2010-08-08

الصحافة الالكترونية السورية كما لا أجرؤ على شرحها لابنتي

1-
طفلتي العزيزة


2-
على العكس من التحليلات المستفيضة التي كثرت مؤخرا في سبيل الرد على مسودة قانون النشر الالكتروني في سوريا، فإن بعضهم قد يفاجئ من أن أكبر مشكلة حقيقة واجهت "الصحافة الالكترونية" لدينا يا بابا، ليست فيما يشار إليه عادة من مصائب وكوارث كلاسيكية، وإنما تتمثل في واقع الأمر بإضافة تاء التأنيث إلى المقابل العربي في ترجمةelectronic journalism فأصبح عليها أي "الصحافة الالكترونية" أن تعاني مشكلتين هما بطبيعة الحال أزليتين في بلادنا: الأولى سياسية، والثانية جندرية، وهي الأنكى بلا شك، كما ستكتشفين قريبا بنفسك يابابا، بعد إقرار مسودة قانون الأحوال الشخصية الالكترونية.
3-
ورغم ما يشيعه مخبرو أصدقاء رفاق أعضاء مكاتب منظمات حقوق الإنسان والتعبير في مقهى "الروضة" و"الفيس بوك" و"مهرجان الجاز" والمنابر المشبوهة الأخرى، فإن الصحفي الالكتروني السوري، يا بابا، ممسك تماما بزمام أموره، فهو مثلا يملك عادة دفاعا عن نفسه الحق في أن يرفع كل الدعاوى القضائية على من يشاء، ومن باب المساواة حصرا يا بابا، فإن "من يشاء" له الحق في رد تلك الدعاوى جميعها، وتضمين الجمهور النفقات والاستدعاءات وفركات الأذن والقلم والأعضاء الالكترونية الأخرى.


4-
مرة واحدة وإلى الأبد، يا بابا، تأكد لقراء الصحافة الإلكترونية السورية أن الصحفيين الالكترونيين السوريين اختاروا الصحافة الالكترونية السورية خيارا صحفيا الكترونيا سوريا استراتيجيا لارجعة عنه، ولم تعد تغريهم، يا بابا، مفاتن أبواب وشبابيك التعبير الالكترونية وغير الالكترونية، السورية وغير السورية، الاستراتيجية وغير الاستراتيجية الأخرى.
فالصحفي الالكتروني السوري، يا بابا، قانع حتى نخاع معالج لابتوبه بمجرد أن يكون لديه الحق في أن يعبر بالوسائل الالكترونية السلمية عن رأيه في مقال أو خبر الكتروني سلمي، وذلك على أمل أن يكون لديه في المدى المنظور سلسلته المكسيكية الخاصة من مواد الرأي والتحليل والتجميع، وذلك على أمل أن يصبح لديه يوما ما موقع الكتروني سوري سلمي خاص به، مميز رائد وغير محجوب، مع طقم محررين ومعلقين مجاني من خريجـ(ـات) قسم الإعلام السوري.
والصحفي الالكتروني السوري، يا بابا، لا يعيش أبدا بعد ذلك على أمل أن يصبح لديه بمجهوداته ومدخراته الفردية السبونسرية المسؤولة مطبوعة ورقية -لا الكترونية، دورية شهرية، منوعة، بعد سفريات عمان واستوكهولم وواشنطون دي سي ودي حا، بملفات يعاد نشرها كل 3 سنوات، مع رئيس تحرير شامل، وبدون استكتابات.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصير عنده جريدة سياسية يومية وبخمس ليرات، ومستقلة، وللأربعين سنة القادمة، مدعومة بـ(تساؤلات) مؤسستي الإعلان والتوزيع على المطبوعات المنافسة، وبدعم كتيبة من الشركات القابضة المساهمة وفق قانون الاستعثار (الاستعلام والاستثمار) رقم 10 وتعديلاته و(عدلاتو)، وفلل بالصبورة، وشركة اتصالات.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يتمكن من إنشاء جمعية أهلية، مدنية، غير حكومية، مدعومة رسميا، وع الكتالوج، ولو في كراج مدير مكتب سيارة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يتطور ويصير عنده منظمة حقوقية سورية منشقة، مسجلة في أحد بلدان الفوضى الخلاقة، فيها واحد تاني غيرو، وواحد تاني غيرو، وسكرتيرة مطلقة.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصبح لديه على "منبر الجزيرة موبايل" تيار سياسي شفهي عائلي وحدوي (من الوحدات)، غير مرخص، وخالي الاجتماعات والبرامج، مع ميزة "دقللي بغنيلك".
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصير عنده في وقت قياسي تجمع حزبي معارض ملون، بنشرة إيميلات سبام مفيرسة، وانتخابات بالتزكية، وحق الفيتو لصهرو، مع استقواء بالخارج وجناح في السلطة.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصبح ممثلا شعبيا استثنائيا للجماهير الإعلامية، ووزيرا على رأس منصبه لعدة ولايات كبيسة ومتلاحقة، وبنسب تصويت و"لايكات" على الفيسبوك توازي معدلات التضخم في البلاد، وعرض البنية "التحتية" المتوسعة للمتفرجين الأصليين.
وكل ذلك، يا بابا، ليس أبدا..
على أمل أن يأتي إليه ذات يوم في الرابعة إلا ربع صباحا من يقرع بابه، ويسحبه من تخته، ويــ(...)ـخ عليه وعلى أمل.. وعلى بابا.



يحدثونك عن مسودة النشر الالكتروني السوري ..أصحاب مواقع لا رؤساء تحرير

يحدثونك عن مسودة النشر الالكتروني السوري ..وفاة رئيس التحرير

 

 

كلام حريم شاهد على العصر، زبد إعلامي سوري من "الجزيرة" إلى "الجزيرة"

استفاق عدد من السوريين مؤخرا وأيقظوا معهم كثيرين إثر إعادة اكتشافهم لجزيرتين حديثتين قديمتين على الخارطة المحلية لمشاغل الناس وتطنيشاتهم هنا.
وبين "الجزيرة" القطرية وأحمد منصور المتطاول على "شعبنا"، و"الجزيرة" السورية في "كلام حريم" حيث "شعبنا" هذه المرة هو المتطاول على "شعبنا" الآخر، لغط لم يفلح وهو يحاول أن يرتقي دون جدوى ليصبح نقاشا موضوعيا سوى في إثارة بعض الأسئلة المرّة التي لا تكاد تخبو استفهاماتها بعد مناسبة ما، حتى تطفو في مناسبة أخرى، ما أيضا.


"الجزيرة" - 1
مقالات وأقاويل، ردود منضبطة وشتائم، طالت برنامج أحمد منصور "شاهد على العصر"، بعد أن نعت الأخير السوريين بأنهم من السهل "الضحك عليهم"، وقال إنهم "باسوا جزمة" جمال عبد الناصر في يوم من الأيام، وذلك في معرض استضافته "عبد الكريم النحلاوي" أحد منظمي الانقلاب السوريين على الوحدة مع مصر القرن الماضي.

وسرعان ما انبرى –حرفيا- كثير من الإعلاميين وغيرهم للتشنيع على المعدّ المصري "الإخونجي"، والذود عما قالوا أنه "كرامة الشعب السوري العظيم" ضد الافتراءات المنسوبة إليه، كما بادر السيد وزير الإعلام بدوره إلى الاحتجاج رسميا لوزير الثقافة القطري -على اعتبار أن الدوحة ألغت وزراة الإعلام منذ زمن- ضد هذا الافتئات المستهجن من قبل الإعلامي "غير المهني"، وهذا بالطبع حق الوزير وحق كل من شعر بالإهانة من تصريحات "منصور".

الملاحظة هي أن السيد الوزير ذاته كان قد كال منذ أسابيع فقط الشتائم المقذعة لأحد الصحفيين السوريين على مرأى ومسمع و"قرطاسية" و"كيبوردات" و"ميكروفونات" مئات من أرباب وربائب الإعلام السوري، الأمر الذي بالكاد استوقف "كرامة" أحد يومها.

ناهيك عما روجت له فيما مضى صحيفة "الوطن" السورية شبه الرسمية من ترهات بحق كتاب سوريين، متهمة إياهم بالاسم ودون أدنى دليل بمناصرة وجهة النظر الإسرائيلية إبان عدوان الاحتلال على غزة، ولا "كرامة" ولا يحزنون.

ليرتأي من كتب من الصحفيين والإعلاميين السوريين -حتى الآن أقله- أن مذيع "الجزيرة" هو وحده "الطفيلي"، و"الوقح"، و"الديماغوجي الباهت"، و"صاحب الوجه المشؤوم كبرامجه وكتاباته الإعلامية"، إلى آخر قائمة الأسماء غير الحسنى التي تخطى فجأة بفضلها المحتوى العربي على الانترنت عتبة 3% الهزيلة.

كما أن "رذالة منصور" وحدها هي من ذكر وسيلة الإعلام المحلية إياها المنفردة بـ"الاستقلال" الصحفي حديثا منذ أكثر من "40 عاما" بشيء يدعى "ميثاق الشرف الإعلامي"، دون غيرها من الرذالات المحلية التي تتناقل الأخبار "زنخها" كل يوم لتغرسه في أنف القائمين على من يسير في ركاب ذلك الإعلام مطبوعا والكترونيا، بدون أن يهز ذلك شعرة واحدة من "الشرف" المزعوم.

وكل ذلك على الرغم من الوجود الفيزيائي "السوري" في ذات الاستوديو "الجزراوي" الذي سجلت بين جدرانه تلك "الإهانات"، حيث بالكاد حمّل أحد ذلك السوري جريرة عدم "الرد" و"تصحيح" الهرطقات التي نالت من "العظمة" السورية، في حين أن مغزى وجود السيد "النحلاوي" في ذلك المكان أصلا لم يكن لشيء آخر سوى الحديث عن "تصحيحاته" الانقلابية الفذة ضد نظام عبد الناصر الدكتاتوري في حينه.

وبالطبع، وكما هو متوقع منهم تجاهل السادة الإعلاميون الذائدون عن حياض الحصافة المهنية في مقابلة "الجزيرة" مع "النحلاوي" والتي امتدت لأسابيع وأسابيع كل الشؤون السورية الخطيرة التي دار الحديث عنها، ولم تخرج من حناجرهم المفتوحة اليوم عن آخر محرر فيها كلمة واحدة بالسلب أو بالإيجاب عما دار في تلك الحلقات، ليتلقفوا بأظافرهم فحسب تلك الثواني التي تلفظ بها "منصور" بتجديفاته "الغبية" تلك.

وهذا لا يتنافى برأي أصحاب الحملة مع كون القناة "الملعونة" سابقا وحاليا المصدر "المبارك" والأساس لكثير من البروباغاندا المدروسة و"الشعبية"، والتي يناط بها منذ زمن مهمة الذود إعلاميا عن "كرامة" هذه الأمة و"مناضليها"، مع أن شبابا سوريين لم يخجلوا من التصريح بأنهم لم يسمعوا بفضيحة "منصور" تلك، مفضلين متابعة دزينة "الجزر" الأخرى الأوسع انتشارا في أرخبيل "الجزيرة" الأم، والتي ليست سوى قنوات الرياضة المشفرة والمفتوحة.


"الجزيرة" - 2
بدورها أثارت "الجزيرة" الأخرى شمال شرق البلاد عبر الفيلم السوري "كلام حريم" لمخرجه سامر برقاوي ومعده عدنان العودة حفيظة بعضهم الآخر بسبب ما قيل إنه "سخرية" مبيتة، و"تشويه" متعمد لسمعة السوريين في تلك البقعة المتروكة لقدرها من حاضرنا المحلي.

ولا يدري المرء حقا ماذا يريد قوله أولئك الناقمون على الفيلم بالجملة، فيما عدا ربما تكرار تلك التبجحات الفارغة عن تحسن وضع المرأة "المتسامي" في كل أنحاء البلاد، متعامين عن كوارثها الأرضية اليومية، وهي أمية، تفلح، وتبذر، وتحصد، وتغسل، وتجمع الحطب، وتطبخ، وتنجب، وتدفن مواليدها قبل أن تسميهم حتى اليوم.

من دون أن يسأل أولئك أنفسهم فيما إن كانت شخوص عمر أميرلاي وسعد الله ونوس في فيلمها المفجع "وقائع يومية في حياة قرية سورية" -قبل الحريم وكلامهم- منذ 40 عاما؛ مجرد كومبارس مدرب مدفوع الأجر، أم أناسا مستوردين من مجاهل إفريقيا والقرى المعدمة جنوب الهند؟
ألم يسمع صانعوا الفيلم في ذلك الحين ذات "الموشح السياحي" الركيك عن "طيبة" أهل المنطقة، و"جمالهم"، و"حضارتهم"؟

وكأن رصد ما حاق بأولئك الناس من فاقة وبؤس يتناقض وتلك الأوصاف، على العكس مما تقتضيه البداهة السليمة من أن توثيق ما أصاب ويصيب تلك الجغرافية المنسية من البلاد خليق به أن يفتح العين العمشاء مطلبيا وتنمويا، في سبيل تحسين أوضاع تلك المناطق، بدل الإنشاء المرير، والعصبويات المجعجعة التي لا تضع ذرة طحين واحدة في أكف أناس أطعموا ويطعمون البلد خبزه كفاف يومه منذ دهر، وهم اليوم جياع فارون بكرامتهم من القحط حتى غور الأردن بحثا عن عمل يقيهم السؤال.

وإن كان بعضهم يحيط الانتقادات الموجهة للفيلم –والتي لا ترقى لأي نقد سينمائي حقيقي بطبيعة الحال- بـ"حرمة" خاصة لمجرد أن القائلين بها جاؤوا من تلك المنطقة وهم وحدهم من "يفهمون"ـها، فكيف يستقيم ذلك وكون معد الفيلم نفسه من أهل تلك الديار وشعابها؟
لا بل إن "الحريم" المصور كان أمه وأخواته وخالاته وعماته هو بالذات!
ألا يكفي ذلك وحده كي تتهافت تلك الدعوات العصبوية الفارغة على نفسها، والتي تحيل بسذاجة إلى عنصرية موهومة، لنعود إلى السؤال الأساس: هل أولئك الناس موجودون حقا في "زور شمر" بأوضاعهم المؤسية تلك في ساعته وتاريخه، أم أنهم من اختلاق "الغرفة المظلمة" –الكاميرا- في رأس السيناريست والمخرج؟

حين لا تعجبنا الإضاءة وكوادر التصوير والموسيقا المرافقة في الفيلم فهذا أمر يمكن بالطبع النقاش فيه إلى الأبد، لكن أن ننكر سوداوية الواقع وامتداداته القاحلة ونعيب الغربان على جذوع الأشجار اليابسة في المشهد الحي فهو لأمر جدير بالرثاء حقا، ولا يصب إلا في المصلحة المشبوهة لمن سعوا إلى منع عرض الفيلم سابقا بذات الذريعة والحجة تقريبا.


"الجزيرة" - 3
سيكون أمرا مثيرا للاهتمام ولابد - بين "جزيرة" منصور، و"جزيرة" برقاوي وعودة- أن يسأل أحد ما شخصيات فيلم "كلام حريم" عن حلقات برنامج "شاهد على العصر"، وفيما إن شعر أحد منهم أو منهن بالإهانة مما ورد فيها. غالبا قد نفاجئ بأن السؤال نفسه سيكون هو مصدر الإهانة، فمن أين لأولئك الناس بالذات بكهرباء، ناهيك عن تلفزيون، و"جزيرة" منكوبة أخرى؟

لابأس حقا في متابعة ونقد ما يجري على تلك الجزر من حولنا. والغضب من تلك "الجزيرة" والنقمة عليها، أوالغضب لتلك "الجزيرة" والانتقام لها تكفلهما حرية التعبير والرأي و"هيئات المجتمع المدني" –بحسب (الوطن)- بدون أدنى شك.

بيد أن الأحكام "الغوغائية" والتعميم "الأعمى" فيما أتى به أحمد منصور وسامر برقاوي من جزيرتيهما إن صح وصفها بذلك؛ لا تكاد تفوقها "شناعة" سوى المواقف المقابلة التي تسبغ "العظمة" و"الرفاهية" السرمدية المجانية على جميع السوريين بـ"عصبويات" و"فزعات" لا يدري المرء أيضحك منها أم يبكي. فيما أصحابها في النهاية يطمرون رؤوسهم في رمل "جزيرتهم" الإعلامية المعزولة الخاصة.

نعم سيدي، كل شيء جاهز لقانون إعلام سوري سيء آخر

(2)

... على أن أخبار المسودة الأخيرة لقانون الإعلام المتوقع لم تبلغ كل الآذان المشنفة للصحفيين والإعلاميين السوريين على ما يبدو، مع أن بعضها نشر عمليا على الانترنت منذ وقت قريب، ورغم تميز عدد من أولئك الإعلاميين بحواس إضافية جوّالة في أروقة صنع القرار المحلي. ما لم يكن الأمر متعلقا بـ"المصيبة أعظم" على رأي الشاعر فيما لوكان منهم من يدري ولا زال يحتسي شرابه من مقاعد الفرجة, التي لن تكون "ببلاش" هذه المرة.

وهذا دليل بدوره على مدى التراخي إن لم يكن الإهمال الذي يتعاطى به الوسط الإعلامي السوري المحلي مع أنباءه وأخباره وعاجل تطوراته هو نفسه. وهو سبب آخر لا يمكن للمرء أن يرفع عقيرته بالصراخ ضده في وجه الحكم والحكومة محملا إياهم جريرته وتبعاته بالكامل. فليست كل مشاكل الإعلام السوري ذات منشأ سلطوي حكومي في النهاية.

ومن الأمور التي تجعل فبركة تلك المواد والبنود في أي قانون سابق أو لاحق للإعلام -مما هو مسيئ للبيئة الإعلامية المحلية- شيئا يسير التحقيق من قبل أي جهة او لجنة أو فرد؛ هو تشرذم وتفرق أهواء أصحاب الشأن أنفسهم كل في متاهته.

فإعلاميو الرسمي قانعون بما قسط أربابهم لهم من لقمة "الحلال" و"وظيفة" الدولة، منكبين على التبشير بما يتنزل على رئيسـ/ـة التحرير، أو عليهم مباشرة من دون حجاب. ملتزمين صراط "سانا"، وحائط اقتصاد الشارع الاجتماعي.

في حين أن نظرائهم من مستنسبي الإعلام الخاص -المستقل بزعمه- لاهثون بإرادتهم أو رغم أنوفهم لتحصيل نسب الإعلان، والمكافئات الهزيلة، والاستكتابات الضئيلة من درج هذا وجيب ذاك. ودائما وراء اللقمة، وإن ضاع الطبق بكامله.

-1-
من المحبط حقا تلك الفجوة غير المبررة بين الصحفيين والإعلاميين السوريين من جهة وبين المنافحين عن حقوق حرية التعبير والإعلام منظمات وأفرادا.
فلئن وقفت المحاذير التحريرية الذاتية، والخطوط الحمر المطاطة عائقا أمام تعاطي معظم الإعلام الحكومي والخاص مع المنشورات الحقوقية حول الانتهاكات والمحاكمات والتوقيفات –باستثناء الالكتروني أحايين كثيرة- فإن مما لايخفى أن من أولئك الحقوقيين من لا يعرف -بحسن نية أم بسوءها وكل منها أنكى من أختها- من الصحفيين والكتاب وأرباب القلم والكيبورد سوى أولئك المنتمين والمحسوبين على الأطراف السياسية المعارضة، والتكتلات والشخصيات المناوئة للحكم، ممن تطلق البيانات بحقهم ليل نهار، وتغطى أدق تفاصيل توقيفاتهم واستجواباتهم ومحاكماتهم من لحظة اعتقالهم إلى نحنحة القاضي أوالجلاد لدى استحقاق تنفيذ الحكم، وتنتقل أخبار أحوالهم سراعا على أثير المنظمات المحلية والدولية، -وكل ذلك من حقهم بلا جدال- في حين يقبع بقية المعنيين بـ"حرية التعبير" إياها وهم الأكثرية -ومنهم الإعلاميون- في أسفل تلة أولويات أولئك الناشطين والحقوقيين.
ليبدو الصحفي والإعلامي السوري على سلم التصنيف ذاك كائنا "تعبيريا" من الدرجة الثانية، في المنزلة ذاتها تقريبا التي تنزله إياها الدوائر الرسمية.

ومرد ذلك كله إلى طريقة الفهم المتخلفة التي يتبناها القائمون على الحقوق من منظمي هذه المنظمات، حيث يطغى "الحق" و"الاستحقاق" السياسي المباشر في صوره الضيقة أحيانا على حقوق أخرى أرحب لا تقل خطرا وأهمية, تعاني بدورها من الانتهاك شبه الروتيني.

فلا يعتد والحال هذه بمعاناة من يرفعون أقلامهم ضد شؤون "عادية" كغلاء المعيشة مثلا، أو ممن يفضحون فجور التعدي على الأملاك العامة وتراث البلد، أم ممن ينافحن بالوثائق والأرقام ضد غيلان الفساد، خاصة –وهنا الخطورة- إن كانوا من إعلاميي القطاع الحكومي، على اعتبار أن للبيت ربا يحميه.

ولا ينبس الحقوقيون –على كثرة لغطهم- في مثل هذه القضايا ببنت شفة، حتى عندما يجرجر أولئك الصحفيون والكتاب إلى قاعات المحاكم، بعد أن يتنمر عليهم المسؤولون المتضررون من كشف عطنهم، بدء بالوزراء "المثقفين"، وانتهاء بمدراء الإدارات العامة المصروفين من الخدمة لسوء الائتمان.
بل يسمع المرء من بين حراس "حرية التعبير" أولئك من يحمل الإعلاميين أنفسهم مسؤولية إهمال ما ينال حقوقهم من إساءات, بذريعة أن تلك الإعلامية أو ذاك الكاتب لم يقيما خيمة عزاء جوالة بمصابهما الصحفي، وإلا فكيف للمنظمات العتيدة –المتابعة والمطلعة والمؤسساتية والخبيرة والمهنية والديموقراطية- أن تعرف ؟!

-2-
وإذا كان من اليسير على المرء أن يلوم غيره بمثل هذه السخاء، فما تراه يوفــّر لنفسه في السياق والموضوع ذاته؟
هل سأل أحد منا نحن المحسوبين على الإعلام والصحافة كم مرة أظهرنا ما يجب علينا أن نظهر من تعاضد مع زملاء لنا يمرون بمثل ما سلفت الإشارة إليه من ظروف ونكبات، مما نتمناه على غيرنا فيما لو كنا نحن من يمر بتلك الظروف؟
ومتى اتصل أحدنا آخر مرة بزميل له صديق كي يحصل منه على رقم هاتف زميل آخر لا يعرفه ممن يعانون أحد هذه المتاعب بقصد الاطمئنان على حاله والوقوف على ما قد يحتاجه ويصدف أن بمقدورنا تقديمه؟

متى حضر أحدنا آخر مرة محاكمة زميل له تحت "قوس العدالة" لا للحصول على تغطية إعلامية خاصة، ومجادلة مسؤول التحرير في مؤسسته الصحفية بضرورة بث الخبر أم لا –وحبذا لو كان-، وإنما لمجرد أن القانون يسمح له بحضور هذه المحاكمات، موفرا نوعا من الدعم المعنوي غير المباشر لزملاءه غي ذلك الموقف؟

كم مرة استجاب أحدنا نحن الإعلاميين والصحفيين لنداء مركز دراسات أوبحوث أو مرصد إعلامي، أو تبرع بمعلومة عن انتهاك، أو خبر يستحق الإشادة، أو فكرة لتحسين الدائرة الإعلامية المحيطة به، نهوضا بالبيئة الإعلامية السورية ككل؟
متى استطلع صحفي منا آخر مرة فرص التدريب والدورات المتاحة من حوله صقلا لأدواته المهنية، أو طالب المؤسسة التي يعمل فيها بتوفير دورات من هذا القبيل له، بدل أن يكتفي بالجلوس و"النق" وحسد زملاء له "دبروا" أنفسهم فيما يشبهها؟

متى عادت خريجة من قسم الإعلام انطلاقا من المؤسسة التي تعمل فيها لتتفقد القصور و"التخلف" الذي كانت تعاني منه أيام الدراسة في الجامعة، ومنتقدة من موقعها وسلطتها الجديدة ما هي أدرى به، بغرض إحراج المقصرين وإخراجهم؟

متى تحدى صحفي منا آخر مرة تكتلات التخلف في مجتمعه، وتلك المنابر التي تدعي لنفسها سلطات رقابية وتوجيهية لم يمنحها لها القانون, ليوقفها شيئا فشيئا عند حدودها؟

-3-
واستطرادا في الأسئلة، متى كانت آخر رسالة أو ملاحظة وجهها أحد منا لمسؤوله المفترض في اتحاد الصحفيين أو وزيره الافتراضي في وزراة الإعلام يفضح فيها تجاوزا، أو يشيد فيها بإنجاز، أو يقترح فيها ما يفيد، عامدا إلى تسجيلها في ديوان الاتحاد أو النقابة أو الوزارة؟
فذلك أن التشاؤم العصابي بات مهنة أخرى رديفة للإعلامي السوري، تغذيها التعميمات الجائرة، والاستغناء غير المنطقي أو الموضوعي عن هذه المؤسسات الإعلامية الحكومية، والتي هي ملك له، والميل التعففي الجزافي لوضع كل من فيها في سلة واحدة، ومنهم زملاء مجتهدون له.
فحال المؤسسات –إن صح إطلاق التسمية عليها أصلا- الخاصة ليس أكثر "طهارة"، وإن في جوانب أخرى.

فمعظم تلك المنشآت التي تتكلف الملايين، تراوح بين أن تكون مجرد واجهات و"فترينات" لزوم وجاهة النعمة المحدثة لأصحابها، أو مجرد استثمار اعتباطي بحسب الموضة الدارجة، أو تكليفا من مرجعيات مطلعة على "غيبنا". لكنها نادرا ما تكون مشروعا إعلاميا خالصا ذا معنى ومبنى.

والدلائل على هذه المزاعم كثيرة وافرة، آخرها ما كان ربما من لجوء قناة "الدنيا" الخاصة إلى أسلوب مميز في "المأسسة".

إذ وبعد الفتح الأمني الذي دشنته بإدخال نظام البصمة الشخصية لإثبات الحضور لدى "موظفيها" كبديل مؤقت عن البصمة الإعلامية الشاردة، عمدت الإدارة الجديدة إلى تمرير أوراق بيضاء للعاملين فيها كي يوقوعوها ليتم ملؤها لاحقا من قبل الهيئة الإدارية –النزيهة والشريفة- بما تشاء من أجور، وساعات دوام، ومتطلبات وظيفية.

ما دفع فنيي مونتاج نشرة الأخبار في القناة إلى اللجوء للإ ضراب احتجاجا على هذا التصرف الصفيق، والذي فاجأ أصحاب "المشروع الإعلامي" إعلامييهم به، وبلا ذرة من حياء، متخيلين أنه لازال بإمكانهم –من الخلفية التي جاؤوا منها- أن يستعبدوا الناس قانونيا، بحيل الحواري السوقية هذه.

-4-
مشكلة أخرى تبقي الهمّ الإعلامي محصورا بالإعلاميين أنفسهم، وشأنا فئويا معزولا ليس من اليسير على بقية فئات المجتمع تلمس خطره عليها –وبالتالي لا خلاص له-؛ هي في الناس الذين لا زالوا لا يرون أنفسهم ممثلين في هذا الإعلام كما ينبغي.
إعلام فشل لدرجة بعيدة في أن يلتقط نبضهم لتقصير أصيل فيه أو عارض، أو مكره عليه، والذي قد يكون في النهاية حصيلة كل تلك الأمراض والقيود التي يرزح تحتها، ليعود فيصدرها إلى محيطه و"جمهوره".

فمعظم السوريين أخذتهم المشاغل فانحدرت قراءتهم ومطالعاتهم لواقعهم، وتراجعت ثقتهم بالمؤسسات من حولهم الحكومي منها والخاص، فخفت حشريتهم "المدنية" بمتاعب غيرهم من المحشورين في الأشغال العامة المؤبدة، كحال الصحفيين.
بل إن معظم السوريين لازالوا يتحرجون من النظر بعينيهم الاثنتين في عين الكاميرا الواحدة وقول ما يعتقدون، أو يشعرون. بدل استظهار تلك الكليشيهات العدمية التي رسخت في أذهانهم على مدى عقود عن "دورهم" المفترض لدى الاحتكاك بالإعلام المفروض.

ولا يشعر كثير من السوريين بجدوى مجزية لـ"الاتصال" أو مقاطعة أو امتداح أو ذم كثير من أولئك "الموظفين" الإعلاميين، خاصة وراء مكنات الإعلام الحكومي. لينقلوا إليهم خبرا عاجلا مفاده أن من يجلس وراء الشاشة أوالجريدة لم يعد أميا تماما، وأنه بات من العسير اليوم أن تنطلي على كل الناس كل الوقت كثير من ترهات البروباغندا العمياء، وأن على الذين يقبضون رواتبهم من عرق وضرائب هذا "الجمهور" أن يفكروا جديا باحترام أنفسهم وغيرهم من الآن فصاعدا.

نعم يحتاج الأداء الإعلامي المحلي السوري حكوميا وخاصا لا إلى نقطة نظام واحدة فحسب وإنما إلى طقم كامل من إشارات المرور، شرط أن تكون صادرة من الجسد الإعلامي ذاته، وليس عن أي وصاية أخرى، وعلى أرضية من حرية العمل والتعبير والمعايير الدولية للصحافة والإعلام، وضمن مؤسسات قانونية ودستورية منتخبة ومعينة وفق معايير الكفاءة والنزاهة وحدها. وإلى ذلك الحين لا يستغربن أحد إن أفاق على قوننات لا يفهمها و لا تفهمه، و لايعنيها منه إلا ما بقدر ما يعانيه منها.