2010-08-08

على سبيل الإعلام المقاوم: مقاومة (التخوين), وممانعة (الإسفاف) أولا ً !

طالعت صحيفة الوطن الخاصة الصادرة في دمشق السوريين في عددها رقم /572/ صباح الأربعاء 28-01-2009 بخبر منقول عمّا قالت أنه بيان لـ"حركة القوميين العرب" يتهم فيه كتابا عربا وسوريين بمهاجمة حركة المقاومة الاسلامية (حماس), ويصف البيان فيما نشرت الصحيفة السورية على لسان وزيرة خارجية دولة الاحتلال الاسرائيلي هؤلاء الكتاب بأنهم "سفراء" لتل أبيب في العالم العربي.

كما تصدر موقع الصحيفة المذكورة على الانترنت عنوان يقول "ليفني توصي بنشر مقالات عدد من الكتاب العرب على موقع وزارة الخارجية باعتبارهم «سفراء»".
وختمت جريدة الوطن خبرها بنشر أسماء اثنين وعشرين كاتبا عربيا ينشرون في صحف ومواقع خليجية ولبنانية ومصرية وأردنية منهم خمسة كتاب سوريين على الأقل.
وقد اصطدمت محاولات الاستفسار وتقصي مصادر الصحيفة السورية في خبرها الخطير إياه بتهرب أحد مسؤولي تحريرها المتكرر عن الإجابة, في تقمص سافر لذلك اللبوس التراثي السمج لكثير من المسؤولين السوريين على الجملة, وباختلاف مواقعهم ودرجات مسؤوليتهم, والمتمثل بالأذنين الفلكلوريتين المقدودتين من الطين والعجين.
وهكذا آثرت الصحيفة الصمت العنيد تجاه مادة مثيرة للجدل ترمي دون براهين أو أدلة كتابا سوريين بتهمة تمثيل مصالح العدو الاسرائيلي في عاصمة بلادهم, والتي لاتزال عمليا في حالة حرب مع تلك (الدولة).
المحرر (المهني) -كما أصرّ مسؤول الصحيفة إياه- قام بخفة لا يحسد عليها بنشر مادة زعم أنها وصلته عبر البريد الالكتروني من جهة تسمي نفسها "حركة القوميين العرب", بعد أن أسبغ عليها –المادة- صفة (التقرير).
على أنّ محرر (الوطن) لم يكلـّف خاطره الصحفي بذل أدنى حد من المتابعة البحثية, والتمحيص الضروري في أصل الخبر وفصله, ولم يطرح على ما يبدو -وإن بينه وبين نفسه- سؤالا واحدا من الأسئلة الصحفية الخمسة او السبعة اللازمة لمصداقية ومهنية أي خبر على الاطلاق.
وإلا لكان الناشر الحصيف –والمستقل- لذلك المنفيستو تبين على سبيل المثال أن رابط الموقع الالكتروني الموجود في أصل البيان الذي بين يديه, والذي يزعم أنه يحيل إلى أحد منافذ وزارة الخارجية الاسرائيلية بهدف التعرف على المزيد من من "سفراء اسرائيل" المعتمدين صهيونيا من الكتاب العرب والسوريين؛ لا يحوي أي رابط او مادة على الاطلاق لواحد على الأقل من أولئك الكتاب السوريين الذين تقصد البيان سيء الذكر التشهير بهم, والتحريض عليهم.
لتتساوى بذلك الجريدة اليومية المطبوعة ذات الميزانية المرقومة, مع مواقع (الشات), ونوادي الترفيه المبتذل على الانترنت, والتي يتغذى معظمها على الاشاعات والنميمة, وما يعرف بالدارجة الشاميـّة بـ(العلاك المصدي), والتي لا ترقى بالطبع لشعار فضفاض من قبيل "أول وسيلة إعلامية مستقلة منذ 40 عاما", مع كل تلك الخطوط وإشارت التعجب والاستفهام التي يمكن تذييل تلك (الاستقلالية) بها من حين لآخر.
أين هي المهنية المزعومة التي ينافح مسؤولوا الجريدة عنها؛ عندما يكون الموقع الوحيد الذي يحمل اسم مصدر خبرهم "حركة القوميين العرب" خاليا من أي من الادعاءات التي روّج لها بيانهم, علما أن الموقع المذكور يتصدره بيان آخر لايمت من قريب او بعيد لبيان الجريدة, ينادي بالحرية من سجون الاحتلال الاسرائيلي لأحمد سعدات (أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -جناح جورج حبش- في الأرض المحتلة)؟
ثم منذ متى واجتهادات العدو الاسرائيلي (الهمجي, البربري, المجرم, الغادر, الكاذب, ...كذا) تشكل مرجعا –لا أقول لا ينشر- وإنما لا يترك منه, ولا يناقش, ولايرد, ولا يعلـّق عليه, في إعلامنا السوري رسميا وخاصا على الجملة؟
ومنذ متى تحيل المطبوعات المحلية السورية أيا كان ولاؤها السياسي لمواقع اسرائيلية للاستزادة في (الخبر) و(المعرفة)؟
هذا إذا تجاوز المرء حقيقة صعوبة الوصول لغالبية المواقع الالكترونية الرسمية للعدو ضمنا, نتيجة الجهود الحثيثة والموصولة لمؤسسة الاتصالات السورية الرسمية في الحجب والتشويش على العشرات من المواقع الالكترونية على الشبكة الدولية, في حين يفاجئ المتصفح السوري هذه المرة بأن الموقع مثار الجدل -والاسرائيلي كما هو مفترض- متاح بصفحاته العربية, والانكليزية, والفارسية, وبالطبع العبرية!
هل من عادة الصحيفة المذكورة حقا –على ما زعم مسؤول فيها - نشر ما يردها من بيانات بمثل هذه الخفـّة والارتجال بعفـّة تحريرية ملحوظة, وعلى صدر صفحتها الأولى, ما لم يكن قد وافقت المادة –أي مادة- هوى في نفس القيم على تلك المطبوعة؟
خاصة وأننا لا نتحدث هنا عن صحف التابلويد والفضائح الصفراء. (أليس كذلك؟)
ألم يكن بمقدور المحرر الهمام, الفخور بسبقه الإعلامي رفع سماعة الهاتف للاتصال بأحد أولئك الكتاب السوريين للحصول -ولو من باب رفع العتب- على تعليق ما,أو ردة فعل, أو تصديق, أو تكذيب, والمتابعة بعد ذلك في نشر المادة كما يريد ذلك المحرر ويشتهي؟
لماذا هذا السقوط غير المبرر في المزالق العريقة للبروباغندا غير المسؤولة, والتي تستند إلى مساواة مقلقة بين المادة الاعلامية والاعلانية, والتي يرمح بعض ناشرينا في غياهبها دون وازع؟
بل يبلغ الأمر حدا مثيرا للسخرية, عندما يتلطـّى ذلك المسؤول الإعلامي في صحيفة الوطن وراء سكرتيرته, التي لم يكن لها خلاص في النهاية سوى ترديد جملة ببغائية مفادها أنّ "الأستاذ خرج, وترك - نسي موبايله في المكتب"!
على أن فقدان الذاكرة ليس مرضا نادراعلى أية حال في أوساطنا الاعلامية والصحفية, وإلا كيف يفسر المرء إلحاح الاعلامي ذاته وغيره, هو ووسيلته فيما تبقى لهم من وقت قرائهم على مواصلة ذم سياسة حجب المعلومات –عند الآخرين طبعا- وتدبيج المقالات المنافحة عن حرية الإعلام, واستحضار الكربلائيات لطما على الشفافيـّة الإعلامية, وتعريضا بالتطنيش المثير للغثيان من بعض أصحاب القرار تجاه الصحافة المحلية, ونعيا للحق المسفوح في الحصول على المعلومة والخبر من مصادره؟
بل لعل الأنكى هو تلكؤ محرر الجريدة المذكورة في نشر رد لأحد الكتاب المشهر بهم, واشتراطه المسبق بأن تتم قراءة الرد من قبل محرر الصحيفة لمعرفة مدى صلاحيته للنشر أولا؟
الأمر الذي يظهر مدى الاسفاف في لي عنق المهنية التي يتم التشدق بها, والتعلق بأستارها الطوباوية, ويكشف عن تناقض فاضح في ادعاء مسؤول التحرير إياه عن انه ينشر عادة ما يرده من تقارير دون جلبة تذكر.
ومن نافلة الحديث القول أن هذا الزعم يحمل في ذاته من التهافت الفاقع ما يجعل في مجرد التفكير في تفنيده والرد عليه مضيعة للوقت, وامتهانا لمدارك أقلّ السوريين إلماما بواقع الاعلام المحلي ووقائعه, مع افتراض حسن النوايا, وسذاجة الادعاء.
فحتى جرائد الحائط في مدارسنا لديها (سياسة تحريرية), ولا تقبل على نفسها نشر كل (إبداعات) طلابها فما بالك بمؤسسة إعلامية ناجزة.
هل تخفى على ذي نظر ومتابعة تلك الوسواسيـّة الراسخة التي يتسم بها -كخلـّة أساس- مسؤولوا التحرير الكبار في أوساطنا الصحفية والاعلامية المحلية ؟
لدرجة باتت معها هذه الصفة بالذات تشكل لدى عدد منهم الميزة الوحيدة تقريبا التي يتم بناء عليها اصطفاؤهم لمناصبهم الجليلة!
ويملك كثيرون منا في الوسط الاعلامي السوري مرويـّات لاتنقضي, ومطولات موثقة في الحوادث والقصص التي تدور حول المدى الميتافيزيقي الذي يمكن لـ(مراجعة) المادة الاعلامية من قبل مسؤول التحرير أن يبلغه لدينا قبل النشر, إن تم.
إذ يـُجهد –والكلام هنا وصفي محض- أولئك القوم أنفسهم في بحث مضن عن كل ما يمكن أن يكون تضمينا, أو إشارة, أو تلميحا, أو حرتقة -متعمدة او عفوية- من قبل كاتبـ/ ـة المادة, وسوى ذلك مما هو مرشح لأن يكون له نصيب ليتطور تأويليا إلى (وجع رأس) رقابي لاحق, يرتب بدوره على المؤسسة نتائج لاتحمد عقباها عادة, مما يعتبر أصحاب الشأن الاعلامي في تلك الوسيلة انفسهم هم ومحرروهم وممولوهم في غنى عنه.
أين هي المسؤولية –وليس الرقابة أبدا- في تعريض أرواح وممتلكات مواطنين لاينقصون سوريـّة عن غيرهم لخطر الاعتداء, أو المساءلة الأمنية دون دليل أو برهان ؟
ماذا لو أن بعض الغوغاء تبرعوا لمعاقبة "أصدقاء وداعمي إسرائيل" المزعومين هؤلاء مدفوعين بما يخالون انـّه حسهم الوطني المستثار ؟
ماذا لو عن ّ على بال أحدهم مثلا الاستشهاد (في) أحد هؤلاء الكتاب الذين يعيش عدد منهم بيننا ويمشون في شوارعنا, ويركبون وسائل نقلنا, والذين لا يحول بين المادة المنشورة في تلك الصحيفة وبين أن تصفهم بالخونة والعملاء سوى ذكر كلمة (الخيانة) حرفيا؟
وهل يبدو هذا الاحتمال ضربا من المبالغة أو الغلو حقا في ظل الأجواء المشحونة التي يعيشها الشارع السوري إثر كل تلك المذابح والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين العزّل, والذين لاتزال كثير من جثث شهدائهم مدفونة تحت أنقاض البيوت والمدارس؟
هل هذا هو ما تحتاجه (مقاومتنا) حقا من الإعلام ؟
هل هذه هي الطريقة الرسولية التي نحاول من خلالها تنمية الوعي الوطني لمواجهة المحتل على ما تزعم منابرنا الاعلامية وتدعي؟
ليس مثار خلاف جدي الادعاء أنه لازال أمام الإعلام السوري, وملكاته التحاورية مع هذا الآخر, دربا مضنية ليقطعها قبل ان يستحق وظيفته ودوره.
وإذا وفرنا على أنفسنا الاستماع من هؤلاء القوم الموكلين بمنابرنا الإعلامية لسفسطة الاجابة على سؤال حرية التعبير, والرأي الآخر, ومقارعة الحجة بالحجة,...
فهل يمكن لنا أن نسأل على الأقل عن أية دروس بين ظهرانينا وحولنا يمكن لأحد على الاطلاق أن يستشف منها ضرورة الكف –ولو مؤقتا- عن توزيع صكوك الغفران, وشهادات حسن السلوك الوطني, بهذه المجانية المخزية؟
على جريدة الوطن التي لايملك أحد الحق في أن يملي عليها توجهها وسياستها –ونرجو ان يكون الحال كذلك- ألا تتباطأ أبدا في فتح صفحتها الأولى إياها للردود والتوضيحات التي تردها من الكتاب السوريين وغيرهم ممن أحسوا في مادتها المنشورة تلك إجحافا بحقهم, ومساسا بكرامتهم, أو تأليبا عليهم.
ويجب على مسؤولي تلك الصحيفة ألا يتذرعوا بحجج واهية للتفلـّت من مسؤوليتهم حيال أي أذى جسدي أو معنوي يمكن له ان يلحق بهؤلاء الكتاب, شركائهم في القلم, سواء اتفقوا وإيـّاهم في الرأي, أم اختلفوا عليه.
وللصحيفة -من باب الاختيار الحر دوما- أن تتحرى في المستقبل مهنيـّة أعلى لأداءها, تليق بإعلامنا الخاص الموعود, وتحترم قارئها السوري, الذي يقضي بالمناسبة معظم وقته داخل هذا البلد!
وأن يكفّ إعلامنا المحلي عن معاملة السوريين كلاجئين إعلاميين, او سياحا أجانب, لا يفقهون, ولا يبالون.
وان يتوقف هذا الإعلام عن ركل جمهوره خارج مجال بثه الافتراضي, ودفعه مرغما إلى مصادر أخرى, وصل بنا مطاف الأمور أن تكون إسرائيلية.

في حديث الجنس السوري, ... وللرقيب (شبقه)

لا تخفي سلوى النعيمي دهشتها حيال (فرمان) سحب كتابها برهان العسل من على الرفوف الثقافية الرسمية, والمرسومة في بلدها الأم.
ولم يكن إنكارها -وهي الدارسة (الأكاديمية) لهذه اللغة- لوجود كلمات سافرة في العربية على حساب الـكلمات الـ محجبة , أو احتجاجها على مجتمع التقية الذي نعيش فيه سرا ما عاشه أجدادنا في العلن ؛ ليزيد او ينقص على ما يبدو في ميزان (احتشام) عاصمة الثقافة العربية 2008 .... المنتهية ولايتها.

بل إن محاولة الشاعرة السورية المقيمة في باريس (إنقاذ) مفردات الجنس, وأسماء الأعضاء الجنسية, و(أفعالها), من درك توظيفها (الشتائمي) على مستوى التعاطي اليومي معها، لا تلبث ان تصطدم بالعادات السرية الفكرية لـ(الراشدين فقط), والذين يغتسلون صبح مساء من (مجانبة) ما يزعمون بهتانا أنه ليس من (ثقافتنا) (أصلا).
إذ أن الجنس وعلى الرغم من اتساع ثقوب غربال الرقابة في بعض الأحيان كما تقول النعيمي, إلا أن المتابع لا يزال يجده هناك بوتيرة متزايدة معلقا على الخشبة, دريئة منخولة بالشك والمقصات.

بل لا يبالغ من يزعم أن ثمة ردة (مقدسة) لتمكين هذا التابو, وشد دعائمه أكثر فأكثر بين ظهرانينا, وفي برهان العسل نفسه برهان.
فالكتاب (السوري) الذي سلم جانبه في معرض بيروت للكتاب, وغـُضت الأبصار عنه في معرض أبوظبي, كان لابد أن يغص به معرض دمشق للكتاب.

ربما لأن الوصايات تلح من (منابرها) أن السوريين لم يبلغوا سن الرشد بعد, وربما لأن المافيات (الدينـ-ــوية) ومن بحكمها شنت في حينه –على هذا الكتاب وغيره- داخل أجنحة المعرض وكواليسه بضع (غزوات) مبيتة, تكللت في نهاية المطاف –ليس آخره- بالسرقة الموصوفة, وحجب الأفكار.
ولا رادا على (القضاء) يقضي, ولا عاصمة للثقافة تعصم.

بل إن هؤلاء (الحجَاب) ليجدون على غير موعد سندا لهم في بعضنا الملجم الساكت, أو المقارب المضطر او المدعي, او بأحسن الأحوال فاقد الرؤية, وإن امتلك الأداة.
فتناولنا الصحافي والإعلامي على سبيل المثال للجنس وثقافته يشي بالكثير من الخفة, إذ لا يزال هذا الموضوع بالذات يراوح في التداول (الصحافاتي) بين (العنـّة) و(سرعة القذف).

فهو إما مسربل بالتوريات, والمجاز القاصر, او مثقل بالأكاديمية التربوية, والوعظي المفتعل, وفي كلا الحالين تـُغتال المتعة, وتـُسفـّه الأحلام, ليتمخض الجمل عن مقاربة مبتسرة يابسة, لا نشوة فيها ولا رهز.

وإلا كيف ترانا نقيـّم مركونات كل تلك الملفات الجنسية التي يتعاورها إعلامنا المحلي بين الحين والآخر, والتي لا (تفتح) في فتوحاتها المبينة لا وعيا, ولا جسدا.
أو بماذا عسانا نفسر (الحفاوة) التي استقبلت فيها صحيفة سورية (مستقلة) –جدا- زميلتها البيروتية التي صدرت مؤخرا تحت مسمى "جسد", عندما لا يستطيع المحرر-المحتل الثقافي في صفحته أن (يقاوم) نشر الخبر إياه؛ من دون (بعبصة) رصينة, تستدعي التربوي الوصائي, ليأتي سياق مادته على شاكلة:

"... وحتى لا تتسرعوا بالحكم على الناشرة اللبنانية «المجتهدة»، فهي لا تقدم بورنو رخيصاً باسم الفن, أو جنساً مبتذلاً باسم الثقافة, حاشا للخالق!" نعم, لـ(الخالق).
أو نمط :

"..حسناً, في الغرب هناك اسم مخصص لهذا النوع من «الثقافة» له رواده وأعماره، لكنهم على الأقل لا يتشدقون بالثقافة والفن كلما قاموا بمشروع «هادف» كهذا." نعم, (هادف).

ويـُسقط عزيز قومنا من (شهوته) التطهرية الجارفة أن ثمة في ناسه و(عشيرته) "ن يعيش ويموت من دون أن يعرف طريق جسده, وأجساد الآخرين"*, وإن وفق الأمثولات (الشرعية) وأحابيلها حتى.

ومن قبل هذه وتلك؛ ما اجترحته وزارة الثقافة السورية في مهرجان دمشق السينمائي منذ عام تقريبا, عندما قرر السيد الوزير (ختان) فيلم الافتتاح الروماني (أربعة أشهر, وثلاثة أسابيع, ويومان) لمخرجه (كريستيان مانجيو), وذلك عبر (فرفطة) عدد من مشاهده في سلة قمامته, واقتطاعها لحساب إقطاعيته (الأخلاقية), باعتبارها بورنو, و"إباحية", ودوما في سبيل الحفاظ على (عفة) مهرجاننا و(رزانته).

ورغم أن الكاتبة سلوى النعيمي بثت في أعطاف مؤلفها الأخير "برهان العسل" ما مؤداه أنه من غير المحتمل أن تكون الرقابة "على هذه الدرجة من الغباء"* , فإن كثراً يميلون للاعتقاد أن الكاتبة لم تكن جادة تماما في هذا الجزء بالذات!

لا تجد النعيمي مندوحة من الاستسلام لطلبتها الوحيدة, في ومض حسي لاهث وراء أناه, وإن كان هناك ثمة من يوقد الشمع ويوصد النوافذ لاستحضار الأرواح, فإن بخور الكاتبة و(عسلها) كله منذور لاستحضار الأجساد, بل -وبمزيد من الإمعان- جسدها وشبقها هي بالذات.

على أن القصة تبدأ دائما حين ينتهي الكلام.
بعد ان تفلتنا آخر صفحة من الكتاب وجها لوجه أمام التابو إياها, (منشورا) في عسل وحنظل كل منا بشخصه, محرما يكرر بكارته, وينسج عشه الدبق في رؤوسنا وفروجنا من جديد.

* الاقتباسات المشار إليها مأخوذة من كتاب برهان العسل الصادر مؤخرا في طبعته الثالثة عن دار رياض نجيب الريس-بيروت

عن التجارة ب(غرف التجارة, أو ... بخصوص (خلصنا بقى ), والشهبندر العنيد

كان موقفا لافتا للانتباه حقا ذلك الذي ارتأى اتخاذه راتب الشلاح بعدم (الترشح) مجددا لرئاسة غرفة تجارة دمشق, ومن ورائها وتلقائيا رئاسة اتحاد غرف التجارة السورية لدورة إضافية مع نهاية هذا العام.
وذلك بعد عمر مديد قضاه الأخير في كلتيهما, لدرجة أن كثيرا من العارفين بظواهر الأمور وبواطنها استقروا منذ أمد على التفكير بأنها (ما عادت حرزانة).
والقصد هنا بالأمر غير (الحرزان) ليس الترشح, وإنما عدم الترشح, على اعتبار أن صاحبنا اعتاد الأمر و(أخدت إيدو), وأن الذين من حوله (تأقلموا) و(تركلجوا), بل وتعودوا بدورهم أن يأخذهم هو بالذات (بإيدو), الأخرى طبعا.

لكن الشيء الأكثر لفتا للانتباه في هذا (التطور) اللافت هو تلك الأصوات (التجارية), والإعلامية التي انبرت في التو واللحظة لمناشدة الرجل العودة عن قراره, والعدول عن رأيه, مطلقة في عدد من الافتتاحيات الاقتصادية, والصفحات المحلية, مندبة جوالة, وكربلائية ممطوطة, أقل ما يقال في مراثيها أنها رثـّة.
ومدار كل ذلك التباكي على أطلال الرجل, مديحٌ يتعلق بـ"استثنائية" فيه, وبخلو الساحة من "المنافسين والأنداد" له, وأن مكانه "لا يمكن أن يملأه أي من المرشحين", ناهيك عما ناله من "إجماعٍ قل نظيره"! (من قلة "الاجماعات" حولنا)!

بل إن أحد كتاب تلك المقالات لم يجد في معرض مدح مآثر الشلاح ما يقوله خيرا من وصف المذكور بأنه "تكلم كثيراً عن الاقتصاد, وعن التجارة, وعن التنمية، لكن الجميع كان يشعر أن الأهم هو ما لم ينطق به"!!
من دون أن يعطينا موعدا لليوم, أو الأسبوع, أو القرن الذي ينوي به السيد الفاضل إطلاعنا على "الأهم" الذي لم يقله, كيلا ينتهي المقام بالرجل ليكون أحد الساكتين عن الحق؟ (معاذ الله بالنيابة عن كاتب ذلك المقال).

بل إن الشطط بلغ من الكاريكاتيرية درجة أن رئيس اللجنة المشرفة على انتخابات غرفة تجارة دمشق هذا العام, لم يخجل على رؤوس الأشهاد من التصريح بـ"أسفه" لانسحاب الشلاح!
وهو من هو, على رأس هيئة من المفترض بها أنها تقف على مسافة واحدة من كافة المرشحين, وليس مطلوبا منها ضمن واجباتها أن (تحرد) أو تسعد لاشتراك أو انسحاب أحد.
(الانتخابات دوما بين قوسين, باعتبار أن من شارك من التجار في الاقتراع الأخير في الغرفة لم تتجاوز نسبتهم 39.4% علما أن النصاب القانوني هو 50%)!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما بال هؤلاء القوم في التجارة والإعلام وغيره, والذين ما فتئوا يتحفوننا في مطارح أخرى بشتى أنواع التذمر والشكوى من أولئك الذين تلتصق كراسيهم بأقفيتهم جينيا, ليأتوا هنا وينهجوا سيرة غير تلك التي (ربـّونا) عليها, وليطالبوا بالفم الملآن الزاهدين والزاهدات في مناصبهم أن يعودوا رملا إلى تلك الكراسي بالذات؟

أم أن البلد التي لا يفوّت أحد مناسبة وطنية أو (عميلة) إلا ويطنب في التغزل بأرضها, وهوائها, ومائها, ومطبـّات شوارعها؛ قد خلت على حين غرة إلا من بضعة أنفار, تتوافر فيهم تلك الشروط (الشرعية) لأهل الحل والعقد؟

إلى متى هذه (التنبلة) في محاولة استكشاف مقدرات مجتمعنا الغني والفتي؟

إلى متى هذا التراخي في التوعية الإعلامية بالإمكانات المركونة بين ظهرانينا, والتي يزخر بها محيطنا المحلي؟

لماذا نستسهل إلى هذا الحد الارتماء في الأحضان المترهلة لمن لا يملك لحاضره ما ينفع, فكيف به للمستقبل؟

لماذا هذه المساهمة المجانية في تكريس ممارسات استمرت عقودا, وأفرغت حق المشاركة في صنع الحياة من مضمونه, وغطت على المواهب, ووأدت القدرات, فارضة ما اصطلح عليه لا حقا بـ(واقع الحال)؟

ومن يدري, ربما تصبح هذه الانسحابات الطوعية خلـّة في بقية مسؤولينا المعمرين, فيتاح للبشرة الشابة في هذا المجتمع أن ترى النور, وتشم الهواء, وتصل إلى مواقع القرار.
وإن تبين لاحقا أن إدارة الشباب (كخـّة) أيضا, وثابرت هذه الأخيرة على المسير في ذات الدرب (المجعلك)؛ فعند ذلك بإمكان الشباب على الأقل أن يقنعوا بأن مصائبهم هي من صناعة, وتجارة, وسياحة, وسياسة أيديهم.

وعليهم ساعتئذ أن يتحملوا, ويكفوا عن (النق) الحرام, وتحميلكم -يا من كنتم ولازلتم- تبعات هذا الخراب, الذي تغذيه محسوبيات على منوال هذا (ابن الحجي), وذاك (جوز الست), وحضرتو (ابن أخو الاستاز), والعينتين (صهر المعلم), والأخ (من العيلة), وهلم جرا.
(فارطين) إلى غير رجعة سبحة الـ(لو) والـ(ليت), التي يشعر كثيرون بسببها بغبن من يتحمل أوزار طبقة أكلت حصتها, وحصة من بعدها, وأكلته معها.

وعلى رأي أحدهم من خلف مكتبه في مقهى (الروضة):
"يا عمي استقال..
يا خيي انسحب..
يا دادا ترك..
فيا ليتكم أيضا ترحمونا من مناشداتكم (الوطنية) وتتركوه أنتم أيضا.
هو..
سلميا..
إراديا..
تجاريا..
حلّ عنـّا وعنكم, ... فبشرفكم حلـّوا عنـه وعنـّا." (انتهى الاقتباس-الردح).

وإن كان لابد من مديح؛ فليكن خفيفا على الآذان والمنطق, إذ ليس من الحصافة في شيء الانجرار إلى منح ممدوحينا ما لا نملك حق هبته أو حجبه أصلا, أو أن نعلق رقابنا في (زنانيرهم), ونتمرغ على أعتابهم, كي (يتأبدوا) على مناصبهم, بغض النظر إن كان أولئك الناس مستحقين لما هم فيه أم لا.
أقله ليس قبل أن يقيض التاريخ, والصحافة الاستقصائية ربما, أولاد حلال -غير المعتمدين حاليا- كي ينقبوا في هذا التراث المديد, والجاه التليد, علهم يظـّهرون لنا الجانب (النيجاتيف) القابع هناك في العتمة, من هذا الفيلم الطويل, وذلك في سبيل أن تعتدل الكفة, ويستقيم السياق.

ألا يكفي الشلاح برأيكم 16 عاما في رئاسة غرفة تجارة دمشق, علما أنها –الضمير هنا قد يعود على الرئاسة أو الغرفة- ظلت في بيت الشلاح وآله ما يقارب العقود الأربعة, بعد أن كانت لأبيه منذ العام 1972؟!

فلتأخذ إذا جوقة المسبحين بحمد ما مضى وانقضى استراحة تقنية, تستدرك فيها مثلا أن الدكتور الذي قارب السادسة والسبعين, ليس بحاجة لما (تناضل) هي كي تتبرع به إليه.

فالرجل لن ينضم بهذه السهولة إلى الـ11 أوالـ16 أو الـ20% من العاطلين السوريين عن العمل, ولن يضطر في المدى المنظور إلى توسيط أحد كي يحجز له دورا متقدما في مكاتب التشغيل في العاصمة.

فهو بالغ الانهماك بمناصبه الأخرى الراهنة دون أدنى شك, باعتباره رئيس مجلس بورصة دمشق, ورئيس لجنة الإدارة في مركز الأعمال السوري-الأوربي, ونائب رئيس الاتحاد الإسلامي لغرف (الصناعة-التجارة, باكستان), ورئيس مجلس رجال أعمال سوريا-لبنان, وأمين سر الغرفة التجارة الدولية, وعضو في مجلس الأمناء العربي-الأوربي في جامعة دمشق, ونائب رئيس اللجنة الوطنية السورية منذ عام 1986.

ناهيك عن أشغاله الخاصة باعتباره رئيس مجلس ومدير تنفيذي في شركة الشلاح للتجارة منذ عام 1962 في سوريا, والمالك لمؤسسة راتب الشلاح في بيروت, وعضو مجلس إدارة في شركة رخا ووكالة نيسان للسيارات في سوريا, وعضو مجلس إدارة في بنك سوريا والمهجر, وشريك في شركتين للتجارة في القاهرة, والخرطوم, ومستثمر في شركة البحرين للزراعة العربية, وهو فيما علمنا, وقد يكون فيما لم نعلم.

بماذا ترانا نفسر هذا الحنين الأرعن للرجوع القهقرى إلى أبيض وأسود ذلك الزمن (الجميل), عندما كان شهبندر التجار خصما وحكما (شرعيا), والتقديرات والمقايسات (ع البركة), والعقود والمواثيق (برمة شوارب), والمخاصمات والمنازعات (تبويس لحى)؟

ما مبرر ليّ الأعناق المزمن هذا, والالتفات إلى ماض لا يريد له أحد (مستقبلي) أن يرجع؟

لا لأن رجال (وسيدات) أعمال اليوم يذرعون الأسواق بوجوه حليقة منتوفة, وليس لأن الشركات (المحترمة) اليوم تتسابق للحصول على براءات وشهادات منضدة ومكتوبة تثبت التزامها بمواصفات ومقاييس وضعية بالغة الدقة, ولا لأن مجالس النقابات والاتحادات أحلت الإدارة الجماعية محل الوحدانية الفردية (في محاضر المؤتمرات على الأقل)؛ بل لأن ذلك الزمن (الجميل) قد جايله زمن آخر قبيح وقميء, فيه بدع الغش والتدليس (الأكابري), وفنون تنجير الخوازيق, واجتهادات قطّـاع الطرق, وفروض (خوّات) القبضايات والعناتر –بالمناسبة شواربهم أطول من شوارب أتخن تاجر تاريخيا- وسوى ذلك الكثير.

وإن كانت أدوات ذلك الزمن الجميل بالكاد فاعلة حينها في التعاطي مع هذه الموبقات كلها, فإنها اليوم أعجز من أن تفعل ذلك, وعليه فعلى معتنقي هذا المذهب البائد أن يذهبوا بذهابه.

وليجربوا –على سبيل التنويع- سـَلسـَلة (من المسلسلات) مذكراتهم في أحد (أبواب الحارة) القادمة, أو ليركنوا إلى صنف آخر من الخلود, وهو الخلود للراحة.
وليكتفوا بعدما نالوا نصيبهم –ومن نصيب غيرهم- بغرف نوم وثيرة, بدل غرف التجارة والصناعة والسياحة, ناهيك عن غرف الثقافة والسياسة في هذا البلد.
ومن كان منهم ذا رأي أو حكمة, فليجـُد بها في الإعلام, والمجالس والهيئات الاستشارية, والدراسات, ومراكز الأبحاث, وليرفعوا وصايتهم عن عهد لم يعودوا قادرين على التأقلم مع مستجداته, أو الإلمام بمفرداته ومتغيراته.

وما دام ديدن هؤلاء القوم قول "نعم بصوتٍ عالٍ"، و"عدم قول لا حين يجب أن تقال", ناهيك عن "تغيير المنكر" بقلوبهم, حيث يتربع "أضعف الإيمان" -وفق اعترافات بعض المقالات-البكائيات إياها- فقد بات من الضرورة (البيولوجية) اليوم, استبدالهم بغيرهم من الجيل الشاب, ممن قد يمتلكون حناجر أقوى, قد تتمكن من رفع الصوت يوما, وقلوبا لم تثخنها الجلطات المتكررة, تكون أقدر على مداراة (أضعف الإيمان) التاريخي هذا والمستفحل, إن لم تلفظه نهائيا من دورتها الدموية.

ولا يخافن أحد علينا أن نضل السبيل بدون تلك الزعامات, لأن السوريين "قادرون على تدبير أحوالهم",وفق كلام الشلاح نفسه في المنتدى السوري-الإماراتي قبل سنتين وبحضور أحد شهود العدل الألمان.

وإن كان ثمة من لايزال يجادل بأننا لا نعرف (قدر) الرجل كما تعرفونه, ولم نمالحه كما مالحتموه على ما يبدو –رغم تقادم العهد على أمثال هذه الحجج-؛ إلا أن ما يشفع لنا في واقع الحال هي معرفتنا ومعايشتنا اليومية لـ(قدر) المصائب والكوارث الاقتصادية وأخواتها مما نرزح تحت وطئته اليوم.
وإن كان مدار الحديث بجملته عن التجارة, فإن أول جملة نسمعها –كما تعرفون- من تجار اليوم أنفسهم, موالاة ومعارضة, هي (السوق واقف), و...
(من ثمارهم –كلهم- تعرفونهم).