Syrian Ministry of Culture: like Secularism.. don`t like Secularism
9-
كثيرا ما كان يحلو لوزير الثقافة السوري السابق رياض نعسان آغا فرض تصوراته الأدبية الخاصة على غيره، من قبيل تصريحات منشورة له يعلن فيها عن هواه النقدي المتمثل بأن "ما يحتاجه الأدب هو الإيحاء وليس التصريح"، وهو ينظر بذات العين إلى أسلوب الكتابة المفترض به تناول الدين أو السياسة. *(14)
وربما من هذا المنطلق خرج علينا في تصريح - فتوى - آخر له قائلا أن يجب ألا "نقيم الدنيا من أجل موضوع الحجاب في الثقافة العربية"، لأنه موضوع "فـُرض منذ زمن طويل"!!
وإذ يفخر نعسان آغا بأعضاء قيادته الثقافية الذين أتى بهم والملتزمين صراطه المستقيم، نسمع اليوم عن مدرس يرفض تدريس "بريخت" لأنه يهودي وكافر، وآخر يفلتر نصا أدبيا مترجما، من المؤخرات والأحضان، حرصا على الأخلاق العامة وحياء شبيبتنا الطلاب القاصرين، وهذا ليس في محراب كلية الشريعة، أو بطريركية الروم، أو معهد الفتح، أو مجمع أبو النور، وإنما في قاعات "المعهد العالي للفنون المسرحية".
في تساوق لافت مع استمرار انتشار تخوينات المخالفين في الرأي في رقعة أخرى من البساط الثقافي السوري غير الأحمدي هذه الأيام، مثل تفوهات رئيس "اتحاد الكتاب العرب" في سوريا حسين جمعة ضد "بوكر" العربية، وجائزة "نجيب محفوظ" اللتين تشرف عليهما وفقا له "جهات صهيونية"*(15) حيث يلمس المرء استمراء واستدامة ثقافيين لـ"التخوين"، و"التعميل" اللذين سبق لعضو آخر في الاتحاد المذكور -حسن حميد- ومحررين "مقاومين" في صحيفة "الوطن" شبه الرسمية أن كان لهم قصب السبق في بعث هذ العادة المسفـّة
والقميئة من قبرها النتن. *(16)
10-
ما سبق كان بعضا من ملامح البيئة الثقافية التي فاخر السيد الوزير السابق بها مرارا وتكرارا، والتي وصلت وفقا له إلى "ذروتها"، حيث "العالم كله يهنئنا على الدور الثقافي الضخم"، على اعتبار أننا "الآن نعيش حراكاً ثقافياً غير مسبوق"،..كذا. *(17)
ثقافة كهذه هو ما يجعله ممكنا إعادة نشر "تحقيقات" صحفية ثقافية عمرها أكثر من 3 سنوات على أنها جديدة راهنة، في إحدى المطبوعات المحلية الخاصة العائدة من التوقف، دون أن ينتبه أحد أو يلحظ أي فرق أو تطور - تخلف - ما.
وهي الثقافة ذاتها التي تقوي من شوكة رقابات مخزية، كتلك التي تعرقل توزيع صحف محلية خاصة بذريعة حماية البشرة الدينية الحساسة لبعضهم من مواد "مسيئة"، رغم أن المواد ذاتها مصرح بتداولها من قبل رقابات أخرى، لا بل وتنشرها صحف حكومية تلتزم الصراط. *(18)
ولكن هل كان السيد الوزير السابق يدري حقا بحال ثقافة البلد؟ أليس هو من اعترف في وقت من الأوقات كانت فيه دمشق عاصمة الثقافة المتوجة -كما أشيع عنها- بأنه ووزارته العتيدة لا يعلمان شيئاً عن دورهما فيها، وأنه شخصيا غير دار بما يدور في أروقتها والكواليس؟
هل كان السيد نعسان آغا يصغي حقا أو يلقي أي بال لتصريحات تأتي ممن هو أعلى شأنا منه في صالح العلمانية في البلد، وربما من وزراء مثله أيضا، أم أنه كان أكثر انشغالا برفع الدعاوى على منتقديه-الراغب بعضهم بالمصالحة بالمناسبة- وباللقاءات الصحفية التي يمكنه من خلالها الترويج لانجازاته الافتراضية وعلى رأسها ذلك الشيئ الأثير، بل الأثيري المدعو "حوار". ودائما لحساب تصريحات لا يفخر كثيرون من زملاءه سوريين وعربا بتردادها اليوم، من قبيل "لم يجلب لنا الحداثيون غير الإلحاد". *(19)
كان الوزير السابق ليحسن صنعا حقا لو أنه أخذ التنوع الحضاري السوري بعين الاعتبار، ووسع "ترسانته" الدفاعية الثقافية شيئا ما. إذ لم يعد كافيا اليوم الركون اليقيني النهائي إلى مقولات من نمط "الولايات المتحدة تقود العالم عبر قواعدها العسكرية بينما دمشق قادت رسالتها الحضارية"، والتي يعرفها –الرسالة- بأنها "والرسالة معروفة بكل العالم، وهي رسالة القرآن الكريم وهذه ميزة مهمة". *(20)
11-
أليس مؤسفا أن يتحمس سيادته ويظـّهر توقه الشديد لإقامة مآدب الحوار، نظريا على الأقل، ولا يكون المدعوون الأوّل سوى جماعة "الإخوان المسلمين". وهو من قال بالفم الملآن حينها "أتمنى أن يكون لي شرف المساهمة في حوار مع الإخوان"، وهو "حماس" لـ"شرف" لم نعهده في دعوات أخرى له. *(21)
هل من الممكن أن تكون هذه هي حصيلة حوار "أكثر من 500 شخصية أدبية وإبداعية في الوطن العربي" أيام عمله الإعلامي، بحسب ما يقول عن نفسه، متناسيا أن وزارة الثقافة اليوم ليست كالتلفزيون السوري في بداياته، عندما كان سيادته مسؤولا عن قناة واحدة يتيمة، لا مناص للسوري منها، من العلم إلى العلم.
12-
ولعلنا بعد مطالعة كل تلك الشواهد أقرب الآن للاقتناع بحجة الوزراة في إلغاء "مؤتمر العلمانية" في دمشق. نعم، ثمة خلل في أجهزة الصوت العلماني التابعة لوزراة الثقافة السورية بكل تأكيد.
بل لعل المشكلة نابعة من التباس لدى السيد نعسان آغا في الفرق بين كونه وزيرا مسلما للثقافة -وهو مالا ينازعه فيه أحد- وبين كونه وزيرا لثقافة مسلمين بعينهم. وهو أمر لا يمكن أن يستقيم في بلد مثل سورية، والتي أحصى أحد الباحثين فيها ما يزيد عن 40 ثقافة محلية أصيلة، و"أصولية" بالمعنى الإيجابي الذي يحلو للسيد الوزير تعريف الأصولية به.
ولا مكان هنا، لادعاءات إطلاقية لا ضابط لها، ولا عقال. إذ وبعد سفسطة مكرورة حول فتح العين أو كسرها علمانيا، وربط أحدهما ثانية بالإلحاد، يختتم السيد الوزير إحدى مقالاته بالقول: "... وبين الفلسفات التي رفضت حضور الدين حتى في النفوس، فانهارت تلك الفلسفات القمعية، وبقي ما في النفوس راسخاً وسيبقى". *(22)
وإن صح قول الوزير "الذين يطالبون بأن توزع عشرة ملايين نسخة من رواية ناجحة مع الخبز فهذا «فنطاستك» فيه الكثير من التوهّم"، فهل يكون من "التوهم" أيضا والـ"فنطاستيكية" أن نحلم بسرافيس وتكاسي خالية من جحيم الوعـّاظ الأغرار ورؤوس ثعابينهم وأجنحة ذبابهم الشافي؟ ومن هؤلاء وأشياخهم من سبق له أن سجد ثلاثا شكرا لربه على هزائمنا "العربية"، ومنهم الآخر من يرفض اليوم أداء التحية للعلم الوطني. *(23)
13-
لا يطمح أحد في سورية اليوم، ولا يمني نفسه العلمانية الأمارة بالسوء، بتبشير "علمانوي" لاسلكي من نموذج ما يصلنا اليوم عبر احتكارات شركات الهواتف النقالة، والتي اكتشفت على ما يبدو منجما "مباركا" جديدا للذهب، من قبيل إعلان "إحصل على دعاء الرزق الخاص باسمك، أرسل إسمك إلى 1866". ولا نتوقع أن تصبح -وحال الثقافة على ما هو عليه- أي من "إم تي إن" أو"سيرياتل" "سبونسر" للثقافة العلمانية في البلد.
لكن حيفا وظلما كبيرا سيلحق بالسوريين إن تمكن أشخاص مثل البوطي وحبش والنابلسي وسالم ومن هو من طينتهم -بطريقة أو بأخرى- من تسلم دفة الحياة الثقافية الوطنية في سوريا. *(24)
كيف لا، وهذا الأخير –سالم- لم يتورع عن تخصيص كتب دينية دعوية إسلامية كجائزة لإحدى مسابقات الأطفال الثقافية، حتى عندما كان الفائزون أطفالا لآباء غير مسلمين. علما أن دار النشر التي يديرها لا تهتم من قريب أو بعيد بالملل والثقافات السورية الأخرى، ولا يعنيها من التنوع الثقافي الروحي في البلاد إلا "روحها" والسلام.
14-
وكما أن "برامج الحياة في سورية" لن تتوقف لحين صدور أحكام بحق مثقفين في السجون، حيث "الآن يتحدّث بعض الذي يكره أمتنا العربية عن نقص الحرية في التعبير"، علاوة على أن "المثقف ليس معصوما، العصمة للنبي وحده" وفق تعبيرين للسيد الوزير السابق، فإن برامج الحياة نفسها لن تتوقف أيضا وإن طال عمر السيد نعسان آغا داخل قميص الوزير أو مناصب أخرى مع سياسته الثقافية الراهنة. على أمل ألا تتحول وزارة الثقافة إلى "معتقل" للمثقفين المخالفين رأي الوزير ومسلماته. *(25) أو يضطر هؤلاء إلى كتابة وصاياهم وهم أحياء *(26)
لم يكن خبرا (عاطلا) أن نسمع ان رياض نعسان آغا قد تخفف من أعباء منصبه الحكومي الأخير، كي يعود إلى أوراق المنصب الذي عينه فيه الله كما قال "عينني الله سبحانه وتعالى كاتباً منذ أن بدأتُ أخربشُ على صفحات ورقة بيضاء".
نعم، إن الوزير السابق، مجرد وزير واحد، لحقيبة واحدة، صادف أنها تحمل اسم "ثقافة"، لكنه أيضا يتحمل مسؤولية ما كان يجري في عهده وهو القائل "لا أصدر قرارا خلاف رأيي إطلاقا".
ونعم، إن مقالا كهذا قد لا يكفي مردوده المادي كاتب سطوره أو غيره من الصحفيين لشراء فردة حذاء واحدة، لكن هذا ليس مسوغا لنا لترك –كما فعل الوزير- نقد الاعوجاج والانحراف الذي نراه كل يوم. *(27) إنه مما يثلج الصدر أن يكون فعلا "فساد وزارة الثقافة دون العشرة آلاف ليرة سورية"، *(28) لكن من قال أن معيار الفساد في الثقافة مقصور على المالي المحض؟
جلّ ما نرومه في يومنا السوري الثقافي الطويل هذا، هو أن نتيح الفرصة أمام طلابنا السوريين في أحد المعاهد الرسمية ليتمكنوا من الإجابة بوعي وصدق عن سؤال وجهته لهم مؤخرا وزراة التعليم العالي، زميلة وزارة الثقافة في الحكومة ذاتها، وذلك ضمن الموسم الامتحاني الجارف -وليس في اختبار قبول جامعي خارجي مثلا- حول ما يعرفونه عن "الديموقراطية" و"العلمانية"، ولئن كان من المتوقع أن تتعذر أو تتعثر إجابات الطلبة بشكل دقيق وواف عن كلا المصطلحين معا، فدعوا لهم ان يجيبو بصدق عن أحدهما على الأقل، وهذا أضعف إيمان الثقافة، ولا يضعف في شيء من ثقافة الإيمان.
الثقافة السورية بين الواقعية الغيبية والفانطاستيكية العلمانية (1)
...................................
هوامش
*(14)- يتفق معه رئيس اتحاد الكتَّاب العرب في سوريا حسين جمعة، والذي أعطى رأيه بجائزة "نجيب محفوظ" التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة، والتي تدرس ضمن مناهجها رواية "الخبز الحافي" للروائي المغربي الراحل "محمد شكري"، وقد وصف جمعة الرواية بأنها "منحرفة" و"شاذة". ناهيك عن نعته بعض الكاتبات السوريات بأنهن سرن "على الطريق ذاته"، وذلك "أملاً في الشهرة والمال" على حد زعمه.
*(15)- سبق للمذكور اتهام الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس بأنه سارق!
*(16)- راجع ما كتب الأول في بعض الصحفيين السوريين، وما نشرت الثانية في بعض الكتـّاب السوريين.
*(17)- جريدة "البعث".
*(18)- راجع "صحيفة سورية تتهم مديرية الإعلام المحلي بتعمد تأخير توزيعها ومنع أعدادها" – كلنا شركاء
*(19)- هامش سابق، راجع "ارتجالات مزمنة في راهن الثقافة السورية".
*(20)- تصريح صحفي لوزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا.
*(21)- وهو المعجب ببعض آراء شيخ قناة "الجزيرة" يوسف القرضاوي. راجع كتابات الوزير في صحافة الخليج.
*(22)- مجلة "المعرفة". علما أن قضايا الإيمان والكفر والإلحاد وما إلى ذلك، ليست من شأن الوزير ووزارته، ولا يوجد لها بحسب علمنا اعتمادات من رئاسة مجلس الوزراء لينفق السيد الوزير جل وقته الحكومي وهو يناقشها.
*(23)- راجع ما قيل عن الشيخ الشعراوي في هذا السياق، وخبرا نقلته "بي بي سي" مؤخرا من الجزائر.
*(24)- رغم حق هؤلاء المحفوظ في إبداء آرائهم المحافظة وممارسة عقائدهم.
*(25)- راجع مقابلة مع وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا في "كلنا شركاء".
*(26)- راجع وصية الروائي السوري حنا مينة.
*(27)- . يقول السيد نعسان آغا :"فغادرت المسرح وأتيت إلى النقد فاكتشفت أنني قادر على أن أكون ناقداً كبيراً وهذا ما شهد لي به أصدقائي بالسبعينيات لكنني اكتشفت أن الأجر الذي أتقاضاه من الجريدة على المقال الذي يكلفني شهر عمل لا يكفي لشراء فردة حذاء فتركته".
*(28)- تصريحات صحفية لوزير الثقافة السوري السابق رياض نعسان آغا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق