2010-08-08

الأحزاب السورية و(الزواج المدني)

طـلاق شـرعي، وتـراخ اشـتراعي


ينظر كثير من محللي علم الاجتماع إلى الزواج المدني على أنه أحد مؤطرات قيام مجتمع مدني معاصر، وخطوة أساسية لفسح المجال امام التنوع المذهبي والعشائري والعرقي في أي وحدة مجتمعية كي يخرج نسيجا مؤتلفا أقرب إلى التجانس والانسجام، بما يعزز اواصر الانتماء الوطني الأشمل كما يتوخى أن يراه أبناء الوطن الواحد.

علاوة على أن الزواج المدني يحظى بمكانة متقدمة ضمن الأطر الفكرية التي تنظر لعلمانية الدولة، الدولة التي يقع في ضمن أولويات مهامها توفير فرص مجتمعية متساوية أمام مواطنيها, بغض النظر عن اعتبارات الجنس والعرق والدين، ناهيك عن أنه يطرح في أفقه الأبعد حلا نموذجيا لمعضلات اجتماعية خلافية مزمنة, ليس أقلها مسألة تعدد الزوجات، وتحريم الطلاق، ونظام المواريث غير المتوازن, ووصاية أحد الجنسين على الآخر، وغيرها.

أما واقع اليوم فشاهد للأسف على أن التعاطي مع هذه المواضيع المعاشية الملحة والحساسة في حياة كل فرد منا؛ لايزال رهنا بمعبر إجباري يمر في نفق الديني المحض, ويخضع بلا هوادة لردات الفعل على الفتاوى المتضاربة أحيانا، أوالقرارات الروحية المبرمة, والتي لا تقبل الحوار والتأويل من قبل من هم موضوعها, ومادة فعلها, أكثر منه تعاط مدنيا معاصرا، أو تشريعيا برلمانيا، أو دستوريا قانونيا، قابلا للاتفاق والاختلاف عليه، ومفتوحا كما يجب وينبغي له ان يكون امام أسئلة الحداثة, والمعاصرة.

وكل هذا في وقت يتعاظم فيه من حولنا التأثير المجتمعي النكوصي للطائفية والمذهبية والقبلية، وترتفع الأصوات من هنا وهناك في دعاوى صريحة إلى التقوقع الملي, في سبيل حفظ وصون ما يسمى (الفرقة الناجية)، وهي مقولة لا تخص طائفة بعينها، بل تتشارك مبدأها الغالب الأعم من الطوائف والملل، هذه الفرقة التي ستجد ولاشك في الزواج الديني الضيق -الممنوع عن الآخر- موئلا ومذخرا بشريا يعز عليها التفريط فيه، وإن جاء ذلك بكلفة باهظة, تتمثل تمظهراتها الأبشع في التضييق على روح المشاركة والتعايش وجسر الهوة مع الاخر داخل الحيز المجتمعي الذي تحيا بين ظهرانيه.

ففي حين لا يرى الاسلام ضيما في زواج المسلم بـ(الكتابية)؛ يميز بشكل فاقع في الحقوق مع (كتابيّ) يريد الاقتران بمسلمة، علاوة على أنه لا يعترف بأي دين آخر عدا اليهودية والمسيحة، وبالتالي يصبح زواج المسلم بمن هم خارج هذه الدائرة من أديان أخرى او من غير المتدينين نوعا من الهرطقة، والخوارجية المجتمعية.

وفي المقابل ترفض الكنيسة الزواج المختلط، ولا تباركه، وتقاطع (مرتكبيه)، وعلى المسلمة إن هي أرادت الزواج بمسيحي أن تعتنق دينه, بل ومذهبه بالذات احيانا.
أما الذين لاينتمون لذات المذهب فلا تزوجهم على سبيل المثال المحكمة المذهبية لطائفة الموحدين(الدروز)، والزواج المختلط في أحايين كثيرة, ووفق قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1953 والمعمول به حاليا, باطل، وأولاد المتزوجين هم ببساطة في عرف القانون (أولاد حرام, وزنا).
بل إنك لتجد حتى من بين أولئك المحسوبين على المجددين ضمن التيار الديني –السياسي الجديد في سوريا، والجالسين تحت قبة البرلمان الحالي ولا فخر، من لا يتورع عن تشبيه الزواج المدني بسفاد (الحيوانات)، بعد بدعة (بحفض) السياسية التي اتحف بها مشاهديه على LBC العام الماضي, وذلك قبل ان يتراجع –على عادته مؤخرا في تكذيب نفسه على وسائل الاعلام- ويطلب سحب تلك المفردة المشينة من مقابلته.

ولاينغك هؤلاء القوم يتحفوننا يوما بعد يوم بالمزيد من الشطط الذي تذهب فيه ازدواجية المعايير لديهم, إذ وعلى الضد من صاحبنا (المعتدل) إياه، نقع في المقابل وفي فرنسا تحديدا على رأي ديني آخر، يبيح الزواج المدني للمسلمين، بل ويحض على إتمامه بالعقود المدنية التي يتم إنجازها في البلديات، وذلك بعد ان أصدر رئيس دار الفتوى في اتحاد المنظمات الإسلامية باعتماد هذا الزواج المدني (شرعيا)، قائلا أنه لا يرى تعارضا بين العقد المدني والعقد الشرعي، حيث ان السلطات الفرنسية لا تعترف إداريا بالزواج الديني لأتباع أي دين، بل إن هناك مادة في قانون العقوبات تنص على معاقبة من يرتكب مخالفة من هذا النوع بالسجن مدة ستة أشهر وغرامة مالية تصل إلى ما يزيد عن السبعة آلاف يورو.

فعنصر المساواة بين المواطنين إذن أمر غير متوفر من الناحية القانونية خارج إطار الزواج المدني، وذلك في تناقض صارخ مع حقوق الانسان الأساسية والتي تمنع المس بحرية الاختيار لدى الأفراد في انتقاء شركائهم، والذي هو في الأصل منه استجابة للفطرة الطبيعية بالاقتران بالآخر بمعزل عن أي اعتبارات إثنية او دينية، وهو حق نصت عليه الشرعة الدولية لحقوق الانسان في المادة 16 والتي تقول : (تعتبر الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع، وتتمتع بحق حماية المجتمع و الدولة. ومتى أدرك الرجل و المرأة سن البلوغ، يحق لكل منهما الزواج و تأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين.).

كما انه أمر يتعارض مع أحكام الدستور السوري الحالي الذي تنص الفقرة الرابعة منه على: (حرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي)، جنبا إلى جنب مع المادة 44 من الدستور ذاته والتي تنص بصريح العبارة (تحمي الدولة الزواج، وتشجع عليه، وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه).

هذا أو أن يلجأ الناس إلى تبديل أديانهم ومذاهبهم، لا تمثلا لحرية الاعتقاد المصونة دستوريا، وإنما مرغمين على النفاق والكذب، بغية الحفاظ على حقهم في البقاء الى جانب الشريك الذي اختاروه أصلا، وذاكرتنا حافلة بعديد القصص التي يتداولها كثيرون عن أناس تقدموا بطلب تغيير دينهم، ليقابل طلبهم بالرفض لافتقارهم للحد الأدنى من المعرفة بهذا الدين القديم الجديد الذي يظهرون نية التحول إليه، وهو تدليس بلا شك اضطرهم إليه القانون نفسه الذي من المفترض به ان يحمي الحقيقة ويحقها، عدا عن أن هذا الأمر لا بد أن يمر عبر قنوات أمنية أيضا وأيضا، إذ لا يمكن لتبديل الدين هذا أن يصبح (شرعيا) دون موافقتها.

وهكذا تبرع تقاليدنا وقوانينا المتأخرة، في تحويل علاقات الحب, وخيارات الألفة والائتلاف إلى غابة جهنمية من المداخلات الممضة، يختلط فيها القانوني بالأمني، والتشريعي الدستوري بالاجتهادي الديني والمتعنت الروحي، في بلد يحوي ما يقارب من سبع محاكم مذهبية متباينة المشارب والأحكام.

فالزواج في القانون السوري هو زواج ديني أساسا مهما حاول بعضهم تجميل الصورة وتلميعها، أما قوانين الزواج المدني الموجودة في سوريا فهي مخصصة لغير السوريين، وعلى من يريد التنعم بها أن يحمل جنسية أخرى (مع أو بدون) جنسيته السورية، ولهذا يضطر سوريون كثر إلى استقبال اليوم الأول من حياتهم الجديدة مع شركائهم الذين اختاروهم وصادف أنهم ينتمون إلى دين آخر أو ملة مختلفة، في دول أجنبية مجاورة كاليونان، وقبرص، استفادة من قوانين الأحوال الشخصية المدنية فيها، بدل -كما ينبغي لتمام مواطنتهم- أن يكون ذلك على ترابهم الوطني، وبين ذويهم.
ولكن يظل على السوريين الذين يتزوجون بالخارج من أجنبيات بعقد مدني أن يواجهوا عند عودتهم معضلة عدم اعتراف المحاكم السورية بشرعية ارتباطهم ذاك.

وفي الوقت الذي نركن فيه نحن لمماحكاتنا التي لا تنتهي حول هذا الموضوع، نرى كيف تمكن بعض (أشقائنا) و(جيراننا) من قطع شوط لا بأس به في هذا المضمار بغرض ترسيخ هذا المفهوم في مجتمعاتهم، كتركيا على سبيل المثال، والتي تتبنى الزواج المدني في قوانينها رغم انها رسميا تعد واحدة من كبرى المجتمعات الإسلامية في العالم مع تعداد سكان يقارب المئة مليون نسمة، وكذلك الحال بالنسبة لتونس، التي يرجع العمل فيها بقانون الزواج المدني إلى ما يزيد على النصف قرن، وهي عمليا الدولة العربية الوحيدة مع هذا الانجاز، أما في لبنان فقد أدى طرح هذا الموضوع في التداول التشريعي العام 1998 كجزء من مكملات اتفاق الطائف الشهير إلى إثارة عاصفة من الانتقاد من قبل متزعمي الطوائف السياسية آنذاك، لما في ذلك من تهديد لسلطاتهم (الروح-دنيوية), ولم تجد الأحزاب العلمانية في حينه هناك عقائدها المدنية فتيلا.

وليس الوضع على ما يبدو بأحسن حالا لدينا هنا، إذ يظل الجانب التشريعي من قضية الزواج المدني -من بين كل جوانب المسألة الأخرى- هو الأفقر بالمعلومة والخبر والتحليل،وما الأمر كذلك سوى لأن المشرع السوري نفسه يكاد يكون مستقيلا تماما من مقاربة هذا المسألة الهامة والمفصلية، إن لم يكن حريصا كل الحرص على تجنبها، وتفادي التطرق إليها، ويكاد يخلو أرشيف المداولات البرلمانية السوري من أي ذكر لهذا الموضوع.

وإذا وضعنا جانبا إلى حين عددا من الأحزاب السورية والتي هي مستنكفة أساسا عن احتضان هذه القضية، بالنظر إلى أنها ليس من منطلقاتها الفكرية أصلا، نجد ان بقية الأحزاب السياسية الموجودة في ساحة العمل الميداني اليوم –أو كما يتراءى لنا أنها كذلك- ، والتي تتبنى من حيث المبدأ فكرة الزواج المدني السوري –أو كما يترائى لنا أنها كذلك- لازالت حتى اللحظة تتهرب من مناقشة هذا الموضوع صراحة، وتبدو عازفة عن الخوض فيه، ومتعففة عن تناوله، تارة بحجة أن الظرف الاجتماعي المحلي في البلد لايزال غير موات للتعاطي مع مثل هذه الطروحات، وطورا آخر عبر تأخير بند الزواج المدني بالذات، ووضعه في مرتبة متدنية على سلم أجندات العمل الحزبي المجتمعي والسياسي، بالنظر إلى ما تعتقده تلك التيارات والأحزاب من وجود مسائل أكثر إلحاحا تشغلها حاليا، وأولويات أخرى أجدر بالمتابعة والرصد.

وربما لأن تلك التيارات السياسية ببساطة لم تتوصل إلى انجاز ملموس، أو تجسيد واقعي لما درجت على التبشير به في أدبياتها التي تملأ بها دساتيرها ورؤوس محازبيها، من ضرورة قيام وضع قانوني متماسك للأحوال الشخصية عماده وحجر الأساس فيه قانون للزواج المدني.

ويكاد الناظر إلى حال تلك الأحزاب يخال أن الأمرلا يعدو كونه في النهاية سوى مجرد شعار آخر يضاف إلى دفتر شعارات المرحلة المزمنة، ناهيك عن العنت والحصاد المر الذي ينال الباحث والمتقصي وراء أية مكتسبات تدعي الأحزاب العلمانية السورية حيازتها عبر (نضالها) الميمون فيما يخص هذا الجانب بالتحديد.

ولقد كان أمرا شاقا بالفعل مجرد محاولة الحديث إلى أي برلماني سوري عن موضوع الزواج المدني، حتى ضمن تلك الأحزاب التي لا تنكر من حيث المبدأ أنها معنية بطريقة ما بالموضوع، وعندما يصل الأمر حد المصارحة بخطط العمل والاستراتيجيات الميدانية، والبرامج الحزبية التي من المفترض ان تسخر لهذا الغرض، وأن تكون الوسيلة إلى إخراج الأفكار والتنظيرات إلى حيز الوجود، وأرض الواقع، تجد فجأة كيف ان البرلماني فلان قد ازدحمت اجندته فجأة، وأن الآخر علان قد تذكر خريطة العالم فراح يتنقل بين بلدانها بلا رجعة، والثالث في عيادته، والرابع ليس من اختصاصه، والخامس وزير، والسادس ...،وهكذا دواليك.

على أننا وبجردة بسيطة نرى كيف أن البعث العربي الاشتراكي والذي يرفع العلمانية شعارا من شعاراته، ورغم مرور حوالي 45 عاما من وجوده في سدة الحكم في سوريا، إلا أنه لم يسبق أن سجلت سابقة تشريعية واحدة لأحد نوابه الذين يشكلون اليوم 53.6% من اعضاء الندوة البرلمانية بأن تقدم منهم من يطرح هذا الموضوع للتداول البرلماني الجاد، أو يعرضه فيها كمشروع قانون بديل عن ذلك المعمول به اليوم، أو أي شيء من هذا القبيل، ونرحب هنا بصدر رحب لأي تصحيح لهذه المزاعم.

من جانبها تقول السيدة رهام بشور النائبة السابقة في مجلس الشعب السوري عن حزب الاتحاد الاشتراكي (جناح صفوان قدسي)، وهو أحد الأحزاب العشرة التي تتشكل منها الجبهة الوطنية التقدمية التي تحكم البلاد، أنها مع (التلون الطائفي في البلد)، ومع (الحفاظ على كيان الأقليات)، وبالتالي فإن موضوع الزواج المدني داخل حزبها ليس مطروحا على الاطلاق، وأنها شخصيا (ضده يالمطلق).

وتجادل بشور بأن (القواعد الشعبية للأحزاب ترفض هذه التوجه)، كما أن الرأي السائد في مناقشات جلسات الجبهة الوطنية التقدمية ميال إلى اعتبار ان هناك (الكثير من الأولويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تحظى بمتابعة وعمل وجهد هذه الأحزاب سوى موضوع الزواج المدني).

وتضرب عضو مجلس الشعب السابقة مثالا عن تلك الأولويات التي تتحدث عنها بمشروع قانون يجري التحضير له (في السعودية) لتجريم العنف ضد الأطفال، وهو ما ترى فيه بشور (أمرا متقدما قياسا بالطبيعة المحافظة لذلك البلد ولقوانينيه الاجتماعية غير المتقدمة)، وهو –أي القانون المشار إليه- أمر يجدر بنا هنا في سوريا ان نعمل على غراره على أقل تقدير.

ثم تنتقل بشور للحديث عن مثل آخر ترى فيه كذلك شأنا أولى بالاهتمام بما يتقدم على قانون الزواج المدني، فمن باب مقاربة العربة والحصان، ترى بشور أننا بحاجة ملحة أكثر في الوقت الراهن لـ(إيجاد قانون احزاب ينظم الحياة السياسية، ويهيئ البيئة –إذا شئت- للتداول في موضوع الزواج المدني)

وتؤكد البرلمانية السابقة أن مسألة الزواج المدني في سوريا (لم تطرح على حد علمي أبدا في مجلس الشعب)، وأنها –أي تلك القضية- (لم تـُقدم ضمن برنامج الجبهة الوطنية التقدمية على الاطلاق)، وإذ لا تستبعد بشور ان تكون هذه المسألة قد حظيت بـ(مناقشات فردية)، غير انها تكاد تجزم ان تلك المناقشات لم تتطور أبدا لتصبح (مشاريع قوانين أو برامج حزبية)، لكن الأنكى يبقى أن هذا الأمر لم يتطور كذلك (ضمن الأحزاب العلمانية كالقومي والشيوعي)، وتقول بشور انه حتى بالنسبة لتلك الأحزاب فإنها (لم تطرح مشاريع قوانين من هذا المثال)، وتعلل بشور هذا التراخي بأن (القواعد الشعبية) لتلك الأحزاب (ة تشدهم إلى الوراء بهذا الخصوص).

عجزت في السابق الأحزاب السورية العلمانية ومن بحكمها عبر عقود من مسيرتها المظفرة في هذا البلد، وتعجز اليوم، عن توفير عشرة من أعضاء مجلس شعبها الـ(250) -سواء المنتخبين منهم أو المعينين- بغرض توفير النصاب القانوني لمجرد طرح قانون الزواج المدني رسميا للمرة الأولى في سوريا، لتظل تلك الأحزاب نائمة في عسل توقعات ان يعمد رجال الدين ذات يوم من تلقاء انفسهم -او بمعجزة حقيقة هذه المرة- ومن دون ضغط شعبي وحزبي وقانوني؛ للتنازل من عن سلطاتهم ما وراء الطبيعية, أو التخلي عن وصايتهم على مجتمعاتنا المحلية المحرومة حتى اليوم من حقها الطبيعي والدستوري في اختيار مستقبلها الاجتماعي الوطني.



2008

الإعلام السوري إذ يفرّط في (المستقبل)

مرة أخرى ينتهك البارود قهوة الصباح, وينتحي الصحفي بكرسيـّه المرصود ليكتب خبرا عن (خبره), طعما في شبك الاشتباكات, ودريئة لكباش المتناحرين, القهر في نفسه, والحرائق في مكتبته, والدماء في حبره, وما من ناشر, ولا من قارئ, ولا من مشاهد.

ولا يسع المرء هنا في أتون الأخبار المتلاحقة من بيروت (الحرائق)* وأعمدة الدخان الأسود تتصاعد لا تزال من مكاتب الجرائد ومحطات التلفزيون, إلا التريث برهة للتأمل في الموقف الذي تواطأ عليه جلّ الوسط الصحفي والإعلامي السوري تجاه ما يجري.

فالمتابع لردة فعل وسائل الإعلام السورية سواء منها الرسمي أو الخاص حول الأحداث التي تواترت مؤخرا على بعد ساعتين فقط بالسيارة من العاصمة دمشق, لا يفاجئ ربما بهول ذلك الصمت البارد, واللامبالاة الفادحة, تجاه قضية الترهيب والإغلاق القسري الذي تعرضت له وسائل إعلام لبنانية محلية, بقدر ما يفجع ربما بحجم تلك الشماتة التي سادت الوسط الصحفي السوري وهو يرقب مجموعة (المستقبل) الإعلامية المؤلفة من قناتي تلفزيون, وإذاعة, وجريدة يومية, وهي تـُقصى -ودفعة واحدة- تحت تهديد السلاح عن المشهد الإعلامي للأحداث منذ اليوم الأول لوقوعها, بل إن بعضا من أولئك الإعلاميين السوريين المحسوبين على الموجة الجديدة التي لم تبلغ شاطئها بعد من الإعلام الخاص؛ لم يطل بهم الأمر قبل أن ينجروا وسريعا لاستخدام لهجة مخجلة تتبنى مانشيتات التابلويد السياسي إعلاميا, وتسوق دون وازع تحويرات شتائمية تجاه ما اعتبروه إعلاما مضادا على الجملة, من قبيل نعت قناة (العربية) بالـ(عبرية), وإلحاق تلفزيون الـ(LBC) بالقائمة الفضفاضة لـ(العمالة للعدو), في استسهال مخز –أقله- للتعاطي بذات اللغة الموبوءة التي يأخذ أولئك الصحفيون على وسائل الإعلام (المعادي) تلك استخدامها, دون أن يشفع لهم بحال ما سفحوه عند أقدام أشباه هاتيك المقاربات من تحليلات أو رصد يزعم الأكاديمية والمهنية, في حين يتم التعامي في اللحظة المشهدية ذاتها عن الـلقطات الـ(مدروسة) التي يبدو أن تلفزيون (المنار) يتقن بدوره زرعها في ريبورتاجاته, متنقلا بحرية أكبر من غيره بين النيران الصديقة, مع منافذ أوسع لكاميراته التي لم توفر (زوماتها) القنابل اليدوية إسرائيلية المنشأ غنيمة حرب إعلامية ثمينة في معاقل الخصوم.
وبذلك لا يكون الإعلاميون السوريون في النهاية قد تأخروا كثيرا عن المشاركة في ماراثون ذر رماد التضليل في المؤق والعيون, وإهالة المزيد من التراب على موءودة كل الأطراف -كما هو الحال في مثل هذه الأحداث- وأعني الموضوعية.

ليس دفاعا عن خط جريدة (المستقبل) الغائبة مطبوعة ً عن أكشاك جرائد المدن السورية منذ حين, والمحجوبة أيضا وأيضا موقعاً الكترونياً عن شبكة الانترنت المحلية, ولا ذوداً عن (فكر) تلفزيون الـ(future) وسياسة ملاكه وتياره, والذي يعتقد كثيرون أنهما لجهة إخراج الـ(بروباغاندا) الخاصة بهما - التلفزيون والجريدة- يكادا أن يكونا من هذه الزاوية بالتحديد -ومن حيث يدري القائمون عليهما أو لا يدرون- توأمين فاقعين لألد خصومهما إعلاميا على المقلب الآخر, من هيئات التلفزة (العامة) الموجهة, والجرائد السورية ذات الخط الرسمي منها, أو تلك الملحقة بالأحزاب, خاصة وأنّ مجموعة (المستقبل) ذاتها سبق وأن أدت قسطها للعلى حليفا للرسمي السوري أيام الحريري الأب, قبل أن تقلب له لاحقا ظهر المجن.

بيد أن هذا الأمر شيء؛ وموضوع أن نمعن صمتا ونستمرء رؤية أحد صحفيي مؤسسة (المستقبل) تلك وهو ينحني في مكتبه ليلتقط أمامنا من الفوضى العارمة تحت قدميه لا قلما ولا ورقة ولا صورة, وإنما شظايا من قذيفة (ب 7)؛ هو شيء آخر تماما.

إذ لا مكان للشماتة هنا, إلا ممن يريد الشماتة بنفسه, ومؤسف حقا أن المرء لدى مطالعته قدرا غير يسير مما نشر على صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الالكترونية المحلية السورية خلال الفترة الماضية –أو ما لم ينشر- لاينفك يتعثر ببعض الإعلاميين السوريين متلبسين بأدوار لا تليق بهم, غافلين عن أن آخر ما يحتاجه اليوم إعلامنا السوري, من السقوط في ظلّ ذلك الفخ الذي يـُزعم دائما أن الآخر الإعلامي قد استساغ التمرغ في (أوحاله).

ومن غير المجانب للصواب تماما الادعاء هنا أن هذا الإعلام السوري في نسخته (الخاصة) –ولا أقول المستقلة- لمـّا يخرج بعد من إسار تراث الإعلام الرسمي الإقصائي, وتقاليده التعبوية الدوغمائية, والتي استفحلت في حياتنا الإعلامية لما يزيد عن الأربعة عقود ونيـّف, خاصة إذا علمنا أن كثيرا من إعلاميينا وصحفيينا السوريين لا زالوا ينوسون بلا بوصلة تقريبا بين كلا القطاعين, مرغمين أحايين كثيرة على (مسايسة) سياسات تحرير الفريقين معا في آن.

ومتابعة متأنية لكل المشاهدات الآنفة تكشف كيف أن القيمين على الإعلام السوري والقائمين به ككل؛ يفتقرون للحد الأدنى من أسس إستراتيجية خليق بها أن تنال حيزا أكبر في رؤاهم الإعلامية ضمن أفقها الأوسع –إن وجدت تلك الرؤى أصلا-, استراتيجية تضع في اعتبارها قيم المنافحة عن مقومات وجود هذا الإعلام في أصله, من حق الحصول على المعلومة, وحق التعبير بها وعنها, والأهم في هذا المقام تكريس واجب التضامن مع كل من تسلب منهم هذه الحقوق, كون هذا التضامن عمليا تضامنا مع الذات وذخرا مستقبليا لها.

وبعيدا عن استلاب المصطلح السياسي في عمومه, ومصادراته التي لاترحم, يتوجب من منطلق إعلامي محض التأكيد مرة أخرى والدفع بقوة للتذكير أنه لايمكن أن يكتب لـ(التحرير) التمام والاكتمال طالما أنه لا يزال هناك رصاص يئزّ في غرفة (التحرير), وأنه لا يمكن لأي مقاومة أمينة لمبدئها -أيا كانت- أن تنسحب القهقرى وتتهاون هكذا فجأة أمام (العدوان) على الفكرة, أو أن تسلم بهذه السهولة بـ(احتلال) الكلمة والرأي.

وإلا فنحن مهددون بالمزيد من الانتكاسات داخل هذا الجسم الصحفي الذي يعاني ما يعانيه, نكسات قد تحمل دلالات وتضمينات بالغة الخطورة والفداحة, كتلك اللقطة التي عبرت في شريط الحدث الداهم قبل أيام, وظهر فيها أحد مذيعي قناة (المستقبل) وهو لايزال تحت تأثير صدمة ما لحق بمؤسسته الاعلامية من ضيم وتكميم للأفواه ليقول كلماته المرعبة يومها:(أعترف أنني صرت منذ اليوم طائفيا)!

الصحفي ليس عدوّا, فمن باب أولى ألا نكون –نحن الصحفيين- أعداء أنفسنا.
________________

* (دمشق الحرائق), مجموعة قصصية لـ زكريا تامر



05-2008

2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

استراتيجيات الشباب، بين التراصص والتحاصص (2)

-آراء قيادات حزبية في موضوع العمل الحزبي الشاب - الجبهة الوطنية التقدمية


ناصر الأسود
عضو قيادة فرع حزب الاتحاد الاشتراكي العربي




فيما يدور الصراع حول من هو على صواب بين الأحزاب داخل الجبهة وخارجها؛ يتعرض شبابنا إلى قصف فكري, ومسح للذاكرة الوطنية والقومية.

القيادة السياسية مدعوة لفتح حوار داخل الحزب القائد, كي تكون هناك نظرة أكثر (تقبلا) لأحزاب الجبهة الأخرى.

أحزاب الجبهة ترهلت في مرحلة من المراحل, وصار قطاع من الشباب يدخل أحزابها -بما فيها الحزب القائد- للمنفعة.

نجد أنفسنا مضطـّرين إلى (عقلنة) تصرفات وطروحات شبابنا ممن يتجاوزون الخطوط خالقين (إشكالات) لكتلهم الحزبية.



من دون مقدمة....


• ....................؟

"الأزمة في الإقبال على العمل الحزبي لدى الشباب ليست قضية تختص بها الأحزاب الناصرية دون غيرها، بل هي أزمة عامة تشمل كل القوى السياسية.

وهي ناتجة جزئيا عن عدم وجود صياغة للرؤى الفكرية لهذه القوى بعد كل هذه التغيرات التي طرأت، ونلمس تجليات ذلك في الأحزاب الموجودة داخل الجبهة الوطنية التقدمية، والتي لها شرعية في الحركة والعمل، أو تلك الأحزاب التي ربما تملك رؤى أيديولوجية مماثلة إنما تختلف سياسيا مع الحزب القائد وأحزاب الجبهة، ولكن في المحصلة الكل بحاجة إلى إصلاح.

الأمر الذي يدفعنا تلقائيا إلى التمسك بهذه الشريحة الشبابية التي اختارت العمل الحزبي-تشكل جزء متواضعا من قطاع الشباب السوري الأوسع-.

وفيما يدور الصراع حول من هو على صواب بين الأحزاب داخل الجبهة وخارجها، أو بين أحزاب الجهة و الدور الأكبر لحزب البعث؛ يتعرض شبابنا في الخارج إلى قصف فكري، ومسح للذاكرة الوطنية والقومية!".

• ....................؟

"القيادات في الصف الأول تدرك هذه المسألة، ولا يجوز -بهذه الاطلاقية- القول أن القيادة السياسية للجبهة لم تفتح المجال أمام أحزاب الجبهة للعمل، كما لا يجوز القول أنّ هذه الأحزاب عاجزة عن العمل ضمن البيئات الشابة، وإنما يوجد هناك داخل الحزب القائد من يتعامل مع موضوع أحزاب الجبهة على أنها حالة خلافية، رغم أنّ الجيل الشاب يجد تطابقا شبه كامل بين ما تقدمه أحزاب الجبهة وبين ما يطرحه الحزب القائد!

والقيادة السياسية مدعوة بهذا المعنى لفتح حوار داخل الحزب القائد، بغرض أن تكون هناك نظرة أكثر (تقبلا) لأحزاب الجبهة الأخرى، متجاوزين حالة (المجاملات) في المناسبات بين القيادات.

يمكنني القول أنّ أحزاب الجبهة تحولت في فترة سابقة إلى حالات عائلية، وبقيت ضمن الدوائر الضيقة. هناك نمط في التفكير بحاجة إلى مراجعة، لكن التغير الحاصل يجب التقاطه.

هذه الدائرة التي يخافها (بعضهم) أقول لهذا الـ(بعض) هي منكم وفيكم، والأمر أشبه بحالة من يخاف من ابنه إذا تفوق دراسيا!"

• ....................؟

"آلية العمل السياسي اليوم لا تتيح للشباب أن يكونوا ضمن الأفق السياسي الكبير كي يمارسوا دورهم، مضافا إلى ذلك آليات العمل ضمن الأحزاب بطابعها التقليدي واجترارها للممارسات البيروقراطية.

وأقول في هذا السياق أيضا،أنّ أحزاب الجبهة كانت فيما مضى تتلقى دعما ماديا من الدولة، وهذا الدعم بدأ يخف إلى حد ما، الأمر الذي يطرح سؤالا فيما إذا كان من المتاح أمام أحزاب الجبهة ضمن الشرط السياسي الحالي؛ أن تنشئ لنفسها مؤسسة اقتصادية يفتح لها المجال أمام تدعيمها ماليا؟

أحزاب الجبهة ترهلت في مرحلة من المراحل، وصار قطاع من الشباب –بعيدا عن التعميم- يدخل أحزاب الجبهة -بما فيها الحزب القائد- بغرض اكتساب بعض المنافع، ولم تعد القضية في السنوات العشر الأخيرة قضية (كوتات) وحصص؛ بقدر ما هي إنجاز ميداني على أرض الواقع.

والقيادة السياسية تعي هذا الأمر، وترسل هذه الرسائل، ومن لا يريد أن يفهم فهذه مشكلته، فالفاعلية على أرض الواقع هي معيار بقائك، ومن يعمل يجد فرصته.

لكننا في مسألة السقوف والهوامش نعود فنصطدم مع الجيل الشاب وروح المغامرة والجموح التي لديه، فنجد أنفسنا مضطرين إلى (عقلنة) تصرفاتهم وطروحاتهم أكثر، إلى حد قد يشعرون معه أنّ ثمة تقييدا على حركتهم، وهي نقطة مفصلية بالنسبة إلى حديثنا هذا، حيث ونتيجة للاندفاع الذي ذكرت؛ يتجاوز الشباب بعض الخطوط مما يخلق (إشكالات) لكتلهم الحزبية.

مثل حالة ذلك الشاب من شبابنا في حزب الاتحاد الاشتراكي، والذي تكلم في إحدى الندوات التلفزيونية المسجلة كلاما تم حذفه لاحقا من الحلقة عندما أذيعت!

أما إن كانت هذه الـ(لا) تأتي بالإقناع أم (لا) –وفق تعبيرك- فقد أكون مبالغا في حديثي إذا أجبتك بـ(نعم)، بمعنى أنها تأتي بالإقناع، لكنه لا يمكنني في ذات الوقت القول أنّ الأمر يتم بجرة قلم أو قرار.

وهنا تمارس القيادات الحزبية الوسطى شيئا من المزاودات حول مثل هذه الحالات، كأن تحتجّ مثلا على إعطاء شباب كهؤلاء الفرصة للكلام قائلين (ألا تعلمون أننا داخل الجبهة...) وما شابه، في حين يكون رأي المكتب السياسي للحزب مغايرا لهذا الطرح"

• ....................؟

"من يقول اليوم (أنا واحد وغيري يتبع لي) لن يصل، بل أمامه طريق مسدود، ولا جدوى من وراء الحديث عن أنّ طرفا بعينه قادر على أن يحمل على كاهله كل الأمور، وانطلاقا من المبدأ ذاته نعرف أنّ الدولة لم تعد تستطيع أن تلبي كل شيء، فأبوية الدولة لم تعد قائمة، ولا يدعيّن أحد أنه يملك الحقيقة أو رؤيا الحلول للمشاكل وحده.

كنت مرة في أحد المخيمات الكشفية ضمن دورة قادة، ليأتي أحدهم -وهو عضو له مركزه اليوم في اتحاد شبيبة الثورة- ليقيمني ضمن الاستمارة المقدمة كـ(حيادي إيجابي)؟!

فسألته كيف تضع مثل هذا التقييم لي وأنا عضو قيادة فرع في واحد من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية؟!"

• ....................؟

"أقول للجهات المكلفة بضبط السقوف؛ يجب أن نستمع جيدا إلى هؤلاء الشباب ونسعى إلى فهم تلك الطروحات التي نرى أنها تتجاوز (السقف)، لأن الخسارة ستكون في تحويل هؤلاء إما إلى النموذج غير المبالي، أو ذاك المنغلق على أفكار محددة، يطلب عبرها الراحة والتوازن بالمعنى النفسي؛ كالتدين من دون مواقف مثلا، والذي يدفع باتجاه التعصب.

علينا إذن أن نستوعب هؤلاء الشباب، ونفتح أمامهم هامشا أكبر لطرح أفكارهم ورؤيتهم، لأنهم يمثلون طاقة بإمكاننا الاستفادة منها وتوجيهها، وقد لمسنا حجم تفاعلها مثلا في حرب تموز الأخيرة، وخاصة فيما يخص

عمليات الإغاثة، وفي السياق ذاته أشير هنا كيف وجدنا أن الفعاليّات الأهلية كان لها دور في هذا الأمر أكثر من الأحزاب المؤطرة، نظرا لأنّ هذه الأخيرة غير معتادة على ممارسة هذه الأشكال من النشاط.

وأنا أتفق معك على أنّ ثمة فجوة معرفية لدى هذا الجيل الشاب مع ما سبقه، لكنها فجوة بحاجة إلى ترميم لا أن نقفز فوقها، بيد أنّ الطريقة القديمة في مخاطبة الشبّان لم تعد مجدية، من دون أن يعني ذلك أننا لم نعد بحاجة إلى مضامين الأيديولوجيات نفسها"

• ....................؟

"كانت الجبهة لدى تشكلها من أحزاب يسارية وقومية –إضافة للبعث- معبرة عن مرحلتها والجو العام في حينه، أما لآن فنحن لسنا بحاجة فقط إلى توسيع دائرة هذه الجبهة -كما طرح في المؤتمر العاشر لحزب البعث- بل برأيي لا مانع حتى من طرح أكثر جرأة.

فنحن إن كنا حريصين على سوريا بالفعل لا يفترض بنا أن ننظر نظرة إقصائية إلى هذه المعارضة التي تملك نفس الطروحات الوطنية، ونفس الرؤيا القومية، ونفس الخطوط العامة في مسألة الصراع مع الصهيونية، خاصة تلك التي تعمل منها تحت سقف الوطن، ولا تشارك في اجتماعات مشبوهة.

وان كان الواقع يوحي بشيء غير هذا؛ فأنا لا ألوم فقط طرف السلطة، بل ألوم الأطراف الأخرى التي تمارس نوعا من الطهرانية السياسية، والعمل في الغرف المغلقة -الذي لن يجدي-، خاصة وأنّ بعض أحزاب المعارضة لا يعرف الناس عنها شيئا، و لم يسمعوا بها من قبل، ولو حاولت أن تجمع حولها أحدا؛ فلن يجتمع حولها إلا القليل.

مع العلم أنّ أحزاب الجبهة -من دون البعث- قريبة أيضا من هذه الحالة، وقد تحصل بعض الاختلافات أحيانا مع البعث في حين أن على الطرف الآخر أن يدرك أن ّ المعركة ليست مع هذه الأطراف، والتي هي في النهاية أطراف تريد مصلحة الوطن منيعا متماسكا، للشباب فيه دورهم وفاعليتهم، ولاشك أن أكثر ما يزعج الشباب ويخلق لديهم حالة من التراجع والانكفاء؛ هو شعورهم بمسألة التطابق الكامل هذه، والتي هي نقطة سلبية.

لذلك أنا أدعو إلى إقامة (حلقات وسيطة) وتنوع أكبر، فالحراك السياسي الناجح في أي بلد هو ذلك الذي يتيح النظر إلى المسائل المطروحة من زوايا أخرى مقابلة."

• ....................؟

" لم يكن داخل الحزب من قبل هيئة معنية بالشبان خصوصا، وأنا مكلف اليوم بوضع دراسة منهجية لمكتب الشباب داخل الحزب، وقد طرحت في عرضي فكرة التخلص من آلية التعيين عبر الأمناء العامين وأعضاء القيادة نحو آلية جديدة تمر من خلال الممارسة والانجاز على أرض الواقع حيث المحك العملي.

وتوصلت عبر مجموعة من شباب الحزب إلى نتيجة قد يجدها بعضهم جارحة؛ لكنني اكتشفت عمليا أن طابع الحوار داخل هذه المجموعة متقدم

فكريا وحركيا على الحالة الموجودة داخل الفرع نفسه، رغم أنهم تنظيميا دون مستوى الفرع!

وهذه تجربة جديدة -لا يتجاوز عمرها السنة تقريبا- داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، وداخل فرع دمشق تحديدا، وكان من نتيجتها أن أحد أفراد المجموعة تمكن بعد وقت صغير من التقدم بطالب افتتاح شعبة لحزبنا في ريف دمشق"

• ....................؟

"دعني أخبرك هذه الحادثة، كان هناك احد الأشخاص الذين تركوا حزب البعث منذ سنة 94،

وانضم إلى حزبنا، ثم رشح نفسه في الانتخابات العمالية، لكن اسمه شطب لاحقا!

وقد حمل أمين الفرع قضيته إلى مسؤول في فرع دمشق لحزب البعث، الذي أخبره أنه ثمة لديهم قرارا يجعل من غير المسموح لمن ترك حزب البعث أن يأخذ أي موقع في المستقبل، فرد عليه أمين فرعنا أن الشخص المشار إليه كان ضمن حزب البعث بسبب (طريقة معروفة، عندما يكون المرء في سن معين في المدرسة ولا يعرف بعد ما هي السياسة).

ما أريد قوله هو أنه على الجميع أن يعي أنّ ما يدور حوله الخلاف، ليس هو المعركة الأصلية. يجب أن نضع المجهر ونتأمل الواقع جيدا لنرى ما الذي يحصل لشبابنا، وما هي هذه (الدوائر) التي تجتذب هؤلاء الشباب.

في إحدى المناسبات المهمة لنا وهي ذكرى الوحدة بين سوريا ومصر، دخلت الاجتماع لأشاهد بضع عشرات فقط من الحضور (لنقل مئة... مئتان) وهذا ليس غريبا، في حين أنني عندما خرجت وجدت أن احد مرشحي مجلس الشعب وقد تمكن من حشد الآلاف في خيمته الانتخابية،

علما أن هذا الشخص (م.ح) نفسه ستقرأ عنه في جريدة (تشرين) اليوم أنه قد تم إلقاء الحجز الاحتياطي على أمواله المنقولة وغير المنقولة!

كيف يستطيع شخص بالأموال أن يوظف هؤلاء الفتيات والشبان المنطلقين، ويدفعهم للهاث أياما طويلة من أجل أن يعطيهم في نهاية حملته بضع آلاف من الليرات وما شابه.

علينا أن نـُشعر هؤلاء الشباب بوجود حلقات وسيطة يستطيعون التعبير من خلالها، والأمر في رأيي يشبه فرق الكمون في الكهرباء؛ وما لم يكن هناك (فرق) كمون فالتيار عندها سيكون (صفرا)!

بمعنى أن زاوية الرؤيا المختلفة بعض الشيء هي التي تنعش الرغبة لدى الشباب ليصبحوا جزء من العملية السياسية، وتبعدهم عن أنواع من الاستجداء مررت عليها آنفا، خاصة في ظل أوضاع البطالة هذه، وأنا هنا لست في وارد مناقشة صحة أرقام المكتب المركزي للإحصاء بقدر ما أرغب في الإضاءة على ما تنعكس فيه هذه البطالة من فراغ لدى الشباب، وإضعافا لانتمائهم الوطني عندما لا يجدون وظائف تناسب مؤهلاتهم.

علي أن أُشعر الشباب أنهم جزء من النشاط العام، وأنّ لهم دورا في الواقع، إن لم يكن في صنع القرار؛ فبمراقبة هذا القرار والتدقيق فيه، أو على الأقل مناقشته.".





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!


استراتيجيات الشباب: بين التراصص والتحاصص(1)

-آراء قيادات حزبية في موضوع العمل الحزبي الشاب - الجبهة الوطنية التقدمية


أسامة الماغوط
سكرتير اتحاد الشبيبة الشيوعية (شبيبة خالد بكداش)
الحزب الشيوعي السوري




الرفيق خالد بكداش تكلم مع الرئيس حافظ الأسد قائلا:(هل ستمنعون أولادنا من أن يصيروا شيوعيين)؟

ليس مطلوبا من الشباب قراءة تاريخ سوريا ليحددوا موقفهم السياسي؛ فهناك عمـّال شباب سوريون لا يجيدون حتى القراءة!

لا يمكن القول أن إطلاقنا اسم (شبيبة خالد بكداش) على التنظيم الشبابي في الحزب الشيوعي السوري هو تكريس لـ (عبادة للفرد)!

لنقل للشباب كل الحقيقة, ولنطلعهم عمـّا يدور في البلد, من أسباب الفقر والظلم الذي يعيشونه, ولنعطهم لاحقا حرية اختيار اصطفافاتهم السياسية.



من دون مقدمة....



• ....................؟

"في 1931 أي بعد 7 سنوات فقط على تأسيس الحزب الشيوعي السوري كان هناك تنظيم شبابي داخله، وكان في حينه فرعا من الأممية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا لم ينقطع العمل بين الشباب من طرفنا بتاتا، تحت اسم (الشبيبة الشيوعية السورية) في البداية، ثم (اتحاد الشباب الديمقراطي)، قبل أن نعود إلى الاسم الأول في المؤتمر الأخير وهو اتحاد الشبيبة الشيوعية.

ناهيك عن أنّ تأسيس الحزب الشيوعي السوري أصلا قام على أيدي شباب كانت أعمارهم في حينها في العشرينات، والقيادات التي ثبـّـتت الحزب في البلد كانت من الشباب."

• ....................؟

"رغم ميثاق الجبهة إلا أننا لم ننقطع كحزب شيوعي عن العمل بين الطلاب، وكان لدينا تواجدنا الجدي في المدارس والجامعة، فهذه المسألة بالنسبة لنا كانت قضية حساسة لا مجال فيها للأخذ و الرد، حتى أنّ المرحوم الرفيق خالد بكداش تكلم مع الرئيس حافظ الأسد قائلا (هل ستمنعون أولادنا من أن يصيروا شيوعيين؟)

وكان هناك تفهم لهذا الموضوع، حيث لم نتعرض لأية مضايقات في هذا الخصوص، أمّـا عدم اشتغال باقي الأحزاب على هذه الأمر فهذا موضوع يعني تلك الأحزاب مباشرة.

والادعاء بأنّ الظرف غير مناسب للعمل هو من أسهل الأعذار، ولكن الوضع على غير ذلك.

هناك هامش من الديمقراطية في البلد، وقد أصبح الموضوع أسهل اليوم بعد أن لم يعد هناك في ميثاق الجبهة نفسه وجود لبند (حظر العمل بين الطلاب) بالنسبة لأحزاب الجبهة، لكن بالأصالة عن أنفسنا (الحزب الشيوعي السوري) أقول أننا كنا نعمل قبل هذا التعديل ولا زلنا مستمرين بالعمل بعده، بل إننا ندعو اليوم إلى نوع من العمل المشترك بين شبيبة أحزاب الجبهة ذاتها.

فمشاكلي أصلا أنا كطالب جامعة هي في المحصلة واحدة، سواء كنت شيوعيا أم بعثيا أم قوميا سوريا أم ...، وعليه يمكن إيجاد عمل جماعي بيننا يكون موجها للوسط الجامعي.

لكننا وعدا عن أي شيء آخر موجودون كشيوعيين في اجتماعات الاتحاد الوطني لطلبة سوريا.

وأنا أذكر جيدا أنه إبـّان دخولي الجامعة -كلية الهندسة الزراعية- في العام 91 شاركت في الانتخابات الطلابية ونجحت باسم الشيوعيين، وبغض النظر عن وجود قوائم أم لا، كنا موجودين، ونحن موجودون اليوم أيضا في كل الكليات.

والدليل على ذلك أنه كان لدينا منذ فترة قريبة مهرجان بمناسبة الذكرى الـ90 لثورة أكتوبر والـ95 لميلاد الرفيق خالد بكداش والـ83 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، ولو لاحظت فقد كان 70% من الحضور من فئة الشباب، ومن دون أيـّة مبالغة.

كما أذكر كذلك حضوري مهرجانا لـ(اتحاد الشباب الديمقراطي) في (الفرلـّق) في اللاذقية، وفي مكان عام سنة 88.

لذلك نحن في حزبنا لا نعاني من أية شيخوخة، والشباب موجودون من الهيئات القاعدية حتى القيادية، كالمكتب السياسي و اللجنة المركزية"

• ....................؟

"منذ العام 1924 وطوال تاريخ سوريا المعاصر، كان هناك حزب شيوعي سوري.

وهذا يقع في الصلب من إستراتيجيتنا في التوجه للشباب، إضافة إلى حرصنا الدائم لنكون مع أولئك الشباب من حيث متابعتنا مثلا لشؤونهم المطلبية في الجامعة مثلا، حيث حصلنا بذلك على تجاوب من تلك الشريحة أكبر مما كان من قبل، وتجلى ذلك لاحقا بمدى التجاوب معنا عندما نوزّع بيانا ما، أو ندعو إلى احتفال أو حوار، بل وحتى في الدعوة إلى التنظيم نفسه.

وأنا –لو سألتني رأيي- أعتقد أن الفكر الماركسي اللينيني والأفكار الشيوعية؛ حالة موضوعية في البلد، وربما تتميز سوريا بذلك عن بقية البلدان العربية، فالمجتمع يتقبل هذه الأفكار ويتعامل معها بشكل طبيعي، على الرغم من الفكرة السائدة بأنّ مجتمعاتنا مجتمعات إسلامية، تملك نوعا من ردة الفعل تجاه أفكارنا كماركسيين، بيد أننا لم نجد في سوريا حالة كهذه، وخاصة بين الشبيبة"

• ....................؟

"في رأيي أنه ليس مطلوبا من الشباب بشكل عام معرفة تاريخ سوريا، من أجل أن يحددوا موقفهم السياسي، فهناك مثلا عمال شباب سوريون لا يجيدون حتى القراءة.

نحن نركز أكثر على القضية المعاشيـّة والحياتية للإنسان، فهي الأقدر على تعريف الشباب على القوى السياسية.

أنا لا أؤمن بالاكتفاء بالقول أنّ الشباب (مسَيــبة)! إذ توجد تأثيرات كثيرة يتعرض لها الشباب تساهم في الوضع الراهن، من ثقافة استهلاكية وأفكار دينية غيبية وغيرها، وفي هذا لا يقع اللوم على الشباب، بل على هذه الأحزاب التي عجزت عن تقديم أفكار تتقبلها الشبيبة.

فقد يتطلب منك إقناع شاب بالماركسية اللينينية أن يكون ذلك الشاب قارئا ومحبا للاطلاع على الأقل، لكنك تستطيع الوصول إليه من جهة أخرى بشكل أكيد عبر القضايا المعاشية اليومية.

لذلك كان شعارنا ضمن التنظيم الشبابي في الحزب هو (الدفاع عن الوطن، الدفاع عن حقوق الشبيبة السورية)، والجزء الثاني من الشعار معني بما تتعرض له هذه

الشريحة من الأوضاع المعاشية الصعبة، كغلاء الأسعار والسياسات الاقتصادية الجديدة، وقلق الشباب بشان مستقبلهم دراسيا ووظيفيا .

وهذه أسئلة كبيرة، وخطيرة لا يمكن الاستهانة بها، وكان لدينا توجه في الحزب يقول (لنقل للشباب كل الحقيقة)، ولنطلع الشباب عما يدور في البلد، وسبب هذا الظلم الذي يعيشونه والفقر من حولهم، ولنعطهم حرية الاختيار لاحقا فيما يخص حياتهم، وفيما يخص اصطفافاتهم السياسية، وإحدى هذا الاصطفافات السياسية بالمناسبة هو أن يختار الشاب ألا يصطف مع أحد، وهذا بحد ذاته خيار، ومن الخطأ اعتبار أنّ هذا الشاب الذي ينحصر اهتمامه بالانترنت والأفكار الدينية، أو ذلك غير المنتمي لتيار حزبي ولا يريد حتى القيام بذلك، والذي لا يعجبه أحد؛ هو شاب غير مسيّس، على العكس تماما من ذلك، بل هو مسيّس إنما بطريقة أخرى."

• ....................؟

"أولا فكرة أن يكون جميع الشباب مساهمين في الشأن السياسي المباشر فكرة غير واقعية حتى في أكثر دول العالم ديمقراطية، بينما إذا أخذنا الأطر الأخرى المعمولة لهذه المشاركات كالمنظمات؛ لوجدنا سوريا من أكثر البلدان التي تحوي مثل هذا المنظمات، ولا يكاد يوجد شاب و إلا تجد أنه منضو ضمن منظمة أو نقابة أو جمعية أو اتحاد.

والحل في واقع الأمر يكمن في تفعيل هذا الشكل من العمل، ونحن نطالب بتوسيع الحريات الديمقراطية بغرض ترسيخ الممارسة اليومية، إذ على الشاب أن يتعلم كيف يطرح ويناقش رأيه السياسي ويعرف بلده ومشاكل بلده، وإلا فإنه لن يكون موجودا أو مؤهلا أصلا، أو قد يختار أن يدير ظهره و(يمشي)، وهذه قضية خطيرة.

فالشكل الموجود حاليا لا يرضي طموحنا، رغم أنه لدينا شيء أنجز حقيقة، ولكنه بحاجة إلى حوار و نقاش وتفعيل، ومن هنا ونحن كوحدة عمل ونشاط الشبيبة الشيوعية السورية ليس لدينا مشكلة في اللقاء حتى مع اتحاد شبيبة الثورة، وعلى هذا الأساس نطالب بتوسيع الحريات الديمقراطية"

• ....................؟

"الساحة الشبابية كبيرة وتتسع للجميع، ومن الخطير أن يفكر (بعضهم) أن وجود الآخر هو نفي له، وللأسف الأحزاب الأخرى فيما عدا البعث والشيوعي غير موجودة على الساحة، و لا أرى أن لديها تنظيمات شبابية لا من أحزاب الجبهة و لا من خارجها.

وأن أعتقد أنّ آلية العمل الحزبي لدينا تبقينا على بر الأمان في مواجهة قضايا من هذا النوع، إذ لدينا آليات ديمقراطية في نقاش المهام والعمل، وتجد عندنا

اليوم مثلا شبيبة عمالية، وشبيبة طلابية، وشبيبة تعمل في الريف، ونحن على تماس مع الواقع المعاش، ولم يسبق أن حدث مثلا أن طرح أحد موضوع إضراب أو عريضة عمالية أو ما شابه؛ ثم عارضها شخص من القيادات.

ومنطلقنا في هذا أنّ أولئك الشباب أدرى ببيئتهم، طالما أنهم يتحملون مسؤولية الموضوع، بمعنى أن يكونوا قد درسوا المشروع بطريقة صحيحة، وأي شيوعي شاب يحق له ضمن هيئته أن يتحدث بما يشاء وكيفما يشاء.

نحن في الحزب الشيوعي لا نعتبر الشباب طبقة خاصة، وإنما شريحة من المجتمع فيها من كل الطبقات، وقد استطعنا عبر تاريخ التنظيم أن نستقطب الكثير من الشباب على صعيد النوع والكم، وإن كان تركيزنا ينصب على الشبيبة الكادحة انطلاقا من أيديولوجيتنا"

• ....................؟

"أنا أعمل مع الشباب منذ وقت طويل، ولم يسبق أن واجهنا مشكلة جدية بخصوص انتقادات

الديكتاتورية أو الانتهازية كما جاء في سؤالك، فنحن نشجع المبادرات ونثق بالشباب، وأؤكد على مسألة الثقة هذه لأنها قضية هامة جد.ا

وأذكر هنا بشيء هو أنّ (التنظيم) حالة متقدمة جدا من الوعي، وهو عمل يغربل الأفكار ويشذبها، ويسعى لتجميع وتطوير وتوسيع المدارك، وهو نوع من ربط الحياتي والشخصي بتنظيم معين، وهذه الفكرة بالذات جديدة لدى الشباب.

وخصوصية سوريا هنا أنّ الناس كلهم وطنيون، وكلهم مسيسون بطريقة أو بأخرى، فجميعهم تقريبا لديهم آراء سياسية، لكن موضوع الحزبية بين الشباب كما قدمت أمر جديد، وهم يجدون صعوبة برأيي في التعامل مع هذا الموضوع.

فقبل أن يقرر الشاب الالتزام؛ عليه أن يقتنع، ولو لم نستطع نحن كحزب إقناع هذه الآلاف من الشباب لما رأيتهم بيننا اليوم.

نحن في التنظيم لا خطوط حمراء لدينا في الأسئلة، بل على العكس، نحن نحث الشبيبة على طرح الأسئلة لنضمن أنّ الشباب الموجودون إنما هم موجدون عن قناعة، وإلا لأصبح التزامهم الحزبي هشا، علما أنّ الأفكار التي نحث الحزبيين على مناقشتها ليست سهلة، وهذه حالة متقدمة عن كثيرين يصفون أنفسهم بأنهم ماركسيون، لكنك حين تدخل معهم في نقاش ما ستجد أنهم لا يعرفون من الماركسية إلا (الألف و اللام)!"

• ....................؟

"الشرط الوطني حاسم قبل الحديث عن أي حوار، ونحن -كتربية شيوعية للشباب- نقول أنّه مادام الآخر وطنيا فمن الطبيعي التحاور معه في كل شيء، وحول أي شيء.

وشعبنا بشكل عام وطني، معاد للامبريالية، معاد للصهيونية، وهذه واضح، والناس مع تراث وطنهم وسيادته وحمايته، ومع استعادة الجولان، وهي الحالة العامة لدينا، وعلى هذا الأساس يمكن الحوار مع الآخر مهما كانت أيديولوجيته، حتى الدينية منها.

وقد يفاجئك أن تلتقي مع هذا الآخر في قضايا كبيرة وأساسية، والحوار هو السبيل الوحيد لكي تكتشف ذلك.

وشعارنا كما أسلفت لك هو (الدفاع عن حقوق الشبيبة السورية)، والشبيبة السورية -بطبيعة الحال- ليست جميعها داخل الجبهة الوطنية التقدمية، والشباب السوري في النهاية على اختلاف انتماءاته السياسية لديه نفس المشاكل، وطالما أننا اخترنا الوطن؛ فكل المواضيع الأخرى قابلة للنقاش والحوار، والمظلة الوطنية برأيي ليست مظلة منخفضة السقف، ولا هي بالضيقة، بل على العكس تماما من ذلك"

• ....................؟

"لا يمكنك القول أن إطلاقنا اسم (شبيبة خالد بكداش) على التنظيم الشبابي في الحزب الشيوعي السوري هو (عبادة للفرد)!

وهي أصلا لم تسم بهذا الاسم إلا بعد وفاة خالد بكداش، ونحن كشيوعيين متحزبين على قناعة كاملة بأن هذا الشخص قدم الكثير للحزب والبلد.

دعني أقول لك شيئا، أنا شخصيا أتمنى أن يكون لدى الجميع رموز يتمسكون بها، لأن الرمز هو شكل من أشكال العمل السياسي، وقضية تحطيم الرموز هي مظهر من مظاهر الثقافة الاستهلاكية الوافدة على البلد، الساعية إلى تغييب الرموز الوطنية.

أما إطلاق اسم خالد بكداش على التنظيم الشبابي في الحزب فهو نوع من العرفان بالجميل لهذا الشخص ودوره، وهو بالمناسبة قرار اتخذ في مؤتمر للشباب وبالتصويت العلني، بل كان ثمة تخوفا لدى بعض الشباب ألا يكونوا هم بحجم مسؤولية الاسم!"

• ....................؟

"ماذا تقصد بقولك أنّ هذه (الدماء الجديدة) لم تصل إلى (الرأس) بعد؟

سؤالي لك بالمقابل هو (ألم يبق مكان في الحزب ليتبوأه الآخرون سوى الأمانة العامة؟!)

لدينا في الحزب الشيوعي مناصب كثيرة في المكتب السياسي واللجنة المركزية والمؤتمر .. الخ، والأمين العام وصال بكداش تم انتخابها في مؤتمر للحزب في اقتراع سري و ديمقراطي من ضمن مرشحين آخرين.

أنا شخصيا حضرت الكثير من المؤتمرات لأحزاب أخرى –وأرجوا ألا تأخذ كلامي على محمل الدعاية لحزبي- لكنني لم أشهد حقيقة ممارسة ديمقراطية في انتخاب الهيئات؛ كالذي رأيته داخل الحزب الشيوعي السوري.

فأنا أعرف كثيرا من الأحزاب التي تعتمد مبدأ القائمة التي إما أن توافق عليها بكل ما فيها أو ترفضها، في حين أنه يوجد لدينا انتخاب بـ(الاسم)، وفي غرفة سرية، والشباب داخل الحزب شاركوا أنفسهم في إيصال هذه الأسماء إلى مهماتها القيادية، وبهذه الطريقة بالضبط وصلت (أم عمّار) إلى قيادة الحزب، فهل تجده منطقيا أن تصل هي بانتخاب ديمقراطي؛ ثم يقول قائل لها لا يحق لك أن تكوني في هذا الموقع لأنك زوجة خالد بكداش؟!





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في راهن الحياة الحزبية السورية


أساطير العمل السياسي مع الشباب

-آراء قيادات حزبية في موضوع العمل الحزبي الشاب - تيار قاسيون

علاء الدين عرفات
سكرتير اللجنة المنطقية
اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين (تيار قاسيون)



جميع القوى ترى مستقبلها في كسب الشباب, وتتحدث عن خصوصية العمل بينهم, لدرجة أنّ الفكرة نفسها باتت مبتذلة, ما لم يـُنهى العمل بالاستراتيجيات القديمة.

من قال أنّ الشباب غير مهتمين بالصراع مع الولايات المتحدة؟ أو أنّهم لا يكترثون بمفاعيل الخطة الخمسيـّة العاشرة؟ ... هذه كلها ادعاءات غير صحيحة.

ليس واردا أن نقول لشبابنا: (لدينا معركة مع أميركا وإسرائيل)؛ ثم نقول لهم: (ليس لدينا وقت للوضع الداخلي)!

العمل الميداني هو حاجة ورغبة لدى جميع القوى السياسية في سوريا, بيد أنـّه لدينا في البلد وضع قانوني وسياسي معروف بأنـّه يحد من هذه المسائل.


من دون مقدمة....

• ....................؟

"القضية الرئيسية فيما أعتقد تكمن في إنهاء الاستراتيجيات القديمة, فالإشكالية الأساسية لدى القوى السياسية في سوريا هي أنّ الجميع يرى مستقبله في كسب الشباب, وخصوصية في العمل لدى الشباب, لدرجة ابتذال الفكرة ذاتها.

بمعنى أنّ هذه القوى تنظر إلى الشريحة الشابة بوصفها شيئا منقطعا عن المجتمع, وبالتالي يجري التوجه إليهم بشكل مسطح, فبعضهم يرى أنّ مسألة الشباب هي العمل والدراسة فحسب, ورغم أهمية هذين العاملين؛ فهما ليس كل شيء, هذا من دون أن ننسى الطريقة التي يربطون بها مسألة صغر السن بصغر المدارك!"

فأول شيء يجب على القوى السياسية فعله -كما فعلنا نحن في تيار قاسيون- هو إزالة هذه الفكرة المنمطّة عن الشباب من ذهنيتها, وإعادة الاعتبار لهذه الشريحة كفئة لها اهتمامها بكل قضايا المجتمع التي تنعكس عليها في النهاية.

من قال أنّ الشباب غير مهتمين بالصراع مع الولايات المتحدة؟
من قال أنّ الشباب لا يكترثون بمفاعيل الخطة الخمسيـّة العاشرة؟
هذه كلها ادعاءات غير صحيحة."

• ....................؟

"أهم بند عند وضع إستراتيجية بخصوص الشباب هو إزاحة كل تلك المفاهيم القديمة والتعيسة التي ضربت لك أمثلة عنها, لأنها نتاج مرحلة من الركود في فكر القوى السياسية, وعند التوجه إلى الناس؛ ينبغي التوجه لهم كأصحاب شأن.

لاشك أنّ لدى الشباب بشكل طبيعي نقصا في المعارف, لكن هذا لا يعني أن ننعتهم بتسطـّح

الذهن, فالشباب اليوم على سوية من امتلاك الأدوات استطيع أن أؤكد أنها غير موجودة عند كثير ممن يعتقدون أنفسهم في قمة الهرم المعرفي, والشباب إنما فقط تنقصهم معارف من هو حديث عهد بالشيء لا فاقده بالمطلق.

على الإستراتيجية المنشودة أن تتضمن رؤية القوى السياسية بالتعامل مع الشباب, وتحديد ما هيـّة الخطاب الذي يتم من خلاله التواصل مع الشباب, وكيفية التطبيق والممارسة لما سبق.

والسؤال هنا يمكن توسيعه ليصبح:

هل لدى هذه القوى السياسية أساسا مثل هذه الإستراتيجية للتوجه إلى المجتمع ككل, ناهيك عن الشباب كشريحة؟

في العمل السياسي قد يكون وضع البرامج هو الجانب الأسهل, بينما وضع الخطط هو الأمر الصعب في الحقيقة, ونحن بالتأكيد لدينا برنامج وخطط للعمل وهي تتطور مع تبدل المعطى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي, ويتم التدقيق فيها باستمرار"

• ....................؟

"يشكل الشباب نسبة هامة من بنية (تيار قاسيون) وبما يتجاوز النصف, وهو أمر واضح للعيان, وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون لهذه المجموعة الشبابيـّة تأثير متنام

على اللجان التمثيلية والهيئات القيادية, آخذين بعين الاعتبار موضوع الإمكانات الذاتية.

وإذا أخذنا مثلا قاسيون (الجريدة)؛ فستجد أنها تحتضن عددا غير قليل من الكتاب والمحررين الشباب الذين لازال بعضهم في أوائل العشرينيات من أعمارهم.

بيد أني أنبـّه هنا إلى أن موضوع أنّ الرغبات شيء, و قضية الإمكانيات شيء آخر, على الرغم من أنه لا شيء مستحيل بهذا المعنى."

• ....................؟

"في هيئاتنا القيادية (شيوخنا) و(شبابنا) متفقون, وقد تكون هذه حالة نادرة بالفعل.

بيد أنّ هذا لا يعني بحال أنّ الشباب يتمّ إقناعهم دائما من قبل الشيوخ, الأمر ليس كذلك, إذ هناك رؤية موحدة للأمور, والشباب يعطون ديناميكية وحماسا أكبر لتنفيذ القرار"

• ....................؟

"العمل الميداني هو حاجة ورغبة لدى جميع القوى السياسية, و ليس باعتقادي ثمة قوة لا تريد العمل ميدانيا, بيد أنـّه لدينا في البلد وضع قانوني ووضع سياسي معروف بأنـّه يحد من هذه المسائل, ولكنّ تنظيمنا بالتأكيد يستفيد من هذه النشاطات الميدانية عندما تحصل, حيث للشباب الباع الأطول في المساهمة فيها, لا بل في صنعها.

ومع أنني ذكرت أن للوضع القانوني الحالي تأثير كبير على النشاط السياسي, لكني لم أعن بذلك أنـّه من المسموح أو المنطقي لأي قوة سياسية أن تتذرع بالقوانين من حيث وجودها أو عدم وجودها لتبرير غياب نشاطها السياسي.

السياسة هي حاجة للمجتمع و تعبير عن رغباته, وبالتالي على القوى و الفعاليات السياسية أن تنشط مهما كانت الظروف, ويجب على تلك القوى أن تجد المخارج لهذه الفعالية, هذا إن كنّا نتحدث فعلا عن قوى سياسية جدية تملك رؤى للمسائل الوطنية على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي, ولا يفهم من كلامي أنني أدعو إلى عدم إزالة هذه القوانين المعيقة وتطوير الوضع الديمقراطي في البلد, بل على العكس"

• ....................؟

"إذا كنا بحاجة فعلا –ونحن كذلك- إلى خيارات صمود وخيارات مواجهة للامبريالية الأميركية والتهديدات الإسرائيلية القائمة فوق رؤوس شعبنا؛ فنحن بحاجة إلى خيارات (اقتصاد مواجهة) مثلا, والذي يحتاج بدوره أول ما يحتاج إلى مكافحة الفساد, الذي يتطلـّب -ليؤتي ثماره- جوا من الحريات السياسية, وكل هذه هي عناصر مترابطة متكاملة مع بعضها بعضا, ولا يمكن لسياسي أن يطالب بشيء منها دون آخر, فهي أوجه لمسألة واحدة.

ليس واردا أن نقول لشبابنا اليوم أنـّه لدينا معركة مع أميركا وإسرائيل؛ ثم نقول ليس لدينا وقت للوضع الداخلي, لأن الوضع الداخلي إذا تدهور يصبح نقطة ضعف في المواجهة الخارجية. فإصلاح الوضع الداخلي يحتاج إلى حرية سياسية وحركة أحزاب وحركة اجتماعية تفسح المجال أمام مواجهة الفساد والهدر والنهب, والتي هي معيقات أساسية للعمل.

والمسألة فيما أرى وأعتقد ليست مسألة شباب فقط -على محورية دورهم و أهميته- بل هي ا مسائل معنية بها كل أوجه الحياة السياسية في سوريا, وهذا الشأن بالذات جانب وطني يجب إيلائه الكثير من الاهتمام"

• ....................؟

"ردا على اتهامات من هذا القبيل –وبغض النظر عن المتهـِم- أقول أنـّه لا يمكنني الادعاء بأننا ملائكة, فنحن لدينا عيوبنا وأخطاؤنا, وهذا شيء طبيعي, بيد أنّ (الجو) عندنا ليس كما وصفت في سؤالك نهائيا!

إذ يوجد لدينا الكثير من الحرية والتواصل بين مختلف الرفاق, ونحن أساسا لا نفكر من منطلق شباب وشيوخ, وسمة غالبة -وغير مفروضة- لدى كوادرنا القديمة أنها تسعى لفسح المجال للجيل الشاب, ولكن يبقى هذا الموضوع منوطا بقرارات المؤتمرات الحزبية والعمل الديمقراطي فيها.

فأحيانا يتم التمسك بأحد الرموز مثلا من قبل الموجودين أنفسهم, ووجود مناضلين لديهم تجربتهم وخبرتهم؛ يدفع الناس –انطلاقا من احترامها لهم- أن تعتقد أنـّه من الأفضل أن يبقوا, فأين المشكلة في ذلك؟

وهذا على أيـّة حال لا يتعارض مع الميل العام الذي ينحو تجاه (تقديم) الكوادر الشابة, وأجزم أنّ هذه الكوادر تمتلك كل الإمكانيات الذاتية للتقدم, بل والتقدم السريع, ويأتي هنا دور الخبرات الأقدم في تطوير فعالية هذه الطاقات, لأنّ العمل السياسي ليس فقط عملا حماسيا؛ بل يمتلك جانبه المعرفي كذلك, والذي يجب تطويره بشكل مستمر".







2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

مراكز للدراسات والبحوث, بدل التيارات والأحزاب! -الـ(لا) حزبيون الشباب


يكاد اللاحزبيون السوريون من الشباب بحد ذاتهم يشكلون عن تواطؤ أو من دونه حزبا ناجز الأسس والأركان, له مبادئه (بل منتهياته), وأيديولوجياته (بالجمع والتجميع), بل وحتى قيادته الجماعية التي لا تحتاج بهذا المعنى إلى تراتبية أو انتخاب, اللهم إلا بقدر ما تفرزه قابلية الوصول الأسرع والحنكة الأكبر من بينهم في إدارة وسائل الاتصال ودفاتر العناوين واللينكات على (الجي ميل, والماسنجر, والفيس بوك,..)

وهم بهذا دروا أم لم يدروا مرشحون ذهبيـّون لأي انتخابات (كلاسيكية) من أي نوع, لأنهم في نهاية المطاف حزب الأغلبية.

وبسبب من كل هذا ربما وغيره, لم يبد على رائف كثير حماس للتحدث حول موضوع الحياة السياسية هذه لدى الشباب السوري –على الأقل بمصطلحاتها الكلاسيكية- ناهيك عن موضوعة الحزبيين الشباب بالذات, انطلاقا من أنـّه لم يجربها, لا بل...:

"...وبصراحة لا أنوي ذلك, لأنني أرى أنّها تعبـّر عن انتماء ضيق, في حين أنّ الانتماء للوطن كله هو الانتماء الواسع.

الأحزاب تحجم من رؤيتك, وتقترح عليك تضييقات على الانتماء الوطني"

ألهذه الدرجة تستصعب تخيل نفسك ضمن إطار عمل جماعي حزبي؟

"لا أدري, من الممكن في أحسن الأحوال أن أكون صديقا لهؤلاء الحزبيين من جيلي, بل أعتقد جازما أنّ وجودي خارج الإطار الحزبي يتيح لي فرصة أكبر للتواصل و(ربما) للعمل مع أكثر من طرف أو شريحة (حزبية), من دون أن أضطر إلى تبني آراء حزب بعينه, ناهيك عن أنه ومن مكاني كفرد لا زلت قادرا على القيام بالكثير"

هل أفهم من ذلك أنـّه ليس ثمة حزبيون شباب كثر في محيطك القريب؟

"على العكس تماما, كثير من أصدقائي يملكون انتماءات حزبية مختلفة, منهم بعثيون وماركسيون وناصريون, غير أن الإشكالية بالمجمل تكمن في أنّك تشعر أنّ تعامل هؤلاء الأشخاص المنتمين إلى تلك الأحزاب على اختلافها؛ يمرّ حصرا عبر خط مسير الحزب الذي يدينون له بالولاء.

وتكرّ إثر هذا السؤال سبحة انتقادات رائف الديري خريج المعهد الفندقي تجاه (رفاقه) وزملائه الذين اختاروا العمل من وراء واجهة التنظيم الحزبي, بادئا بالطريقة الأكثر (كلاسيكية) كما يصفها والتي عادة ما تكون فاتحة التعارف بين هؤلاء وأحزابهم, معرجا فيما بعد على أسلوب تعامل هؤلاء الحزبيين من مشارب مختلفة مع بعضهم بعضا فيقول:

"السائد من حولنا يظهر كيف أنّ انتماء الشباب الحزبي في الأساس هو انتماء تحدده الوراثة العائلية والتوجه الأسري. فإن صادف أنّ والد أحد الشباب لديه انتماء سياسي وحزبي من لون معين فإن ذلك سيلعب الدور الأكبر في تحديد الانتماء المستقبلي لهذا الشابالابن, هذا إن لم يكن له الدور كله.

سبب آخر مهم برأيي يحول بيني مع العديد حتى ممن تربطني بهم صلات قربى أو صداقة دون حتى محاولة الاقتراب من هذه التي يسمونها (حياة حزبية), ألا وهو غياب فكرة أساسية عن ذهن أولئك الذين اختاروا أن يكونوا على المقلب الآخر كحزبيين -وربما غابت هذه الفكرة أيضا عن أفكار أحزابهم نفسها- والمتمثلة بأن المحازب الآخر الذي ينتمي إلى حزب تخالف مبادئه وأفكاره –بهذا القدر أو ذاك- أفكارك كحزبي؛ إنما هو في محصلة الأمر مكمل ومتمم لك, لا مجرد منافس وخصم سياسي, فالهدف الأعلى للجميع فيما أفترض هو خدمة هذا الوطن في النهاية, لا مجرد إعلاء الشأن الحزبي الخاص, حيث كلّ يدعي أنه على صواب والباقون على خطأ, وهذا يمكن إرجاعه في رأيي إلى كسل في البحث عن الحقيقة لدى هؤلاء الناس, الذين يكتفون عادة بما لديهم من نظريات و(أيديولوجية), لا يكونون حتى قد اطلعوا عليها كفاية أصلا"

ولكن ألا تعتقد أنّه –توخيا للموضوعية- علينا أن نضع هذه الممارسات التي تتكلم عنها ضمن سياق الجو السياسي العام في البلد وبالتالي .....

(مقاطعا) "....يا صديقي, بات من غير المقبول أبدا أن نتذرع دائما بالظروف المحيطة بنا, ونجعل من عذر (الوضع الحالي) شماعة نعلق عليها جميع أخطاءنا, إذ يتوفر لدينا في البلد هامش من الحرية يتيح لهذه الفئات العمل (الجاد) لو أرادت.

ومن المتعارف عليه أن يكون الشباب محرك أي تغيير يحصل في أي مجتمع, وهم كشباب من المنتظر منهم أن يكونوا أكثر قابلية للتطور من حيث الأفكار والممارسات, على عكس من قد يكونون أكبر في السن, والذين يفقدون هذه الميزة بالتدريج.

وأنا أفهم تماما -إذا كان هذا ما تقصده- أنّ مهمة هؤلاء الشباب ليست باليسيرة, وأي عمل جاد بالنتيجة لا بد أن ترافقه بعض العراقيل والمصاعب, على الأقل في البدايات, فعملية التطوير التي نرغب في أن نراها على صعيد البلد ككل, هي عمليا ذات الشيء الذي يجب أن نكون قد بدأنا بتطبيقه على أنفسنا كأفراد, ومن الداخل, أكثر منه عملا على الشكل والقشور, كما هو دارج بين الشباب اليوم, والحزبي منه على الخصوص, من ارتداء الكوفية الفلسطينية, ورفع صور (غيفارا) أو (الزوبعة) أو (المنجل),... الخ, من هذه المظاهر التي تترافق مع بعض الانتماءات السياسية, ولتي هي عاجزة وحدها عن بناء أي شيء في الوطن"

ولكن هذا على الأقل يأتي في مقابله اهتمام مفرط إنما بمظاهر أخرى, كالشعر الطويل, والأوشام والبيرسينغ بالنسبة إلى شريحة شابة أخرى كي لا أقول مقابلة....

"ما هو جوهري في نظري, أن تكون أنت كما أنت, وليس كما يراد لك أن تكون.

وإذا كان الشخص مقتنعا بما يقوم به, و يحس أنه يعبر عن نفسه تماما من خلال مما يقوم به؛ فما المشكلة في ذلك؟ الخلاف هو حقيقة في عملية رفض هذا الآخر المختلف, لا في الاختلاف ذاته. من البديهي أنّ التمسك بالمظهر والزي وحده لا يوصل إلى أي مكان, المحكّ هو القراءة واكتساب المعارف على كل صعيد.

لنأخذ مثلا بعض أصدقائي المقربين الذين تخرجوا معي, والذين حتى لا يمكن أن تجد لديهم اهتمامات متطرفة من حيث مظهرهم الخارجي, لكن بينهم من لم يكلف نفسه عناء البحث الجدي عن فرصة عمل بعد التخرج, واكتفى بالقول أنّ البطالة مرتفعة ولا توجد فرص عمل في البلد! والأصدقاء الآخرون الذين جدّوا في البحث عن وظائف اكتفوا بتحصيلهم الدراسي الذي أخذوه عن المعهد قبل تخرجهم, ولم يطوروا أيا من معارفهم بأساليبهم الشخصية, على توفر هذه الفرص أمامهم –حتى لا أقول سهولتها- وبالتالي فقد أصبحوا أوتوماتيكيا غير صالحين أصلا للعمل الذي ينفقون وقتهم في البحث عنه.

أنا لا أريد إهانة أحد, ولكن شخص كهذا لا يحب عمله, كيف أطالبه بأن يحب وطنه, لا بل وأن يدخل حزبا يرفع شعارات الإصلاح في هذا البلد وهذا الوطن"

رائف الذي أنهى منذ بعض الوقت خدمته الإلزامية, ليستأنف مراسلاته بحثا عن فرصة عمل في قطاع السياحة والفندقة داخل البلاد أو خارجها "لا فرق"؛ مؤمن أشد الإيمان بالعمل الفردي أنموذجا وخلاصا, يقول:

"لا حاجة ملحة بنا إلى الأحزاب, الطالب من كرسيّه, والأب من أسرته, كل يمارس عملا وطنيا مهما, وأهمية هؤلاء الذين يراهم الآخرون (نكرات) تتجاوز بمراحل أهمية أولئك الأشخاص الذين يقضون أوقاتهم في المقاهي العامة, منشغلين في تقييم الحياة من هناك, ويوزعون شهادات على من يحيط بهم, هذا صحيح و هذا خاطئ, ويتكلمون بقضايا لا أجد أنني معني بها بحال من الأحوال, ومثلي في هذا الكثير.

الشريحة الأكبر بنظري يهمّها أن تعيش بأمان, وتحظى بفرصة عمل, وهو مطلب كل البشر في العالم. لديك الولايات المتحدة مثلا, والتي يـُنظر إليها بطريقة ما على أنها في طليعة المجتمعات المتقدمة في العالم, في حين يوصف شعبها بأنه (غبي) سياسيا, ولا يكترث أو يهتم سوى بمعدلات الأجور, والضمان الصحي, وهذا في رأيي ليس من الغباء في شيء"

إذا لا حاجة بنا إذاً فيما تقول لهذه المؤسسات التي تسمى أحزابا...

"نحن بحاجة أكبر إلى مراكز للدراسات, فمراكز الأبحاث والدراسات بهذا المعنى أقدر وأكثر جدوى من كل الأطر الحزبية, وأعم فائدة منها على المجتمع, لأنها تدفع باتجاه التطوير على أسس علمية ثابتة, بعيدة عن المناكفات والمصالح الآنية الضيقة والتنظيرات المجردة, أو الجلوس والتفرغ لشتم هذا وسب ذاك, وادعاء أنّ (الثقافة) تكون على مثل هذه الصورة"

رائف الذي يعترف بأنه لم يدر تلفازه على القنوات التلفزيونية الرسمية –أرضية وفضائية- منذ أربع سنوات؛ لا يبالي على الإطلاق بآليات العمل السياسي التي (يناضل) الآخرون في محاولة لتكريسها وتطويرها, هذا إن لم يضعوها عذرا لتخلف ممارستهم السياسية, وشرطا للنهوض بها.

"أما عن الانتخاب والاقتراع وما إلى ذلك , فأصارحك بأنني شخصيا لا أهتم بالطريقة التي يصل فيها المسؤول إلى منصبه؛ طالما أنـّه يعمل و ينتج و يفيد البلد.

وإذا حدثتني عن العمل مع الحزبيين من أجل تسريع وتيرة العمل والإصلاح؛ فهذا موضوع مشكوك في جدواه, لأنّ حرق المراحل شيء لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع.

وكلنا يعرف البلد وإمكاناتها سلبا وإيجابا, والحل الوحيد لأزماتها هو العمل خطوة فخطوة.

والخيانة الوطنية برأيي هي ليست ما ينعت به الحزبيون بعضهم أحيانا بناء على اختلافهم حول ما يسمونه الـ(مصيري)!

من يسرق خط كهرباء من العداد هو خائن بطريقة ما, ومن يرمي في الشارع نفايات منزله أو عقب سيكارته هو مسيء للوطن كله لا لأهل الحي فحسب.

دعونا في البداية ننتهي من تجاوز الإشارة المرورية الحمراء, دعونا نطفئ الإنارة الفائضة عن الحاجة في الغرفة المجاورة, لنمتنع عن تمزيق صفحات الكتاب المدرسي الحكومي.

لا الأفكار الحزبية و لا قادة الرأي, ولا أصحاب العمامات أو الرؤساء الدينيين تمكنوا من إيجاد حلول لأزمات الشباب من قبل.

رجاء كفانا إضاعة للوقت وإدارة للأسطوانات المشروخة".





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

حزبيـّون على نفقة العشيرة, وقيادات بالـ(مؤبـّد) -في الحزبية الكردية السورية


يطيب لبعضهم السياسي بين الحين والآخر أن يردد على أسماع ضيوفه ما طاب له, مقولة أنّ القوى السياسية السورية الكردية تشكل في واقع الحال الحامل الأكبر للحراك السياسي (المعاراضاتي) في البلد, بدء من حبر تواقيع العرائض والبيانات, وصولا إلى عرق تنظيم الاعتصامات وتسيير المظاهرات, كون تلك القوى الكردية-برأي محدثنا- هي الأكثر تسييسا, والأحدّ استنفارا, والأطوع استجابة لتوجيهات قياداتها (القيادات بين قوسين), وأنّ شيئا لا يمكن أن (ينجز) بدون هذه الحالة التعبوية لمناصريهم (قوسان هنا أيضا).

وطبعا لا تعدم تلك المجالس من ينبري لإدغام (زخم) التيار الديني في التحليل السابق ذكره جنبا إلى جنب مع (الفاعلية) الكرديـّة, رغم ما في تحديد المعالم الحركيـّة لهذا الـ(زخم الديني) من إشكالية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى السؤال فيما إذا كان أحد ينوي إعادة رسم إشارة استفهام -استفهامية محضة- عن مدى التداخل بين (القومي) و(الديني) لدى هذه الحركات, على اعتبار أن عددا لا يستهان به من قادة الرأي الروحي المحلي, و(مشايخ) الساحة الدينية السورية -إن صح التعبيران- هم من أصول كردية!

وفي العموم لا يمكن اعتبار جمهور السياسة السورية الداخلية غريبا عن مجمل نشاطات الحراك السياسي السوري ذي المانشيت الكردي, والذي يشكل الشباب عموده الفقري, من قبيل الاعتصامات الصامتة مثلا خارج أسوار كلية الآداب, أو التظاهرات الأكثر صخبا قرب رئاسة مجلس الوزراء, ناهيك عن أحداث أكبر وقعا كالذي جرى في المنطقة الشمالية في آذار 2004, والذي بات يعرف بـ(أحداث القامشلي) وارتداداته حتى دمشق وضواحي العاصمة.

فإلى أي حد هي متميزة تلك العصبية الحزبية لدى الشباب السوري الكردي عنها في باقي قطاعات الشباب في البلد, وهل ثمة تقاطع أو تلاق في الهواجس والهموم يلتقي عليها الجميع, وتغفل عنها أحيانا عين المراقب على سطح الحدث أو الظاهرة؟

عن ذلك يقول محي الدين عيسو وهو صحفي شاب متابع لهذا الشأن:

"أحب أن أوضح في البداية أن الحركة السياسية الكردية في سوريا؛ هي جزء من الحركة السياسية السورية العامة، وجزء من المجتمع السوري الذي يجمع في جغرافيته فسيفساء من القوميات المتعايشة في إطاره، بيد أنّ الشيء المشترك والذي يجمع بين هذه القوميات؛ هو في واقع الحال غياب هذه القوميات عن الحياة السياسية منذ عقود, وذلك لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها في الوقت الحالي، إلا أنّ المجتمع الكردي كانت له خصوصية من حيث تعرضه للقمع, لتأتي انطلاقة الحركة السياسية الكردية في عام 1957 -العام الذي تأسس فيه على الأرض أول تنظيم كردي في سورية, وحمل في حينه اسم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)- كضرورة وطنية وقومية, وتجسيدا لإرادة هذا الشعب عبر ممثل شرعي له، حيث كان الأستاذ عبد الحميد درويش -والذي يعتبر من بين القيادات والمؤسسين لهذا الحزب- لا يزال شابا طالبا في جامعة دمشق، في ذلك الحين أقبل الشباب الكردي على الانخراط في صفوف هذا الحزب بكثافة شديدة, وشمل إقبالهم ذاك كافة المناطق التي يقطنها أكراد، وساهم هذا العنصر الشاب الذي دخل المعترك الحزبي في نشر مبادئ وأهداف الحزب الأم بين عناصر وأفراد المجتمع الكردي, ونقل هذا التعاطف الحزبي إلى آخرين, حتى إلى أولئك الذين لم يكونوا قد انضووا تحت لوائه, مدفوعين بمبدأ ما يؤمنون أنّه تحقيق (الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سورية)، إضافة إلى زرع ثقافة التآخي العربي – الكردي داخل المجتمع السوري، وعليه يمكننا القول بأن المجتمع الكردي في سوريا هو مجتمع مسيس بشكل عام, إنما وغير متحزب بالشكل المطلوب."

ما هو الدور الذي تلعبه العائلة والعشيرة في تحديد الانتماءات السياسية والحزبية للشباب السوري في شمال البلاد؟

"لا يخفى عليك أنّ الانقسامات والانشقاقات والصراعات العشائرية في صفوف الحركة الكردية منذ العام 1965 أدت إلى ابتعاد شريحة كبيرة من الشباب الكردي الحزبي عن صفوف الحركة السياسية الكردية، وهذا أمر واقع, وهي حالة وقفت للأسف حائلا دون إتاحة الفرصة أو المجال أمام الشباب السوري الكردي كطاقة فعالة من الوصول بأفكارهم إلى قمة الهرم القيادي, والذي أصبح مع مرور الوقت (محتكرا) بيد من تسلموا الزعامة فيه, وينوون الاستمرار فيها (إلى الأبد!)"

هل من الممكن للمراقب تلمس تأثيرات هذا الوضع على الشارع الشبابي الكردي؟

"بالطبع, هناك ملاحظات كثيرة يمكن الإتيان بها كشاهد في هذا المجال, فأكبر تجمع شبابي للطلبة السوريين الكرد على سبيل المثال موجود كما هو معروف في جامعة حلب، إذ يربوا عددهم هناك على الـ(5000) طالب وطالبة، في حين أنك إذا دققت وأحصيت بينهم من هم منخرطون عمليا في صفوف الحركة السياسية الكردية؛ فإنك ستجد أن هؤلاء لا يتجاوز عددهم في أحسن تقدير الـ(300) حزبي, وهذا الأمر إن كان لنا أن نستدل منه على شيء, فهو يدلنا على عدم اكتراث أو اهتمام هؤلاء الطلبة بما تحاول أحزابهم الكردية أن تستميلهم به من سياسات, وهذا الانفضاض عن تلك الأحزاب من قبل الشباب إنما يأتي كنتيجة طبيعية وموضوعية لما آل إليه واقع تلك الأحزاب والتيارات, من خلافات وانشقاقات وصراعات من دون مضمون أو مغزى, ناهيك عن سبب آخر متمثل في أنّ جلّ أولئك الشباب السوري الكردي يفضلون الابتعاد عن الحياة السياسية العامة اليوم لحساب التفكير والانشغال بتوفير لقمة العيش, والتي أصبحت مستعصية على المواطن السوري على الإجمال."

ما هو برأيك سبب تدني حجم مشاركة الشباب الحزبي الكردي في الأحزاب السورية التي ليس لها طابع قومي محض, هل ثمة موضوعيا ما يحول بين هؤلاء الشباب و(اندماجهم) في بقية الطيف الحزبي السوري الأوسع؟

"هناك شيء يجب توضيحه في البداية, وهو أنّ عدم تفهم الأحزاب السورية الأخرى لطبيعة الحركة السياسية الكردية وأهدافها الديمقراطية؛ أسهم مع الوقت في جعل الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الكردية تعيش حالة من الانغلاق, ودفع باتجاه هيمنة الفكر الانعزالي على التوجه السياسي الكردي العام.

وهذا بدوره فتح الباب واسعا أمام البعض لإيهام الناس والرأي العام الوطني السوري بأن ولاء الحركة الكردية السياسية إنما هو ولاء للخارج, ناهيك عن اتهام الحراك السياسي الكردي بأنه حراك ذو مآرب انفصالية, وجرى كل ذلك بهدف حرمان القوى الكردية السورية من تحصيل أي دعم على المستوى الوطني, والحيلولة دون إدراج (القضية الكردية) ضمن أجندة القضايا السورية التي تبحث في العموم عن أجوبة وحلول عادلة وعاجلة.

وأنا آسف إذ كنت مضطرا لهذه المقدمة كي أوضح أن هذه السياسات التي أسلفت الحديث عنها أوصلت في النهاية إلى أن يتوجه الشباب الكردي السوري باتجاه التمسك والتشبث بأحزابه (القومية), وأدت به إلى العزوف عن محاولة الاقتراب من التيارات والأحزاب السورية الأخرى, أو السعي إلى الانخراط في صفوف قوى وطنية سورية غير كردية, وربما يكون الاستثناء الوحيد في هذا السياق هو ما جرى عمليا ضمن الأحزاب الشيوعية السورية, والتي كانت تعج بالشباب الكردي في وقت من الأوقات"

....فماذا عن اليوم إذا؟

"اليوم, ومع مرور الزمن, وانتشار ثقافة ومبادئ حقوق الإنسان, وبعد أن طفت على السطح ظاهرة (المجتمع المدني)، وبفضل ما أتاحته التكنولوجيات المتقدمة لنا من وسائل اتصال وتواصل, والفضاء الرحب الذي وسعته لنا شبكة الانترنت، ناهيك عن التواصل الذي قام بين معتقلي الأحزاب الكردية والأحزاب السورية الأخرى داخل السجون؛ أقول بعد كل هذا الذي ذكرت وبفضله انخرطت أعداد كبيرة من الشباب الكردي السوري في جمعيات حقوق الإنسان التي نشأت مؤخرا, كما في منظمات المجتمع المدني الأخرى, والأحزاب الديمقراطية السورية التي تدعو إلى مبدأ (المواطنة) واحترام حقوق الإنسان, وهذا بدوره أوصل إلى قيام ائتلافات وتشكيل تحالفات مع الأحزاب والقوى السياسية السورية الأخرى كـ(إعلان دمشق) دمشق مثلا, وذلك كله بغرض التوصل إلى صيغة مشتركة للعمل ضمن إطار النضال الوطني العام والشامل."

بماذا يمكن أن يتميز الخطاب السياسي للسوريين الأكراد, وخاصة الشباب الحزبي المنضوي في راية قوى سياسية كردية, كي يتجاوز-من طرفه على الأقل- عوائق الاتصال تلك التي أسلفت الحديث عنها؟

"باختصار شديد, على الشباب الحزبي السوري الكردي أن يعمل جاهدا وسريعا على التخلص من كل تلك العقد الحزبية المبثوثة والمزروعة في الموروث الثقافي والاجتماعي، وعلى الشباب بالذات السعي بكل ما أوتوا من طاقة من أجل محاولة تصحيح بعض المسارات، والعمل على تحقيق التواصل المستمر مع الآخر المختلف بالرؤية كردياً وسورياً, منطلقين في كل هذا من اعتبار واحد, وهو أن هذا الوطن الذي يجمعنا يجب أن يكون للجميع, بعيداً عن الانتماءات القومية والدينية والطائفية, بغية تطور المجتمع السوري, وتحقيق رفاهيته التي يجب أن تشمل الجميع."






2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

... ومعارضون شباب؛ يضْـرَسون! -إعلان دمشق



المسألة ليست اختيارا.. فأحيانا يبدو من الصعب طرح الرأي دون الوصول إلى حده الأقصى، على الأخص إذا كنا ننظر إلى تاريخ كامل وليس إلى فترة قصيرة. فمايا جاموس ابنة فاتح جاموس تملك تجربتها الخاصة، حتى عندما قررت العمل كصحافية، فتاريخ والدها مازال امامها، سواء عندما اعتقل في الثمانينات، أو في نشاطه الحالي.

مايا تتحدث بشكل مباشر ودون تحفظ:

"على مدى سنوات طويلة جُمّدت التقاليد السياسية في سوريا لزمن آخر، وغابت أية حركة شبابية واسعة حرة ومستقلة عن قطاعات المجتمع كلها، وحلت محلها صيغ التنظيمات والمؤسسات السلطوية ومصادرة أي تطلع لحركة مستقلة.

ثمـّة مؤسسات تحيط بالفرد منذ بداية خلقه، تراقبه، وترسم له سلوكه اليومي، وكل الحراك الجريء الذي استطاع أن يبرز هنا أوهناك قوبل بالمنع والمضايقات بغرض جعل أولئك الأشخاص عبرة لمن يطمح بالعمل والنشاط السياسي الشبابي المنظم."

هكذا، ودفعة واحدة، تضع مايا جاموس أمامك ما تعتقد هي أنه الخلاصة الموضوعية التي من الممكن للمرء الوصول إليها إذا أمعن الفكر قليلا فيما حوله، وهي على كونها وفق رأيها (خلاصة) تظلّ - كما تصرّ مايا مرة أخرى- (المقدمة) الأمثل للحديث عن الشأن الحزبي السوري لدى الشباب، وتقول مبينة وجهة نظرها:

"أعتقد أنّ الجوانب القانونية التي تحكم العمل السياسي في سورية هي الأساس لمحاولتنا قياس وتتبع النشاط السياسي للشباب السوري.

فالدستور السوري الحالي ومجموعة القوانين المفسرة له، تحوي جميعها محاولات لتبرير احتكار السياسة من قبل طرف سياسي واحد، كما لو أن السياسة والوطن والنضال هي أشياء ومفاهيم خاصة بهذا الاحتكار، وتابعة لذلك الطرف السياسي، باعتباره وحده المسؤول عن مصائر الوطن.

وهذا يعني بالضرورة وجود معايير تمييزية بين الأحزاب والمواطنين، فهنالك حزب ومواطنون درجة أولى، وهناك الآخرون من درجات مختلفة.

الأوائل في الهرم إياه يساهمون فعلياً حسب ترتيب موقعهم في تحديد مصير البلاد الوطن وقيادة المجتمع، والآخرون منفعلون فحسب، بمن فيهم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

خاصة بعد أن نصّ ميثاق الجبهة ونظامها على أن العمل في القطاعات الرئيسية وحيث يتركز العنصر الشاب (الجيش والتعليم)؛ هو حكر على حزب بعينه، ممنوع على حلفاء الجبهة، وذلك لفترة طويلة من الزمن، فكيف إذا مع بقية الأحزاب والمواطنين؟

ولتعزيز هذا التوجه أُنشأت مؤسسات خاصة بالشباب ورديفة لهذا الحزب، ومرتبطة حصراً من لجهة قيادتها وبرامجها ونشاطاتها به، مع منع قيام أي مؤسسة موازية، وما هو موجود سلفا لدى بعض أحزاب الجبهة يأخذ صيغا غير قانونية، في حين أن القانوني منه موجود طالما كان (مرْضيا عنه) وإلا أنهي وجوده كما حدث مع (رابطة النساء السوريات) مثلا.

وكل هذا الاحتكار بحجة الخوف والحذر من انقسام المجتمع وانفلاته وتهديد وحدته الوطنية."

ولكن هل الحال أقل بؤسا برأيك على المقلب الآخر، وهل يوجد لدى المعارضة ما تقوله حقا للشباب السوري؟

"بإمكاني القول أنه وفي زمن مضى، استطاعت بعض القوى والتجارب السياسية أن تخترق احتكار العمل السياسي في قطاع الشباب، وأن تقوم بشد قسم منهم إليها مثل التيار الإسلامي في سوريا، حيث قام هذا التيار باجتذاب قسم كبير وواسع من هذه الشريحة، على عكس اليسار الجديد الذي اقتصر استقطابه للشباب على الحالات النخبوية.

لكن بعد مرور زمن طويل على العطالة التي حلتّ بالمعارضة السياسية السورية نتيجة المنع الدائم بكل أشكاله، لا يمكن أن يرد ذكر المعارضة اليوم في مناسبة من المناسبات إلا وستوصف فيها بالضعف والتفكك والنخبوية.

على أنّ المعارضة ذاتها من جهة أخرى تفتقد إلى أية برامج خاصة تخاطب من خلالها الشباب لشدهم إليها، ناهيك عن عجزها عن تجديد ذاتها وخططها ووسائل نشاطها بين تلك الشريحة المهمة من المجتمع."

بكلمات أخرى، فإن حصيلة تفاعل السوريين من الشباب مع هذه القوى التي تحاول أن تطرح في نفسها البديل عن السلطة الحالية؛ هي باختصار (صفر)...

"...ولكن عليك أن تأخذ بعين الاعتبار أمرا مهما، وهو أنّ هناك دائما تخوف من قبل قياديي بعض القوى في هذه المعارضة -كحزب العمل الشيوعي على سبيل المثال- من قبول وتنظيم أية حالة شابة جديدة، وذلك خوفا عليها من المضايقات التي قد تتلقاها من طرف السلطة.

وهنا يمكن لي أن أسجّل ملاحظة تخص الشباب المستقطب من قبل اليسار المنضوي تحت جناح الجبهة (الجبهة الوطنية التقدمية)، لجهة أنّه هو أكبر وأوسع شريحة من الشباب المستقطب حول اليسار الآخر المعارض (حزب العمل الشيوعي، حزب العمال الثوري، انقسامات حزب الشعب، بعض المجموعات اليسارية التي غادرت الشيوعية الرسمية، اليسار الكردي)، بسبب استمرار ملاحقة السلطة لهذه القوىا.

والأمر ذاته ينطبق على التيار القومي المعارض (الاتحاد الاشتراكي بشكل أساسي) على الرغم من أنه لم يتعرض لمضايقات مشابهة للآخرين، بيد أنّه خضع بدوره للتضييقات ذاتها فيما يخص نشاطه مع الشباب."

إذا فاليسار الذي يمكن احتسابه على التكوين السياسي الرسمي حقق بعض التقدم على الأقل باتجاه شرائح الشباب،

ألا يمكن لهذا أن يكون مؤشرا على أن خيارات الجيل الجديد السياسية لا تسير وفق ما تشتهيه مراكب المعترضين على السلطة؟

"أعتقد أن هذا الأمر مثير للاهتمام، ويبدو لي هنا مشروعا ذلك التساؤل حول بعض الظواهر الشبابية المرتبطة ببعض أحزاب الجبهة بشكل خاص كما ذكرت، مثل الحزب الشيوعي و(اتحاد الشباب الديمقراطي أو شبيبة بكداش)، وأحد تيارات الحزب القومي السوري المنقسم، إذ تجد هنا استقطابا مهما لبعض الشباب السوري، لكن يصعب في الحقيقة الجزم فيما إذا كان سبب ذلك يعود إلى تأثر هؤلاء الشباب بإيديولوجيا وسياسات تلك القوى المذكورة عن وعي وخيار حقيقيين، أم أنّ ذلك كله يعود لمجرد رغبة من قبل بعض الشبيبة بممارسة عمل سياسي وثقافي واجتماعي غير مكلف أمنياً، وتتغاضى السلطة عنه رغم عدم مشروعيته من منظورها؟

من جهة أخرى كان هنالك محاولات عديدة من طرف قوى المعارضة السياسية لشد الشباب إلى الحوار عبر ما يشبه الصالونات والمنتديات، والنشاطات المناهضة للعولمة والصهيونية، لكن تلك الوسائل ظلت بدائية ولم تتبلور آفاقها تماما."

وبالتالي كيف توصفين الآن حال "شباب المعارضة" إن صح التعبير.

"الموجودون حالياً هم نخبة ضيقة من الشباب المهتم بالشأن العام والقضايا السياسية والوطنية الأساسية، وهذه النخبة متأثرة بطبيعة الحال بالنخبة الأولى والجيل السابق والأكبر سنا، وتدور عمليا في فلكها، بل يمكن القول إن غالبيتهم يمتون بصلة نسب بهذا القدر أو ذاك إلى عوائل وأسر تلك النخبة الأقدم، كما أن الاتجاهات السياسية والثقافية والفكرية القائمة في وسط هذه النخبة الضيقة من الشباب هي في المحصلة؛ ذاتها اتجاهات النخبة الأولى.

أما الاتجاه الآخر للنخب الشابة فيندرج ضمن الاهتمام بثقافة حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومناهضة العولمة.

وبين هؤلاء تجد مثلا شبابا هاربين من المسائلة إلى مؤسسات هي في واقع الحال أدنى من مؤسسة الحزب، وبالتالي فهي تشكل خيارا أقلّ تهديدا من الناحية الأمنية، كما تجد في صفوف هؤلاء كذلك شبابا سوريا سبق له أن قرر الابتعاد عن دائرة الأحزاب نتيجة موقف سلبي له منها، رغم أنّه قد لا يكون بالضرورة مطلعا عليها أو على برامجها ونشاطاتها بشكل جيد وعن قرب، بل على الغالب بسبب مواقف مسبقة وردود فعل على مسائل محددة."

أليس هذا حكما قاسيا على الشباب السوري اليوم؟

"لا أعتقد ذلك، إذ يمكنني القول اليوم أنّه لا وجود اليوم بين شبابنا السوري من يملك ما يمكن أن نطلق عليه (وعيا شابا مستقلا)، قادرا بالتالي على إنتاج نشاط أو حراك سياسي شبابي مستقل.

وحتى تلك الحالات التي أمكن لها أن تفلت من إسار هذا التعميم ولو جزئيا ً(مثل مجموعة اعتصام حلب) كحراك شبابي معاصر وحديث، ظلت هي الأخرى مستقطبة إلى حد ما، كما عانت بدورها أيضاً مما وقع عليها من عقوبات شديدة تراوحت بين السجن والفصل من الدراسة.

بيد أنّه تبقى برأيي أكثر المجموعات الشبابية استقلالاً؛ هي تلك التي لا تحددها نواظم فكرية أو سياسية أو تنظيمية، بل تربط فيما بينها كما هو واقع اليوم علاقات (شبكة الانترنت)، مع كل ما قد يعنيه ذلك على صعيد نمو (وعي) من نوع ما، ونشوء صنف من (العمل) السياسي والشبابي؛ خارج إطار مجتمعنا السوري، بين جدران البيوت، وبعيدا عن ضوء الشمس.

حيث يمكن تفادي المساءلة الأمنية، وراء الأسماء الوهمية والحيل التقنية."

ماذا عن خياراتك الشخصية بهذا الخصوص؟

"بالنسبة لي، أعتبر نفسي متابعة للشأن العام والقضايا الوطنية الأساسية عبر وسائل عديدة منها الكتابة، وأحاول البقاء على تواصل وإطلاع على أهم الحراكات في الوسط السوري، وخاصة الشبابية منها.

لم ألتحق بأي حزب سياسي للأسباب ذاتها التي سبق لي تفصيل الحديث فيها، وأنا -كغيري- بانتظار قانون حضاري وديمقراطي للأحزاب يسمح بإعادة الحياة السياسية إلى سوريا.

ورغم أنّ خياراتي بالمجمل هي خيارات غير حزبية، وبالتالي من المفترض بها أن تكون غير مكلفة أمنياً، فأنا أتعرض إلى مضايقات أمنية بسبب نشاطي وبسبب كوني ابنة معارض شيوعي، إذ أنني محرومة من السفر خارج البلاد، كما سبق وتم استدعائي للتحقيق ثلاث مرات حتى تاريخه بسبب مقالة نشرت لي حول أحد أحياء دمشق السكنية، وهذه القضية لم تغلق حتى الآن.

وأنا شخصيا أعتقد أن ما تعرض له والدي من اعتقال لفترة طويلة (حوالي 19 عاما)، إضافة إلى الثمن الذي دفعته أنا وعائلتي بسبب خيار والدي السياسي، وما أعرفه شخصيا عن عائلات وأسر أخرى في سوريا تعرضت لعقوبات مماثلة وربما أكثر قسوة، كان كفيلا في البداية بصدي عن ممارسة أي سياسة أو مشاركة في أي شأن عام، بيد أن الأمور اتخذت منحى آخر لاحقا، وتطور لدي فيما بعد وعي واهتمام شخصي بتلك المسائل بالذات."






2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

شباب المعارضة بين (سلطتين) -إعلان دمشق


كان لافتا ما تناقله بعض الإعلام المحلي عن أطراف في إعلان دمشق تنوي –والأعمال بالنيات- إقامة ما يشبه (لجنة شبابية) داخل الإعلان يكون من شأنها تسهيل "الانفتاح على شرائح جديدة في المجتمع السوري", بعد أن أثبتت الوقائع أن المشكلة الرئيسية التي واجهت المعارضة سياسياً وفكرياً عبر السنوات الماضية –والكلام دائما على عهدة الراوي- هي

"الفشل في التواصل ومن ثم التأثير على الشعب السوري بشرائحه المختلفة", خاصة وأنّ التوجه إلى الشباب "لم يأخذ حتى الآن مداه الحقيقي, بل ربما لا يزال في إطار الأماني والرغبات".

وكانت فكرة وجود هيئة شبابية من هذا النوع ظهرت قبل ذلك مع نشاط منتدى جمال الأتاسي -قبل إغلاقه منتصف 2005- الأمر الذي (عارضته) في حينه بعض (المعارضة) نفسها!

كما يتأكد ذلك من مطالعة تعليق سهير الأتاسي ذاتها على الأمر والتي تقول:

"كان التصدّي بداية لهذا المشروع من طرف بعض العقليات الوصائية النخبويّة في المعارضة، والتي رأت أن هذا النشاط (سيسير بالمنتدى نحو الهاوية)، و(سيتسبّب بالهبوط بسويّة المنتدى)..تلك العقليات التي لا ترى في الشباب إلا (قلّة الخبرة وعدم تحمّل المسؤولية والطيش والمبالغة في الحماس والاندفاع)".

ولا تبدو هند اللبواني ابنة المعارض كمال اللبواني مؤسس الاتحاد الليبرالي الديمقراطي في سورية بعيدة عن هذا الطرح, بل لعل لديها ما تضيفه بعد إلى النقد آنفا, تقول هند:

"بما أنني أنتمي إلى المعارضة بالأساس فدعني أقول لك أنّ الوجوه البارزة اليوم في هذه المعارضة كلها قديمة, وذات خلفيات ورواسب لا تناسب في الحقيقة تطلعاتنا كشباب, كما أنها تحوي في صفوفها أحزابا وتيارات أثبتت فشلها في الماضي, وهي لا تقدم أي فكر جديد, الأمر الذي يلقي على عاتق الشباب فيها واجبا كبيرا ومهمة ضخمة, من أجل بناء شيء حديث

يناسب تطلعاتهم ورؤاهم, شيء خاص بهم وبالوطن الذي سيصبح لهم"

ولكن أغلب من يتحدثون اليوم من وراء المنبر المعارض يعتبرون أنفسهم ممثلين على نحو ما لفئة يرونها كبيرة من المجتمع السوري اليوم, ومن ضمنهم الشباب بطبيعة الحال, فإلى أي حد ترين هذا التمثيل صحيحا فيما يخص الشريحة الشابة بالتحديد؟

"أنا شخصيا أكنّ كلّ الاحترام لأحزاب المعارضة وشخصياتها الوطنية, ولا ننسى هنا أنّ منهم من أمضى في السجن أكثر من عقد من الزمن, وهم في النهاية رموز وقدوة لنا كشباب, بيد أنـه لا أخفيك أنني (أخاف) من (فكرهم), وأنا غير راغبة صراحة في إتباع نهج وأسلوب كهذا.

يمكن لشباب آخرين بطبيعة الحال مشاركة تلك الأحزاب رؤاها ومنطلقاتها سواء في حال كانوا -أولئك الشباب- مقتنعين ومؤمنين بها, أم مجرد أتوها من باب الأمل بإحداث تغيير ما عبرها, وكونها هي المتاح فحسب, وهو على أية حال شأن احترمه فيهم أيا يكن الأمر, وأشجعهم عليه طبعا كشباب"

وفيما لا يزال الدكتور كمال اللبواني -والد هند- يخضع للمحاكمة أمام محكمة الجنايات الأولى بدمشق بتهمة (الاتصال بدولة أجنبية وتحريضها على ممارسة العدوان على سوريا), بعد أن أُلقي القبض عليه عائداً من رحلة استمرت بضعة أشهر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية, تصر هند على أنها لم تخض بعد تجربة حزبية كاملة حتى ضمن الحزب الذي سبق لوالدها أن أسسه وسبقت الاشارة إليه.

"بالنسبة لي شخصيا لم يسبق لي أن دخلت في أي تنظيم حزبي حتى الآن, ولو فكرت يوما في الإقدام على ذلك فلن أختار إطارا تنظيميا باليا ومنتهيا كـ(فكر) لأنتسب إليه, من نمط تلك الأفكار الانغلاقية, والتي تنادي بالثورة بالمفهوم الشيوعي والقومجي.

أنا في الحقيقة أميل أكثر إلى الوقوف مع الثقافة المبنيـّة على حرية الفرد, والانفتاح الاقتصادي,

والحب و التآخي مع الناس والمجتمعات الأخرى, بدون حدود القوميات, وبدون تعصبـّات, وأنا أجد نفسي أقرب في واقع الحال للتيار الليبرالي كتوجه, أنا أدعم هذا الفكر, وأتمنى أن يكون هناك في سوريا تنظيمات ليبرالية حقيقية بكل معنى الكلمة, عندها سأكون جزء من هذا الحراك بكل تأكيد"

ولكن ماذا عن الشبيبة الموجودة أصلا في صفوف قوى المعارضة, من حيث فرصها في إحداث تغيير نوعي ما في بنية أو مفاهيم تلك التيارات التي ترفع التغيير شعارا لها أصلا؟

تجيب هند:

"بالطبع لن تعدم مشاركتهم التأثير في تلك التيارات والقوى, بل إن ذلك قد يكون فرصة أمام تلك الأحزاب بالذات من أجل السعي نحو شيء من التجدد.

بيد أنّ سؤالي يكمن في مقدار المجال الذي سيملكه هؤلاء الشباب للحركة ضمن تلك الأطر من دون أن يكونوا مهمّشين؟"

ما هي دواعي القلق لديك على هذا الصعيد؟

"الشخصنة"

كيف؟

"شخصنة القضايا مرض موجود لدينا في المعارضة, حيث نلاحظ دائما كيف أنّ (زعيم) الحزب يبقى زعيم الحزب, و(الصغار) يظلـّون صغارا!

ما أقصده هو أنّه ليس هناك تعاط مع الشباب على أساس أنّهم ند ونظير, ومن خلال هذا النوع من الممارسات بالذات يحصل تهميش للشباب, مع أنني أؤكد مجددا على ثقتي وتضامني مع الجهد الذي يحاول الشباب بذله دائما على هذا الصعيد"

ماذا تقولين في الطرح الذي يصف التكتل المعارض اليوم داخل البلد بأنه وبامتياز (حالة عائلية), أكثر منه امتدادا موضوعيا في نسيج المجتمع؟

"مع أنهم قلائل في واقع الأمر؛ لكن يوجد هناك بالطبع شباب معارض من خارج هذه (الحالة) التي تتحدث عنها, بيد أنّ معظم من أعرفهم من المنخرطين في هذا التوجه هم عمليا ممن يوجد لديهم خلفيات أسرية سابقة للموضوع, أو لنقل أنّ أغلبهم حقيقة هم من (المتضررين) من السلطة بشكل عام.

ولكني أعود لأؤكد لك على الرغم من كل هذه الملاحظات التي أوردتها -ومن تجربتي الشخصية- أنني أستطيع أن ألمس أنّ النفس الشاب في العموم في البلد متجه نحو المعارضة"

وما سند دعواك هذه؟

"أعتقد أنك لو استفتيت معظم الناس اليوم -بشكل شخصي وحيث يشعرون بالأمان- فسيجيبونك بأنهم غير راضين عن الوضع اليوم, وعلى الأخص الشباب منهم, لذلك أعتبر أنّ للشباب ميلا باتجاه المعارضة, بيد أنّ ما يحيط بهذا الخيار من خوف وضغط أمني, ناهيك عن ضغوطات الحياة اليومية؛ يمنعهم من المشاركة المباشرة, على أنني متأكدة أنّه فيما لو أتيح متنفس لهم؛ فإنهم سيبادرون إلى المشاركة الفاعلة, وسيكون لهم دور كبير"

على الطرف المقابل بإمكانك أن تجدي حالة أخرى لدى شباب يخالفونك الرأي والخيار, ويقفون في صف من تسمينها (السلطة), وقد تتفقين معي أنّه ليس من الحكمة بمكان تعميم (النفعية) و(الانقيادية) عليهم جميعا, كيف تصفين طبيعة التعاطي مع هؤلاء الشباب المخالفين لك في التوجه السياسي؟

"بالطبع شباب كهؤلاء موجودون أيضا, وأنا أحمل لهم كلّ الاحترام, وإن اختلفت معهم بالرأي أو التوجه كما تقول, إذ ثمّة شباب في صف السلطة فعلا, وهم ليسوا على الحياد, بل يقومون بما في مقدورهم لخدمة هذه السلطة, بيد أنّ ذلك لا يدفعني لأن أشعر تجاههم بأي عداء, وما أتمناه عليهم هو أن يقبلوني هم أيضا, لنكون يدا واحدة.

أنا أتشرف أن أكون أنا والبعثي مع بعضنا بعضا, طالما اتفقنا على أنّ مفهوم الوطن هو مفهوم المشاركة"

تشترطين توفر بيئة صحية سياسيا لانطلاق الشبيبة من انعزاليتها عن الانخراط في الشأن العام, ولكن ماذا لو تأخر تمام هذه الشروط؟

"حقيقة, وعدا عن أولئك الذين يحملون قلوبهم على أيديهم من الشباب المعارض؛ فأنت لن ترى أحدا آخر, لأن السائد لدينا هو الخوف من الضغوط الاجتماعية والأمنية والاقتصادية, ما يجعل أيدي الشباب مكبلة في النهاية, لكنك تجد أحيانا من ضمن قيادات المعارضة -كي لا نظلم الجميع- من يشجع توسيع مشاركة هذه الشريحة الشابة, وهناك بعض الأسماء الشابة التي تجد فرصتها أحيانا وتكبر حجم مساهماتها مع الوقت.

من جهة أخرى نلاحظ أنـّه -ورغم ما يتعرض له الشباب من تهميش- من قبل الأطراف جميعها, فهم لم يتوانوا على سبيل المثال عن إبداء كل تلك الحماسة من أجل قضية العراق مثلا, وصار بعضهم يريد حتى أن يقاتل في ذلك البلد ضد الاحتلال, وهذا في الوقت ذاته يلفت النظر إلى مسألة غاية في الأهمية؛ وهي أنّ الشباب عندنا غير مثقف, وينقصه الوعي, الأمر الذي يجعله سهل الانقياد, ويصبح بالتالي قابلا للتجييش والاستخدام من قبل آخرين, على الرغم من وجود طاقات لا يستهان بها تنتظر الفرصة الملائمة للانطلاق"

بدخوله عامه الثالث, هل ثمة توجه داخل صفوف (إعلان دمشق) تكتل المعارضة الأبرز داخليا من أجل مراجعة من نوع ما لـ(سياسته) تجاه الشباب السوري برأيك؟

"لا أعتقد أنه يمكنني أن أفيدك كثيرا في هذه النقطة بالذات, إذ لست على اطلاع بما يتم التحضير له داخل الإعلان بالضبط, ولكن إيماني بهم يدفعني لتوقع أنّ ثمة ما يعدون له على هذا الصعيد, لابد".




2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بين (شيخ) الدين و(مريد) السياسة! -في الحزبية الدينية السورية


عشر بنادق أمريكية الصنع مع ذخائرها, عبوات متفجرة مصنعة محليا, أشرطة تسجيل لخطب ومواعظ دينية وأسلحة أخرى بينها رشاش؛ كانت –ودائما وفق الداخلية السورية- حصيلة

العملية التي قامت بها قوات الأمن في دمشق أوائل أيار2007 ضد (مجموعة إرهابية) استهدفت بناء مهجورا خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون في قلب العاصمة.

ولم ننتظر طويلا قبل أن تتدفق التحليلات يومها لتربط بين عناصر المجموعة التي قتل بعضهم في الحادثة واعتقل بقيتهم, وبين سوري آخر هو (أبو القعقاع), الشيخ الحلبي الذي ذاع صيته كمروج للفكر(الجهادي) بين الشبيبة السورية, والتي يقول محللون أن من هؤلاء الشباب بالذات من استقل عن شيخه (محمود كولاسي) أو (اسحق الدخيل) –أبو القعقاع نفسه- لينطلق في نشاطه الخاص الذي سمعنا بعض أخباره من (سانا) في دمشق وحلب وحماة, في إطار تصدي رجال الأمن لـ(خلايا تكفيرية) محلية, وذلك قبل أن يلقى الدكتور الداعية مصرعه على باب مسجد (الإيمان) -في حلب مرة أخرى- اغتيالا بالرصاص عن عمر 42 عاما.

تتكرر مقدمات من هذا النوع أحيانا –لا تخلو من مغزى- عندما يشرع بالحديث عن الشباب والتيارات الدينية, ومدى ارتباط واستفادة كل منهما من الآخر حركيا, لكنها -أي تلك المقدمات- نادرا ما تجد لها سياقا استطلاعيا أو استقصائيا متمما على الأرض, بعيدا عن التحليلي (التجميعي) والدراسي النظري على ضرورة كل منهما.

ومن نافلة القول الإشارة إلى كل ذلك الحبر الذي سال ويسيل, خوضا في ظواهر (المد الأصولي) و(الردة الدينية) و(الجهادية الجديدة) و(...), لكن تبقى التجليات السياسية بالذات لهذه الظاهرة-بعيدا عن الاجتماعي والخيري- مبهمة ومشوشة في واقعنا السوري, بفعل عوامل قد يدفعنا سردها إلى العودة إلى واحدة من تلك التحليلات التي سبق ذكرها.

والنتائج التي يخرج بها من يحاول تلمس بعض هذه الإرهاصات الحركية والتنظيمية لهذا التيار الديني بين الشباب السوري لا تشفي الغليل, لاعتبارات لها علاقة بالجو المحيط بهذا الموضوع في الثقافة السورية السياسية, إذ لا يمكنك أن تتوقع (في الظروف الطبيعية) مثلا أن يجلس إليك شاب من حزب التحرير ليتجاذب معك أطراف الحديث في مقهى الروضة, أو أن تأخذ موعدا من شاب من الإخوان المسلمين في مكتبه لـتتعرف على خطّه السياسي الراهن, هذا على فرض أنّ للتيارين المذكورين وجودا فعليا على الأرض اليوم.

فالقوانين السورية الراهنة (صارمة) فيما يتعلق بهذا الموضوع الحساس, وهي عموما تحظر –فيما تحظر- إنشاء أحزاب سياسية على خلفية دينية أو طائفية, وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو القانون 49 للعام 80 ذائع الصيت, والذي يقضي على منتسبي جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام (يتم استبدال هذه العقوبة مؤخرا بأحكام سجن طويلة), الأمر الذي يعيد إلى البال على الفور أحداث الثمانينات التي أقل ما يقال فيها أنها (مؤسفة).

وفي ظل كل ما يتم الحديث عنه من هذا المد الديني الذي لا تخطئ العين مظاهره وتجلياته الاجتماعية لا وبل الاقتصادية أيضا, يبقى الباب مشرعا أمام السؤال الموضوعي عن مدى استعداد الشباب السوري المتدين وحماسته اليوم لأشكال أخرى من التعبير عن ذاته وميوله, من نمط العمل الجماعي والتنظيمي السياسي المباشر, طالما أن البيئة المحيطة تتقبل -على ما نشهد- باقي مناحي أشكال التعبير تلك؟

وعن اعتقاده بوجود تيارات إسلام سياسي بين الشباب السوري تنتظر الخروج إلى العلن, يقول عبد الرحمن شاغوري الشاب الذي سبق أن أودع السجن بتهمة توزيع نشرة الكترونية يصدرها موقع على الانترنت محسوب على جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة:

"أريد أن أوضح شيئا في البداية, وهو أنه على الرغم من أني شخصيا ذو توجه إسلامي في العموم, لكنني هنا أتكلم بصفتي مستقلا وباسمي الشخصي, وأنا أرى بالفعل أنّ (الشعبية) على أرض الواقع هي بطبيعة الحال لهذا التيار الديني, بيد أنّ الحديث عن وجود تيارات سياسية ذات توجه أو طابع ديني وما شابه؛ أمر لا وجود له في سوريا نهائيا.

وأنا شخصيا –إذا سألتني- ضد فكرة الحزبية الدينية, والحزبية بشكل عام, لأن هذا الطرح يفترض إلى حد ما –ولغاية اليوم- أنّ عليك أن تسلـّم برأيك إلى جماعة بعينها, سواء أأمكن لك أن تساهم أو تشارك في صنع وانتخاب تلك الجماعة أم لا, وبالتالي يصبح من المتعذر عليك أن تقوم بأي فعل أو عمل –كبر أم صغر- من دون أخذ ضوء أخضر أو موافقة مسبقة من حزبك, كما يعني انتسابك إلى حزب أو تيار؛ قبولك وتبنيك بالضرورة كل موقف أو رأي أو قرار يقوم حزبك باتخاذه من قضية أو حدث أو شخص ما, وبالتالي تنعدم فرصتك في اتخاذ أي خيار أو اتجاه مغاير لما سلف, وإلا عرّضت نفسك لإجراءات حزبية انضباطية قد تصل حد الفصل أو الطرد مثلا...."

... ولكن الحياة الحزبية ليست بهذه البساطة, إذ يمكن الافتراض أنه وخلال آليات الحزب ذاتها؛ تستطيع التعبير عن رأيك وإبداء وجهة نظرك, ألا تعتقد ذلك؟

"مع كل الاحترام لما تقوله؛ لكنني لا أرى حديثك عن هذه (الآليات) مقاربة واقعية لـ(حالتنا) ولما يجري على الأرض, إذ لا يخفى على ذي بصر أنّ جميع أولئك الذين أردوا أن يخالفوا أحزابهم في قضية من القضايا أو مسألة من المسائل انتهى بهم المطاف إلى الانشقاق عن أحزابهم وتياراتهم الأم, وتشكيل أحزاب أخرى.

لدرجة أنـّه يوجد بين ظهرانينا اليوم –كما أعرف وتعرف- أحزاب كثيرة نشأت بالأساس عن ذلك الوضع الذي وصفت لك, ومن بينها يمكنك دون كثير عناء أن تجد (تيارات) مؤلفة من أشخاص يمكن عدّهم على أصابع اليد الواحدة!

ولكن, إذ سمحت لي فهناك شيء آخر حول موقفي هذا من الأحزاب..."

تفضل.....

" .... ما أسهم أيضا في تشكيل نظرتي من الحياة الحزبية المحلية كما تسميها, هو اعتقادي أن الإنسان في منطقتنا لم يصل بعد في تطوره الذاتي والاجتماعي حدا يمكنه أو يؤهله كي ينخرط في أطر كهذه (حياة حزبية.. كذا), ولهذا السبب بالذات؛ أعتبر نفسي اليوم من مناصري العمل الفردي المحض, وتمسي مؤطرات العمل الجماعي بهذا المعنى مرحلة جد متقدمة, ويفصلنا عنها اليوم من حيث نقف بون شاسع.

وإذا كان من أحد يرغب حقا في أن يضع أطروحة العمل الجماعي موضع التنفيذ -وأحد تمظهراتها هي حالة الحزبية موضوع أسألتك- فعليه أن يبدأ لا محالة من نقطة العمل على تكوين الفرد الواعي, وعلى الجميع عندها أن يبدؤوا العمل بشكل ذاتي على هذه الفكرة.

لذا-وبغض النظر عن أي موضوع آخر- علينا في البداية أن نتحصل على فرد قادر على الاستقلال برأيه وقراره.

وهذا الشخص من وجهة نظري لا وجود له بيننا اليوم."

ولكن التيارات الدينية عادة ما تنحو صيغ عمل جماعية, ووفق الشرط الموضوعي لظهورها, يكون لها (مداخلات) في الرأي السياسي العام بداية, وصولا إلى الحزب أو التنظيم السياسي الصافي, والذي قد تدفع باتجاهه العناصر الأكثر حماسة في المجموعة؟

"حسنا, لا أدري إن كان جوابي سيرضيك, ولكني أعتبر هذا الميل كما وصفته خطأ فادحا, ولا يمكنني النظر إلى حالات من هذا النوع على أنها حالات صحية يجب تعميمها.

ولا أجد بدا من أن أكرر لك أن ّ على الإنسان أن يملك بادئ ذي بدء المقدرة على انتقاء خياراته بنفسه, وبعد ذلك (قد) يكون من المستساغ أن يحصل التقاء أو تجمع من نوع ما لكل أو بعض أولئك الذين يملكون رأيا محددا لصنع تيار أو ما شابه.

وأنا في النهاية لا أعاند لمجرد المعاندة, إذ أقر معك أنّ المجتمع مضطر الآن أن يقاد عبر هذه القوى والتيارات الحزبية –مطلق أحزاب-, نظرا لغياب هذا الإنسان الواعي على المستوى السياسي كما على المستوى الديني, مع أنّ الأشياء تظهر فاقعة أكثر مع هذا الأخير بالذات, لجهة وضوح وجود (الشيخ) و(المريد) كمبدأ في هذا الإطار, والذي أكرر توصيفي له بأنّه خطأ لا يوصل إلى نتيجة"

بما أنك تحدثت عن (الشيخ) و(المريد), أليس من الأجدى في هذه الحال أن نشجع شكلا آخر للتعاطي يكون بناء العلاقة فيها أكثر (مؤسساتية) بين الطرفين المذكورين, بحيث يتم الحد من إعادة إنتاج هذه الأشكال القديمة التي تساعد على انتشار (البؤر) المغلقة, والمعزولة عن أي حوار أو حراك في البيئة المحيطة؟

"اسمح لي, هذه التيارات عاجزة عن توعية الفرد من خلال الجماعة أو الجماعات التي تؤسسها, وهي إن تمكنت من عمل أي شيء على الاطلاق لفرد من الأفراد؛ فهو سيكون بكل تأكيد تحويلا لذلك الشخص إلى فرد مطيع و(مطواع) ضمن الجماعة نفسها.

باعتقادي هناك نوع من (التدافع) يجب أن يحصل بين الأفراد قبل أن يصبحوا قادرين على الانتظام في جماعات من هذا القبيل الذي تتحدث عنه, أنا أصر على تهيئة (الإنسان) أساسا, لا عن تهيئة مسلم أو مسيحي أو ماركسي أو...,وهذا لن يتم على يد هذه الجماعات."

فماذا إذا عن هؤلاء المتدينين من السوريين الشباب الذين اختاروا تعبيرا سياسيا (متطرفا) في نظر بعضهم (إرهابيا) في نظر آخرين, فيما يعتقدون أنه طريق (الجهاد),ولك فيما وقع من حوادث في حلب, وريف حماة, ودمشق وريفها, في الفترة الأخيرة نموذج عنهم؟

"أعتقد أنّ الاحتقان الحالي والتضييق الموجود على الشباب يولد التطرف, ويفرز حالات تؤخذ على أنها مؤشر على التوجه العام لدى الشباب السوري, وهو استقراء خاطئ بطبيعة الحال.

الظرف الحالي هو الذي دفع –وبشكل استثنائي- باتجاه إفرازات من هذا النوع, إذ ليس كل الشباب (متطرفين) و(إرهابيين) و(انتحاريين).

الشباب لديهم أمل في هذه الحياة, إنما -وفي ظل أفق مسدود- من غير المستبعد أن تنمو مثل هذه الظواهر.

ناهيك عن أنّ الإعلام يلعب دورا أساسيا في التعميّة وتغييب بعض الحقائق, والدفع باتجاه تصورات محددة, تكون في الغالب الأعم سلبية الطابع, فإذا أخذنا مثلا (كلاسيكيا) عن شخص يفجر نفسه في مكان عام ويقتل ويجرح من كان حوله, نجد في المقابل لهذا الفرد عشرة أشخاص آخرين يجلسون بسلام في مكان آخر لمجرد الدراسة, وبالطبع وكما هو متوقع دائما يظهر ذاك على الشاشات فيما يغيب هؤلاء!"

إذا فأنت لست قلقا من أنّ مسودة قانون الأحزاب -المنتظر- لا زالت تلحظ على ما تسرب للاعلام منها عدم السماح بإقامة أحزاب على أسس طائفية ومذهبية؟

"باعتباري الشخصي, عندما يكون لديك نظريا أحزاب مؤسسة على أساس ووفق مبادئ دينية؛ فهذا يفترض منطقيا أنّ هذه الأحزاب مبنية على قاعدة أوسع من نظائرها القائمة على مبدأ القومية على سبيل المثال, وتجد على أرض الواقع أنّ هذه الأخيرة -الأحزاب القومية- مرخص لها بالعمل وموجودة على الساحة, بينما الأخرى محظورة.

إذ أنّ نطاق القومية أضيق من نطاق الدين, ويمكن لأي شخص أن يدخل حزبا دينيا, حيث من الممكن لأي كان أن يغير ملـّته من حيث المبدأ, وبالتالي يمكنه اختيار حزب ديني ما للانضمام إليه, بينما لا يمكن لأحد أن يغير قوميته بغرض الانتساب إلى حزب قومي معين.

والأحزاب اليسارية يمكن تصنيفها في السياق كأحزاب (دينية) تحمل أيديولوجيا معينة.

فلا أدري والحال هذه لماذا يمنعون الأحزاب الدينية؟

مع العلم أنني شخصيا ضد فكرة الأحزاب بالأساس كما أسلفت"

ما مصدر هذه الشكوك والتخوفات عند الأطراف التي لا تريد أن ترى أحزابا دينية سياسية برأيك؟

"حسنا, الإشكالية بنظري مع الإسلاميين, هي أنهم يـُقادون بشكل أسهل من غيرهم على أيدي المشايخ ضمن تراث ديني متسلسل وطويل, ومرجعيات روحية لا يمكن زحزحتها, إذ قد يكون في متناول اليد مثلا أن تنتقد مرجعية ماركسية, وتقول عن فلان منهم بأن فيه من الصفات كذا وكذا, أمـّا مناوأتك مرجعا دينيا فدونه الكثير من المحاذير والعقبات, ويصبح الأمر إذ ذاك أكثر تعقيدا لما يظنّ من ارتباطه بالإلهي."

وبالتالي فاهتمام الشباب السوري المتدين في ظل عدم وجود منفذ تنظيمي سياسي يجب أن ينصبّ برأيك على ....

"..... المشاركة في الشأن الحياتي العام, وهذه المشاركة لا تقتصر أبعادها على السياسي المحض كما يفهمه العامة, وأنا هنا أتكلم عن الشباب السوري بعمومهم ولا تخصيص لإسلامي عمّن سواه, لأقول أنّ نظافة الطرقات هي من الشأن العام مثلا, وهذه ليست دعوة للشبيبة أن يحملوا المكانس على ظهورهم ويبدؤوا بكنس الشوارع, أو أن يعمدوا إلى توعية الناس حول هذا الأمر بقدر ما هي رجاء منهم بأن يكفوا هم أنفسهم عن توسيخ تلك الشوارع.

مكافحة الرشوة مثل آخر, والرشوة كما يعرف القاصي والداني بلاء مستفحل, وهي ضد القانون و الأخلاق على السواء, وفي هذا أعود لأؤكد أنني لا أسأل أحدا أن يصرخ فوق المنابر تنديدا بالرشوة, بل أن يمتنع الشباب عن التعاطي بها ودفعها إلى الآخرين.

شيء آخر, على الشباب أن يعمدوا إلى قراءة القانون, فشبيبة البلد ليست لديها أدنى فكرة عما هي حقوقها وما هي واجباتها قانونا!

وأنا لا أسعى في هذا السياق وعبر دعوتي هذه إلى تقديم رؤية نقدية عن هذا القانون, ما هو أو كيف يجب أن يكون, بل أتعامل مع القانون كما هو موجود نصا, والذي نحن ملتزمون به إلى الآن."




2007