2010-08-08

ملفات الثقافة الجنسية في الإعلام السوري


كثير من اللف, قليل من الثقافة, ... ومن دون جنس





لطالما بدا الإعلام المحلي السوري في الفترة الأخيرة مفتونا بصيغة (فتح الملفات) والمجلدات والدفاتر, قديمها وحديثها, ما استطاع إلى ذلك سبيلا, وبشهية طيبة ربما, مقارنة بالفترة الماضية التي نال فيها الكبت والتضييق من أغلب عناوين السياسة والدين والجنس فيما يعني السوريين؛ حدا انقرضت فيه هذي الثيمات من التداول الاعلامي المحلي أو كادت.

ومن هنا, نجد أن هذا الإعلام كثيرا ما انساق مؤخرا -مغفورا له إلى حد ما- وراء غواية التطرق لمواضيع تحمل نكهة هذه التابويات وأثقالها, متسقطا لبلوغ مأربه غفلات الرقيب والعميد وسواهما, أكثر منه مستثمرا هامش ما يقال أنها حرية يمكن له أن يراهن عليها لإثبات استقلاليته المزعومة كإعلام خاص في طور تمييز نفسه عن التيار الرسمي شبه الجاف؛ إنما الجارف.

غير أن عددا لا يستهان به من أولئك الذين خاضوا إعلاميا في تلك الملفات إذ فتحت, سواء في المجلات والجرائد المطبوعة, أو البرامج التلفزيونية والإذاعية, وبطبيعة الحال المواقع الالكترونية السورية, انتهوا بطريقة أو بأخرى إلى التعلق في نهاية المطاف بـأستار (شرف المحاولة), بعد أن فجأ القوم قليل وتواضع ما وصلوا إليه في مادتهم النهائية, على الرغم من كل تلك الفتوح المانشيتية, والاستهلالات التعبوية في الافتتاحيات وبانرات الإعلان, متذرعين أحيانا أمام الأسئلة بضيق الوقت والكوادر عن استكمال العمل, وبأنهم (عائدون) لابد في جولات قادمة, ومتعللين أحايين أخرى بالداهم من متغيرات السياسة والاقتصاد, مستبدلين موضوعا بغيره, وملفا بآخر, وربما منساقين في النهاية –وخروجا من خلاف- لاعتبار أن لملفهم (ربا يحميه), وأن الأعمال إنما هي بالنوايا, وإن إلى حين.

وما تقدم يصلح بلا ريب, ودون تجن يذكر- لوصف حال العديد من تلك الملفات المفتوحة أبدا على مصراعيها في تناولات إعلامنا السوري, ولعل (ملف الثقافة الجنسية) يأتي في مقدمة تلك الملفات, متقدما على غيره في شؤون السياسة المرة, والاقتصاد الذي لا تهمد ناره, ويعتقد كثيرون أن ملف الجنس والثقافة الجنسية ودون مبالغة كبيرة هو صاحب الرصيد الأعلى في التداول الإعلامي على هذا الصعيد.

على أن ملفات الثقافة الجنسية في الإعلام السوري مطبوعة منذ زمن غير يسير بطابع يحمل في طياته مزيجا مرتجلا يجمع قلة الخبرة, إلى الكسل, ومحدودية الأفق, والاستسلام للنمط, من طرف المجتهدين الإعلاميين المحليين تجاه مقاربات من هذا النوع, أكثر منه توجسات رقابية, أو محاذير تحريرية, من دون أن نغفل بحال الكبت الجنسي نفسه موضوع البحث الأثير لدى هؤلاء الإعلاميين, والذي إن لم يعانوا منه كلهم ممارسة, فإن جلهم بالتأكيد ليس بمعصوم عن مفاعيله الاجتماعية والثقافية.

لدرجة أن الخارج عموما من معمعة تصفح ملفات من هذا النوع, بالكاد يحظى بأي جديد, سواء في حقل الفكرة أو الطرح, أو لجهة شكل الإخراج والتقديم.
وكل ما يمكن تحصيله عادة على هذا المستوى لا يتعدى قائمة موسوعية خطيرة من المفردات والاصطلاحات الطبية -لاتينية ومعربة- لعديد الأمراض الجنسية, أو ما بحكمها, والتي تبدوا أعراض بعضها أرحم من أسمائها, وهي تصور لنا وفق تلك الاستطلاعات والمداخلات كمفترس رابض لنا في جنبات وزوايا كل سرير أو خلوة.

فمن الحلأ التناسلي إلى الكلاميديا, ومن السيلان إلى الهربس, ومن الترايكومونس إلى رايتر, ومن الجرب إلى التهاب البروستاتا, مع احتفاء إحصائي خاص كل مرة بالأكثر كلاسيكية.. الايدز.

هذا, أو دزينة مجانية جليلة من الفتاوى الدينية والأحكام الروحية التي لا راد لقضائها, في أرجوحة الحلال والحرام, وبصلاحية مفتوحة ومدى فضفاض يطال مختلف المذاهب والملل, بدء بأحكام البلوغ والحيض, مرورا بأنواع الأنكحة وآداب الجماع وأذكاره, وصولا إلى رجم الزاني المحصن, وكراهة-تحريم إتيان الحلائل في الدبر, وموبقات الاستمناء, وأحكام فرك المني وغسله, وليس انتهاء بالأكثر إثارة للجدل –لاحظ الجدل لا المتعة- من الانعاظات الماراثونية في أحضان الحور العين, والتأويلات التطهرية لنكاح الغلمان المخلدين في الفردوس.

وذلك كله لا ينقضي بحال من الأحوال دون جولة أفق نفسية -غالبا ما تكون بدون أفق- والتي باتت لازمة في ملفات من هذا النوع, بمعلوماتها المكرورة حول الباراسيكولوجي, والعقد النفسية ذات المنشأ الجنسي, من أوديب إلى إلكترا إلى ديانا وسواها, في استنزاف فرويدي طقوسي ممض.

أما الآفات المجتمعية التي تندرج في السياق, فهي المفضلة ولاشك, وتحظى بحصة الأسد من المتابعة والتحليل, ويتم إيلاؤها عناية خاصة, كونها ستمسي قريبا جدا, بعد التفريغ النهائي للمنتج الإعلامي إياه, المصدر الأساس للعناوين الطنانة, والمادة الدسمة للاقتباسات الميلودرامية, التي ستتصيد المشاهدين والقراء الغفل متى سولت لهم أنفسهم تشغيل التلفاز, أو فتح الموقع الالكتروني.
وتتربع على عرش تلك التشوهات المجتمعية أحاديث العنف الجنسي الأسري, وقصص الاغتصاب, وبوليسيات سفاح القربى, وعوالم الدعارة, والشذوذ, وزنا المحارم, وكوابيس التحرش الجنسي, وإتيان البهائم, إلى آخر تلك القائمة الممطوطة.

وبالطبع ترقد هناك في الأثناء وبسلام يقيني لايتزعزع, المقاربة الفلكلورية للمثلية الجنسية, والتي تتعمد تنحية التحليلات النفسية والبيولوجية العلمية الحديثة لهذه الظاهرة, تطهرا من الترويج للـّواط أو السحاق, وفق الانطباعات الرجعية لكثير من إعلاميينا المنفتحين على العالم في مكان آخر, والذين لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتدقيق, وتقديم المادة في إطارها العلمي الموضوعي, مع ضمان حقهم بالاحتفاظ بآرائهم الشخصية لأنفسهم.

لتغدو هذه الملفات وقد (ارتكبت), مسلسل رعب متكامل الحلقات, دونها ملفات عن (القاعدة) و(الأسلحة الذرية) و(الإرهاب الدولي).

فهل الجنس كله يا ترى عبارة عن أمراض فتاكة, ومحرمات مهلكة, ومنازعات اجتماعية متوعدة؟

هل يشفع لنا التذرع بواقع الحال –على افتراض انه كذلك- في التهرب من واجب إلقاء الضوء على زوايا أخرى للموضوع موجودة بين ظهرانينا بالفعل, ولا تحتاج منا إلى أي اختراع أو فبركة, بقدر ما تحتاج إلى إمعان لعين النظر والتفكير, لإنزالها المكانة التي تستحق.

أين هي حصة المتعة واللذة والإشراق الحسي في (جنسنا)؟

أين هو إيروس (كيوبيد لدى الرومان)، بقوسه المتأهب لإطلاق سهام الحب, من كل ذلك اللغط الإعلامي المتصحف, والجلبة التثاقفية المصطنعة.
(لا صلة للكلمة اللاتينية بالمرادف العربي في اللهجة الدارجة للعضو الذكري)

أين هي مطالعات الكتب التراثية –لمن لا يتقنون لغة أجنبية- والتي قد تفتح بعض صفحاتها آفاقا ما أمام هؤلاء الإعلاميين لسد تلك الثغرة الخطيرة في مقارباتهم البائسة تلك لموضوع على ذلك القدر الرهيف من الحميمية كالجنس.
بل لعله من الطريف أن يجد المرء أن معظم تلك المؤلفات والكتب الإيروتيكية العربية إنما كانت بأقلام أئمة وشيوخ ومحدثين, يفترض بهم أن يكونوا أكثر محافظة وتزمتا من الإعلاميين السوريين, الذين أثبتوا أنهم شديدوا التشبث على ما يبدوا بذلك النوع من الوقار النكد الذي لا يخلوا من غباء, مما وسم مسيرة إعلامنا المحلي لفترة ليست بعيدة.

تقول الكاتبة السورية سلوى النعيمي: اللغة العربية هي لغة الجنس, وطالما هناك التيفاشي, والتيجاني, والسيوطي, والنفزاوي, فلماذا علي أن أقرأ جورج باتاي, وهنري ميللر, ودو ساد, وكازانوفا, والكاما سوترا!

بل بالإمكان الذهاب أبعد من هذا نحو الألف الثالث قبل الميلاد, مولين وجوهنا شطر الشعر الايروتيكي السومري, حيث غراميات الراعي دوموزي والربة إنانا، لنقرأ مع القارئين تعويذة طقوسية طبية لعلاج مشاكل الضعف الجنسي تقول ترتيلاتها: "لتهب الريح، لترتجف الحديقة، لتتجمع الغيوم، ليتدحرج المطر، ليكن انتصابي نهرا فائضا، ليكن قضيبي، المشدود كوتر قيثارة، فيها لا يخرج منها ابدا".

ولوارد ألف ليلة وليلة ما يروي الظمأ, ففي قصة (خفيفة) تحمل عنوان (الحمال والثلاث بنات), يجد المطالع كيف تبدأ الليلة بالطعام, والشراب, والهراش, والبوس, والعض, والفرك، وعندما تبلغ الإثارة مداها؛ تتناوب النساء علي خلع ملابسهن, والارتماء في بحرة الماء, والإشارة إلي موضع (الحياء), والسؤال عن اسمه، وكلما أجاب الحمال باسم، ضربنه علي قفاه عقابا علي قلة حيائه، حتي علمنه الأسماء المحتشمة كلها، وجاء دوره في التعري, فبدأ يختبرهن بالأسماء الممكنة لـ(شيئه)، ولأن الدرس اللغوي طال أكثر من اللازم، أو بسبب تأخير الحمام في ترتيب الطقوس، فإن الحمٌال لم يظفر بأكثر من هذه الملاعبات, إذ دخل القرندلية الثلاثة, وبعدهم الخليفة الرشيد ووزيره جعفر, فسكت الساهرون عن الهراش المباح.

يقول الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا :"الإيروتيكية تعني نزع صفة الحيوانية عن الفعل الجنسي، وتحويله عملا فنيا يجتمع فيه الخيال والحساسية والفانتازيا والثقافة. إنها عامل مغن ومنتج حضاري", ويتابع " في المجتمعات البدائية لم يكن ثمة إيروتيكية، وكان الفعل الجنسي فعلا شبه حيواني جل ما يؤدي إليه هو الإنجاب, ولم تشرع الايروتيكية في الظهور إلا مع تطور المجتمع وتحرره وتثقفه. آنذاك احاطت بفعل الحب طقوس واحتفالات واخراجات ومسرحات، واغتنى هذا بالصور والاستعدادات والغرائز (الذكية) والرغبات السرية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالفن.".

وحبذا لو يصخي بعض إعلامينا السمع قليلا لـ(تصريح) الإمام الحافظ ابن قتيبة الدينوري, إذ يقول "وإذا مرَّ بك حديث فيه إفصاح بـِذكر عورة, أو فـرج, أو وصف فاحشة؛ فلا يحملنك الخشوع -أو التخاشع- على أن تصغـَّر خدَّك, وتعرض بوجهك, فإن أسماء الأعضاء لا تـُؤثم، وإنما المآثم في شتم الأعراض, وقول الزور, والكذب, وأكل لحوم الناس بالغيب.".... والله أعلم.


_________________________________________
للاستزادة
برهان العسل, سلوى النعيمي
ماريو فارغاس يوسا, حوار: جمانة حداد, النهار 2005
الاستشراق جنسياً،إرفن جميل شك, تر: عدنان حسن, تقديم: ممدوح عدوان
الميلاد المتكرر للمتعة والورع, عزت القمحاوي





2008

بين وزيرها, وأمانة احتفاليّتها؛ ارتجالات مزمنة في راهن الثقافة السورية

لا تدّخر الأمينة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 الدكتورة حنان قصاب حسن مناسبة خاصة أو عامة –آخرها في جلسة حوارية مع الممثل بروس مايرز حول عرض بيتر بروك الأخير- إلا وتعلن فيها على الملأ شكواها الممدد لها من عدم توفر أمكنة ومساحات عرض لاحتضان نشاطات أجندتها الثقافية الآخذ بعضها برقاب بعض, في حين لازال المرء يفاجئ في الوقت عينه تقريبا بعدد من تلك الأمكنة المفتقدة والمتنازع على فضاءاتها الافتراضية؛ وقد أمست مسرحا براحا لمناسبات أخرى يقال أنها (موازية) من خارج البرنامج الرسمي للاحتفالية, مناسبات لا تحمل إلا قدرا متواضعا نسبيا من هاتيك الرصانة, أو المتعة, أو الفائدة, التي يفترض بعروض الاحتفالية أن تتحلى بها أو بإحداها على الأقل, وهو ما ينتظره الجمهور على أية حال من أي نشاط بالمطلق, باحتفالية أم بدونها.

وإن كنا هنا غير معنيين مباشرة بتفنيد الدعاوى الغيبية للدكتورة قصاب حسن حول قدرتها على اجتراح ما أسمته "أماكن عرض بديلة" مما درجت على التسويق له منذ مؤتمراتها الصحفية الأولى, غير أننا جد معنيين بأن نسحب من التداول العشوائي حجة العوز والافتقار لمثل تلك المساحات والأمكنة؛ والتي أمست بدورها ذريعة طيعة لتبرير قصور التنظيم والإدارة لدى كوادر منظمي الأحداث والحوادث الثقافية بين ظهرانينا, والذين يستمرؤن التحلل -بهذا العذر- من مهام أسمى وأخطر على مستوى التخطيط والإدارة الثقافية بخطوطها العريضة منها, والتفصيلية.
والسعي إلى تحجيم تلك الحجة بالذات؛ يضعنا على الفور وجها لوجه أمام الحصيلة المرة لمواعيد (ثقافية) أخرى تضرب لنا بين الحين والآخر من دون أن تكون ذات موضوع أو فحوى, رغم أنها لطالما (احتلت) على الأرض فسحا ربما كان غيرها أولى بها.

ولعل من آخر تلك المناسبات ما كان من شأن ندوة نظمها (مركز تريم للعمارة والتراث) في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق, مستضيفا فيها السيد وزير الثقافة, الذي استهلك دون جلبة إعلامية تذكر, وفي نفس واحد, ساعة ونصف الساعة من صبر مستمعيه, عبر حديث يزعم كاتب هذه السطور أنه أقرب ليكون حديث ظهيرة في مقهى, أو دردشة شخصية طارئة مع صديق مستجد, أكثر منه محاضرة متماسكة, أو ندوة مدروسة, أو جلسة حوارية, على ما اجتهد المنظمون في تقديم إسهام ضيفهم ذاك المساء.

ولعله من نافل الحديث القول أن سوريا واحدا لا يكاد ينكر للدكتور نعسان آغا باعه الطويل في الارتجال, بل إن كثيرين يجهدون ذاكرتهم بدون طائل تقريبا لاستعادة لقطة واحدة تجمع السيد الوزير بخطاب في يده, أو ورقة على منبره, أو شاشة حاسب تحت ناظره, سواء في افتتاح, أو ختام, أو رعاية, أو لقاء, أو غيرها مما يشغل عادة الرسميين الثقافيين في مركزه.

وفي حين تضبط في (ثقافات) أخرى ساعات المحاضرين على مدة حديث محددة ومدروسة, وتبرمج حصص المداخلين, وأصحاب الرأي المخالف بعناية لا تقل عن العناية بالمحاضرة الأم ذاتها, ويطلب إلى الخطيب تحديد موضوع, ومحاور الحديث سلفا (الأخيرة خدمة موجودة لدينا بالفعل مع بعض التصرف تحت اسم رقابة)؛ هذا إن لم يجر في نهاية المحاضرة توزيع نسخ مكتوبة منها, يصر الدكتور نعسان آغا من جانبه على منح نفسه أنى وأينما حل كارت بلانش (زمكاني) فيما يخص أحاديثه وخطبه ومداخلاته, وكأن كل ما تقدم من أدوات وضوابط مدينية للخطاب أو الحوار؛ إنما هي مرذولات لا تقرب في عرفه, أو لكأن في الورقة والقلم, أو ملف الـ(WORD) والـ(PDF) إذ يستعين بها السيد الوزير على لم شتات أفكاره, ونستعين بها نحن على موافقته أو الرد عليه وفق نقاط محددة, وأفكار منظمة, انتقاصا من ثقافة الوزير, أو مساسا بكاريزميته وهو يرسل الكلام عفو الخاطر, ومزاج اللحظة.

لذلك لم يكن من المستغرب تماما –وإن ظل مستهجنا بالطبع- أن يجد الجالس على كرسي الاستماع في قاعة محاضرات المكتبة الوطنية ذاك اليوم نفسه بمثابة دريئة لجملة من الأفكار العشوائية, والمقتطفات الإنشائية –ليس بالمعنى الرديء للإنشاء دائما على أية حال- التي لا رابط بينها, اللهم عدا أنها كانت تخرج من فم الوزير نفسه.

فمن القمة العربية العشرين؛ إلى الإصابة في معرفة الصحابة, ومن المعادلة من الدرجة الثالثة في الجبر؛ إلى حديث الأربعاء لطه حسين, ومن بر الوالدين؛ إلى الإشادة بالكاتب الإسرائيلي يوري أفنيري المعجب بدوره بشخصية محمد,
ومن الـ"لاأدريـّة"؛ إلى "فتنة" الرسوم الدنمركية, ومن أساور كسرى؛ إلى نكسة حزيران, ومن صلاة العصر في بني قريظة؛ إلى تبادل القبل مع وزراء آخرين في بهو أحد المؤتمرات؛ إلى الثالث المرفوع في المنطق.

ولعل هذا الأخير بالذات –المنطق- هو ما افتقدته هاتيك الأمسية في تداعياتها المرسلة تلك, وإلا فأي نسق حواري –كما هو الزعم في عنوان الندوة- يروم الالتقاء بالآخر, والتفاعل معه؛ ذلك الذي تجد فيه نفسك بغتة وقد نزلت على أسماعك عبارات واستخلاصات مبتورة السياق والمقدمات, من نمط ذلك التعليق على قضية اغتيال الحريري الأب, تعليق أراد له الدكتور أن يلمع في فضاء قاعة المحاضرات لثوان قليلة بدون أي توطئة, أو استدراك, أو تحليل, مستعيرا العامية المصرية ليقول "واتهمونا بقتل اللي يسوا, واللي ما يسواش"!

أو بتصريحه أن "شارون أفضل لنا جميعا من أولمرت",باعتبار أننا نحن العرب "نحب الخصوم الأقوياء"!
دون أن يفلح معظم الحضور في تأويل حماسة الوزير المفاجئة لسفاح صبرا وشاتيلا, أو فيما إن كان هذا يعني أن علينا أن نستكشف بعض جوانب النوستالجي حيال نكسة حزيران مثلا, والتي تمكن فيها خصومنا "الأقوياء" وخلال خمسة أو ستة أيام من إنزال هزيمة نكراء بعدة جيوش عربية, وبالجملة!
أو لعله انتقاد مبطن ربما من طرف الوزير لمفاوضات اسطنبول بين دمشق وتل أبيب, والتي يديرها من المقلب الآخر (الضعيف) أولمرت, باعتبار أن "القوي" شارون مرمي في غيبوبة دماغية لا يود كثيرون له –فيما عدا الدكتور نعسان آغا ربما- أن يصحو منها قريبا, ولو حتى لدقائق يوقع فيها اتفاق سلام (قوي) مع أحد ما!

وإذا كان الارتجال بريئا من أمثال هذه الشطحات, فما الذي تراه يدفع شخصا بمرتبة وزير مثلا ليتبرع من تلقاء قريحته بقول على شاكلة "عندما أرى كونداليزا يحتفى بها كل هذا الاحتفاء؛ أقول لا حول ولا قوة إلا بالله, من هذه كونداليزا..؟", وذلك قبل أن يستشهد فيها ببيت نسبه لـجرير "الظريف" يقول فيه:
"ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن يهجـى به أحـد يهجـوه لا أحد" .....!

أين ما ينفع الناس والسوريين في هذا ويدفعهم إلى شد الرحال إلى واحدة من أكبر قاعات المحاضرات في العاصمة؟

من دون أن ننسى أيضا وأيضا مقارنة السيد الوزير المشهودة بين الزعيمين الفلسطينيين أحمد ياسين وياسر عرفات إذ يقول "لذلك انظروا؛ هناك من قـُتلوا بالسم عبر صحن فول –هكذا صحن فول-, وهناك من يقتلون بالصواريخ", محييا أعدائنا الإسرائيليين الذين "يعرفون جلال خصمهم"!!

... هل هي إلا ثقافة الارتجال, واستسهالات المشافهة؟

وأما في المرات النادرة التي استأنس فيها السيد الوزير سياقا ما لأفكاره؛ فقد أتت النتيجة على وزن "سارع مفكرونا إلى التغريب, وقدموا الحداثة لنا تقديما باهتا ورديئا", وذلك فيم يعتقد أنه استطراد مفكك نسبيا لما كان طرحه الدكتور نعسان آغا في إحدى افتتاحيات مجلة المعرفة السورية في وقت سابق.

ليتهم سيادته بدون هوادة "رسل الحداثة" عندنا بأنهم نافحوا من أجل "إحداث قطيعة مع الماضي", عازيا ما يرى أنه "فشل الحداثة في بلادنا" إلى كون حداثيينا "قد سعوا إلى إفهامنا أن القرآن الكريم جزء من التراث", وأن أولئك الرواد إنما جهدوا لهدف واحد هو "تنقية هذا التراث", قبل أن يسترسل ليقدم صورة ساخرة تعبر عن الطريقة التي يفهم فيها السيد الوزير جهود رواد الحداثة أولئك, عبر تشبيه عملهم بمن يأتي إلى القرآن ليأخذ "نصف آية البقرة" –هكذا آية البقرة- ليضم إليها "ثلاثة أرباع آية الواقعة", مستخلصا من مقاربته الكاريكاتورية إياها أن المطلوب منه –ودائما على لسان رواد الحداثة- هو ببساطة ... أن يلحد!

ليعود الدكتور نعسان آغا ويشدد على "المفارقة العجيبة في الفكر العربي" كما دعاها, وهي أن هذا الفكر "لم يصل من الحداثة إلى شيء", وانه كان مجرد مدخل تسربت منه إلينا أفكار اللامعقول, وأدب العبث, مستنكرا أن تجد الدادائية, والتفكيكية, والتحليلية, موئلا لها في بلداننا, وناعيا في الوقت نفسه على المفكرين العرب التعاطي بمثل هذه الأفكار, التي وصفها بأنها "أدوات أوروبية غربية", وأنها "ليست من نتائج الحراك الثقافي العربي".
((أين ترانا نسمع عادة هكذا خطاب؟ ))

والغريب اللافت أن هذا التشنيع كله على الحداثة, والهجوم القاسي الذي شنه الوزير دون سابق مقدمات؛ أتى تماما بعد أن اعترف الدكتور نعسان آغا وأقرّ صراحة بأنه "لا يحق لوزير أن يحكم على الأفكار", ليرمي مقولته تلك في اللحظة التالية وراء ظهره, ويوغل في الاتهامات, والتبسيطات, وأحكام القيمة التي تقدمت الاشارة إليها.

فالوزير الذي انتقد في أول كلامه التعاطي "المتطرف" لدى بعض الأوروبيين مع مجتمعاتنا, آخذا عليهم انصرافهم عن الإصغاء للآخر, يعود هو بلسانه إلى الجناية نفسها بعد دقائق فقط من استهلاله ذاك, من خلال حملته على الحداثة كما فهمها, ومن دون أن يسمح للطرف الآخر, بأن يكون موجودا كمحاور شريك, وند مبين.

لقد كان حريا بالدكتور نعسان آغا أن يتيح بعض فسحة لمن هو قادر على إبراز وجهة النظر الأخرى, التي بالكاد عرف أصحابها أصلا بغارة بالسيد الوزير عليها, على اعتبار أنها جاءت ارتجالا, كطريقة جديدة في تمرير كشوف حسابات, ومن دون ورقة أو قلم.
ناهيك عن أن المعنيين بالرد أو التهم, لم تتح لهم حتى معرفة ما دار في تلك القاعة يومها نتيجة التغطية الإعلامية الركيكة التي خرج بها مراسل الوكالة السورية للأنباء (سانا) عن وقائع الجلسة, أو نظيرتها التي لا تفضلها بكثير, والتي تريث أصحابها بضعة أيام قبل أن يفردوا لها مكانا على صفحات جريدة (تشرين) الحكومية.

ولعلها كانت لتكون مبادرة تحسب له لو أن السيد الوزير عمد للدعوة إلى طاولة مستديرة حول الموضوع –ما لم يكن اهتمامه بالطبع مقصورا على فرض قناعاته وإيمانه الشخصي على الحضور- تماما كتلك التي جلس إليها مع الفرنسيين في مسرح (جان فيلار) في رحلته الأخيرة إلى باريس, بمشاركة فعاليات فكرية فرنسية, لأن مائدة من ذلك النوع هي أحوج ما نحتاجه اليوم, لا هناك فحسب بل هنا أيضا, مائدة يكون لرأي الوزير فيها نصيب, كما لرأي من لا يرى ما يتراءى للوزير أنه الصواب.
بل لعل فائدة مائدة كتلك في الداخل؛ لن تخيس بحال من الأحوال عما يمكن لشخص الوزير إتحافنا عليها من غنائم حوارات في الخارج مع بعض الأوروبيين "المتطرفين" أو (المعتدلين) على السواء.


لم تشفع على ما بدا من مجريات ذاك النهار للدكتور نعسان آغا سيرته الذاتية الفخمة بعض الشيء في أن تعينه على اختيار موضوع بعينه ليحاضر فيه, فلا تدريسه الأدب لبعض الوقت أنجده, ولا حيازته دكتوراه في الفلسفة من أذربيجان أسعفته, ولا كذلك عمله في السابق كمدير لبرامج التلفزيون, أو عضويته في مجلس الشعب, أو عمله كسفير في الخليج, ناهيك عن مشاركاته في العديد من المؤتمرات والندوات حول العالم, هذا إذا استثنينا منصبه الحالي كوزير ثقافة, والذي يعد وحده –أقله لدينا في سوريا- منجما لا ينضب للمواضيع والمواضعات.

الأمر الذي يدفع المرء دفعا للتبرع لسيادة الوزير ببعض الأفكار التي كان من الممكن أن تكون أكثر نجاعة من الاجتهاد الذي طلع به علينا منظمو الندوة الثقافية في المكتبة الوطنية ذلك المساء, وورطوا به الدكتور نعسان آغا, وورطونا.

فقد كان بمقدور السيد الوزير الذي حار موضوعا يومها الحديث مثلا في شأن هام, وجد آني, ليس إلا حال دمشق, وحال الثقافة فيها, وهي اليوم عاصمتها المتوجة على ما يشتهى لها أن تكون, والتي اعترف السيد الوزير في غير مكان بأن وزارته العتيدة لا تعلم شيئاً عن دورها فيها, وأنه شخصيا غير دار بما يدور في أروقتها والكواليس.
في ظل غياب مصارحة حقيقية أمام الناس –شركاء الحوار- عن المآخذ التي يأخذها كل من سيادته وحضرة الأمينة العامة للاحتفالية قصاب حسن على بعضهما حيال التصورات الإخراجية لثقافتنا اليوم, إن لم يكن ثمة ما هو أخطر, رابض وراء الأكمة.

كان بإمكان السيد الوزير أن يحدثنا, ويحادثنا مليا عن أوضاع المؤسسة العامة للسينما, والذي سبق له نفسه أن وصف حالها بأنه "واقع سيئ", دون أن يسهب لنا كعادته في تبيان أسباب هذا السوء, أم أن سيادته فضل الركون لقدريـّته الناجزة, والتي يستشفها المرء من قوله في ثنايا لقاءه الأخير "إن أمتنا لا تستيقظ إلا حتى يصبح الخطر قبالة العينين", أقله كي يفسر لنا مسوغات تطيره من تركته السينمائية التي سبق له أن قال في وصفها "لا أنا ولا الوزير الذي سيأتي بعدي يستطيع تغييرها وحل مشاكلها", وعما إذا كان علينا كسوريين أن نقصد وزراء ثقافة في بلدان مجاورة ربما, كي يداووا لنا عاهاتنا الثقافية المحلية, والتي بلغت من السوء ما وصف.

كان بإمكان السيد الوزير أن يفضفض لنا عن شجونه ومآخذه على الصحافة الثقافية الصادرة عن وزارته نفسها, والتي بدا أن للدكتور نعسان آغا موقفا لا ينم عن رضا على أدائها, غامزا من قناة مجلة المعرفة, والموقف الأدبي, وحبذا لو أنه تفضل فشرح لنا خفايا لمزاته بخصوص تلك الإصدارات بالذات عندما لم يكن معاونوه هم الذين يشرفون عليهما –حسبما قال- وعما إذا كان علينا كقراء ومتابعين أن نلمس تغييرا ما في تلك الإصدارات إبان عهده.

وقريبا من ذلك كان بإمكان السيد الوزير أن يصارحنا بالعثرات التي تواجه وزارة الثقافة السورية في تعاطيها مع الهيئة العامة للكتاب والتي تم إحداثها منذ وقت قريب, خاصة وأن سيادته اعتبر أن الحديث في هذا الموضع؛ حديثا "ذا شجون", غير منتبه ربما إلى أن ساعة ونصف كانت لتكفي نسبيا -لو أنه استغلها لذلك- في طرح ذلك الموضوع المشكل على الملأ.

كان بإمكان سيادة الوزير أن يخطو خطوة أخرى إلى الأمام في الحديث عن معتقلي الرأي السوريين, وهو الذي صرح من ما وراء الحدود عن عشمه بـ"أن تصدر أحكام براءة بكافة المثقفين, لأني لا أحب أن أرى مثقفا سوريا معتقلا", خاصة بعد أن (طمأننا) إلى أن نظيرته الفرنسية في زيارته الأخيرة لباريس لم تطرح معه قضية "المثقفين المعتقلين", وهي خطوة –التصريح الأول- متقدمة ولاشك عما كان علق به هو نفسه على قناة الجزيرة في وقت أسبق,
منكرا في حينه وجود هؤلاء القوم في الزنازين, قبل أن يطلق وعده الشهير قائلا للمذيع الملحاح "أعدك، إذا كان أحد هؤلاء القابعين في السجون لديه قصيدة.... أعدك بنشرها"!

كان بإمكان الدكتور الوزير الذي حار موضوعا أن يستثمر وقتنا لكي يشرح لنا مثلا مفهومه عن المشاركة, والانفتاح على الآخر, من وجهة نظر رقابية, وهو من برر لنفسه ولغيره- على سبيل المثال- تشويه فيلم افتتاح مهرجان دمشق السينمائي 2007 بعد أن أطلق فيه مقص الرقيب, الذي أتى على ثلاثة مشاهد أساسية فيه, الأمر الذي أثار حنق المشاهدين والنقاد على السواء حيال تلك الوصاية الأخلاقية (اللاأخلاقية), وبعد أن اعتبر الدكتور الوزير المشاهد التي جرى اقتطاعها مشاهدا "إباحية", و"يجب أن تحذف", مع أن الفيلم الروماني المشار إليه (أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان) لمخرجه (كريستيان مانجيو)؛ كان قد حاز -بمشاهده البورنو, والمنافية للحشمة المحلية- السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي ما قبل الأخير, وهو بالضبط ما أغرى إدارة مهرجان دمشق بأن تأتي بالفيلم المنكوب لـ(يتشرف) بأول عرض له في المنطقة.
وإذا كان الوزير غير مهتم حقا بالتكريم الذي حازه الفيلم, على اعتبار أنه قد أتى من (ثقافة أخرى) لا تحترم (أخلاقنا)؛ فما الذي دعاه أصلا وغيره في إدارة المهرجان إلى إحاطته بكل تلك الحفاوة, والحرص على أن يكون الفيلم إياه في صدارة ما سيعرض في مهرجاننا (الرزين).
ألم يكن من الأفضل لأخلاقنا المرهفة أن يتم في حينه اختيار فيلم آخر لا يعالج قضية حساسة كالإجهاض لعرضه على الجمهور السوري القاصر, بدل أن تتنطح الوزارة لما هي ليست أهله من عناوين حرية التعبير الفضفاضة, مما هو مطروح للاستهلاك المحلي, و(تجرّصنا) بقصقصة الأعمال الإبداعية الراقية, في مفارقة مضحكة مبكية مع وزير كان يشكو منذ فترة قريبة لإحدى الجرائد الرسمية "قلـّة النوم", كونه لا يجد وقتا كافيا لممارسة "دور المبدع"!
أم أنه كان من رأي الوزير حقا أن يعرض الفيلم في كلية الطب, على اعتبار أن الطلاب هناك قد يستفيدون عمليا من تصوير واقعة الإجهاض, في حين أن تلك المشاهد بالذات لن تكون ذات قيمة بالنسبة للمشاهد العادي, الغر, الذي لن تتأثر متابعته بخلخلة السياق الدرامي للعمل, كون هذا المواطن العادي اعتاد على خلخلة من هذا النوع في حياته اليومية, فيما خص الثقافي وغيره.
أم أنها ببساطة الطريقة التي يفهم فيها السيد الوزير الحوار مع الآخر, "إننا نؤمن بالحوار, وعلينا تعميقه بين الشعوب والأفراد", قصا,وحجبا, وإقصاء, وفق ذائقته الشخصية, وإملاءات اعتقاداته الخاصة, التي يستخدم منابر حكومية عامة, ملكا لكل الناس, في تزيينها, والترويج لها.

بل لقد كان بإمكان السيد الوزير أن يستفيد من مشورة معاونه القيـّم, والذي طرح في آخر عشر دقائق من الندوة إياها –من باب المشاركة يعني- سؤالا يحتاج لندوة كاملة للإجابة عليه, حيث سأل الدكتور القيم الوزير قائلا "أنت كأديب وكإعلامي وكمفكر وكوزير للثقافة ..(كذا).. كيف تنظر إلى الثقافة في جملة المتغيرات والتحولات العالمية, وكيف يمكن للثقافة العربية أن تواجه كل تلك التحديات؟" ... لا أقل.

نعم كان بإمكان السيد الوزير.., وكان بإمكانه..., وكان بإمكانه..., على اعتبار أننا واثقون من أنه (ثمة بالإمكان أبدع مما كان), ومتضامنين هذه المرة مع مقولة السيد الوزير عندما أنف عن أن يصف أرضنا بـ"الأرض اليباب", من دون أن نذهب بعيدا في التقليل من شأن تي إس إليوت كما أراد بعضهم.

وانطلاقا من كون "المواطنة" و"المسؤولية" شعارين أساسيين للمرحلة المقبلة -كما اعتبرهما السيد الوزير في بعض مقابلاته- لا يملك المرء إلا أن يهيب بأصحاب الفعاليات الثقافية, والمؤسسات المحلية –الخاص منها تحديدا- التي تسعى لأن تضيف شيئا إلى المشهد الثقافي السوري؛ بأن يعينوا السيد الوزير ويعينونا –وغيرنا- على التخفف مما دعاه هو نفسه بـ"مسببات الغرور", من قبيل الاستنكاف عن توجيه دعوات عامة للسوريين لحضور حوارات هوائية, لا أسس لها ولا محددات, يستهلك فيها شخص فرد واحد ما يزيد عن 75 بالمائة من زمنها, اللهم ما لم يعلن مسبقا وصراحة أنها لتزجية الوقت, والذي يبدو أن ثمة من يدأب على ألا يصبح يوما –الوقت- ذهبا في أيدي السوريين.

كما نهيب بتلك الجهات –عامة وخاصة- ألا تعمد إلى حجز مراكز ثقافية يصرف عليها دافعوا الضرائب السوريين من جيوبهم المثقوبة مشرق كل شمس من اجل محاضرات بلا مواضيع, وندوات بلا محاور أو آفاق, تنحصر الفائدة فيها ربما بكشف المزيد من عوراتنا الثقافية المزمنة.

لقد طلب السيد الوزير إلى جمهوره –أن يتجاوزوا عن استطراداته, واستفاضاته في الحديث, وقال بالحرف الواحد "أرجو أن تغفروا لي سراحي, لأنه لم يكن لي موضوع"!
وهو اعتراف خطير قد لا يكون بيد من حضر تلك الجلسة بالذات وحدهم قرار الصفح عنه من عدمه, كونه قضية حق عام, خاصة وأن المرء لا يستطيع أن يجزم فيما إذا كان بعض ممن تواجدوا في قاعة المحاضرات ذلك اليوم موظفين حضروا إلزاميا بفضل تعميمات مديرية الثقافة عن محاضرات الوزير.


لن يعدم السوريون يوما محاضرين بمحاضرات ذات موضوع, حتى يتحفنا مسؤولونا بتلك التي لا موضوع لها, بل عن المفارقة تأبى إلا أن تطل برأسها عندما نعلم أن وزارة الثقافة بالذات كانت قد ألغت منذ فترة غير بعيدة محاضرة
في إحدى المراكز الثقافية التابعة لها, والمحاضرة الملغاة كان لها بالمناسبة موضوع يدور حول حرية الصحافة, وقد تم الإلغاء الاعتباطي برغم وجود موافقة مسبقة من الوزارة العتيدة حملت اسم وإمضاء اثنين من السادة المعاونين الذين يفخر بهم السيد الوزير بهم.

وختاما, لا نملك إلا أن نشاطر السيد الوزير أمله بألا تستمر أعباؤه الوزارية بالإثقال عليه طويلا على هذا المنوال, وهو القائل "أرجو ألا يطول هذا الانشغال, لأنني أحب أن أعود إلى طاولتي حيث التأليف والكتابة, لأن ذلك يمتعني أكثر", ولا نزيد.

فالذي يريد أن يستمع لخطبة جمعة؛ لن تخذله دور العبادة في العاصمة دمشق بالتأكيد, وليس عليه حتى أن يستقبل الروزنامة أو يستدبرها في استجلاب ليوم الجمعة بالذات دون غيره, فكل ما عليه أن يفعله –بغض النظر عن اليوم الذي هو فيه- هو أن يصعد إلى أحد السرافيس أو التكاسي من مواصلات عامة ليجد نفسه على الفور في حضرة احد المشايخ أو الدعاة, إما (لايف) عبر المذياع, وإما استرجاعا عبر الكاسيتات والسيديات, وهي فتوحات إعلامية تعبيرية قد تكون عزيزة بعض الشيء عن أولئك الذين لا يشاطرون السيد الوزير كل آراءه في السياسة, والفلسفة, والعلمانية, والحداثة, وما بعدها.

وعليه فلزام على وزارة الثقافة التي من المفترض بها أن تكون لكل السوريين أن تبقي أبواب مرافقها مفتوحة أمام وجهات النظر الثقافية الأخرى الموجودة في المجتمع السوري المتنوع, وأن تتخير لنشاطاتها ما يعبر بالضبط عن هذا التنوع, ولعلنا عندها فقط نتيح مجالا أوسع أمام منابرنا –الوافرة فيزيائيا بزعم الكاتب- كي تكون هي نفسها مسرحا لأنشطة بديلة, بدلا عن مناطحة عقدة وهمية هي عقدة (الأماكن البديلة), والتي صدعت أمانة الاحتفالية رؤوسنا بها.

فما تفتقر إليه أمانة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة –أقله في هذه الفترة- ليس الأبنية والمجمعات والجدران ومنصات العرض, وإنما الرؤية التحليلية والاستشرافية لراهن ومستقبل الثقافة السورية, بما هو كائن, وسيكون, رؤية تخرجها من النوسان المرضي بين متراسي ثقافتنا اليوم, القائمة على (بمن حضر), و(بما حضر).

وهي –إدارة الاحتفالية- في إصرارها على المضي دونما التفات لهذه المرتكزات التي تعد أساسية لأي عمل ثقافي ذو بعد أو مغزى؛ لا تقل ارتجالا أو "سراحا" –وفق التفضيلات اللغوية للوزير- عن اجتهادات غيرها من مخضرمي المؤسسات الثقافية الرسمية, وإن تحاشت لأسبابها الخاصة الانتساب إليهم صراحة, وهذا لا يعني أن بعض تلك الارتجالات قد لا توافق نجاحا أو إحراز نقاط من نوع ما –وهذا ما حصل فعلا في بعض المناسبات- لكنها ارتجالات تبقى عاجزة عن تشكيل وعي ثقافي فعلي –كيلا نقول حقيقي- لطالما تبجح كثيرون على منابرهم (منابرنا) أنهم بصدد بناءه.



2008

الأحزاب السورية و(الزواج المدني)

طـلاق شـرعي، وتـراخ اشـتراعي


ينظر كثير من محللي علم الاجتماع إلى الزواج المدني على أنه أحد مؤطرات قيام مجتمع مدني معاصر، وخطوة أساسية لفسح المجال امام التنوع المذهبي والعشائري والعرقي في أي وحدة مجتمعية كي يخرج نسيجا مؤتلفا أقرب إلى التجانس والانسجام، بما يعزز اواصر الانتماء الوطني الأشمل كما يتوخى أن يراه أبناء الوطن الواحد.

علاوة على أن الزواج المدني يحظى بمكانة متقدمة ضمن الأطر الفكرية التي تنظر لعلمانية الدولة، الدولة التي يقع في ضمن أولويات مهامها توفير فرص مجتمعية متساوية أمام مواطنيها, بغض النظر عن اعتبارات الجنس والعرق والدين، ناهيك عن أنه يطرح في أفقه الأبعد حلا نموذجيا لمعضلات اجتماعية خلافية مزمنة, ليس أقلها مسألة تعدد الزوجات، وتحريم الطلاق، ونظام المواريث غير المتوازن, ووصاية أحد الجنسين على الآخر، وغيرها.

أما واقع اليوم فشاهد للأسف على أن التعاطي مع هذه المواضيع المعاشية الملحة والحساسة في حياة كل فرد منا؛ لايزال رهنا بمعبر إجباري يمر في نفق الديني المحض, ويخضع بلا هوادة لردات الفعل على الفتاوى المتضاربة أحيانا، أوالقرارات الروحية المبرمة, والتي لا تقبل الحوار والتأويل من قبل من هم موضوعها, ومادة فعلها, أكثر منه تعاط مدنيا معاصرا، أو تشريعيا برلمانيا، أو دستوريا قانونيا، قابلا للاتفاق والاختلاف عليه، ومفتوحا كما يجب وينبغي له ان يكون امام أسئلة الحداثة, والمعاصرة.

وكل هذا في وقت يتعاظم فيه من حولنا التأثير المجتمعي النكوصي للطائفية والمذهبية والقبلية، وترتفع الأصوات من هنا وهناك في دعاوى صريحة إلى التقوقع الملي, في سبيل حفظ وصون ما يسمى (الفرقة الناجية)، وهي مقولة لا تخص طائفة بعينها، بل تتشارك مبدأها الغالب الأعم من الطوائف والملل، هذه الفرقة التي ستجد ولاشك في الزواج الديني الضيق -الممنوع عن الآخر- موئلا ومذخرا بشريا يعز عليها التفريط فيه، وإن جاء ذلك بكلفة باهظة, تتمثل تمظهراتها الأبشع في التضييق على روح المشاركة والتعايش وجسر الهوة مع الاخر داخل الحيز المجتمعي الذي تحيا بين ظهرانيه.

ففي حين لا يرى الاسلام ضيما في زواج المسلم بـ(الكتابية)؛ يميز بشكل فاقع في الحقوق مع (كتابيّ) يريد الاقتران بمسلمة، علاوة على أنه لا يعترف بأي دين آخر عدا اليهودية والمسيحة، وبالتالي يصبح زواج المسلم بمن هم خارج هذه الدائرة من أديان أخرى او من غير المتدينين نوعا من الهرطقة، والخوارجية المجتمعية.

وفي المقابل ترفض الكنيسة الزواج المختلط، ولا تباركه، وتقاطع (مرتكبيه)، وعلى المسلمة إن هي أرادت الزواج بمسيحي أن تعتنق دينه, بل ومذهبه بالذات احيانا.
أما الذين لاينتمون لذات المذهب فلا تزوجهم على سبيل المثال المحكمة المذهبية لطائفة الموحدين(الدروز)، والزواج المختلط في أحايين كثيرة, ووفق قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953 والمعمول به حاليا, باطل، وأولاد المتزوجين هم ببساطة في عرف القانون (أولاد حرام, وزنا).
بل إنك لتجد حتى من بين أولئك المحسوبين على المجددين ضمن التيار الديني –السياسي الجديد في سوريا، والجالسين تحت قبة البرلمان الحالي ولا فخر، من لا يتورع عن تشبيه الزواج المدني بسفاد (الحيوانات)، بعد بدعة (بحفض) السياسية التي اتحف بها مشاهديه على LBC العام الماضي, وذلك قبل ان يتراجع –على عادته مؤخرا في تكذيب نفسه على وسائل الاعلام- ويطلب سحب تلك المفردة المشينة من مقابلته.

ولاينغك هؤلاء القوم يتحفوننا يوما بعد يوم بالمزيد من الشطط الذي تذهب فيه ازدواجية المعايير لديهم, إذ وعلى الضد من صاحبنا (المعتدل) إياه، نقع في المقابل وفي فرنسا تحديدا على رأي ديني آخر، يبيح الزواج المدني للمسلمين، بل ويحض على إتمامه بالعقود المدنية التي يتم إنجازها في البلديات، وذلك بعد ان أصدر رئيس دار الفتوى في اتحاد المنظمات الإسلامية باعتماد هذا الزواج المدني (شرعيا)، قائلا أنه لا يرى تعارضا بين العقد المدني والعقد الشرعي، حيث ان السلطات الفرنسية لا تعترف إداريا بالزواج الديني لأتباع أي دين، بل إن هناك مادة في قانون العقوبات تنص على معاقبة من يرتكب مخالفة من هذا النوع بالسجن مدة ستة أشهر وغرامة مالية تصل إلى ما يزيد عن السبعة آلاف يورو.

فعنصر المساواة بين المواطنين إذن أمر غير متوفر من الناحية القانونية خارج إطار الزواج المدني، وذلك في تناقض صارخ مع حقوق الانسان الأساسية والتي تمنع المس بحرية الاختيار لدى الأفراد في انتقاء شركائهم، والذي هو في الأصل منه استجابة للفطرة الطبيعية بالاقتران بالآخر بمعزل عن أي اعتبارات إثنية او دينية، وهو حق نصت عليه الشرعة الدولية لحقوق الانسان في المادة 16 والتي تقول : (تعتبر الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع، وتتمتع بحق حماية المجتمع و الدولة. ومتى أدرك الرجل و المرأة سن البلوغ، يحق لكل منهما الزواج و تأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين.).

كما انه أمر يتعارض مع أحكام الدستور السوري الحالي الذي تنص الفقرة الرابعة منه على: (حرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي)، جنبا إلى جنب مع المادة 44 من الدستور ذاته والتي تنص بصريح العبارة (تحمي الدولة الزواج، وتشجع عليه، وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه).

هذا أو أن يلجأ الناس إلى تبديل أديانهم ومذاهبهم، لا تمثلا لحرية الاعتقاد المصونة دستوريا، وإنما مرغمين على النفاق والكذب، بغية الحفاظ على حقهم في البقاء الى جانب الشريك الذي اختاروه أصلا، وذاكرتنا حافلة بعديد القصص التي يتداولها كثيرون عن أناس تقدموا بطلب تغيير دينهم، ليقابل طلبهم بالرفض لافتقارهم للحد الأدنى من المعرفة بهذا الدين القديم الجديد الذي يظهرون نية التحول إليه، وهو تدليس بلا شك اضطرهم إليه القانون نفسه الذي من المفترض به ان يحمي الحقيقة ويحقها، عدا عن أن هذا الأمر لا بد أن يمر عبر قنوات أمنية أيضا وأيضا، إذ لا يمكن لتبديل الدين هذا أن يصبح (شرعيا) دون موافقتها.

وهكذا تبرع تقاليدنا وقوانينا المتأخرة، في تحويل علاقات الحب, وخيارات الألفة والائتلاف إلى غابة جهنمية من المداخلات الممضة، يختلط فيها القانوني بالأمني، والتشريعي الدستوري بالاجتهادي الديني والمتعنت الروحي، في بلد يحوي ما يقارب من سبع محاكم مذهبية متباينة المشارب والأحكام.

فالزواج في القانون السوري هو زواج ديني أساسا مهما حاول بعضهم تجميل الصورة وتلميعها، أما قوانين الزواج المدني الموجودة في سوريا فهي مخصصة لغير السوريين، وعلى من يريد التنعم بها أن يحمل جنسية أخرى (مع أو بدون) جنسيته السورية، ولهذا يضطر سوريون كثر إلى استقبال اليوم الأول من حياتهم الجديدة مع شركائهم الذين اختاروهم وصادف أنهم ينتمون إلى دين آخر أو ملة مختلفة، في دول أجنبية مجاورة كاليونان، وقبرص، استفادة من قوانين الأحوال الشخصية المدنية فيها، بدل -كما ينبغي لتمام مواطنتهم- أن يكون ذلك على ترابهم الوطني، وبين ذويهم.
ولكن يظل على السوريين الذين يتزوجون بالخارج من أجنبيات بعقد مدني أن يواجهوا عند عودتهم معضلة عدم اعتراف المحاكم السورية بشرعية ارتباطهم ذاك.

وفي الوقت الذي نركن فيه نحن لمماحكاتنا التي لا تنتهي حول هذا الموضوع، نرى كيف تمكن بعض (أشقائنا) و(جيراننا) من قطع شوط لا بأس به في هذا المضمار بغرض ترسيخ هذا المفهوم في مجتمعاتهم، كتركيا على سبيل المثال، والتي تتبنى الزواج المدني في قوانينها رغم انها رسميا تعد واحدة من كبرى المجتمعات الإسلامية في العالم مع تعداد سكان يقارب المئة مليون نسمة، وكذلك الحال بالنسبة لتونس، التي يرجع العمل فيها بقانون الزواج المدني إلى ما يزيد على النصف قرن، وهي عمليا الدولة العربية الوحيدة مع هذا الانجاز، أما في لبنان فقد أدى طرح هذا الموضوع في التداول التشريعي العام 1998 كجزء من مكملات اتفاق الطائف الشهير إلى إثارة عاصفة من الانتقاد من قبل متزعمي الطوائف السياسية آنذاك، لما في ذلك من تهديد لسلطاتهم (الروح-دنيوية), ولم تجد الأحزاب العلمانية في حينه هناك عقائدها المدنية فتيلا.

وليس الوضع على ما يبدو بأحسن حالا لدينا هنا، إذ يظل الجانب التشريعي من قضية الزواج المدني -من بين كل جوانب المسألة الأخرى- هو الأفقر بالمعلومة والخبر والتحليل،وما الأمر كذلك سوى لأن المشرع السوري نفسه يكاد يكون مستقيلا تماما من مقاربة هذا المسألة الهامة والمفصلية، إن لم يكن حريصا كل الحرص على تجنبها، وتفادي التطرق إليها، ويكاد يخلو أرشيف المداولات البرلمانية السوري من أي ذكر لهذا الموضوع.

وإذا وضعنا جانبا إلى حين عددا من الأحزاب السورية والتي هي مستنكفة أساسا عن احتضان هذه القضية، بالنظر إلى أنها ليس من منطلقاتها الفكرية أصلا، نجد ان بقية الأحزاب السياسية الموجودة في ساحة العمل الميداني اليوم –أو كما يتراءى لنا أنها كذلك- ، والتي تتبنى من حيث المبدأ فكرة الزواج المدني السوري –أو كما يترائى لنا أنها كذلك- لازالت حتى اللحظة تتهرب من مناقشة هذا الموضوع صراحة، وتبدو عازفة عن الخوض فيه، ومتعففة عن تناوله، تارة بحجة أن الظرف الاجتماعي المحلي في البلد لايزال غير موات للتعاطي مع مثل هذه الطروحات، وطورا آخر عبر تأخير بند الزواج المدني بالذات، ووضعه في مرتبة متدنية على سلم أجندات العمل الحزبي المجتمعي والسياسي، بالنظر إلى ما تعتقده تلك التيارات والأحزاب من وجود مسائل أكثر إلحاحا تشغلها حاليا، وأولويات أخرى أجدر بالمتابعة والرصد.

وربما لأن تلك التيارات السياسية ببساطة لم تتوصل إلى انجاز ملموس، أو تجسيد واقعي لما درجت على التبشير به في أدبياتها التي تملأ بها دساتيرها ورؤوس محازبيها، من ضرورة قيام وضع قانوني متماسك للأحوال الشخصية عماده وحجر الأساس فيه قانون للزواج المدني.

ويكاد الناظر إلى حال تلك الأحزاب يخال أن الأمرلا يعدو كونه في النهاية سوى مجرد شعار آخر يضاف إلى دفتر شعارات المرحلة المزمنة، ناهيك عن العنت والحصاد المر الذي ينال الباحث والمتقصي وراء أية مكتسبات تدعي الأحزاب العلمانية السورية حيازتها عبر (نضالها) الميمون فيما يخص هذا الجانب بالتحديد.

ولقد كان أمرا شاقا بالفعل مجرد محاولة الحديث إلى أي برلماني سوري عن موضوع الزواج المدني، حتى ضمن تلك الأحزاب التي لا تنكر من حيث المبدأ أنها معنية بطريقة ما بالموضوع، وعندما يصل الأمر حد المصارحة بخطط العمل والاستراتيجيات الميدانية، والبرامج الحزبية التي من المفترض ان تسخر لهذا الغرض، وأن تكون الوسيلة إلى إخراج الأفكار والتنظيرات إلى حيز الوجود، وأرض الواقع، تجد فجأة كيف ان البرلماني فلان قد ازدحمت اجندته فجأة، وأن الآخر علان قد تذكر خريطة العالم فراح يتنقل بين بلدانها بلا رجعة، والثالث في عيادته، والرابع ليس من اختصاصه، والخامس وزير، والسادس ...،وهكذا دواليك.

على أننا وبجردة بسيطة نرى كيف أن البعث العربي الاشتراكي والذي يرفع العلمانية شعارا من شعاراته، ورغم مرور حوالي 45 عاما من وجوده في سدة الحكم في سوريا، إلا أنه لم يسبق أن سجلت سابقة تشريعية واحدة لأحد نوابه الذين يشكلون اليوم 53.6% من اعضاء الندوة البرلمانية بأن تقدم منهم من يطرح هذا الموضوع للتداول البرلماني الجاد، أو يعرضه فيها كمشروع قانون بديل عن ذلك المعمول به اليوم، أو أي شيء من هذا القبيل، ونرحب هنا بصدر رحب لأي تصحيح لهذه المزاعم.

من جانبها تقول السيدة رهام بشور النائبة السابقة في مجلس الشعب السوري عن حزب الاتحاد الاشتراكي (جناح صفوان قدسي)، وهو أحد الأحزاب العشرة التي تتشكل منها الجبهة الوطنية التقدمية التي تحكم البلاد، أنها مع (التلون الطائفي في البلد)، ومع (الحفاظ على كيان الأقليات)، وبالتالي فإن موضوع الزواج المدني داخل حزبها ليس مطروحا على الاطلاق، وأنها شخصيا (ضده يالمطلق).

وتجادل بشور بأن (القواعد الشعبية للأحزاب ترفض هذه التوجه)، كما أن الرأي السائد في مناقشات جلسات الجبهة الوطنية التقدمية ميال إلى اعتبار ان هناك (الكثير من الأولويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحظى بمتابعة وعمل وجهد هذه الأحزاب سوى موضوع الزواج المدني).

وتضرب عضو مجلس الشعب السابقة مثالا عن تلك الأولويات التي تتحدث عنها بمشروع قانون يجري التحضير له (في السعودية) لتجريم العنف ضد الأطفال، وهو ما ترى فيه بشور (أمرا متقدما قياسا بالطبيعة المحافظة لذلك البلد ولقوانينيه الاجتماعية غير المتقدمة)، وهو –أي القانون المشار إليه- أمر يجدر بنا هنا في سوريا ان نعمل على غراره على أقل تقدير.

ثم تنتقل بشور للحديث عن مثل آخر ترى فيه كذلك شأنا أولى بالاهتمام بما يتقدم على قانون الزواج المدني، فمن باب مقاربة العربة والحصان، ترى بشور أننا بحاجة ملحة أكثر في الوقت الراهن لـ(إيجاد قانون احزاب ينظم الحياة السياسية، ويهيئ البيئة –إذا شئت- للتداول في موضوع الزواج المدني)

وتؤكد البرلمانية السابقة أن مسألة الزواج المدني في سوريا (لم تطرح على حد علمي أبدا في مجلس الشعب)، وأنها –أي تلك القضية- (لم تـُقدم ضمن برنامج الجبهة الوطنية التقدمية على الاطلاق)، وإذ لا تستبعد بشور ان تكون هذه المسألة قد حظيت بـ(مناقشات فردية)، غير انها تكاد تجزم ان تلك المناقشات لم تتطور أبدا لتصبح (مشاريع قوانين أو برامج حزبية)، لكن الأنكى يبقى أن هذا الأمر لم يتطور كذلك (ضمن الأحزاب العلمانية كالقومي والشيوعي)، وتقول بشور انه حتى بالنسبة لتلك الأحزاب فإنها (لم تطرح مشاريع قوانين من هذا المثال)، وتعلل بشور هذا التراخي بأن (القواعد الشعبية) لتلك الأحزاب (ة تشدهم إلى الوراء بهذا الخصوص).

عجزت في السابق الأحزاب السورية العلمانية ومن بحكمها عبر عقود من مسيرتها المظفرة في هذا البلد، وتعجز اليوم، عن توفير عشرة من أعضاء مجلس شعبها الـ(250) -سواء المنتخبين منهم أو المعينين- بغرض توفير النصاب القانوني لمجرد طرح قانون الزواج المدني رسميا للمرة الأولى في سوريا، لتظل تلك الأحزاب نائمة في عسل توقعات ان يعمد رجال الدين ذات يوم من تلقاء انفسهم -او بمعجزة حقيقة هذه المرة- ومن دون ضغط شعبي وحزبي وقانوني؛ للتنازل من عن سلطاتهم ما وراء الطبيعية, أو التخلي عن وصايتهم على مجتمعاتنا المحلية المحرومة حتى اليوم من حقها الطبيعي والدستوري في اختيار مستقبلها الاجتماعي الوطني.



2008

الإعلام السوري إذ يفرّط في (المستقبل)

مرة أخرى ينتهك البارود قهوة الصباح, وينتحي الصحفي بكرسيـّه المرصود ليكتب خبرا عن (خبره), طعما في شبك الاشتباكات, ودريئة لكباش المتناحرين, القهر في نفسه, والحرائق في مكتبته, والدماء في حبره, وما من ناشر, ولا من قارئ, ولا من مشاهد.

ولا يسع المرء هنا في أتون الأخبار المتلاحقة من بيروت (الحرائق)* وأعمدة الدخان الأسود تتصاعد لا تزال من مكاتب الجرائد ومحطات التلفزيون, إلا التريث برهة للتأمل في الموقف الذي تواطأ عليه جلّ الوسط الصحفي والإعلامي السوري تجاه ما يجري.

فالمتابع لردة فعل وسائل الإعلام السورية سواء منها الرسمي أو الخاص حول الأحداث التي تواترت مؤخرا على بعد ساعتين فقط بالسيارة من العاصمة دمشق, لا يفاجئ ربما بهول ذلك الصمت البارد, واللامبالاة الفادحة, تجاه قضية الترهيب والإغلاق القسري الذي تعرضت له وسائل إعلام لبنانية محلية, بقدر ما يفجع ربما بحجم تلك الشماتة التي سادت الوسط الصحفي السوري وهو يرقب مجموعة (المستقبل) الإعلامية المؤلفة من قناتي تلفزيون, وإذاعة, وجريدة يومية, وهي تـُقصى -ودفعة واحدة- تحت تهديد السلاح عن المشهد الإعلامي للأحداث منذ اليوم الأول لوقوعها, بل إن بعضا من أولئك الإعلاميين السوريين المحسوبين على الموجة الجديدة التي لم تبلغ شاطئها بعد من الإعلام الخاص؛ لم يطل بهم الأمر قبل أن ينجروا وسريعا لاستخدام لهجة مخجلة تتبنى مانشيتات التابلويد السياسي إعلاميا, وتسوق دون وازع تحويرات شتائمية تجاه ما اعتبروه إعلاما مضادا على الجملة, من قبيل نعت قناة (العربية) بالـ(عبرية), وإلحاق تلفزيون الـ(LBC) بالقائمة الفضفاضة لـ(العمالة للعدو), في استسهال مخز –أقله- للتعاطي بذات اللغة الموبوءة التي يأخذ أولئك الصحفيون على وسائل الإعلام (المعادي) تلك استخدامها, دون أن يشفع لهم بحال ما سفحوه عند أقدام أشباه هاتيك المقاربات من تحليلات أو رصد يزعم الأكاديمية والمهنية, في حين يتم التعامي في اللحظة المشهدية ذاتها عن الـلقطات الـ(مدروسة) التي يبدو أن تلفزيون (المنار) يتقن بدوره زرعها في ريبورتاجاته, متنقلا بحرية أكبر من غيره بين النيران الصديقة, مع منافذ أوسع لكاميراته التي لم توفر (زوماتها) القنابل اليدوية إسرائيلية المنشأ غنيمة حرب إعلامية ثمينة في معاقل الخصوم.
وبذلك لا يكون الإعلاميون السوريون في النهاية قد تأخروا كثيرا عن المشاركة في ماراثون ذر رماد التضليل في المؤق والعيون, وإهالة المزيد من التراب على موءودة كل الأطراف -كما هو الحال في مثل هذه الأحداث- وأعني الموضوعية.

ليس دفاعا عن خط جريدة (المستقبل) الغائبة مطبوعة ً عن أكشاك جرائد المدن السورية منذ حين, والمحجوبة أيضا وأيضا موقعاً الكترونياً عن شبكة الانترنت المحلية, ولا ذوداً عن (فكر) تلفزيون الـ(future) وسياسة ملاكه وتياره, والذي يعتقد كثيرون أنهما لجهة إخراج الـ(بروباغاندا) الخاصة بهما - التلفزيون والجريدة- يكادا أن يكونا من هذه الزاوية بالتحديد -ومن حيث يدري القائمون عليهما أو لا يدرون- توأمين فاقعين لألد خصومهما إعلاميا على المقلب الآخر, من هيئات التلفزة (العامة) الموجهة, والجرائد السورية ذات الخط الرسمي منها, أو تلك الملحقة بالأحزاب, خاصة وأنّ مجموعة (المستقبل) ذاتها سبق وأن أدت قسطها للعلى حليفا للرسمي السوري أيام الحريري الأب, قبل أن تقلب له لاحقا ظهر المجن.

بيد أن هذا الأمر شيء؛ وموضوع أن نمعن صمتا ونستمرء رؤية أحد صحفيي مؤسسة (المستقبل) تلك وهو ينحني في مكتبه ليلتقط أمامنا من الفوضى العارمة تحت قدميه لا قلما ولا ورقة ولا صورة, وإنما شظايا من قذيفة (ب 7)؛ هو شيء آخر تماما.

إذ لا مكان للشماتة هنا, إلا ممن يريد الشماتة بنفسه, ومؤسف حقا أن المرء لدى مطالعته قدرا غير يسير مما نشر على صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية المحلية السورية خلال الفترة الماضية –أو ما لم ينشر- لاينفك يتعثر ببعض الإعلاميين السوريين متلبسين بأدوار لا تليق بهم, غافلين عن أن آخر ما يحتاجه اليوم إعلامنا السوري, من السقوط في ظلّ ذلك الفخ الذي يـُزعم دائما أن الآخر الإعلامي قد استساغ التمرغ في (أوحاله).

ومن غير المجانب للصواب تماما الادعاء هنا أن هذا الإعلام السوري في نسخته (الخاصة) –ولا أقول المستقلة- لمـّا يخرج بعد من إسار تراث الإعلام الرسمي الإقصائي, وتقاليده التعبوية الدوغمائية, والتي استفحلت في حياتنا الإعلامية لما يزيد عن الأربعة عقود ونيـّف, خاصة إذا علمنا أن كثيرا من إعلاميينا وصحفيينا السوريين لا زالوا ينوسون بلا بوصلة تقريبا بين كلا القطاعين, مرغمين أحايين كثيرة على (مسايسة) سياسات تحرير الفريقين معا في آن.

ومتابعة متأنية لكل المشاهدات الآنفة تكشف كيف أن القيمين على الإعلام السوري والقائمين به ككل؛ يفتقرون للحد الأدنى من أسس إستراتيجية خليق بها أن تنال حيزا أكبر في رؤاهم الإعلامية ضمن أفقها الأوسع –إن وجدت تلك الرؤى أصلا-, استراتيجية تضع في اعتبارها قيم المنافحة عن مقومات وجود هذا الإعلام في أصله, من حق الحصول على المعلومة, وحق التعبير بها وعنها, والأهم في هذا المقام تكريس واجب التضامن مع كل من تسلب منهم هذه الحقوق, كون هذا التضامن عمليا تضامنا مع الذات وذخرا مستقبليا لها.

وبعيدا عن استلاب المصطلح السياسي في عمومه, ومصادراته التي لاترحم, يتوجب من منطلق إعلامي محض التأكيد مرة أخرى والدفع بقوة للتذكير أنه لايمكن أن يكتب لـ(التحرير) التمام والاكتمال طالما أنه لا يزال هناك رصاص يئزّ في غرفة (التحرير), وأنه لا يمكن لأي مقاومة أمينة لمبدئها -أيا كانت- أن تنسحب القهقرى وتتهاون هكذا فجأة أمام (العدوان) على الفكرة, أو أن تسلم بهذه السهولة بـ(احتلال) الكلمة والرأي.

وإلا فنحن مهددون بالمزيد من الانتكاسات داخل هذا الجسم الصحفي الذي يعاني ما يعانيه, نكسات قد تحمل دلالات وتضمينات بالغة الخطورة والفداحة, كتلك اللقطة التي عبرت في شريط الحدث الداهم قبل أيام, وظهر فيها أحد مذيعي قناة (المستقبل) وهو لايزال تحت تأثير صدمة ما لحق بمؤسسته الاعلامية من ضيم وتكميم للأفواه ليقول كلماته المرعبة يومها:(أعترف أنني صرت منذ اليوم طائفيا)!

الصحفي ليس عدوّا, فمن باب أولى ألا نكون –نحن الصحفيين- أعداء أنفسنا.
________________

* (دمشق الحرائق), مجموعة قصصية لـ زكريا تامر



05-2008

2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

استراتيجيات الشباب، بين التراصص والتحاصص (2)

-آراء قيادات حزبية في موضوع العمل الحزبي الشاب - الجبهة الوطنية التقدمية


ناصر الأسود
عضو قيادة فرع حزب الاتحاد الاشتراكي العربي




فيما يدور الصراع حول من هو على صواب بين الأحزاب داخل الجبهة وخارجها؛ يتعرض شبابنا إلى قصف فكري, ومسح للذاكرة الوطنية والقومية.

القيادة السياسية مدعوة لفتح حوار داخل الحزب القائد, كي تكون هناك نظرة أكثر (تقبلا) لأحزاب الجبهة الأخرى.

أحزاب الجبهة ترهلت في مرحلة من المراحل, وصار قطاع من الشباب يدخل أحزابها -بما فيها الحزب القائد- للمنفعة.

نجد أنفسنا مضطـّرين إلى (عقلنة) تصرفات وطروحات شبابنا ممن يتجاوزون الخطوط خالقين (إشكالات) لكتلهم الحزبية.



من دون مقدمة....


• ....................؟

"الأزمة في الإقبال على العمل الحزبي لدى الشباب ليست قضية تختص بها الأحزاب الناصرية دون غيرها، بل هي أزمة عامة تشمل كل القوى السياسية.

وهي ناتجة جزئيا عن عدم وجود صياغة للرؤى الفكرية لهذه القوى بعد كل هذه التغيرات التي طرأت، ونلمس تجليات ذلك في الأحزاب الموجودة داخل الجبهة الوطنية التقدمية، والتي لها شرعية في الحركة والعمل، أو تلك الأحزاب التي ربما تملك رؤى أيديولوجية مماثلة إنما تختلف سياسيا مع الحزب القائد وأحزاب الجبهة، ولكن في المحصلة الكل بحاجة إلى إصلاح.

الأمر الذي يدفعنا تلقائيا إلى التمسك بهذه الشريحة الشبابية التي اختارت العمل الحزبي-تشكل جزء متواضعا من قطاع الشباب السوري الأوسع-.

وفيما يدور الصراع حول من هو على صواب بين الأحزاب داخل الجبهة وخارجها، أو بين أحزاب الجهة و الدور الأكبر لحزب البعث؛ يتعرض شبابنا في الخارج إلى قصف فكري، ومسح للذاكرة الوطنية والقومية!".

• ....................؟

"القيادات في الصف الأول تدرك هذه المسألة، ولا يجوز -بهذه الاطلاقية- القول أن القيادة السياسية للجبهة لم تفتح المجال أمام أحزاب الجبهة للعمل، كما لا يجوز القول أنّ هذه الأحزاب عاجزة عن العمل ضمن البيئات الشابة، وإنما يوجد هناك داخل الحزب القائد من يتعامل مع موضوع أحزاب الجبهة على أنها حالة خلافية، رغم أنّ الجيل الشاب يجد تطابقا شبه كامل بين ما تقدمه أحزاب الجبهة وبين ما يطرحه الحزب القائد!

والقيادة السياسية مدعوة بهذا المعنى لفتح حوار داخل الحزب القائد، بغرض أن تكون هناك نظرة أكثر (تقبلا) لأحزاب الجبهة الأخرى، متجاوزين حالة (المجاملات) في المناسبات بين القيادات.

يمكنني القول أنّ أحزاب الجبهة تحولت في فترة سابقة إلى حالات عائلية، وبقيت ضمن الدوائر الضيقة. هناك نمط في التفكير بحاجة إلى مراجعة، لكن التغير الحاصل يجب التقاطه.

هذه الدائرة التي يخافها (بعضهم) أقول لهذا الـ(بعض) هي منكم وفيكم، والأمر أشبه بحالة من يخاف من ابنه إذا تفوق دراسيا!"

• ....................؟

"آلية العمل السياسي اليوم لا تتيح للشباب أن يكونوا ضمن الأفق السياسي الكبير كي يمارسوا دورهم، مضافا إلى ذلك آليات العمل ضمن الأحزاب بطابعها التقليدي واجترارها للممارسات البيروقراطية.

وأقول في هذا السياق أيضا،أنّ أحزاب الجبهة كانت فيما مضى تتلقى دعما ماديا من الدولة، وهذا الدعم بدأ يخف إلى حد ما، الأمر الذي يطرح سؤالا فيما إذا كان من المتاح أمام أحزاب الجبهة ضمن الشرط السياسي الحالي؛ أن تنشئ لنفسها مؤسسة اقتصادية يفتح لها المجال أمام تدعيمها ماليا؟

أحزاب الجبهة ترهلت في مرحلة من المراحل، وصار قطاع من الشباب –بعيدا عن التعميم- يدخل أحزاب الجبهة -بما فيها الحزب القائد- بغرض اكتساب بعض المنافع، ولم تعد القضية في السنوات العشر الأخيرة قضية (كوتات) وحصص؛ بقدر ما هي إنجاز ميداني على أرض الواقع.

والقيادة السياسية تعي هذا الأمر، وترسل هذه الرسائل، ومن لا يريد أن يفهم فهذه مشكلته، فالفاعلية على أرض الواقع هي معيار بقائك، ومن يعمل يجد فرصته.

لكننا في مسألة السقوف والهوامش نعود فنصطدم مع الجيل الشاب وروح المغامرة والجموح التي لديه، فنجد أنفسنا مضطرين إلى (عقلنة) تصرفاتهم وطروحاتهم أكثر، إلى حد قد يشعرون معه أنّ ثمة تقييدا على حركتهم، وهي نقطة مفصلية بالنسبة إلى حديثنا هذا، حيث ونتيجة للاندفاع الذي ذكرت؛ يتجاوز الشباب بعض الخطوط مما يخلق (إشكالات) لكتلهم الحزبية.

مثل حالة ذلك الشاب من شبابنا في حزب الاتحاد الاشتراكي، والذي تكلم في إحدى الندوات التلفزيونية المسجلة كلاما تم حذفه لاحقا من الحلقة عندما أذيعت!

أما إن كانت هذه الـ(لا) تأتي بالإقناع أم (لا) –وفق تعبيرك- فقد أكون مبالغا في حديثي إذا أجبتك بـ(نعم)، بمعنى أنها تأتي بالإقناع، لكنه لا يمكنني في ذات الوقت القول أنّ الأمر يتم بجرة قلم أو قرار.

وهنا تمارس القيادات الحزبية الوسطى شيئا من المزاودات حول مثل هذه الحالات، كأن تحتجّ مثلا على إعطاء شباب كهؤلاء الفرصة للكلام قائلين (ألا تعلمون أننا داخل الجبهة...) وما شابه، في حين يكون رأي المكتب السياسي للحزب مغايرا لهذا الطرح"

• ....................؟

"من يقول اليوم (أنا واحد وغيري يتبع لي) لن يصل، بل أمامه طريق مسدود، ولا جدوى من وراء الحديث عن أنّ طرفا بعينه قادر على أن يحمل على كاهله كل الأمور، وانطلاقا من المبدأ ذاته نعرف أنّ الدولة لم تعد تستطيع أن تلبي كل شيء، فأبوية الدولة لم تعد قائمة، ولا يدعيّن أحد أنه يملك الحقيقة أو رؤيا الحلول للمشاكل وحده.

كنت مرة في أحد المخيمات الكشفية ضمن دورة قادة، ليأتي أحدهم -وهو عضو له مركزه اليوم في اتحاد شبيبة الثورة- ليقيمني ضمن الاستمارة المقدمة كـ(حيادي إيجابي)؟!

فسألته كيف تضع مثل هذا التقييم لي وأنا عضو قيادة فرع في واحد من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية؟!"

• ....................؟

"أقول للجهات المكلفة بضبط السقوف؛ يجب أن نستمع جيدا إلى هؤلاء الشباب ونسعى إلى فهم تلك الطروحات التي نرى أنها تتجاوز (السقف)، لأن الخسارة ستكون في تحويل هؤلاء إما إلى النموذج غير المبالي، أو ذاك المنغلق على أفكار محددة، يطلب عبرها الراحة والتوازن بالمعنى النفسي؛ كالتدين من دون مواقف مثلا، والذي يدفع باتجاه التعصب.

علينا إذن أن نستوعب هؤلاء الشباب، ونفتح أمامهم هامشا أكبر لطرح أفكارهم ورؤيتهم، لأنهم يمثلون طاقة بإمكاننا الاستفادة منها وتوجيهها، وقد لمسنا حجم تفاعلها مثلا في حرب تموز الأخيرة، وخاصة فيما يخص

عمليات الإغاثة، وفي السياق ذاته أشير هنا كيف وجدنا أن الفعاليّات الأهلية كان لها دور في هذا الأمر أكثر من الأحزاب المؤطرة، نظرا لأنّ هذه الأخيرة غير معتادة على ممارسة هذه الأشكال من النشاط.

وأنا أتفق معك على أنّ ثمة فجوة معرفية لدى هذا الجيل الشاب مع ما سبقه، لكنها فجوة بحاجة إلى ترميم لا أن نقفز فوقها، بيد أنّ الطريقة القديمة في مخاطبة الشبّان لم تعد مجدية، من دون أن يعني ذلك أننا لم نعد بحاجة إلى مضامين الأيديولوجيات نفسها"

• ....................؟

"كانت الجبهة لدى تشكلها من أحزاب يسارية وقومية –إضافة للبعث- معبرة عن مرحلتها والجو العام في حينه، أما لآن فنحن لسنا بحاجة فقط إلى توسيع دائرة هذه الجبهة -كما طرح في المؤتمر العاشر لحزب البعث- بل برأيي لا مانع حتى من طرح أكثر جرأة.

فنحن إن كنا حريصين على سوريا بالفعل لا يفترض بنا أن ننظر نظرة إقصائية إلى هذه المعارضة التي تملك نفس الطروحات الوطنية، ونفس الرؤيا القومية، ونفس الخطوط العامة في مسألة الصراع مع الصهيونية، خاصة تلك التي تعمل منها تحت سقف الوطن، ولا تشارك في اجتماعات مشبوهة.

وان كان الواقع يوحي بشيء غير هذا؛ فأنا لا ألوم فقط طرف السلطة، بل ألوم الأطراف الأخرى التي تمارس نوعا من الطهرانية السياسية، والعمل في الغرف المغلقة -الذي لن يجدي-، خاصة وأنّ بعض أحزاب المعارضة لا يعرف الناس عنها شيئا، و لم يسمعوا بها من قبل، ولو حاولت أن تجمع حولها أحدا؛ فلن يجتمع حولها إلا القليل.

مع العلم أنّ أحزاب الجبهة -من دون البعث- قريبة أيضا من هذه الحالة، وقد تحصل بعض الاختلافات أحيانا مع البعث في حين أن على الطرف الآخر أن يدرك أن ّ المعركة ليست مع هذه الأطراف، والتي هي في النهاية أطراف تريد مصلحة الوطن منيعا متماسكا، للشباب فيه دورهم وفاعليتهم، ولاشك أن أكثر ما يزعج الشباب ويخلق لديهم حالة من التراجع والانكفاء؛ هو شعورهم بمسألة التطابق الكامل هذه، والتي هي نقطة سلبية.

لذلك أنا أدعو إلى إقامة (حلقات وسيطة) وتنوع أكبر، فالحراك السياسي الناجح في أي بلد هو ذلك الذي يتيح النظر إلى المسائل المطروحة من زوايا أخرى مقابلة."

• ....................؟

" لم يكن داخل الحزب من قبل هيئة معنية بالشبان خصوصا، وأنا مكلف اليوم بوضع دراسة منهجية لمكتب الشباب داخل الحزب، وقد طرحت في عرضي فكرة التخلص من آلية التعيين عبر الأمناء العامين وأعضاء القيادة نحو آلية جديدة تمر من خلال الممارسة والانجاز على أرض الواقع حيث المحك العملي.

وتوصلت عبر مجموعة من شباب الحزب إلى نتيجة قد يجدها بعضهم جارحة؛ لكنني اكتشفت عمليا أن طابع الحوار داخل هذه المجموعة متقدم

فكريا وحركيا على الحالة الموجودة داخل الفرع نفسه، رغم أنهم تنظيميا دون مستوى الفرع!

وهذه تجربة جديدة -لا يتجاوز عمرها السنة تقريبا- داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، وداخل فرع دمشق تحديدا، وكان من نتيجتها أن أحد أفراد المجموعة تمكن بعد وقت صغير من التقدم بطالب افتتاح شعبة لحزبنا في ريف دمشق"

• ....................؟

"دعني أخبرك هذه الحادثة، كان هناك احد الأشخاص الذين تركوا حزب البعث منذ سنة 94،

وانضم إلى حزبنا، ثم رشح نفسه في الانتخابات العمالية، لكن اسمه شطب لاحقا!

وقد حمل أمين الفرع قضيته إلى مسؤول في فرع دمشق لحزب البعث، الذي أخبره أنه ثمة لديهم قرارا يجعل من غير المسموح لمن ترك حزب البعث أن يأخذ أي موقع في المستقبل، فرد عليه أمين فرعنا أن الشخص المشار إليه كان ضمن حزب البعث بسبب (طريقة معروفة، عندما يكون المرء في سن معين في المدرسة ولا يعرف بعد ما هي السياسة).

ما أريد قوله هو أنه على الجميع أن يعي أنّ ما يدور حوله الخلاف، ليس هو المعركة الأصلية. يجب أن نضع المجهر ونتأمل الواقع جيدا لنرى ما الذي يحصل لشبابنا، وما هي هذه (الدوائر) التي تجتذب هؤلاء الشباب.

في إحدى المناسبات المهمة لنا وهي ذكرى الوحدة بين سوريا ومصر، دخلت الاجتماع لأشاهد بضع عشرات فقط من الحضور (لنقل مئة... مئتان) وهذا ليس غريبا، في حين أنني عندما خرجت وجدت أن احد مرشحي مجلس الشعب وقد تمكن من حشد الآلاف في خيمته الانتخابية،

علما أن هذا الشخص (م.ح) نفسه ستقرأ عنه في جريدة (تشرين) اليوم أنه قد تم إلقاء الحجز الاحتياطي على أمواله المنقولة وغير المنقولة!

كيف يستطيع شخص بالأموال أن يوظف هؤلاء الفتيات والشبان المنطلقين، ويدفعهم للهاث أياما طويلة من أجل أن يعطيهم في نهاية حملته بضع آلاف من الليرات وما شابه.

علينا أن نـُشعر هؤلاء الشباب بوجود حلقات وسيطة يستطيعون التعبير من خلالها، والأمر في رأيي يشبه فرق الكمون في الكهرباء؛ وما لم يكن هناك (فرق) كمون فالتيار عندها سيكون (صفرا)!

بمعنى أن زاوية الرؤيا المختلفة بعض الشيء هي التي تنعش الرغبة لدى الشباب ليصبحوا جزء من العملية السياسية، وتبعدهم عن أنواع من الاستجداء مررت عليها آنفا، خاصة في ظل أوضاع البطالة هذه، وأنا هنا لست في وارد مناقشة صحة أرقام المكتب المركزي للإحصاء بقدر ما أرغب في الإضاءة على ما تنعكس فيه هذه البطالة من فراغ لدى الشباب، وإضعافا لانتمائهم الوطني عندما لا يجدون وظائف تناسب مؤهلاتهم.

علي أن أُشعر الشباب أنهم جزء من النشاط العام، وأنّ لهم دورا في الواقع، إن لم يكن في صنع القرار؛ فبمراقبة هذا القرار والتدقيق فيه، أو على الأقل مناقشته.".





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!


استراتيجيات الشباب: بين التراصص والتحاصص(1)

-آراء قيادات حزبية في موضوع العمل الحزبي الشاب - الجبهة الوطنية التقدمية


أسامة الماغوط
سكرتير اتحاد الشبيبة الشيوعية (شبيبة خالد بكداش)
الحزب الشيوعي السوري




الرفيق خالد بكداش تكلم مع الرئيس حافظ الأسد قائلا:(هل ستمنعون أولادنا من أن يصيروا شيوعيين)؟

ليس مطلوبا من الشباب قراءة تاريخ سوريا ليحددوا موقفهم السياسي؛ فهناك عمـّال شباب سوريون لا يجيدون حتى القراءة!

لا يمكن القول أن إطلاقنا اسم (شبيبة خالد بكداش) على التنظيم الشبابي في الحزب الشيوعي السوري هو تكريس لـ (عبادة للفرد)!

لنقل للشباب كل الحقيقة, ولنطلعهم عمـّا يدور في البلد, من أسباب الفقر والظلم الذي يعيشونه, ولنعطهم لاحقا حرية اختيار اصطفافاتهم السياسية.



من دون مقدمة....



• ....................؟

"في 1931 أي بعد 7 سنوات فقط على تأسيس الحزب الشيوعي السوري كان هناك تنظيم شبابي داخله، وكان في حينه فرعا من الأممية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا لم ينقطع العمل بين الشباب من طرفنا بتاتا، تحت اسم (الشبيبة الشيوعية السورية) في البداية، ثم (اتحاد الشباب الديمقراطي)، قبل أن نعود إلى الاسم الأول في المؤتمر الأخير وهو اتحاد الشبيبة الشيوعية.

ناهيك عن أنّ تأسيس الحزب الشيوعي السوري أصلا قام على أيدي شباب كانت أعمارهم في حينها في العشرينات، والقيادات التي ثبـّـتت الحزب في البلد كانت من الشباب."

• ....................؟

"رغم ميثاق الجبهة إلا أننا لم ننقطع كحزب شيوعي عن العمل بين الطلاب، وكان لدينا تواجدنا الجدي في المدارس والجامعة، فهذه المسألة بالنسبة لنا كانت قضية حساسة لا مجال فيها للأخذ و الرد، حتى أنّ المرحوم الرفيق خالد بكداش تكلم مع الرئيس حافظ الأسد قائلا (هل ستمنعون أولادنا من أن يصيروا شيوعيين؟)

وكان هناك تفهم لهذا الموضوع، حيث لم نتعرض لأية مضايقات في هذا الخصوص، أمّـا عدم اشتغال باقي الأحزاب على هذه الأمر فهذا موضوع يعني تلك الأحزاب مباشرة.

والادعاء بأنّ الظرف غير مناسب للعمل هو من أسهل الأعذار، ولكن الوضع على غير ذلك.

هناك هامش من الديمقراطية في البلد، وقد أصبح الموضوع أسهل اليوم بعد أن لم يعد هناك في ميثاق الجبهة نفسه وجود لبند (حظر العمل بين الطلاب) بالنسبة لأحزاب الجبهة، لكن بالأصالة عن أنفسنا (الحزب الشيوعي السوري) أقول أننا كنا نعمل قبل هذا التعديل ولا زلنا مستمرين بالعمل بعده، بل إننا ندعو اليوم إلى نوع من العمل المشترك بين شبيبة أحزاب الجبهة ذاتها.

فمشاكلي أصلا أنا كطالب جامعة هي في المحصلة واحدة، سواء كنت شيوعيا أم بعثيا أم قوميا سوريا أم ...، وعليه يمكن إيجاد عمل جماعي بيننا يكون موجها للوسط الجامعي.

لكننا وعدا عن أي شيء آخر موجودون كشيوعيين في اجتماعات الاتحاد الوطني لطلبة سوريا.

وأنا أذكر جيدا أنه إبـّان دخولي الجامعة -كلية الهندسة الزراعية- في العام 91 شاركت في الانتخابات الطلابية ونجحت باسم الشيوعيين، وبغض النظر عن وجود قوائم أم لا، كنا موجودين، ونحن موجودون اليوم أيضا في كل الكليات.

والدليل على ذلك أنه كان لدينا منذ فترة قريبة مهرجان بمناسبة الذكرى الـ90 لثورة أكتوبر والـ95 لميلاد الرفيق خالد بكداش والـ83 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، ولو لاحظت فقد كان 70% من الحضور من فئة الشباب، ومن دون أيـّة مبالغة.

كما أذكر كذلك حضوري مهرجانا لـ(اتحاد الشباب الديمقراطي) في (الفرلـّق) في اللاذقية، وفي مكان عام سنة 88.

لذلك نحن في حزبنا لا نعاني من أية شيخوخة، والشباب موجودون من الهيئات القاعدية حتى القيادية، كالمكتب السياسي و اللجنة المركزية"

• ....................؟

"منذ العام 1924 وطوال تاريخ سوريا المعاصر، كان هناك حزب شيوعي سوري.

وهذا يقع في الصلب من إستراتيجيتنا في التوجه للشباب، إضافة إلى حرصنا الدائم لنكون مع أولئك الشباب من حيث متابعتنا مثلا لشؤونهم المطلبية في الجامعة مثلا، حيث حصلنا بذلك على تجاوب من تلك الشريحة أكبر مما كان من قبل، وتجلى ذلك لاحقا بمدى التجاوب معنا عندما نوزّع بيانا ما، أو ندعو إلى احتفال أو حوار، بل وحتى في الدعوة إلى التنظيم نفسه.

وأنا –لو سألتني رأيي- أعتقد أن الفكر الماركسي اللينيني والأفكار الشيوعية؛ حالة موضوعية في البلد، وربما تتميز سوريا بذلك عن بقية البلدان العربية، فالمجتمع يتقبل هذه الأفكار ويتعامل معها بشكل طبيعي، على الرغم من الفكرة السائدة بأنّ مجتمعاتنا مجتمعات إسلامية، تملك نوعا من ردة الفعل تجاه أفكارنا كماركسيين، بيد أننا لم نجد في سوريا حالة كهذه، وخاصة بين الشبيبة"

• ....................؟

"في رأيي أنه ليس مطلوبا من الشباب بشكل عام معرفة تاريخ سوريا، من أجل أن يحددوا موقفهم السياسي، فهناك مثلا عمال شباب سوريون لا يجيدون حتى القراءة.

نحن نركز أكثر على القضية المعاشيـّة والحياتية للإنسان، فهي الأقدر على تعريف الشباب على القوى السياسية.

أنا لا أؤمن بالاكتفاء بالقول أنّ الشباب (مسَيــبة)! إذ توجد تأثيرات كثيرة يتعرض لها الشباب تساهم في الوضع الراهن، من ثقافة استهلاكية وأفكار دينية غيبية وغيرها، وفي هذا لا يقع اللوم على الشباب، بل على هذه الأحزاب التي عجزت عن تقديم أفكار تتقبلها الشبيبة.

فقد يتطلب منك إقناع شاب بالماركسية اللينينية أن يكون ذلك الشاب قارئا ومحبا للاطلاع على الأقل، لكنك تستطيع الوصول إليه من جهة أخرى بشكل أكيد عبر القضايا المعاشية اليومية.

لذلك كان شعارنا ضمن التنظيم الشبابي في الحزب هو (الدفاع عن الوطن، الدفاع عن حقوق الشبيبة السورية)، والجزء الثاني من الشعار معني بما تتعرض له هذه

الشريحة من الأوضاع المعاشية الصعبة، كغلاء الأسعار والسياسات الاقتصادية الجديدة، وقلق الشباب بشان مستقبلهم دراسيا ووظيفيا .

وهذه أسئلة كبيرة، وخطيرة لا يمكن الاستهانة بها، وكان لدينا توجه في الحزب يقول (لنقل للشباب كل الحقيقة)، ولنطلع الشباب عما يدور في البلد، وسبب هذا الظلم الذي يعيشونه والفقر من حولهم، ولنعطهم حرية الاختيار لاحقا فيما يخص حياتهم، وفيما يخص اصطفافاتهم السياسية، وإحدى هذا الاصطفافات السياسية بالمناسبة هو أن يختار الشاب ألا يصطف مع أحد، وهذا بحد ذاته خيار، ومن الخطأ اعتبار أنّ هذا الشاب الذي ينحصر اهتمامه بالانترنت والأفكار الدينية، أو ذلك غير المنتمي لتيار حزبي ولا يريد حتى القيام بذلك، والذي لا يعجبه أحد؛ هو شاب غير مسيّس، على العكس تماما من ذلك، بل هو مسيّس إنما بطريقة أخرى."

• ....................؟

"أولا فكرة أن يكون جميع الشباب مساهمين في الشأن السياسي المباشر فكرة غير واقعية حتى في أكثر دول العالم ديمقراطية، بينما إذا أخذنا الأطر الأخرى المعمولة لهذه المشاركات كالمنظمات؛ لوجدنا سوريا من أكثر البلدان التي تحوي مثل هذا المنظمات، ولا يكاد يوجد شاب و إلا تجد أنه منضو ضمن منظمة أو نقابة أو جمعية أو اتحاد.

والحل في واقع الأمر يكمن في تفعيل هذا الشكل من العمل، ونحن نطالب بتوسيع الحريات الديمقراطية بغرض ترسيخ الممارسة اليومية، إذ على الشاب أن يتعلم كيف يطرح ويناقش رأيه السياسي ويعرف بلده ومشاكل بلده، وإلا فإنه لن يكون موجودا أو مؤهلا أصلا، أو قد يختار أن يدير ظهره و(يمشي)، وهذه قضية خطيرة.

فالشكل الموجود حاليا لا يرضي طموحنا، رغم أنه لدينا شيء أنجز حقيقة، ولكنه بحاجة إلى حوار و نقاش وتفعيل، ومن هنا ونحن كوحدة عمل ونشاط الشبيبة الشيوعية السورية ليس لدينا مشكلة في اللقاء حتى مع اتحاد شبيبة الثورة، وعلى هذا الأساس نطالب بتوسيع الحريات الديمقراطية"

• ....................؟

"الساحة الشبابية كبيرة وتتسع للجميع، ومن الخطير أن يفكر (بعضهم) أن وجود الآخر هو نفي له، وللأسف الأحزاب الأخرى فيما عدا البعث والشيوعي غير موجودة على الساحة، و لا أرى أن لديها تنظيمات شبابية لا من أحزاب الجبهة و لا من خارجها.

وأن أعتقد أنّ آلية العمل الحزبي لدينا تبقينا على بر الأمان في مواجهة قضايا من هذا النوع، إذ لدينا آليات ديمقراطية في نقاش المهام والعمل، وتجد عندنا

اليوم مثلا شبيبة عمالية، وشبيبة طلابية، وشبيبة تعمل في الريف، ونحن على تماس مع الواقع المعاش، ولم يسبق أن حدث مثلا أن طرح أحد موضوع إضراب أو عريضة عمالية أو ما شابه؛ ثم عارضها شخص من القيادات.

ومنطلقنا في هذا أنّ أولئك الشباب أدرى ببيئتهم، طالما أنهم يتحملون مسؤولية الموضوع، بمعنى أن يكونوا قد درسوا المشروع بطريقة صحيحة، وأي شيوعي شاب يحق له ضمن هيئته أن يتحدث بما يشاء وكيفما يشاء.

نحن في الحزب الشيوعي لا نعتبر الشباب طبقة خاصة، وإنما شريحة من المجتمع فيها من كل الطبقات، وقد استطعنا عبر تاريخ التنظيم أن نستقطب الكثير من الشباب على صعيد النوع والكم، وإن كان تركيزنا ينصب على الشبيبة الكادحة انطلاقا من أيديولوجيتنا"

• ....................؟

"أنا أعمل مع الشباب منذ وقت طويل، ولم يسبق أن واجهنا مشكلة جدية بخصوص انتقادات

الديكتاتورية أو الانتهازية كما جاء في سؤالك، فنحن نشجع المبادرات ونثق بالشباب، وأؤكد على مسألة الثقة هذه لأنها قضية هامة جد.ا

وأذكر هنا بشيء هو أنّ (التنظيم) حالة متقدمة جدا من الوعي، وهو عمل يغربل الأفكار ويشذبها، ويسعى لتجميع وتطوير وتوسيع المدارك، وهو نوع من ربط الحياتي والشخصي بتنظيم معين، وهذه الفكرة بالذات جديدة لدى الشباب.

وخصوصية سوريا هنا أنّ الناس كلهم وطنيون، وكلهم مسيسون بطريقة أو بأخرى، فجميعهم تقريبا لديهم آراء سياسية، لكن موضوع الحزبية بين الشباب كما قدمت أمر جديد، وهم يجدون صعوبة برأيي في التعامل مع هذا الموضوع.

فقبل أن يقرر الشاب الالتزام؛ عليه أن يقتنع، ولو لم نستطع نحن كحزب إقناع هذه الآلاف من الشباب لما رأيتهم بيننا اليوم.

نحن في التنظيم لا خطوط حمراء لدينا في الأسئلة، بل على العكس، نحن نحث الشبيبة على طرح الأسئلة لنضمن أنّ الشباب الموجودون إنما هم موجدون عن قناعة، وإلا لأصبح التزامهم الحزبي هشا، علما أنّ الأفكار التي نحث الحزبيين على مناقشتها ليست سهلة، وهذه حالة متقدمة عن كثيرين يصفون أنفسهم بأنهم ماركسيون، لكنك حين تدخل معهم في نقاش ما ستجد أنهم لا يعرفون من الماركسية إلا (الألف و اللام)!"

• ....................؟

"الشرط الوطني حاسم قبل الحديث عن أي حوار، ونحن -كتربية شيوعية للشباب- نقول أنّه مادام الآخر وطنيا فمن الطبيعي التحاور معه في كل شيء، وحول أي شيء.

وشعبنا بشكل عام وطني، معاد للامبريالية، معاد للصهيونية، وهذه واضح، والناس مع تراث وطنهم وسيادته وحمايته، ومع استعادة الجولان، وهي الحالة العامة لدينا، وعلى هذا الأساس يمكن الحوار مع الآخر مهما كانت أيديولوجيته، حتى الدينية منها.

وقد يفاجئك أن تلتقي مع هذا الآخر في قضايا كبيرة وأساسية، والحوار هو السبيل الوحيد لكي تكتشف ذلك.

وشعارنا كما أسلفت لك هو (الدفاع عن حقوق الشبيبة السورية)، والشبيبة السورية -بطبيعة الحال- ليست جميعها داخل الجبهة الوطنية التقدمية، والشباب السوري في النهاية على اختلاف انتماءاته السياسية لديه نفس المشاكل، وطالما أننا اخترنا الوطن؛ فكل المواضيع الأخرى قابلة للنقاش والحوار، والمظلة الوطنية برأيي ليست مظلة منخفضة السقف، ولا هي بالضيقة، بل على العكس تماما من ذلك"

• ....................؟

"لا يمكنك القول أن إطلاقنا اسم (شبيبة خالد بكداش) على التنظيم الشبابي في الحزب الشيوعي السوري هو (عبادة للفرد)!

وهي أصلا لم تسم بهذا الاسم إلا بعد وفاة خالد بكداش، ونحن كشيوعيين متحزبين على قناعة كاملة بأن هذا الشخص قدم الكثير للحزب والبلد.

دعني أقول لك شيئا، أنا شخصيا أتمنى أن يكون لدى الجميع رموز يتمسكون بها، لأن الرمز هو شكل من أشكال العمل السياسي، وقضية تحطيم الرموز هي مظهر من مظاهر الثقافة الاستهلاكية الوافدة على البلد، الساعية إلى تغييب الرموز الوطنية.

أما إطلاق اسم خالد بكداش على التنظيم الشبابي في الحزب فهو نوع من العرفان بالجميل لهذا الشخص ودوره، وهو بالمناسبة قرار اتخذ في مؤتمر للشباب وبالتصويت العلني، بل كان ثمة تخوفا لدى بعض الشباب ألا يكونوا هم بحجم مسؤولية الاسم!"

• ....................؟

"ماذا تقصد بقولك أنّ هذه (الدماء الجديدة) لم تصل إلى (الرأس) بعد؟

سؤالي لك بالمقابل هو (ألم يبق مكان في الحزب ليتبوأه الآخرون سوى الأمانة العامة؟!)

لدينا في الحزب الشيوعي مناصب كثيرة في المكتب السياسي واللجنة المركزية والمؤتمر .. الخ، والأمين العام وصال بكداش تم انتخابها في مؤتمر للحزب في اقتراع سري و ديمقراطي من ضمن مرشحين آخرين.

أنا شخصيا حضرت الكثير من المؤتمرات لأحزاب أخرى –وأرجوا ألا تأخذ كلامي على محمل الدعاية لحزبي- لكنني لم أشهد حقيقة ممارسة ديمقراطية في انتخاب الهيئات؛ كالذي رأيته داخل الحزب الشيوعي السوري.

فأنا أعرف كثيرا من الأحزاب التي تعتمد مبدأ القائمة التي إما أن توافق عليها بكل ما فيها أو ترفضها، في حين أنه يوجد لدينا انتخاب بـ(الاسم)، وفي غرفة سرية، والشباب داخل الحزب شاركوا أنفسهم في إيصال هذه الأسماء إلى مهماتها القيادية، وبهذه الطريقة بالضبط وصلت (أم عمّار) إلى قيادة الحزب، فهل تجده منطقيا أن تصل هي بانتخاب ديمقراطي؛ ثم يقول قائل لها لا يحق لك أن تكوني في هذا الموقع لأنك زوجة خالد بكداش؟!





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في راهن الحياة الحزبية السورية


أساطير العمل السياسي مع الشباب

-آراء قيادات حزبية في موضوع العمل الحزبي الشاب - تيار قاسيون

علاء الدين عرفات
سكرتير اللجنة المنطقية
اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين (تيار قاسيون)



جميع القوى ترى مستقبلها في كسب الشباب, وتتحدث عن خصوصية العمل بينهم, لدرجة أنّ الفكرة نفسها باتت مبتذلة, ما لم يـُنهى العمل بالاستراتيجيات القديمة.

من قال أنّ الشباب غير مهتمين بالصراع مع الولايات المتحدة؟ أو أنّهم لا يكترثون بمفاعيل الخطة الخمسيـّة العاشرة؟ ... هذه كلها ادعاءات غير صحيحة.

ليس واردا أن نقول لشبابنا: (لدينا معركة مع أميركا وإسرائيل)؛ ثم نقول لهم: (ليس لدينا وقت للوضع الداخلي)!

العمل الميداني هو حاجة ورغبة لدى جميع القوى السياسية في سوريا, بيد أنـّه لدينا في البلد وضع قانوني وسياسي معروف بأنـّه يحد من هذه المسائل.


من دون مقدمة....

• ....................؟

"القضية الرئيسية فيما أعتقد تكمن في إنهاء الاستراتيجيات القديمة, فالإشكالية الأساسية لدى القوى السياسية في سوريا هي أنّ الجميع يرى مستقبله في كسب الشباب, وخصوصية في العمل لدى الشباب, لدرجة ابتذال الفكرة ذاتها.

بمعنى أنّ هذه القوى تنظر إلى الشريحة الشابة بوصفها شيئا منقطعا عن المجتمع, وبالتالي يجري التوجه إليهم بشكل مسطح, فبعضهم يرى أنّ مسألة الشباب هي العمل والدراسة فحسب, ورغم أهمية هذين العاملين؛ فهما ليس كل شيء, هذا من دون أن ننسى الطريقة التي يربطون بها مسألة صغر السن بصغر المدارك!"

فأول شيء يجب على القوى السياسية فعله -كما فعلنا نحن في تيار قاسيون- هو إزالة هذه الفكرة المنمطّة عن الشباب من ذهنيتها, وإعادة الاعتبار لهذه الشريحة كفئة لها اهتمامها بكل قضايا المجتمع التي تنعكس عليها في النهاية.

من قال أنّ الشباب غير مهتمين بالصراع مع الولايات المتحدة؟
من قال أنّ الشباب لا يكترثون بمفاعيل الخطة الخمسيـّة العاشرة؟
هذه كلها ادعاءات غير صحيحة."

• ....................؟

"أهم بند عند وضع إستراتيجية بخصوص الشباب هو إزاحة كل تلك المفاهيم القديمة والتعيسة التي ضربت لك أمثلة عنها, لأنها نتاج مرحلة من الركود في فكر القوى السياسية, وعند التوجه إلى الناس؛ ينبغي التوجه لهم كأصحاب شأن.

لاشك أنّ لدى الشباب بشكل طبيعي نقصا في المعارف, لكن هذا لا يعني أن ننعتهم بتسطـّح

الذهن, فالشباب اليوم على سوية من امتلاك الأدوات استطيع أن أؤكد أنها غير موجودة عند كثير ممن يعتقدون أنفسهم في قمة الهرم المعرفي, والشباب إنما فقط تنقصهم معارف من هو حديث عهد بالشيء لا فاقده بالمطلق.

على الإستراتيجية المنشودة أن تتضمن رؤية القوى السياسية بالتعامل مع الشباب, وتحديد ما هيـّة الخطاب الذي يتم من خلاله التواصل مع الشباب, وكيفية التطبيق والممارسة لما سبق.

والسؤال هنا يمكن توسيعه ليصبح:

هل لدى هذه القوى السياسية أساسا مثل هذه الإستراتيجية للتوجه إلى المجتمع ككل, ناهيك عن الشباب كشريحة؟

في العمل السياسي قد يكون وضع البرامج هو الجانب الأسهل, بينما وضع الخطط هو الأمر الصعب في الحقيقة, ونحن بالتأكيد لدينا برنامج وخطط للعمل وهي تتطور مع تبدل المعطى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي, ويتم التدقيق فيها باستمرار"

• ....................؟

"يشكل الشباب نسبة هامة من بنية (تيار قاسيون) وبما يتجاوز النصف, وهو أمر واضح للعيان, وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون لهذه المجموعة الشبابيـّة تأثير متنام

على اللجان التمثيلية والهيئات القيادية, آخذين بعين الاعتبار موضوع الإمكانات الذاتية.

وإذا أخذنا مثلا قاسيون (الجريدة)؛ فستجد أنها تحتضن عددا غير قليل من الكتاب والمحررين الشباب الذين لازال بعضهم في أوائل العشرينيات من أعمارهم.

بيد أني أنبـّه هنا إلى أن موضوع أنّ الرغبات شيء, و قضية الإمكانيات شيء آخر, على الرغم من أنه لا شيء مستحيل بهذا المعنى."

• ....................؟

"في هيئاتنا القيادية (شيوخنا) و(شبابنا) متفقون, وقد تكون هذه حالة نادرة بالفعل.

بيد أنّ هذا لا يعني بحال أنّ الشباب يتمّ إقناعهم دائما من قبل الشيوخ, الأمر ليس كذلك, إذ هناك رؤية موحدة للأمور, والشباب يعطون ديناميكية وحماسا أكبر لتنفيذ القرار"

• ....................؟

"العمل الميداني هو حاجة ورغبة لدى جميع القوى السياسية, و ليس باعتقادي ثمة قوة لا تريد العمل ميدانيا, بيد أنـّه لدينا في البلد وضع قانوني ووضع سياسي معروف بأنـّه يحد من هذه المسائل, ولكنّ تنظيمنا بالتأكيد يستفيد من هذه النشاطات الميدانية عندما تحصل, حيث للشباب الباع الأطول في المساهمة فيها, لا بل في صنعها.

ومع أنني ذكرت أن للوضع القانوني الحالي تأثير كبير على النشاط السياسي, لكني لم أعن بذلك أنـّه من المسموح أو المنطقي لأي قوة سياسية أن تتذرع بالقوانين من حيث وجودها أو عدم وجودها لتبرير غياب نشاطها السياسي.

السياسة هي حاجة للمجتمع و تعبير عن رغباته, وبالتالي على القوى و الفعاليات السياسية أن تنشط مهما كانت الظروف, ويجب على تلك القوى أن تجد المخارج لهذه الفعالية, هذا إن كنّا نتحدث فعلا عن قوى سياسية جدية تملك رؤى للمسائل الوطنية على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي, ولا يفهم من كلامي أنني أدعو إلى عدم إزالة هذه القوانين المعيقة وتطوير الوضع الديمقراطي في البلد, بل على العكس"

• ....................؟

"إذا كنا بحاجة فعلا –ونحن كذلك- إلى خيارات صمود وخيارات مواجهة للامبريالية الأميركية والتهديدات الإسرائيلية القائمة فوق رؤوس شعبنا؛ فنحن بحاجة إلى خيارات (اقتصاد مواجهة) مثلا, والذي يحتاج بدوره أول ما يحتاج إلى مكافحة الفساد, الذي يتطلـّب -ليؤتي ثماره- جوا من الحريات السياسية, وكل هذه هي عناصر مترابطة متكاملة مع بعضها بعضا, ولا يمكن لسياسي أن يطالب بشيء منها دون آخر, فهي أوجه لمسألة واحدة.

ليس واردا أن نقول لشبابنا اليوم أنـّه لدينا معركة مع أميركا وإسرائيل؛ ثم نقول ليس لدينا وقت للوضع الداخلي, لأن الوضع الداخلي إذا تدهور يصبح نقطة ضعف في المواجهة الخارجية. فإصلاح الوضع الداخلي يحتاج إلى حرية سياسية وحركة أحزاب وحركة اجتماعية تفسح المجال أمام مواجهة الفساد والهدر والنهب, والتي هي معيقات أساسية للعمل.

والمسألة فيما أرى وأعتقد ليست مسألة شباب فقط -على محورية دورهم و أهميته- بل هي ا مسائل معنية بها كل أوجه الحياة السياسية في سوريا, وهذا الشأن بالذات جانب وطني يجب إيلائه الكثير من الاهتمام"

• ....................؟

"ردا على اتهامات من هذا القبيل –وبغض النظر عن المتهـِم- أقول أنـّه لا يمكنني الادعاء بأننا ملائكة, فنحن لدينا عيوبنا وأخطاؤنا, وهذا شيء طبيعي, بيد أنّ (الجو) عندنا ليس كما وصفت في سؤالك نهائيا!

إذ يوجد لدينا الكثير من الحرية والتواصل بين مختلف الرفاق, ونحن أساسا لا نفكر من منطلق شباب وشيوخ, وسمة غالبة -وغير مفروضة- لدى كوادرنا القديمة أنها تسعى لفسح المجال للجيل الشاب, ولكن يبقى هذا الموضوع منوطا بقرارات المؤتمرات الحزبية والعمل الديمقراطي فيها.

فأحيانا يتم التمسك بأحد الرموز مثلا من قبل الموجودين أنفسهم, ووجود مناضلين لديهم تجربتهم وخبرتهم؛ يدفع الناس –انطلاقا من احترامها لهم- أن تعتقد أنـّه من الأفضل أن يبقوا, فأين المشكلة في ذلك؟

وهذا على أيـّة حال لا يتعارض مع الميل العام الذي ينحو تجاه (تقديم) الكوادر الشابة, وأجزم أنّ هذه الكوادر تمتلك كل الإمكانيات الذاتية للتقدم, بل والتقدم السريع, ويأتي هنا دور الخبرات الأقدم في تطوير فعالية هذه الطاقات, لأنّ العمل السياسي ليس فقط عملا حماسيا؛ بل يمتلك جانبه المعرفي كذلك, والذي يجب تطويره بشكل مستمر".







2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

مراكز للدراسات والبحوث, بدل التيارات والأحزاب! -الـ(لا) حزبيون الشباب


يكاد اللاحزبيون السوريون من الشباب بحد ذاتهم يشكلون عن تواطؤ أو من دونه حزبا ناجز الأسس والأركان, له مبادئه (بل منتهياته), وأيديولوجياته (بالجمع والتجميع), بل وحتى قيادته الجماعية التي لا تحتاج بهذا المعنى إلى تراتبية أو انتخاب, اللهم إلا بقدر ما تفرزه قابلية الوصول الأسرع والحنكة الأكبر من بينهم في إدارة وسائل الاتصال ودفاتر العناوين واللينكات على (الجي ميل, والماسنجر, والفيس بوك,..)

وهم بهذا دروا أم لم يدروا مرشحون ذهبيـّون لأي انتخابات (كلاسيكية) من أي نوع, لأنهم في نهاية المطاف حزب الأغلبية.

وبسبب من كل هذا ربما وغيره, لم يبد على رائف كثير حماس للتحدث حول موضوع الحياة السياسية هذه لدى الشباب السوري –على الأقل بمصطلحاتها الكلاسيكية- ناهيك عن موضوعة الحزبيين الشباب بالذات, انطلاقا من أنـّه لم يجربها, لا بل...:

"...وبصراحة لا أنوي ذلك, لأنني أرى أنّها تعبـّر عن انتماء ضيق, في حين أنّ الانتماء للوطن كله هو الانتماء الواسع.

الأحزاب تحجم من رؤيتك, وتقترح عليك تضييقات على الانتماء الوطني"

ألهذه الدرجة تستصعب تخيل نفسك ضمن إطار عمل جماعي حزبي؟

"لا أدري, من الممكن في أحسن الأحوال أن أكون صديقا لهؤلاء الحزبيين من جيلي, بل أعتقد جازما أنّ وجودي خارج الإطار الحزبي يتيح لي فرصة أكبر للتواصل و(ربما) للعمل مع أكثر من طرف أو شريحة (حزبية), من دون أن أضطر إلى تبني آراء حزب بعينه, ناهيك عن أنه ومن مكاني كفرد لا زلت قادرا على القيام بالكثير"

هل أفهم من ذلك أنـّه ليس ثمة حزبيون شباب كثر في محيطك القريب؟

"على العكس تماما, كثير من أصدقائي يملكون انتماءات حزبية مختلفة, منهم بعثيون وماركسيون وناصريون, غير أن الإشكالية بالمجمل تكمن في أنّك تشعر أنّ تعامل هؤلاء الأشخاص المنتمين إلى تلك الأحزاب على اختلافها؛ يمرّ حصرا عبر خط مسير الحزب الذي يدينون له بالولاء.

وتكرّ إثر هذا السؤال سبحة انتقادات رائف الديري خريج المعهد الفندقي تجاه (رفاقه) وزملائه الذين اختاروا العمل من وراء واجهة التنظيم الحزبي, بادئا بالطريقة الأكثر (كلاسيكية) كما يصفها والتي عادة ما تكون فاتحة التعارف بين هؤلاء وأحزابهم, معرجا فيما بعد على أسلوب تعامل هؤلاء الحزبيين من مشارب مختلفة مع بعضهم بعضا فيقول:

"السائد من حولنا يظهر كيف أنّ انتماء الشباب الحزبي في الأساس هو انتماء تحدده الوراثة العائلية والتوجه الأسري. فإن صادف أنّ والد أحد الشباب لديه انتماء سياسي وحزبي من لون معين فإن ذلك سيلعب الدور الأكبر في تحديد الانتماء المستقبلي لهذا الشابالابن, هذا إن لم يكن له الدور كله.

سبب آخر مهم برأيي يحول بيني مع العديد حتى ممن تربطني بهم صلات قربى أو صداقة دون حتى محاولة الاقتراب من هذه التي يسمونها (حياة حزبية), ألا وهو غياب فكرة أساسية عن ذهن أولئك الذين اختاروا أن يكونوا على المقلب الآخر كحزبيين -وربما غابت هذه الفكرة أيضا عن أفكار أحزابهم نفسها- والمتمثلة بأن المحازب الآخر الذي ينتمي إلى حزب تخالف مبادئه وأفكاره –بهذا القدر أو ذاك- أفكارك كحزبي؛ إنما هو في محصلة الأمر مكمل ومتمم لك, لا مجرد منافس وخصم سياسي, فالهدف الأعلى للجميع فيما أفترض هو خدمة هذا الوطن في النهاية, لا مجرد إعلاء الشأن الحزبي الخاص, حيث كلّ يدعي أنه على صواب والباقون على خطأ, وهذا يمكن إرجاعه في رأيي إلى كسل في البحث عن الحقيقة لدى هؤلاء الناس, الذين يكتفون عادة بما لديهم من نظريات و(أيديولوجية), لا يكونون حتى قد اطلعوا عليها كفاية أصلا"

ولكن ألا تعتقد أنّه –توخيا للموضوعية- علينا أن نضع هذه الممارسات التي تتكلم عنها ضمن سياق الجو السياسي العام في البلد وبالتالي .....

(مقاطعا) "....يا صديقي, بات من غير المقبول أبدا أن نتذرع دائما بالظروف المحيطة بنا, ونجعل من عذر (الوضع الحالي) شماعة نعلق عليها جميع أخطاءنا, إذ يتوفر لدينا في البلد هامش من الحرية يتيح لهذه الفئات العمل (الجاد) لو أرادت.

ومن المتعارف عليه أن يكون الشباب محرك أي تغيير يحصل في أي مجتمع, وهم كشباب من المنتظر منهم أن يكونوا أكثر قابلية للتطور من حيث الأفكار والممارسات, على عكس من قد يكونون أكبر في السن, والذين يفقدون هذه الميزة بالتدريج.

وأنا أفهم تماما -إذا كان هذا ما تقصده- أنّ مهمة هؤلاء الشباب ليست باليسيرة, وأي عمل جاد بالنتيجة لا بد أن ترافقه بعض العراقيل والمصاعب, على الأقل في البدايات, فعملية التطوير التي نرغب في أن نراها على صعيد البلد ككل, هي عمليا ذات الشيء الذي يجب أن نكون قد بدأنا بتطبيقه على أنفسنا كأفراد, ومن الداخل, أكثر منه عملا على الشكل والقشور, كما هو دارج بين الشباب اليوم, والحزبي منه على الخصوص, من ارتداء الكوفية الفلسطينية, ورفع صور (غيفارا) أو (الزوبعة) أو (المنجل),... الخ, من هذه المظاهر التي تترافق مع بعض الانتماءات السياسية, ولتي هي عاجزة وحدها عن بناء أي شيء في الوطن"

ولكن هذا على الأقل يأتي في مقابله اهتمام مفرط إنما بمظاهر أخرى, كالشعر الطويل, والأوشام والبيرسينغ بالنسبة إلى شريحة شابة أخرى كي لا أقول مقابلة....

"ما هو جوهري في نظري, أن تكون أنت كما أنت, وليس كما يراد لك أن تكون.

وإذا كان الشخص مقتنعا بما يقوم به, و يحس أنه يعبر عن نفسه تماما من خلال مما يقوم به؛ فما المشكلة في ذلك؟ الخلاف هو حقيقة في عملية رفض هذا الآخر المختلف, لا في الاختلاف ذاته. من البديهي أنّ التمسك بالمظهر والزي وحده لا يوصل إلى أي مكان, المحكّ هو القراءة واكتساب المعارف على كل صعيد.

لنأخذ مثلا بعض أصدقائي المقربين الذين تخرجوا معي, والذين حتى لا يمكن أن تجد لديهم اهتمامات متطرفة من حيث مظهرهم الخارجي, لكن بينهم من لم يكلف نفسه عناء البحث الجدي عن فرصة عمل بعد التخرج, واكتفى بالقول أنّ البطالة مرتفعة ولا توجد فرص عمل في البلد! والأصدقاء الآخرون الذين جدّوا في البحث عن وظائف اكتفوا بتحصيلهم الدراسي الذي أخذوه عن المعهد قبل تخرجهم, ولم يطوروا أيا من معارفهم بأساليبهم الشخصية, على توفر هذه الفرص أمامهم –حتى لا أقول سهولتها- وبالتالي فقد أصبحوا أوتوماتيكيا غير صالحين أصلا للعمل الذي ينفقون وقتهم في البحث عنه.

أنا لا أريد إهانة أحد, ولكن شخص كهذا لا يحب عمله, كيف أطالبه بأن يحب وطنه, لا بل وأن يدخل حزبا يرفع شعارات الإصلاح في هذا البلد وهذا الوطن"

رائف الذي أنهى منذ بعض الوقت خدمته الإلزامية, ليستأنف مراسلاته بحثا عن فرصة عمل في قطاع السياحة والفندقة داخل البلاد أو خارجها "لا فرق"؛ مؤمن أشد الإيمان بالعمل الفردي أنموذجا وخلاصا, يقول:

"لا حاجة ملحة بنا إلى الأحزاب, الطالب من كرسيّه, والأب من أسرته, كل يمارس عملا وطنيا مهما, وأهمية هؤلاء الذين يراهم الآخرون (نكرات) تتجاوز بمراحل أهمية أولئك الأشخاص الذين يقضون أوقاتهم في المقاهي العامة, منشغلين في تقييم الحياة من هناك, ويوزعون شهادات على من يحيط بهم, هذا صحيح و هذا خاطئ, ويتكلمون بقضايا لا أجد أنني معني بها بحال من الأحوال, ومثلي في هذا الكثير.

الشريحة الأكبر بنظري يهمّها أن تعيش بأمان, وتحظى بفرصة عمل, وهو مطلب كل البشر في العالم. لديك الولايات المتحدة مثلا, والتي يـُنظر إليها بطريقة ما على أنها في طليعة المجتمعات المتقدمة في العالم, في حين يوصف شعبها بأنه (غبي) سياسيا, ولا يكترث أو يهتم سوى بمعدلات الأجور, والضمان الصحي, وهذا في رأيي ليس من الغباء في شيء"

إذا لا حاجة بنا إذاً فيما تقول لهذه المؤسسات التي تسمى أحزابا...

"نحن بحاجة أكبر إلى مراكز للدراسات, فمراكز الأبحاث والدراسات بهذا المعنى أقدر وأكثر جدوى من كل الأطر الحزبية, وأعم فائدة منها على المجتمع, لأنها تدفع باتجاه التطوير على أسس علمية ثابتة, بعيدة عن المناكفات والمصالح الآنية الضيقة والتنظيرات المجردة, أو الجلوس والتفرغ لشتم هذا وسب ذاك, وادعاء أنّ (الثقافة) تكون على مثل هذه الصورة"

رائف الذي يعترف بأنه لم يدر تلفازه على القنوات التلفزيونية الرسمية –أرضية وفضائية- منذ أربع سنوات؛ لا يبالي على الإطلاق بآليات العمل السياسي التي (يناضل) الآخرون في محاولة لتكريسها وتطويرها, هذا إن لم يضعوها عذرا لتخلف ممارستهم السياسية, وشرطا للنهوض بها.

"أما عن الانتخاب والاقتراع وما إلى ذلك , فأصارحك بأنني شخصيا لا أهتم بالطريقة التي يصل فيها المسؤول إلى منصبه؛ طالما أنـّه يعمل و ينتج و يفيد البلد.

وإذا حدثتني عن العمل مع الحزبيين من أجل تسريع وتيرة العمل والإصلاح؛ فهذا موضوع مشكوك في جدواه, لأنّ حرق المراحل شيء لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع.

وكلنا يعرف البلد وإمكاناتها سلبا وإيجابا, والحل الوحيد لأزماتها هو العمل خطوة فخطوة.

والخيانة الوطنية برأيي هي ليست ما ينعت به الحزبيون بعضهم أحيانا بناء على اختلافهم حول ما يسمونه الـ(مصيري)!

من يسرق خط كهرباء من العداد هو خائن بطريقة ما, ومن يرمي في الشارع نفايات منزله أو عقب سيكارته هو مسيء للوطن كله لا لأهل الحي فحسب.

دعونا في البداية ننتهي من تجاوز الإشارة المرورية الحمراء, دعونا نطفئ الإنارة الفائضة عن الحاجة في الغرفة المجاورة, لنمتنع عن تمزيق صفحات الكتاب المدرسي الحكومي.

لا الأفكار الحزبية و لا قادة الرأي, ولا أصحاب العمامات أو الرؤساء الدينيين تمكنوا من إيجاد حلول لأزمات الشباب من قبل.

رجاء كفانا إضاعة للوقت وإدارة للأسطوانات المشروخة".





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

حزبيـّون على نفقة العشيرة, وقيادات بالـ(مؤبـّد) -في الحزبية الكردية السورية


يطيب لبعضهم السياسي بين الحين والآخر أن يردد على أسماع ضيوفه ما طاب له, مقولة أنّ القوى السياسية السورية الكردية تشكل في واقع الحال الحامل الأكبر للحراك السياسي (المعاراضاتي) في البلد, بدء من حبر تواقيع العرائض والبيانات, وصولا إلى عرق تنظيم الاعتصامات وتسيير المظاهرات, كون تلك القوى الكردية-برأي محدثنا- هي الأكثر تسييسا, والأحدّ استنفارا, والأطوع استجابة لتوجيهات قياداتها (القيادات بين قوسين), وأنّ شيئا لا يمكن أن (ينجز) بدون هذه الحالة التعبوية لمناصريهم (قوسان هنا أيضا).

وطبعا لا تعدم تلك المجالس من ينبري لإدغام (زخم) التيار الديني في التحليل السابق ذكره جنبا إلى جنب مع (الفاعلية) الكرديـّة, رغم ما في تحديد المعالم الحركيـّة لهذا الـ(زخم الديني) من إشكالية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى السؤال فيما إذا كان أحد ينوي إعادة رسم إشارة استفهام -استفهامية محضة- عن مدى التداخل بين (القومي) و(الديني) لدى هذه الحركات, على اعتبار أن عددا لا يستهان به من قادة الرأي الروحي المحلي, و(مشايخ) الساحة الدينية السورية -إن صح التعبيران- هم من أصول كردية!

وفي العموم لا يمكن اعتبار جمهور السياسة السورية الداخلية غريبا عن مجمل نشاطات الحراك السياسي السوري ذي المانشيت الكردي, والذي يشكل الشباب عموده الفقري, من قبيل الاعتصامات الصامتة مثلا خارج أسوار كلية الآداب, أو التظاهرات الأكثر صخبا قرب رئاسة مجلس الوزراء, ناهيك عن أحداث أكبر وقعا كالذي جرى في المنطقة الشمالية في آذار 2004, والذي بات يعرف بـ(أحداث القامشلي) وارتداداته حتى دمشق وضواحي العاصمة.

فإلى أي حد هي متميزة تلك العصبية الحزبية لدى الشباب السوري الكردي عنها في باقي قطاعات الشباب في البلد, وهل ثمة تقاطع أو تلاق في الهواجس والهموم يلتقي عليها الجميع, وتغفل عنها أحيانا عين المراقب على سطح الحدث أو الظاهرة؟

عن ذلك يقول محي الدين عيسو وهو صحفي شاب متابع لهذا الشأن:

"أحب أن أوضح في البداية أن الحركة السياسية الكردية في سوريا؛ هي جزء من الحركة السياسية السورية العامة، وجزء من المجتمع السوري الذي يجمع في جغرافيته فسيفساء من القوميات المتعايشة في إطاره، بيد أنّ الشيء المشترك والذي يجمع بين هذه القوميات؛ هو في واقع الحال غياب هذه القوميات عن الحياة السياسية منذ عقود, وذلك لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها في الوقت الحالي، إلا أنّ المجتمع الكردي كانت له خصوصية من حيث تعرضه للقمع, لتأتي انطلاقة الحركة السياسية الكردية في عام 1957 -العام الذي تأسس فيه على الأرض أول تنظيم كردي في سورية, وحمل في حينه اسم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)- كضرورة وطنية وقومية, وتجسيدا لإرادة هذا الشعب عبر ممثل شرعي له، حيث كان الأستاذ عبد الحميد درويش -والذي يعتبر من بين القيادات والمؤسسين لهذا الحزب- لا يزال شابا طالبا في جامعة دمشق، في ذلك الحين أقبل الشباب الكردي على الانخراط في صفوف هذا الحزب بكثافة شديدة, وشمل إقبالهم ذاك كافة المناطق التي يقطنها أكراد، وساهم هذا العنصر الشاب الذي دخل المعترك الحزبي في نشر مبادئ وأهداف الحزب الأم بين عناصر وأفراد المجتمع الكردي, ونقل هذا التعاطف الحزبي إلى آخرين, حتى إلى أولئك الذين لم يكونوا قد انضووا تحت لوائه, مدفوعين بمبدأ ما يؤمنون أنّه تحقيق (الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سورية)، إضافة إلى زرع ثقافة التآخي العربي – الكردي داخل المجتمع السوري، وعليه يمكننا القول بأن المجتمع الكردي في سوريا هو مجتمع مسيس بشكل عام, إنما وغير متحزب بالشكل المطلوب."

ما هو الدور الذي تلعبه العائلة والعشيرة في تحديد الانتماءات السياسية والحزبية للشباب السوري في شمال البلاد؟

"لا يخفى عليك أنّ الانقسامات والانشقاقات والصراعات العشائرية في صفوف الحركة الكردية منذ العام 1965 أدت إلى ابتعاد شريحة كبيرة من الشباب الكردي الحزبي عن صفوف الحركة السياسية الكردية، وهذا أمر واقع, وهي حالة وقفت للأسف حائلا دون إتاحة الفرصة أو المجال أمام الشباب السوري الكردي كطاقة فعالة من الوصول بأفكارهم إلى قمة الهرم القيادي, والذي أصبح مع مرور الوقت (محتكرا) بيد من تسلموا الزعامة فيه, وينوون الاستمرار فيها (إلى الأبد!)"

هل من الممكن للمراقب تلمس تأثيرات هذا الوضع على الشارع الشبابي الكردي؟

"بالطبع, هناك ملاحظات كثيرة يمكن الإتيان بها كشاهد في هذا المجال, فأكبر تجمع شبابي للطلبة السوريين الكرد على سبيل المثال موجود كما هو معروف في جامعة حلب، إذ يربوا عددهم هناك على الـ(5000) طالب وطالبة، في حين أنك إذا دققت وأحصيت بينهم من هم منخرطون عمليا في صفوف الحركة السياسية الكردية؛ فإنك ستجد أن هؤلاء لا يتجاوز عددهم في أحسن تقدير الـ(300) حزبي, وهذا الأمر إن كان لنا أن نستدل منه على شيء, فهو يدلنا على عدم اكتراث أو اهتمام هؤلاء الطلبة بما تحاول أحزابهم الكردية أن تستميلهم به من سياسات, وهذا الانفضاض عن تلك الأحزاب من قبل الشباب إنما يأتي كنتيجة طبيعية وموضوعية لما آل إليه واقع تلك الأحزاب والتيارات, من خلافات وانشقاقات وصراعات من دون مضمون أو مغزى, ناهيك عن سبب آخر متمثل في أنّ جلّ أولئك الشباب السوري الكردي يفضلون الابتعاد عن الحياة السياسية العامة اليوم لحساب التفكير والانشغال بتوفير لقمة العيش, والتي أصبحت مستعصية على المواطن السوري على الإجمال."

ما هو برأيك سبب تدني حجم مشاركة الشباب الحزبي الكردي في الأحزاب السورية التي ليس لها طابع قومي محض, هل ثمة موضوعيا ما يحول بين هؤلاء الشباب و(اندماجهم) في بقية الطيف الحزبي السوري الأوسع؟

"هناك شيء يجب توضيحه في البداية, وهو أنّ عدم تفهم الأحزاب السورية الأخرى لطبيعة الحركة السياسية الكردية وأهدافها الديمقراطية؛ أسهم مع الوقت في جعل الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الكردية تعيش حالة من الانغلاق, ودفع باتجاه هيمنة الفكر الانعزالي على التوجه السياسي الكردي العام.

وهذا بدوره فتح الباب واسعا أمام البعض لإيهام الناس والرأي العام الوطني السوري بأن ولاء الحركة الكردية السياسية إنما هو ولاء للخارج, ناهيك عن اتهام الحراك السياسي الكردي بأنه حراك ذو مآرب انفصالية, وجرى كل ذلك بهدف حرمان القوى الكردية السورية من تحصيل أي دعم على المستوى الوطني, والحيلولة دون إدراج (القضية الكردية) ضمن أجندة القضايا السورية التي تبحث في العموم عن أجوبة وحلول عادلة وعاجلة.

وأنا آسف إذ كنت مضطرا لهذه المقدمة كي أوضح أن هذه السياسات التي أسلفت الحديث عنها أوصلت في النهاية إلى أن يتوجه الشباب الكردي السوري باتجاه التمسك والتشبث بأحزابه (القومية), وأدت به إلى العزوف عن محاولة الاقتراب من التيارات والأحزاب السورية الأخرى, أو السعي إلى الانخراط في صفوف قوى وطنية سورية غير كردية, وربما يكون الاستثناء الوحيد في هذا السياق هو ما جرى عمليا ضمن الأحزاب الشيوعية السورية, والتي كانت تعج بالشباب الكردي في وقت من الأوقات"

....فماذا عن اليوم إذا؟

"اليوم, ومع مرور الزمن, وانتشار ثقافة ومبادئ حقوق الإنسان, وبعد أن طفت على السطح ظاهرة (المجتمع المدني)، وبفضل ما أتاحته التكنولوجيات المتقدمة لنا من وسائل اتصال وتواصل, والفضاء الرحب الذي وسعته لنا شبكة الانترنت، ناهيك عن التواصل الذي قام بين معتقلي الأحزاب الكردية والأحزاب السورية الأخرى داخل السجون؛ أقول بعد كل هذا الذي ذكرت وبفضله انخرطت أعداد كبيرة من الشباب الكردي السوري في جمعيات حقوق الإنسان التي نشأت مؤخرا, كما في منظمات المجتمع المدني الأخرى, والأحزاب الديمقراطية السورية التي تدعو إلى مبدأ (المواطنة) واحترام حقوق الإنسان, وهذا بدوره أوصل إلى قيام ائتلافات وتشكيل تحالفات مع الأحزاب والقوى السياسية السورية الأخرى كـ(إعلان دمشق) دمشق مثلا, وذلك كله بغرض التوصل إلى صيغة مشتركة للعمل ضمن إطار النضال الوطني العام والشامل."

بماذا يمكن أن يتميز الخطاب السياسي للسوريين الأكراد, وخاصة الشباب الحزبي المنضوي في راية قوى سياسية كردية, كي يتجاوز-من طرفه على الأقل- عوائق الاتصال تلك التي أسلفت الحديث عنها؟

"باختصار شديد, على الشباب الحزبي السوري الكردي أن يعمل جاهدا وسريعا على التخلص من كل تلك العقد الحزبية المبثوثة والمزروعة في الموروث الثقافي والاجتماعي، وعلى الشباب بالذات السعي بكل ما أوتوا من طاقة من أجل محاولة تصحيح بعض المسارات، والعمل على تحقيق التواصل المستمر مع الآخر المختلف بالرؤية كردياً وسورياً, منطلقين في كل هذا من اعتبار واحد, وهو أن هذا الوطن الذي يجمعنا يجب أن يكون للجميع, بعيداً عن الانتماءات القومية والدينية والطائفية, بغية تطور المجتمع السوري, وتحقيق رفاهيته التي يجب أن تشمل الجميع."






2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

... ومعارضون شباب؛ يضْـرَسون! -إعلان دمشق



المسألة ليست اختيارا.. فأحيانا يبدو من الصعب طرح الرأي دون الوصول إلى حده الأقصى، على الأخص إذا كنا ننظر إلى تاريخ كامل وليس إلى فترة قصيرة. فمايا جاموس ابنة فاتح جاموس تملك تجربتها الخاصة، حتى عندما قررت العمل كصحافية، فتاريخ والدها مازال امامها، سواء عندما اعتقل في الثمانينات، أو في نشاطه الحالي.

مايا تتحدث بشكل مباشر ودون تحفظ:

"على مدى سنوات طويلة جُمّدت التقاليد السياسية في سوريا لزمن آخر، وغابت أية حركة شبابية واسعة حرة ومستقلة عن قطاعات المجتمع كلها، وحلت محلها صيغ التنظيمات والمؤسسات السلطوية ومصادرة أي تطلع لحركة مستقلة.

ثمـّة مؤسسات تحيط بالفرد منذ بداية خلقه، تراقبه، وترسم له سلوكه اليومي، وكل الحراك الجريء الذي استطاع أن يبرز هنا أوهناك قوبل بالمنع والمضايقات بغرض جعل أولئك الأشخاص عبرة لمن يطمح بالعمل والنشاط السياسي الشبابي المنظم."

هكذا، ودفعة واحدة، تضع مايا جاموس أمامك ما تعتقد هي أنه الخلاصة الموضوعية التي من الممكن للمرء الوصول إليها إذا أمعن الفكر قليلا فيما حوله، وهي على كونها وفق رأيها (خلاصة) تظلّ - كما تصرّ مايا مرة أخرى- (المقدمة) الأمثل للحديث عن الشأن الحزبي السوري لدى الشباب، وتقول مبينة وجهة نظرها:

"أعتقد أنّ الجوانب القانونية التي تحكم العمل السياسي في سورية هي الأساس لمحاولتنا قياس وتتبع النشاط السياسي للشباب السوري.

فالدستور السوري الحالي ومجموعة القوانين المفسرة له، تحوي جميعها محاولات لتبرير احتكار السياسة من قبل طرف سياسي واحد، كما لو أن السياسة والوطن والنضال هي أشياء ومفاهيم خاصة بهذا الاحتكار، وتابعة لذلك الطرف السياسي، باعتباره وحده المسؤول عن مصائر الوطن.

وهذا يعني بالضرورة وجود معايير تمييزية بين الأحزاب والمواطنين، فهنالك حزب ومواطنون درجة أولى، وهناك الآخرون من درجات مختلفة.

الأوائل في الهرم إياه يساهمون فعلياً حسب ترتيب موقعهم في تحديد مصير البلاد الوطن وقيادة المجتمع، والآخرون منفعلون فحسب، بمن فيهم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

خاصة بعد أن نصّ ميثاق الجبهة ونظامها على أن العمل في القطاعات الرئيسية وحيث يتركز العنصر الشاب (الجيش والتعليم)؛ هو حكر على حزب بعينه، ممنوع على حلفاء الجبهة، وذلك لفترة طويلة من الزمن، فكيف إذا مع بقية الأحزاب والمواطنين؟

ولتعزيز هذا التوجه أُنشأت مؤسسات خاصة بالشباب ورديفة لهذا الحزب، ومرتبطة حصراً من لجهة قيادتها وبرامجها ونشاطاتها به، مع منع قيام أي مؤسسة موازية، وما هو موجود سلفا لدى بعض أحزاب الجبهة يأخذ صيغا غير قانونية، في حين أن القانوني منه موجود طالما كان (مرْضيا عنه) وإلا أنهي وجوده كما حدث مع (رابطة النساء السوريات) مثلا.

وكل هذا الاحتكار بحجة الخوف والحذر من انقسام المجتمع وانفلاته وتهديد وحدته الوطنية."

ولكن هل الحال أقل بؤسا برأيك على المقلب الآخر، وهل يوجد لدى المعارضة ما تقوله حقا للشباب السوري؟

"بإمكاني القول أنه وفي زمن مضى، استطاعت بعض القوى والتجارب السياسية أن تخترق احتكار العمل السياسي في قطاع الشباب، وأن تقوم بشد قسم منهم إليها مثل التيار الإسلامي في سوريا، حيث قام هذا التيار باجتذاب قسم كبير وواسع من هذه الشريحة، على عكس اليسار الجديد الذي اقتصر استقطابه للشباب على الحالات النخبوية.

لكن بعد مرور زمن طويل على العطالة التي حلتّ بالمعارضة السياسية السورية نتيجة المنع الدائم بكل أشكاله، لا يمكن أن يرد ذكر المعارضة اليوم في مناسبة من المناسبات إلا وستوصف فيها بالضعف والتفكك والنخبوية.

على أنّ المعارضة ذاتها من جهة أخرى تفتقد إلى أية برامج خاصة تخاطب من خلالها الشباب لشدهم إليها، ناهيك عن عجزها عن تجديد ذاتها وخططها ووسائل نشاطها بين تلك الشريحة المهمة من المجتمع."

بكلمات أخرى، فإن حصيلة تفاعل السوريين من الشباب مع هذه القوى التي تحاول أن تطرح في نفسها البديل عن السلطة الحالية؛ هي باختصار (صفر)...

"...ولكن عليك أن تأخذ بعين الاعتبار أمرا مهما، وهو أنّ هناك دائما تخوف من قبل قياديي بعض القوى في هذه المعارضة -كحزب العمل الشيوعي على سبيل المثال- من قبول وتنظيم أية حالة شابة جديدة، وذلك خوفا عليها من المضايقات التي قد تتلقاها من طرف السلطة.

وهنا يمكن لي أن أسجّل ملاحظة تخص الشباب المستقطب من قبل اليسار المنضوي تحت جناح الجبهة (الجبهة الوطنية التقدمية)، لجهة أنّه هو أكبر وأوسع شريحة من الشباب المستقطب حول اليسار الآخر المعارض (حزب العمل الشيوعي، حزب العمال الثوري، انقسامات حزب الشعب، بعض المجموعات اليسارية التي غادرت الشيوعية الرسمية، اليسار الكردي)، بسبب استمرار ملاحقة السلطة لهذه القوىا.

والأمر ذاته ينطبق على التيار القومي المعارض (الاتحاد الاشتراكي بشكل أساسي) على الرغم من أنه لم يتعرض لمضايقات مشابهة للآخرين، بيد أنّه خضع بدوره للتضييقات ذاتها فيما يخص نشاطه مع الشباب."

إذا فاليسار الذي يمكن احتسابه على التكوين السياسي الرسمي حقق بعض التقدم على الأقل باتجاه شرائح الشباب،

ألا يمكن لهذا أن يكون مؤشرا على أن خيارات الجيل الجديد السياسية لا تسير وفق ما تشتهيه مراكب المعترضين على السلطة؟

"أعتقد أن هذا الأمر مثير للاهتمام، ويبدو لي هنا مشروعا ذلك التساؤل حول بعض الظواهر الشبابية المرتبطة ببعض أحزاب الجبهة بشكل خاص كما ذكرت، مثل الحزب الشيوعي و(اتحاد الشباب الديمقراطي أو شبيبة بكداش)، وأحد تيارات الحزب القومي السوري المنقسم، إذ تجد هنا استقطابا مهما لبعض الشباب السوري، لكن يصعب في الحقيقة الجزم فيما إذا كان سبب ذلك يعود إلى تأثر هؤلاء الشباب بإيديولوجيا وسياسات تلك القوى المذكورة عن وعي وخيار حقيقيين، أم أنّ ذلك كله يعود لمجرد رغبة من قبل بعض الشبيبة بممارسة عمل سياسي وثقافي واجتماعي غير مكلف أمنياً، وتتغاضى السلطة عنه رغم عدم مشروعيته من منظورها؟

من جهة أخرى كان هنالك محاولات عديدة من طرف قوى المعارضة السياسية لشد الشباب إلى الحوار عبر ما يشبه الصالونات والمنتديات، والنشاطات المناهضة للعولمة والصهيونية، لكن تلك الوسائل ظلت بدائية ولم تتبلور آفاقها تماما."

وبالتالي كيف توصفين الآن حال "شباب المعارضة" إن صح التعبير.

"الموجودون حالياً هم نخبة ضيقة من الشباب المهتم بالشأن العام والقضايا السياسية والوطنية الأساسية، وهذه النخبة متأثرة بطبيعة الحال بالنخبة الأولى والجيل السابق والأكبر سنا، وتدور عمليا في فلكها، بل يمكن القول إن غالبيتهم يمتون بصلة نسب بهذا القدر أو ذاك إلى عوائل وأسر تلك النخبة الأقدم، كما أن الاتجاهات السياسية والثقافية والفكرية القائمة في وسط هذه النخبة الضيقة من الشباب هي في المحصلة؛ ذاتها اتجاهات النخبة الأولى.

أما الاتجاه الآخر للنخب الشابة فيندرج ضمن الاهتمام بثقافة حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومناهضة العولمة.

وبين هؤلاء تجد مثلا شبابا هاربين من المسائلة إلى مؤسسات هي في واقع الحال أدنى من مؤسسة الحزب، وبالتالي فهي تشكل خيارا أقلّ تهديدا من الناحية الأمنية، كما تجد في صفوف هؤلاء كذلك شبابا سوريا سبق له أن قرر الابتعاد عن دائرة الأحزاب نتيجة موقف سلبي له منها، رغم أنّه قد لا يكون بالضرورة مطلعا عليها أو على برامجها ونشاطاتها بشكل جيد وعن قرب، بل على الغالب بسبب مواقف مسبقة وردود فعل على مسائل محددة."

أليس هذا حكما قاسيا على الشباب السوري اليوم؟

"لا أعتقد ذلك، إذ يمكنني القول اليوم أنّه لا وجود اليوم بين شبابنا السوري من يملك ما يمكن أن نطلق عليه (وعيا شابا مستقلا)، قادرا بالتالي على إنتاج نشاط أو حراك سياسي شبابي مستقل.

وحتى تلك الحالات التي أمكن لها أن تفلت من إسار هذا التعميم ولو جزئيا ً(مثل مجموعة اعتصام حلب) كحراك شبابي معاصر وحديث، ظلت هي الأخرى مستقطبة إلى حد ما، كما عانت بدورها أيضاً مما وقع عليها من عقوبات شديدة تراوحت بين السجن والفصل من الدراسة.

بيد أنّه تبقى برأيي أكثر المجموعات الشبابية استقلالاً؛ هي تلك التي لا تحددها نواظم فكرية أو سياسية أو تنظيمية، بل تربط فيما بينها كما هو واقع اليوم علاقات (شبكة الانترنت)، مع كل ما قد يعنيه ذلك على صعيد نمو (وعي) من نوع ما، ونشوء صنف من (العمل) السياسي والشبابي؛ خارج إطار مجتمعنا السوري، بين جدران البيوت، وبعيدا عن ضوء الشمس.

حيث يمكن تفادي المساءلة الأمنية، وراء الأسماء الوهمية والحيل التقنية."

ماذا عن خياراتك الشخصية بهذا الخصوص؟

"بالنسبة لي، أعتبر نفسي متابعة للشأن العام والقضايا الوطنية الأساسية عبر وسائل عديدة منها الكتابة، وأحاول البقاء على تواصل وإطلاع على أهم الحراكات في الوسط السوري، وخاصة الشبابية منها.

لم ألتحق بأي حزب سياسي للأسباب ذاتها التي سبق لي تفصيل الحديث فيها، وأنا -كغيري- بانتظار قانون حضاري وديمقراطي للأحزاب يسمح بإعادة الحياة السياسية إلى سوريا.

ورغم أنّ خياراتي بالمجمل هي خيارات غير حزبية، وبالتالي من المفترض بها أن تكون غير مكلفة أمنياً، فأنا أتعرض إلى مضايقات أمنية بسبب نشاطي وبسبب كوني ابنة معارض شيوعي، إذ أنني محرومة من السفر خارج البلاد، كما سبق وتم استدعائي للتحقيق ثلاث مرات حتى تاريخه بسبب مقالة نشرت لي حول أحد أحياء دمشق السكنية، وهذه القضية لم تغلق حتى الآن.

وأنا شخصيا أعتقد أن ما تعرض له والدي من اعتقال لفترة طويلة (حوالي 19 عاما)، إضافة إلى الثمن الذي دفعته أنا وعائلتي بسبب خيار والدي السياسي، وما أعرفه شخصيا عن عائلات وأسر أخرى في سوريا تعرضت لعقوبات مماثلة وربما أكثر قسوة، كان كفيلا في البداية بصدي عن ممارسة أي سياسة أو مشاركة في أي شأن عام، بيد أن الأمور اتخذت منحى آخر لاحقا، وتطور لدي فيما بعد وعي واهتمام شخصي بتلك المسائل بالذات."






2007