؤوس الفراريج قبل سلخها "يطهرها" من انفلونزا الطيور؟ لا أقل، وذلك في مثال آخر على نوع "التدجين" الثقافي الذي نجد أنفسنا على أعتابه اليوم، وبرعاية حكومية.

هل هذا هو ما يقتطع المواطن السوري من لقمته ويدفعه للوزارة -محلية كانت أم ثقافية- كي يحظى أمثال هؤلاء بمنبر وكروت دعوة وإضاءة ويافطات إعلانية و"بروجيكتور" ومدير جلسة وعدة صوت رسمية -غير معطلة كعدة رئاسة الجامعة- لتقديم عرض "بور بوينت" لمثل هذه الشعوذات المخزية؟ هل هذه هي "الخدمات الاجتماعية" للمراكز التي بشرنا بها الوزير السابق مرارا وتكرارا.

نعم، ثمة موجة جديدة – قديمة من شيوخ الحسبة تنتعش هذه الأيام في المشهد الثقافي السوري، لدرجة أن عطنها "الطاهر" طال مفتي سوريا نفسه، والذي لم ينج من محكمة تفتيشها، ولجنة الاستتابة فيها، المؤلفة من أولئك الراديكاليين الذين يحبون وصف أنفسهم بالعلماء والدكاترة. *(11)

6-
وإلا كيف نفسر أن تمنع وزارة الثقافة السورية في عهد الوزير السابق عرض أحد الأفلام التي سبق لوزارة الثقافة نفسها في التسعينات بأن سمحت به؟
ليس هذا فحسب، بل أن يتطاول أحد معاوني الوزير ويهدد القيمين على الحدث الثقافي بالسجن إن هم عرضوا ذلك الفيلم. *(12)

وسواء كانت حجة المنع هي وجود مشاهد عري بزعم الوزارة، ونفيها المستتر لاحقا، أو لأسباب أخرى في درج الوزير ومعاونه إياه؛ فإنهم مدينون لنا اليوم وكل يوم بتقديم المبررات التي لا تدخل في باب "التقيـّة" والتي يكسرون بموجبها موافقة نائب الرئيس نجاح العطار على الفيلم ذاته. لنتمكن على الأقل من مقارنة الرؤى الثقافية التي تسيـّر الوزارة اليوم، مع تلك التي تسيـّر الثقافة -اليوم أيضا- من منصب أرفع من ذلك المعاون وسيده.

علما أنها ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها مقص وزارة الثقافة في فيلم سينمائي بذرائع أخلاقية موهومة. فقد بررت الوزارة لنفسها تشويه فيلم افتتاح مهرجان دمشق السينمائي 2007، بعد قرار اعتباطي مشابه في حينه، يفيد بأن المشاهد التي جرى اقتطاعها "إباحية"، مع أن الوزارة نفسها "حفيت" وقتها لجلب الفيلم الروماني المشار إليه -أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان- بعد نيله سعفة مهرجان "كان"، لتتباهى بعرضه الأول في الشرق الأوسط "القديم".

وكل هذا في الوقت الذي كان يصر فيه السيد نعسان آغا على أنه يقدر "الإبداع" حق قدره، لا بل يشكو لإحدى الجرائد الرسمية "قلـّة النوم"، كونه لا يجد وقتا كافيا لممارسة "دور المبدع" إياه. ومدشنا في الوقت عينه بمواكبة المكتب الصحفي المطبـّل المزمـّر *(13) أحدث صالة عرض سينمائية في سورية.


.................................
هوامش

*(1)- كان من المفترض أن يشارك في المؤتمر الذي حمل عنوان "الدولة العلمانية ومسألة الدين" مفكرون من سوريا وتونس والعراق وفلسطين وتركيا والدنمارك وإيرلندا. وحاول المؤتمر الملغى مناقشة التجربة العلمانية التركية كنموذج، و"هل الدولة الدينية مطلب شعبي، والدولة العلمانية إلزام نخبوي؟"، و"مدى قبول الشعوب والمجتمعات المسلمة للمعيش العلماني"، و"حول إمكانية قيام علمانية إسلامية".

*(2)- بحسب تعليق أحد مدراء الآثار والمتاحف في الوزارة نفسها.

*(3)- تعليق لأحد معاوني الوزير أمام الصحافة في افتتاح مهرجان ثقافي محلي في دمشق.

*(4)- كان سالم زعم أن من لقاء صحفيا أجري معه لم يعطه الفرصة كاملة للرد، مع أن المذكور منح 20 دقيقة أصر خلالها على ترديد كليشيهات ببغائية مدائحية، وتفوهات لا تضيف شيئا للمادة الصحفية، متهربا من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالانشقاق في الاتحاد، وتهم الترويج للكتاب الإسلامي، وتقويض العلمانية في سوريا، وعدم شرعية المكتب التنفيذي وأهليته. راجع "خلافات الناشرين السوريين"-"كلنا شركاء".

*(5)-جريدة "بلدنا". فهل نعتب بعد اليوم مثلا على ممارسات أخرى من قبل شريحة معينة في البلد، نطق باسمها منذ بعض الوقت "ملاك" بعض مطابع العاصمة دمشق، الذين "عارضوا" طباعة كتيب يحوي لوحات تشكيلية للفنان السوري أسعد عرابي بذريعة تصويره رسوما عارية، تتنافى و"مكارم الأخلاق" التي نصبوا أنفسهم حماة الديار لها.

*(6)- مجلة "سوريانا". وسبق لحبش أن صام عن الإدلاء بتصريحات ذات طابع سياسي، إثر فضيحة إنكاره أنه تحدث عن محطات تجسس إيرانية في سوريا. وقد واجهت قناة "العربية" السعودية في حينها شيخنا بتسجيل له، تكذيبا لحبش في نفيه أنه قال ما قال.

*(7)- راجع مقال "ارتجالات مزمنة في راهن الثقافة السورية".

*(8)- هذه ليست على الإطلاق دعوة لمنع الكتاب، بل من الجيد أن يرى الناس الكتاب ليلمسوا إلى أي مدى يمكن لهؤلاء القوم أن يصلوا في دعاويهم و"علومهم"، مع الدعم الحكومي لهم في بعض المفاصل.

*(9)- انضم كتاب "سورية في رحلات روسية خلال القرن التاسع عشر" إلى القوائم السوداء للمؤلفات السورية الممنوعة، رغم أنه من منشورات وزارة الثقافة نفسها.
كما سبق أن منعت وزارة الإعلام السورية تداول كتاب "فلينزع الحجاب" للكاتبة الإيرانية شهداروت جافان، رغم حصوله على الموافقات الرسمية المطلوبة سوريا. وحرض وزير إعلام سابق على منع كتاب آخر من منشورات وزارة السياحة.
راجع "القاهرة تكتب، وبيروت تنشر، وبغداد تقرأ.. ودمشق تراقب"- "كلنا شركاء".

*(10)- راجع "بعد دار الجمل، إدارة معرض الكتاب تلغي اشتراك دار أطلس وتفتش جناح دار الساقي"-"كلنا شركاء".

*(11)- بدأت القصة إثر اجتماع مفتي سوريا إلى وفد طلاب أميريكيين بإشراف بروفيسور وحاخام يهودي أمريكي مناصر للسلام، ونسب إلى المفتي ما مفاده "لو أنّ النبي محمد أمرني بالكفر بالمسيح أو بموسى لكفرت بمحمد"، و"لو أنه –أي محمد- أمرني بالقتل بغير حقّ لقلت له أنت لست نبيا".

*(12)- راجع "وزارة الثقافة تمنع عرض فيلم جديد، وتهدد مثقفين بالسجن" –"كلنا شركاء".

*(13)- تصريح للمعاون السابق لوزير الإعلام. راجع "قوانين الإعلام تشبه قوانين معامل البصل والكونسروة" - "كلنا شركاء"

2010-10-05

بمبادرة شبابية مدنية ..مكتبة سورية في الجولان المحتل

Occupied Syrian Golan Heights: Reading is Freedom







أعلنت مجموعة من الشباب السوريين في الجولان المحتل عن مبادرة أهلية لتأسيس مكتبة عامة تحمل اسم روائي سوري هو "حنا مينة"، وذلك بهدف تلبية "حاجات المجتمع الجولاني السوري الثقافية" تحت الاحتلال.

وقال حسام عباس السوري الجولاني إن الهدف من المبادرة لتأسيس مكتبة عامة في "بقعاثا" إحدى قرى الجولان السوري المحتل هو "الحاجة الملحة لخلق نواة ثقافية حقيقة خالية من الشوائب"، مع التأكيد على أن "الكتاب هو أهم نقطة للبداية في هكذا طريق لتحقيق الهدف المرجو".

وأضاف عباس الذي يعمل كمتدرب في الحقوق في مدينة القدس المحتلة "نحن نعيش حالة تدهور على الصعيد الثقافي، والمشروع هو عباره عن خلق بيت أو ملاذ لكل من يهتم بتطوير الحالة الثقافية في الجولان المحتل، سواء كان ذلك على مستوى فردي أو على مستوى المجتمع ككل".

ويشكو سكان الجولان المحتل من تعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلية إهمال إقامة أية مشاريع ثقافية محلية عموماً، أومكتبات على وجه الخصوص، وذلك منذ قرار "الكنيست" الإسرائيلي ضم الأراضي السورية المحتلة في الجولان في الرابع عشر من كانون أول عام1981.

أما عن سبب اختيار الأديب السوري "حنا مينة" لإطلاق اسمه على المكتبة المزمع إنشاؤها، فيقول حسام عباس " إن مجموعة الشباب الجولاني صاحب هذه المبادرة كانوا على ثقة بأن "إطلاق اسم كاتب عربي على المشروع تتجاوز اسم الكاتب السوري باعتبارها سعيا وراء تكريم كل الكتاب والأدباء العرب"، مضيفا:"لقد تعودنا في عالمنا العربي تكريم الكاتب بعد وفاته، وهذا أمر مزعج وقاس، لهذا فنحن ندعو بطول العمر لكاتبنا الكبير (حنا مينا) الذي تربينا على قراءة رواياته" .

وعن النقطة التي وصل إليها منظمو مشروع المكتبة حاليا، قال عباس إنه تم جمع حوالي "ثلاثة آلاف كتاب" حتى الآن، وإن المجموعة بصدد "جمع أكبر عدد من الكتب الثقافية، وذلك من خلال التبرعات العامة من أهل الجولان وأصدقائهم من فلسطين"، وأضاف:"من هذا المنطلق، نتوجه إلى كل صاحب هم ثقافي، وطني واجتماعي، بالمساهمة الممكنة لدعم هذا المشروع الحضاري"، وزاد "ولكن لِمَ الاقتصار على الأرض المحتلة؟ لم لا يشارك الناشرون السوريون والعرب مثلاً في دعم هذه المكتبة بإرسال بعض منشوراتهم؟".

ولقيت هذه المبادرة من الشباب السوريين في الجولان المحتل تجاوبا سريعا من إحدى منظمات المجتمع المدني السورية المعنية مباشرة بالكتاب، وهي "رابطة أصدقاء الكتاب"، وذلك منذ ما يربو على الثلاثة أشهر.

وقال الناشر والكاتب لؤي حسين رئيس "الرابطة" " إن سبب اهتمام الرابطة بالمشروع الجولاني هو قدرته على "تأكيد مقدرة السوريين على التواصل والتعاون الأهلي البعيد عن السياسة أو المكاسب الحزبية أو الحزبوية، بغض النظر عن أي حدود تفصل بينهم وتبعدهم عن بعضهم، ناهيك عن شعورنا بأن السوريين الذين يعيشون في ظل الاحتلال يحتاجون منا كل عون ومساعدة في شتى مجالات حياتهم. ونحن نرى أن أصدق اشكال العون هو ذلك الذي يقوم بين الأهالي وليس بين الجهات السياسية أو الحزبية".

وتعرف "رابطة أصدقاء الكتاب" نفسها بأنه جمعية أهلية تتكون من ناشرين وكتّاب ومترجمين سوريين -أو من في حكمهم-، تسعى إلى توسيع انتشار الكتاب والارتقاء به ووضعه بين يدي كل الناس.

وعن السبل التي ستسلكها "الرابطة" لمساعدة الشباب الجولاني في مشروعهم، يقول حسين إن "أصدقاء الكتاب" سيسعون كخطوة أولى لـ"تأمين كميات لا بأس بها من الكتب لتأسيس حتى أكثر من مكتبة واحدة في قرى الجولان المحتل، وترميم النواقص لاحقاً".

وكشف حسين أن الرابطة ستعلن قريبا عن مكان استلام الكتب من المتبرعين بها، كما ستخصص رقم هاتف للراغبين بطرح أي استفسارات حول الموضوع.

وبادر حسين من طرفه إلى دعوة مجموعة الشبان الجولانيين ليكونوا فرعا للرابطة في الجولان المحتل، وهو أمر يرى حسين أنه "سيمكننا مستقبلا من إيجاد أشكال أخرى من التعاون الثقافي الذي يتمحور دوما على فكرة الكتاب، فضلا عن خلق نموذج للتعاون والتشبيك الثقافي الأهلي البحت".

من جهته يؤكد الناطق باسم أصحاب مبادرة مكتبة "حنا مينة" في "بقعاثا" حسام عباس أنه "من المهم التذكير بأن المبادرين يسعون لتطوير أنفسهم ثقافياً من خلال العمل الميداني، إضافة إلى الكثير من الأهداف غير المباشرة والتي ستنضج مع العمل، من ضمنها روح المبادرة والتنظيم الشبابي، وخلق مساحات للحوار والنقاش وطرح الأفكار، علاوة على توثيق العلاقة بين أبناء الجولان نفسه".

وطالبت أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مؤخرا إسرائيل بالامتثال للقرارات المتعلقة بالجولان السوري المحتل، وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي رقم497 الذي يعتبر قرار دولة الاحتلال بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري المحتل لاغياً وباطلاً وفاقدا لأي أثر قانوني دولي.

وكان لسكان الجولان السورين الفضل الأكبر في جعل قرار إسرائيل حبرا على ورق، من خلال رفضهم لعقود حمل الجنسية الإسرائيلية، أو تنفيذ الأحكام الإدارية الإسرائيلية كانتخابات المجالس المحلية، علاوة على رفض التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال، وصولا إلى عزل العملاء وأصحاب الجنسيات -رغم قلة عددهم- عن المجتمع المحلي. كما نفذ المواطنون السوريون في المحتل إضرابا عاما ومفتوحا أوائل العام 1982 استمر 6 أشهر.

2010-09-22

بدون "عدّاد" ولا "دركسيون" ..الإعلام السوري في "تكسي" الدراماجاتية

Syrian drama VS Syrian media




متقمصا –وهو الممثل- شخصية الخبير الرزين العارف ببواطن الأمور، يسند الفنان السوري سامر المصري رأسه إلى الوراء مائلا في جلسته ذات اليمين وهو يحك أذنه بإبهامه وسبابته، قبل أن يطلق حكمه على شاشة قناة "الدنيا" في حال ومآل الصحافة السورية، واصفا أداءها بـ"المتفاوت"، وقائلا إن "الدراميين" في وضع "حركة" فيما الإعلام السوري في "سكون" و"حالة عطالة".

ولم يتحفنا هذا المحلل الإعلامي المستجد -رغم أنه لم يتوقف لحظة عن الكلام طوال فترة البرنامج- بأسباب ومسببات هذه العطالة وذاك السكون الذي يحكم الأداء الإعلامي السوري، ما يجعله عاجزا عن قيادة "مشروع وطني" بحسب تعبير المخرج الجالس بقربه هو الآخر .

وقد ينتظر المواطن السوري المتفائل من المصري الذي يدعي تمثيله في أعماله في هذا المقام مثلا أن يحدثنا عن حرية الصحافة وضمان حق التعبير عن الرأي، أو يعرب لنا عن تعاطفه "الدرامي" مع بعض الصحفيين والمدونين الذين كانوا وراء القضبان، أو قبل ذلك في فلاش باك وهم يجرجرون إلى المحاكم ويطردون من أعمالهم –كإصابة عمل بحسب سخرية الفنان أيمن رضا لاحقا-، أو ربما أن يطالعنا بقراءة نقدية لسيناريو مسودة قانون النشر الالكتروني والتواصل على الشبكة الذي يهدف إلى القضاء على البقية الباقية من الأصوات الإعلامية والصحفية اللائذة بالفضاء الافتراضي هربا من الواقع المفروض، أو أن ينبري للتعريض بسينوغرافيا شتائم المسؤولين السوريين -بمستوى وزير- لرؤساء تحرير بعض المطبوعات السورية على الملأ، أو من باب أولى أن يطالب بفك أسر "الفيس بوك" و"اليوتيوب" المحجوبين رقابيا وفاء من طرفه ربما لتلك الصفحات و"اللينكات" التي أفردها شباب سوريون معجبون بطريقة ميلودرامية بمواويله وقفشاته، ولكن أنى له هذه المعرفة، أو تلك القراءة إن كان يقرأ أصلا.*

على العكس من ذلك يتهور المصري في استنتاجاته، ناعتا منتقدي عمله –أبو جانتي ملك التكسي- من الإعلاميين بكلمات أكبر منه، فهم إما "حاقدون" أو "مأجورون"، ما يعيد للأذهان أصداء تلك اللهجة المثيرة للاستهجان والتي درج كثير منا على سماعها من أفواه مسؤولين وغير مسؤولين كلما سارت رياح الإعلام بغير ما تشتهي سفن مسيراتهم المظفرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا –ومؤخرا- دراميا.

بل لعل سامر المصري هنا لم يكن -من حيث درى أو لم يدر- سوى ببغاء أعاد بمفردات أخرى تكرار ما سمعه ربما من "رئيسه" السابق في نقابة الفنانين السوريين صباح عبيد والذي ساوى في إحدى تصريحاته "الغضنفرية" المهينة له دون غيره بين الصحافة وحذاءه، فنيا.

ويذهب الفنان المتفاخر بحجم جماهريته المتورمة إلى أبعد من ذلك في اتهام أحد الصحفيين بأنه "تم شراؤه" من قبل "أحد المنتجين" بـ"ثمن بخس" لقاء "تعيينه في لجنة تحكيم ما" ما دفع الصحفي أن يكتب ما كتب من انتقادات للعمل "خدمة لمن اشتراه" على حد زعم المصري، وطبعا دون أن يجرؤ فناننا على تسمية الصحفي، أو لجنة التحكيم تلك، أو الإتيان بالبراهين التي وقعت في طريقه "صدفة" مصداقا لدعواه.**

وكل هذا بالطبع بحضور إعلامية "الدنيا" المديرة للحوار، والتي ما كان منها قبل دعوتها المصري لـ"تطراية الجو" بإحدى موشحاته الأقل تنفيرا من حديثه "الناشف" مما يستشف من تعليقها، إلا أن كررت كليشيهات ما تحفظه من دروس "فتوة" الإعلام الرسمي حول "الصحافة الموضوعية" و"النقد البناء" و التعاطي "المنطقي"، والتي لا يفهم من مغزاها في سياق الحلقة سوى أن تكون مديحا غير مشروط لعبقرية المسلسل وفتوحه الدرامية، شاء من شاء، وأبى من أبى.

وهنا لا يسعنا إبداء عتب كبير على الإعلامية الشابة لعدم اعتراضها في برنامجها على التهجم المجاني للمصري ورفاقه على الإعلام، إذ ظهرت تلك الإعلامية بشكل يدعو للخجل أسيرة مؤسستها –مؤسسة بين قوسين- "تلفزيون الدنيا" الذي دأب في الفترة الأخيرة على ابتداع ممارسات ممجوجة لاتمت لـلإعلام بصلة، تبدأ بالفصل التعسفي للإعلاميين وتخفيض أجورهم، مرورا بإجبارهم على إمضاء أوراق فارغة يجري ملؤها لا حقا بالمهمات والرواتب، ولا تنتهي عند تخوينهم وتعليق الملصقات المهينة لهم والتي تلمح بصفاقة إلى اتهامهم بأنهم لصوص تجهيزات وكاميرات –رغم الإجراءات الأمنية المشددة في المحطة واعتمادها نظام البصمة الالكترونية-، ناهيك عن تحكم ممولي المحطة بأدائها المهني، وفرضهم كادرا إداريا قليل الكفاءة، إنما سميعا مطيعا للتوجيهات والأوامر، وهو المطلوب على ما يبدو في هذه الفترة.

لامندوحة عن القول إن الجسم الإعلامي السوري راهنا لا يخلو من الإعاقات والترهلات والمثالب الموضوعي منها والذاتي، وهو في ذلك انعكاس حقيقي لحال المجتمع الذي يعمل بين ظهرانيه، ولا يختلف في معاناته تلك عما يمكن لنا لمسه لمس اليد من عاهات الجسد الدرامي ذاته الذي جهد المصري في أسطرته وتصويره بكمال الآلهة، والذي برغم نواقصه ومشاكله كلها تتاح له في أيامنا هذه مساحات حراك أوسع نحاول جميعنا استثمارها إلى أقصاها.

الشيء الأكيد هنا أننا ما كنا لنضطر للاستماع إلى التعليقات الفوقية، والمحاضرة المتهافتة لسامر المصري فيما لو أن جميع صحفيينا التزموا صراطه المستقيم القائل بمدح المسلسل، أو على الأقل الامتناع عن انتقاده فيما يكتبون وينشرون ويبثون، والذي عبرت عنه إحدى ممثلات العمل صراحة بضرورة "التصفيق" لبعضنا على حد تعبيرها.

التصفيق المجاني أو الإجباري ربما في هذه الحالة، وهو ما عـُوّد عليه كثير منا طوال العقود الماضية، وثمة كثير من النكات المتداولة بين الناس تعريضا بمثل هذا النوع من الإعجاب الفيزيائي الإلزامي والبروباغاندي، علما أن تلك النكات تفوق في تأثيرها "الكوميدي" وبما تثيره وستثيره من ضحك عفوي كل الفهلوات التي أتى بها هذا المسلسل وغيره، من قبل و من بعد.

لم تسعفه "أبو السبع مرايا" هذه المرة أي منها على ما يبدو كي يرى فيها الانعكاس الفعلي لتنظيراته الباهتة، ورغم ما درج عليه العمل طوال حلقاته من تكريس المصري "ملكا" فقد فات ذلك الممثل الفذ مع الأسف الدخول في تفاصيل شخصيته قولا وفعلا، وإلا لكان انتبه –كما أي سائق تكسي مبتدئ- للتحذيرات المطرزة أمامه على مراياه السبع كلما نظر فيها، والتي تخبره بصراحة مرورية، علمية، واقعية، بناءة، أن "الأجسام الظاهرة أمامك أكبر من حجمها الطبيعي".

 ________________

* تشبه بعض تحليلات المصري الصحفجية بالمناسبة تحليلاته الاجتماعية الأخرى، عندما يعلن موقفه المعارض للعنف ضد النساء، إنما من باب تأويلي مفرط في سذاجته -كي لانقول سخافته- إذ يقول بأن "المرأة ما بيجوز تنضرب" لا لشيء سوى لأنها "مخلوق جميل رقيق"!

** وهذه دعوة للمصري للإتيان بأدلته على هذا الاتهام الخطير، والتي في حال تم التأكد من مصداقيتها فلن يتوانى أحد عن نشرها على الرأي العام، ولا حصانة لأحد في هذه الحال، وذلك بدلا من الغمز واللمز وتوجيه الاتهامات جزافا بطريقة شبه أمنية تدعو للغثيان، علاوة على تملق المصري لكتاب وصحفيين آخرين أتى على ذكرهم بالاسم، وربما كانوا أصدقاء شخصيين له، أو لعله أجرى حساباته فوجد نفسه أعجز من أن يتحمل جريرة زجهم في جماعة المغضوب عليهم.

2010-09-21

المعادلة الجديدة للشؤون الاجتماعية والعمل ..دمج الإعلام بالإعاقة = إعلام معاق!

Disability rights in Syria





تقرر السيدة (ز.ش) صاحبة الحل والعقد ورئيسة إحدى اللجان الرياضية في دورة الألعاب الاقليمية السابعة للأولمبياد الخاص وبناء على مزاج وانفعال شخصي يحمل في أثناءه تفصيلا "طائفيا" سخيفا إقصاء مدربة إحدى الفرق الرياضية (ن.ف) بعد أن قامت الأخيرة بالجزء الأعظم من العمل والجهد، فيما حصدت سيادة الرئيسة الثناء والتقدير، والنقود أيضا.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد لدى الرئيسة ذات الروح الرياضية والمناقبية العالية، بل وإمعانا في الكيدية تعمد السيدة غير المذكورة إلى طرد نجل المدربة السابقة من فريقـ(ـها) الرياضي، وبالتالي تحرمه عمدا ومن دون وجه حق أو ذريعة قانونية من المشاركة في الأولمبياد الخاص رغم كونه واحدا من ذوي الاحتياجات الخاصة المسجلين، زارعة في نفسه حسرة إلى حسرة، بعد أن كان التدريب الرياضي الذي يتلقاه يساعده أيما مساعدة على تجاوز جزء كبير من الاختلاف الذي يشعر به تجاه أقرانه، بشهادة خبراء. وكل هذا من خلال تلويحة واحدة من يد تلك السيدة المؤتمنة على هؤلاء الناس وأطفالهم، ومن دون أن يجدي تدخل من هو أعلى منها في الهرم التنظيمي لجعلها تعدل عن قرارها الارتجالي المخزي.

الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة عن مدى الإعداد والاستعداد لدى هذه الكوادر التي تدعي القدرة على إدارة مثل هذه المنظمات والمؤسسات والمناسبات، وعن نجاعة البنية التنظيمة والإدارية –الركيكية فيما يبدو- حين تصدر القرارت شفهية اعتباطية لا مبرر معها ولا مسوغات-، مع سؤال إضافي آخر عن مدى الشفافية المالية والمحاسبية عندما توزع الأموال والرواتب والمكافئات لأناس دون آخرين في ظروف ومغلفات بلا أي نوع من أنواع الفوترة، كأنها بقشيش عرس أو "كومسيون" سمسرة رخيصة.

ولدى مراجعتنا للمسؤولين الكبار عن الأولمبياد وفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمجلس الأعلى للإعاقة، وسواهم من ذوي الاحتياجات "العامة"، يفاجئ المرء بهم وقد أحجموا جميعهم ودفعة واحدة عن الرد على موبايلاتهم، ليس مقاطعة لشركتي الخليوي في البلاد تضامنا مع المحتجين على الأسعار المرتفعة والخدمات المتدنية لـ"إم تي إن" و"سيرياتل"، وإنما تهربا موصوفا من مواجهة نتائج تقصيرهم الإداري والأخلاقي، رغم أن بعضهم تم الترتيب المسبق معه لأخذ موعد، وآخر تم إرسال رسالة نصية له تطلعه على شخص المتصل، فيما آخرين تمت مراجعتهم شخصيا من قبل صاحبة العلاقة دون فائدة.

وهؤلاء الأساتذة المحترمون الغارقون في العمل والانتاج هم على التوالي: المدير الوطني للأولمبياد الخاص، ومدير الألعاب ورئيس اللجنة الفنية لدورة الألعاب الاقليمية السابعة للأولمبياد الخاص، ومديرة المبادرات في هيئة الأولمبياد الخاص، ورئيس المجلس الأعلى للإعاقة.

أما موظفو مكتب السيدة الوزيرة ديالا حاج عارف فلا يستحون من صرف صاحبة العلاقة لدى مراجعتها لهم، طالبين منها إخلاء الممر لأن جناب الوزيرة تريد أن تخرج من مكتبها!

كل هذا في ظل شعارات مرفوعة و"لوجويات" خفاقة تنادي الإعلاميين لمطالعة أكثر قربا لمطلبيات ذوي الاحتياجات الخاصة. بيد أن الرسالة التي يود هؤلاء القوم إيصالها لنا عبر خزعبلاتهم اللفظية عن تحريض الإعلام على مقاربة شؤون وشجون من يوصمون بـ"المعاقين" ليست فيما يستشف سوى حصيلة مؤسية لمعادلة مفادها: دمج الإعلام بالإعاقة = إعلام معاق!

هذا أو أن يقوم الصحفيون فقط بتغطية المناسبات والإنجازات والتنظيرات والتصفيقات، أوالتقاط الصور مع المسؤولين والمسؤولات، الأحياء منهم والأموات.

إنها نظرة قاصرة حقا تلك التي تدعي أن العمل بصمت هو ما هو مطلوب اليوم في هذا القطاع. وأصحاب هذه النظرية عاجزون عن أن يميزوا لنا الصمت من الضوضاء من حق الحصول على المعلومات. فهل سمع أحد منا في حياته عن جراح أو محاسب أو رئيس وردية في معمل يخفي تفاصيل عمله ودفاتره وتقاريره عن المرضى والمديرين وأصحاب الشأن بحجة أنه يرغب في العمل "بصمت"؟

إن ما قد ينتج عن هذه السياسة الإعـ(ـتـ)ـامية العرجاء ليس سوى ما شهدناه على أرض الواقع من ابتعاد ما يسمى بـ"المجلس الأعلى للإعاقة" عن أي دور في تنظيم أو متابعة أو مراقبة لهذه المناسبة التي يجري استثمارها إعلاميا على أكمل وجه من قبل بعضهم، وعدم اطـّلاع أو معرفة ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم أو ذويهم أو كثير من الخبراء في المجال على وجود مثل هذا "المجلس" الذي لا يزال أثره فيهم افتراضيا وغير محسوس.

إن القيمين على الأمور في وزارة "الشؤون الاجتماعية والعمل" لا يفهمون أنه إذا تم إنشاء لجنة أو مجلس هنا أو تنظيم أولمبياد وسباق هناك برعاية أو بدون رعاية من فوق أو من تحت فإن هذا لا يخولهم بأن يصبحوا الناطقين الحصريين باسم هذه الشريحة المغبونة حقوقها في مجتمعنا، أو يمنحهم الشرعية ليمسوا أصحاب الفتاوى الناجزة فيما يجب أو لا يجب نشره.

والحرى بهم العمل على خفض هذه الجدران والعوازل الغبية التي يحاولون ان يلفوا أنفسهم ومكاتبهم بها، أسوة ربما بما يفعلونه بأرصفة شوارع دمشق حاليا.

إن الصمت في هذه الحالة لن يكون برغم النوايا الحسنة التي قد توجد منثورة عشوائيا هنا أو هناك سوى ستار لسوء التخطيط والفساد –وهو ما نراه واضحا في مثال السيدة (ن.ف) أعلاه- أوالهروب من تقديم كشوف حسابات النجاح والإخفاق في أداء الاستدامة والتنمية المطلوبين بإلحاح في هذا القطاع، وهي أمور نتشارك مسؤولياتها جميعا دون شك.

2010-09-16

"إصرخ".. فيلم هولندي عن يوميات سوريين من "الجولان" المحتل

SHOUT".. Dutch movie about the Syrian Golan Heights"


 الـمعانـاة الإنسـانيـّة أولا، ومن ثم السياسـة








لم يعد "وادي الصراخ" الذي يفصل بين الأرض المحررة وتلك المحتلة من “الجولان” السوري اسما غريبا على الأسماع في الفترة الأخيرة. وباتت مكابدات الأهالي المنقطعين عن ذويهم خلف الأسلاك الشائكة وحقول الألغام ودوريات جيش الاحتلال "الإسرائيلي” تجد طريقها إلى وسائل الإعلام وشاشات التلفزة والسينما.

ومؤخرا، استوقفت آلام “الجولانيين” في غربتهم القسرية تلك والمبثوثة عبر الحناجر ومكبرات الصوت على ضفتي الوطن مخرجتين هولنديتين لمدة عام تقريبا في "الشرق الأوسط"، حيث وجدت كل من "سابين لوبه باكر"، و"استر غولد" نفسيهما تخوضان غمار مقاربة سينمائية تسجيلية لتلك المعاناة التي تعود إلى أربعة عقود، بميزة مستحقة هذه المرة، كونهما تمكنتا من دخول القرى السورية المحتلة، وتصوير مشاهد حية عن أحوال السوريين اليوم تحت الاحتلال. الأمر الذي يجهل كثير من السوريين تفاصيله، نظرا لاستحالة انتقال أي مخرج أو إعلامي سوري إلى الطرف المحتل في ظل حالة الحرب القائمة رسميا حتى الساعة بين الطرفين.

الفيلم الهولندي الذي لم يكن إلا ليحمل اسم "إصرخ" افتتح في أول عرض دولي له الدورة الثالثة لتظاهرة "أيام سينما الواقع – دوكس بوكس" في سورية العام الماضي، متناولا يوميات طلبة جولانيين تركوا أهلهم في قرية "مجدل شمس" المحتلة بعد بلوغهم الثامنة عشرة، ليلتحقوا بـ"جامعة دمشق" في الوطن الأم.


للحديث عن "إصرخ" الذي شهدت صالتا عرضه في العاصمة دمشق آذار الماضي  إقبالا جماهيريا عريضا، كان اللقاء التالي مع "سابين لوبه باكر"، إحدى مخرجتي الفيلم.


 بداية، لماذا تختار مخرجة أوروبية “الجولان” تحديدا موضوعا لفيلمها الأول؟

من المفترض أنه تكـّون لدي إجابة قصيرة وواضحة الآن، لكنني دائما أجد صعوبة في الرد على عن هذا السؤال لسبب ما.
لقد سبق لي وعشت في سورية، وأحببت هذا البلد، ورغبتي في عمل فيلم عن موضوع “الجولان” عائد لكون الموضوع مثيرا للاهتمام حقا باعتقادي. والإثارة تأتي في المقام الأول من أن المكان هنا بشكل عام يجبرك على اختبار مشاعرك حياله طوال الوقت، فهو تارة بالغ الجمال، وتارة مليء بمظاهر القبح. إنه يشعرك بالغضب أحيانا، وأحيانا اخرى يدفعك دفعا للمرح والضحك، تجد في بعض المواقف سهولة في التأقلم معه، فيما تستصعب ذلك في مواقف أخرى، وهو بكل تأكيد مختلف جدا عن العالم الذي قدمت منه أنا.


لذا فقد أحسست برغبة قوية في إنتاج عمل يعكس صورة هذا المكان في ذهني. وقد التقيت صدفة في أحد شوارع دمشق بطلاب جامعيين قالوا لي إنهم قادمون من مكان يدعى “الجولان”، وقد بدا لي مباشرة أن لديهم شيئا ما يميزيهم عن باقي الشباب السوريين المولودين في العاصمة على سبيل المثال. كانت لهجتهم مختلفة، وثيابهم مختلفة، وهم دائما مع بعضهم، ، ناهيك عن كونهم فضوليين تجاه ما يجري هنا في "دمشق" مقارنة بالمكان الذي قدموا منه. وبالنسبة لي فقد وقعت في حبهم مذ سمعت قصصهم لسبب أجهله. ربما لأنهم تماما في هذا الوضع الـ"مميز" والـ"غريب" نوعا ما.

ومن هؤلاء الطلبة بالذات سمعت لأول مرة عن "وادي الصراخ"، والحديث بواسطة المكبرات بين الأهل، وهي صورة مثيرة سينمائيا باعتقادي، ومنها بدأت بالبحث لأول مرة عن الموضوع وحوله.


يظهر الفيلم أهل طلاب جولانيين في الطرف المحتل وهم منهمكين -قبل سفر أولادهم إلى سورية- في نزع الملصقات "العبرية" عن بعض المواد الاستهلاكية، كون السلطات المحلية في سورية تمنع دخول البضائع "الإسرائيلية". إلى أي حد تعتقدين أن فيلم "أصرخ" قدم ملامح لم تكن معروفة لدى سوريين كثيرين عن الحياة في “الجولان” المحتل؟

أنا على دراية اليوم بعد احتكاكي بجولانيين عاشوا في دمشق لفترة طويلة جاوزت 3 سنوات، ومن خلال التجارب الشخصية لعدد من أولئك الطلاب؛ أن ثمة جهلا من قبل بعض السوريين بتفاصيل تتعلق بالحياة في “الجولان”. وقد رُويت لي قصة أحد سائقي التكسي في العاصمة الذي أخطأ في تحديد مكان قرية جولانية، ظانا أنها تقع قرب الحدود التركية !

وأنا آسفة لقول هذا، لكنه أمر طبيعي برأيي أن يخطئ بعض الناس في أي بلد في تحديد مواقع أماكن بعينها، وهذا لا ينتقص من كون الطلاب “الجولانيين” القادمين إلى دمشق فخورين إلى أبعد الحدود بكونهم سوريين، ما يدفعهم إلى الحرص على أن يكون مواطنوهم جميعا مطلعين قدر الإمكان على أدق تفاصيل حياتهم على الضفة الأخرى رغم انقضاء فترة طويلة لهم تحت ذلك الاحتلال جاوزت الأربعة عقود، وهي صورة ليست مطابقة دائما لما يملك الناس هنا من انطباعات عنها في أذهانهم.

من جانبي، سبق لي كذلك أن شاهدت بعض المقاربات السينمائية للموضوع، مثل الفيلم اللبناني"طيارة من ورق"، وفيلم أديب صفدي والذي أنجرعلى يد طلاب في الحقيقة، وهو يظهر دواخل الموضوع كذلك. إضافة إلى فيلم آخر سوري اسمه "المعبر"، وهذا الأخير يصور جزء فقط من الحكاية الكاملة، لأن لا أحد هنا في سورية بإمكانه أن يعبر عمليا إلى الطرف المقابل ويقدم القصة من جانبها الآخر.


سادت لفترة طويلة –ولازالت- نظرة قاصرة لدى بعضهم هنا حيال تناول مواضيع تتعلق بـ“الجولان” المحتل، وصلت حد تأثيم التعرض لتفاصيل الحياة الاعتيادية للجولانيين لحساب السياسي والخطابي المباشر، فأخذوا على فيلمك مثلا مشهد حفلة الوداع الصاخبة التي يقيمها الأصدقاء لشخصيات العمل عشية السفر إلى دمشق، كيف ترين الأمر من وجهة نظرك؟

بالنسبة لي كان شيئا سهلا أن أحاول تكريس الصورة النمطية عن الطلاب الجولانيين، ورغم أنه من المهم للفيلم أن تبقى الخلفية السياسية للموضوع ماثلة في الأذهان، لكننا لم نكن بحال من الأحوال بصدد عمل فيلم سياسي محض عن هذه القضية.

وغياب البعد السياسي المباشر كان سبب كثير من النقد الذي تلقيته بعد العرض الأول للفيلم في سورية خلال مهرجان "دوكس بوكس" هذا العام، حيث عاتبني الناس مثلا لعدم إبراز مظاهر الاحتلال كاملة على الطرف الآخر، وهذا أمر –الانتقاد- شيء أتفهمه جيدا، بيد أن هذه النقطة لم تكن المحور الأساس الذي بنينا عليه قصة فيلمنا أصلا، أنا وإستر. ولو أني انسقت أكثر وراء تجسيد هذا الجانب بالذات لبدا حينها أننا نصور فيلمين في فيلم واحد. وهذا باعتقادي الشخصي خطأ يجب تجنبه عندما يكون المرء بصدد عمل تسجيلي، ناهيك عن أنه كان سيقصيني على نحو ما عن الشخصيات التي اخترت تصويرها في فيلمي منذ البداية، بل الأصح القول: اخترت تصوير فيلمي من خلال عيون ورؤية تلك الشخصيات لما يجري حولها.

وأنا شخصيا ما كنت لأتجاهل أي تأثير للاحتلال "الإسرائيلي" على مسار حياة هذه الشخصيات طالما أنه مرتبط مباشرة بوجهة نظر تلك الشخصيات تحديدا، وهو الاعتبار الأوحد الذي نظم مسيرة الفيلم حتى النهاية.

وبالنسبة لي كمخرجة أجنبية قادمة من خارج هذه المنطقة من العالم فإن أفضل طريقة لرواية قصة “الجولان” و"الاحتلال" كانت من خلال هؤلاء الطلبة أنفسهم وليس عبر اتباع خط محض سياسي.


ما هي التحديات برأيك أمام فيلم كهذا عندما يعرض على جمهور أجنبي قد لايكون ملمـّا تماما بتفاصيل وحيثيات قضية حساسة كتلك التي يتعرض لها "إصرخ"؟

جوابا لهذا السؤال أعتقد أنني سأستبق الأمور بعض الشيء وأقول بأنني سأحب الجمهور هنا في دمشق أكثر من أي مكان آخر. فعندما يجلس الناس في السينما ويبدؤون بإصدار الأصوات والتصفيق، أو الاعتراض على بعض المواقف وصولا إلى الهدوء المطبق أحيانا قبل أن يبادروا إلى  إخراج المناديل والبكاء، متفاعلين مع مجريات الأحداث في الفيلم؛ فإن ذلك يشكل لي متعة لا توصف، وهذا امر قد لا أجده تماما مع جمهور أجنبي.

لكننا وضعنا في اعتبارنا بكل الأحوال ومنذ البداية، بأن الفيلم موجه لجمهور غربي أساسا، حيث يوجد من لا يعرف شيئا على الاطلاق عن قضية  هضبة “الجولان” والسوريين الذين يعيشون فيه تحت  الاحتلال منذ 43 سنة. كما لم يسبق لغالبية كبيرة في الغرب أن التقوا بأي سوريين طوال حياتهم، بل يكاد بعضهم لا يعرفون شيئا عن سورية نفسها، ما بالك بطلاب من مرتفعات “الجولان”  لا يستطيعون عبور الحدود سوى مرة واحدة في السنة لرؤية أهلهم الذين يرفضون رفضا قاطعا حمل الجنسية "الإسرائيلية"، حيث تمنع سلطات الاحتلال عبور ذويهم إلى البلد الأم.

ولهذا اعتقد بأنه يتوجب علينا أن نزود مشاهدينا الغربيين أولئك بالكثير من المعلومات والنصوص والخلفيات عن الوضع القائم في المنطقة، والذي تم تصوير الفيلم في إطاره.

بيد أن هناك تحد آخر برأيي ماثل أمام الفيلم، بالنظر إلى أنه كان هناك ثمة كثير من الأفلام التي أنتجت عن منطقة الشرق الأوسط مؤخرا، وخاصة في أوروبا، حيث بدأ بعض الناس يشعرون بالملل من مواضيع كهذه، قائلين: "لا، رجاء ليس الشرق الأوسط مجددا"، وهذا امر مؤسف برأيي، لأن الصراع الدائر في هذا الجزء من الأرض واحد من أطول الصراعات في التاريخ، وأنا معنية جدا بإيصال رسالة عن بعض ما يحدث هنا لبقية العالم رغم أي شيء.


هل تعتربين نفسك منحازة في فيلمك لأحد طرفي النزاع كما يتم التعبير أحيانا، وبالتالي هل تتوقعين أن يثير "إصرخ" مشاكل من نوع ما لدى عرضه في أوروبا لأسباب تتعلق بالتمويل أو التوجه السياسي للعمل؟

لا، لا اعتقد أننا (أنا وإستر) منحازتان في عملنا هذا لأي طرف، نحن فعلنا ما بوسعنا كي نترك زمام قيادة مسار الأحداث بيد شخصيات الفيلم نفسها التي رأيتموها على الشاشة، وما قمنا به عمليا هو مجرد أننا حملنا آلة التصوير وتبعناهم. ومن البديهي القول أن شخصيات الفيلم بطبيعة الحال ليست مناصرة لـ”إسرائيل”، فهم سوريون أولا وآخرا.

وأنا معنية هنا بالتأكيد أنه رغم صحة ما ورد من أن تمويل الفيلم جاء من مباشرة من الحكومة الهولندية، بيد أن رسميي الحكومة لم يكن لهم أي تأثير على خططنا في تصوير الفيلم من قريب أو بعيد، فكل الشروط المتعلقة بموضوع التمويل كانت محصورة بمدى جدّة الموضوع، ودرجة أهميته للجمهور المتلقي في العالم، إضافة لأهلية جهة الإخراج للعمل على القصة المطروحة.

وأذكرك هنا بأننا تجنبنا في "إصرخ" اللجوء إلى السرد السياسي المباشر. وأنا شخصيا آمل أن يسمح لفيلمي بأن يعرض في “إسرائيل” نفسها، كما أنني أنوي عرضه على أية حال في “الجولان” المحتل الصيف القادم، ربما في واحد من حقول التفاح المنتشرة هناك، أو خلال إحدى تلك الاحتفالات التي تجري هناك على الهضبة. ذلك أنني أشعر بواجب ومسؤولية أن أوفر فيلمي في تلك البقعة بالذات، إذ ليس من المنطقي أن تصور فيلما عن الناس هناك ثم تتأخر في عرضه عليهم، والتعرف على ردة فعلهم حياله.

..
رغم كل شيء، لا يبدو أن إصرار المخرجتين الهولنديتين على إقصاء السياسية "الفجة" برأيهما عن فيلم "إصرخ" قد آتى أكله تماما، أقله بالنظر إلى ما  رشح من ردة فعل الجمهور السوري الذي حضر العرض الأول للفيلم.

بل إن أحد أسئلة المخرجة لجدّ "عزت" -إحدى شخصيات الفيلم-  والأسير السابق في سجون الاحتلال؛ جرّ الأخير مباشرة لحديث معهود ومطروق مرارا عن قضية “الجولان” المحتل، مستخدما كلمات "كبيرة" وفق تعبير حفيده الشاب في مشهد آخر، لدرجة أن الجد نسي في خضم اندفاعه، أن يجيب عن السؤال الأساس الذي وجهته له"سابين لوبه باكر"، والمتعلق مباشرة برؤيته لمستقبل حفيده بالذات. وهي لمحة  قيـّض لها أن تجسد مفارقة يعيشها جيل الشباب السوري اليوم على ضفتي الوطن المستقل والمحتل، بين ما مضى وما هو قائم من جهة وما هو آت من جهة أخرى.


وما افتراق خياري الصديقين “الجولانيين”، "بيان" و"عزت"، في نهاية فيلم "إصرخ" بين البقاء في "دمشق" أو العودة إلى "مجدل شمس" تحت الاحتلال الإسرائيلي، سوى مظهر آخر لتلك المفارقة، والتي عبرت عنها "دون صراخ" هذه المرة جملة افتتح الفيلم بها على لسان والد "عزت" الذي قال بصوت أجش وبالمحكيـّة الجولانية :
 "40  سنة مش قلال، بيتغير كثير الإنسان فيها".


أ
جرى الحوار وصاغه عن الانكليزية
خالد الاختيار


2010-09-08

دراما سورية حلال ..إذا ملكتنا أيمانهم المتطاولة

! Syrian drama series.. Halal Halal




ليس الانكفاء التكتيكي لأحد مشايخ التشدد-المعتدل في سوريا مؤخرا عن إحدى فتاويه المثيرة للجدل تجاه مسلسل سوري يعرض حاليا سوى حلقة ممضة أخرى في مسلسل أكبر وأقل فنتازية تحبـّر مشاهد حلقاته المتصلة كل يوم بين ظهرانينا بحروف يعاف أو يتحاشى كثيرون مهمة وضع النقاط عليها.

وإذ يتعهد الشيخ السوري محمد سعيد رمضان البوطي بالتراجع مؤقتا عن تصوراته وتخيلاته حول مسلسل "ما ملكت أيمانكم"، منتظرا بحسب ادعائه نهاية عرض العمل لإعادة النظر فيه و"إصدار حكمه النهائي"، وكأنه محكمة جزائية أو دستورية متنقلة؛ يلاحظ المرء تلك التعليقات والردود المهلهلة التي واجه بها المدافعون عن حرية تعبير العمل الفني "الغضبة الإلهية" المزعومة إياها.

وسواء أكانت الهدنة التي اختارها البوطي آنيا عن قناعة أو تقية، طوعية اختيارية أم إجبارية قسرية تحت ضغط السلطات التي ذاع صيت علمانيتها مؤخرا فقط، فلا شيء "يبيح" للشيخ إياه توجيه سبابة التكفير المتشنجة يمنة ويسرة بهذه الطريقة حتى ولو شاهد المسلسل وشهد عليه، فرأيه الديني في النهاية له ولأتباعه، ولا يزيد أو ينقص في قيمة العمل الفني من شيء.

والمؤسي هنا أن مسؤولي قناة الدراما السورية المملوكة للحكومة لا يجرؤون أغلب الأحيان في مسعاهم لصد مثل هذه الموجات التكفيرية الإعلامية الممجوجة سوى على التلطي وراء لحى مشايخ آخرين في وزارة الأوقاف ودار الإفتاء السورية، مجرورين أمام الجمهور إلى ذلك الدرك الذي يحفره لهم رجال الدين في أمثال هذه الوقائع في السنوات الأخيرة، ليكبلوا أنفسهم بعمائم لا تخصهم، وفي ظنهم أنهم يحسنون صنعا عبر تلك التوفيقية-التلفيقية المهترءة بين أعمال درامية يفترض بها محاكاة العصر، وتصاوير وتأويلات منقوشة على حجارة ذاكرة تعود إلى الوراء مئات السنين.

وهنا مكمن الخوف من مثل هذه السجالات التي يثير غبارها العطن هؤلاء المشايخ المتفرغون، حيث حركة النقاش والحوار إن وجدت فهي بين فتوى تحلل وأخرى تحرم، ما يرسخ بفجاجة ثقافة المنع والحجب و"التنقيب"، في حين أن المطلوب هو نقلة واحدة خارج هذه البؤرة المضللة، وإلا سيكون الأمر برمته أقرب لذلك القرار الإداري الذي اتخذته وزارة التربية السورية بنقل مئات المنقبات من عهدتها إلى وزارة الإدارة المحلية، وكأنه بوادر تقسيم وزاري خطير وغير مسبوق للملاكات الحكومية بين أصولي سافر وعلماني منقب.

بل إن بعض الكتاب وصحفيين آخرين مولعين بإطلاق صفة "نقاد" دراميين على أنفسهم يصرون على إحالة هذا المشكل وسواه إلى مشايخ آخرين لتصويب التوجه "المنطقي" للأحداث،(1) منطلقين من سذاجة أن التاريخ تاريخ واحد ناجز صادق، لا تأويل ولا تحريف أو افتراءات متبادلة فيه بين هؤلاء القوم وأشياعهم وأولئك وأنصار جماعتهم مما لا ينبغي لسفاسفه أن تعني الكثير لمجتمع اليوم وناسه ومؤسساته، اللهم إلا المؤسسة العربية للإعلان –كما قال أحدهم ساخرا- والتي لا زالت أمثال هذه الدعايات -غير المجانية تماما- تفلت من فك جبايتها المفتوح عن آخره رغم فاعلية هذه الفتاوى في إثارة الفضول وإضفاء عنصر التشويق السمج أحيانا على الأعمال الفنية المخالفة في مثل هذه المواقف.

البوطي الذي نصب نفسه بصلافة في بيانه ذاك وصيا على البلاد، بل والشرق الأوسط بأسره؛ لم يتورع عن إطلاق ألفاظ مقذعة وتحريضات تهويلية –المحق، الإجرام، الإحراق، الهلاك، المقت، الضرام- ما يمثل مشهدا دراميا لكاهن قروسطي يصب اللعنات في ليلة سوداء بحق العمل الفني وأصحابه، بل وعارضيه ومشاهديه حتى -من باب عاصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه- لتصل به العصبية حد وصف الأعمال الفنية المقدمة حاليا بأنها مكيدة من شياطين الإنس والجن يعكفون على تحضيرها وحبكها لبثها في هذه الوقت –رمضان- ما يعد بحسب القانون السوري افتراء وتحريضا، قانون ما فتئ الإعلاميون السوريون يجرجرون إلى المحاكم من قبل الفاسدين والمرتشين على أساسه.

نعم، بيسر وسلاسة ينتخب البوطي نفسه بالتزكية متحدثا باسم السوريين أجمعين، رغم أن قربه من كثير من هؤلاء المواطنين لا يتعدى كونه يأكل ويشرب من حر مالهم وهم دافعوا الضرائب المغبونون أبدا باعتباره مقدما لبرنامج ديني إسلامي يبثه التلفزيون السوري الرسمي، وبصفته الأكاديمية –بين قوسين- أستاذا محاضرا في جامعة دمشق.

بل إن فتواه احتجت حتى على اقتباس اسم العمل "وما ملكت أيمانكم"، رغم أن باقي النص المغفل الذي أخذ منه العنوان يشي بما هو أعظم "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، بما يروج له حتى اليوم من استباحة لحقوق المرأة في مجتمعنا حاضرا.
وبعد القوامة التسلطية على المرأة؛ من الطبيعي جدا أن يتسلل شيوخ الحسبة هؤلاء شيئا فشيئا في سوريا نحو "سياسة" القوامة على باقي فئات المجتمع التي تتمايز عنهم ثقافيا في جلها، وتمجهم كثير منها وجدانيا.

من المعيب أن يكون سعينا بحال من الأحوال في هذا البلد اليوم ينحو إلى استصدار دمغة "حلال" لا فن فيها على أعمالنا الدرامية، أسوة ربما بما قام به شيخان آخران هما السعودي سلمان العودة والمصري يوسف القرضاوي مع مسلسل "القعقاع" حيث زعم الأول أنهما أخضعا المسلسل لفحص لجنة "علمية" وخرجا بأن العمل الفني المذكور "قراءة تاريخية موثقة". ناهيك عن وجود توجيهات حكومية رسمية تضمن عرض أعمال فنية سورية تلفزيونية على وزارة الأوقاف قبل تصويرها.

والدراما الوحيدة التي قد ينفع البوطي توجيه بعض النقد لها ليست سوى خيالاته وشخوصه الماثلة في ذهنه عن معاشنا اليومي والتي يستمرء أن يظل لها عاكفا، رغم أن في نصوصه المقدسة ما يحذر من أخذ الأنباء من الفساق من دون التدقيق فيها. وبدلا عن أن يشتغل شغله كمدقق لبعض الأخطاء في قراءة نصوص المصحف باعتباره دارسا مختصا، اختار للأسف أن يمارس هواية غيره من مشايخ الإعلام الجديد في التكفير وإطلاق الفتاوى الفالتة من أي عقال.


واللافت في الأمر أن البوطي رد تهويلاته الإفتائية تلك إلى "تقرير" وصل إليه من "لجنة" يثق بها من دون أن يتحفنا بأسماء هؤلاء الجهابذة الذين أشاروا عليه بما أشاروا، ما يعيد للأذهان سيرة تلك اللجنة المتخلفة التي سبق واستتر ورائها مروجو المسودة القديمة لقانون الأحوال الشخصية السوري والذي أرادوه في حينها طائفيا مقيتا يرجع بالمجتمع المحلي القهقرى عشرات السنين نحو الظلام.

هو ذاته الشيخ الذي كتب منذ وقت قريب يصف فكر طه حسين بالظلامي على صفحات جريدة سعودية رفع حظر وزارة الإعلام السورية عنها مؤخرا، وهو ذاته الشيخ الذي فاخر في السنة الماضية وبملء فمه على إحدى القنوات السورية الفضائية الخاصة التي سحبت الوزارة نفسها ترخيصا لها بالعمل في دمشق بعلاقاته مع رأس هرم السلطة في البلاد في العقود الماضية، فظن اليوم أن سلطاته المتورمة هذه ستقيه من أي رد فعل كان، غير مكتف فيما يبدو بحوالي 80 قناة تبشيرية إسلامية تبث دراماها الخاصة فضائيا على مدار الساعة والوعي.
______________
(1) من دون أن ننسى أن مخرج العمل نفسه وبعض العاملين فيه اضطروا إلى رفع الصوت والتذكير بأن بعضا من أقاربهم النساء محجبات، وأنهم كثيرا ما نافحوا أنفسهم عن "رسالة الإسلام"، وأن المسلسل لا يتعارض مع القرآن والسنّة.