2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في راهن الحياة الحزبية السورية


أساطير العمل السياسي مع الشباب

-آراء قيادات حزبية في موضوع العمل الحزبي الشاب - تيار قاسيون

علاء الدين عرفات
سكرتير اللجنة المنطقية
اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين (تيار قاسيون)



جميع القوى ترى مستقبلها في كسب الشباب, وتتحدث عن خصوصية العمل بينهم, لدرجة أنّ الفكرة نفسها باتت مبتذلة, ما لم يـُنهى العمل بالاستراتيجيات القديمة.

من قال أنّ الشباب غير مهتمين بالصراع مع الولايات المتحدة؟ أو أنّهم لا يكترثون بمفاعيل الخطة الخمسيـّة العاشرة؟ ... هذه كلها ادعاءات غير صحيحة.

ليس واردا أن نقول لشبابنا: (لدينا معركة مع أميركا وإسرائيل)؛ ثم نقول لهم: (ليس لدينا وقت للوضع الداخلي)!

العمل الميداني هو حاجة ورغبة لدى جميع القوى السياسية في سوريا, بيد أنـّه لدينا في البلد وضع قانوني وسياسي معروف بأنـّه يحد من هذه المسائل.


من دون مقدمة....

• ....................؟

"القضية الرئيسية فيما أعتقد تكمن في إنهاء الاستراتيجيات القديمة, فالإشكالية الأساسية لدى القوى السياسية في سوريا هي أنّ الجميع يرى مستقبله في كسب الشباب, وخصوصية في العمل لدى الشباب, لدرجة ابتذال الفكرة ذاتها.

بمعنى أنّ هذه القوى تنظر إلى الشريحة الشابة بوصفها شيئا منقطعا عن المجتمع, وبالتالي يجري التوجه إليهم بشكل مسطح, فبعضهم يرى أنّ مسألة الشباب هي العمل والدراسة فحسب, ورغم أهمية هذين العاملين؛ فهما ليس كل شيء, هذا من دون أن ننسى الطريقة التي يربطون بها مسألة صغر السن بصغر المدارك!"

فأول شيء يجب على القوى السياسية فعله -كما فعلنا نحن في تيار قاسيون- هو إزالة هذه الفكرة المنمطّة عن الشباب من ذهنيتها, وإعادة الاعتبار لهذه الشريحة كفئة لها اهتمامها بكل قضايا المجتمع التي تنعكس عليها في النهاية.

من قال أنّ الشباب غير مهتمين بالصراع مع الولايات المتحدة؟
من قال أنّ الشباب لا يكترثون بمفاعيل الخطة الخمسيـّة العاشرة؟
هذه كلها ادعاءات غير صحيحة."

• ....................؟

"أهم بند عند وضع إستراتيجية بخصوص الشباب هو إزاحة كل تلك المفاهيم القديمة والتعيسة التي ضربت لك أمثلة عنها, لأنها نتاج مرحلة من الركود في فكر القوى السياسية, وعند التوجه إلى الناس؛ ينبغي التوجه لهم كأصحاب شأن.

لاشك أنّ لدى الشباب بشكل طبيعي نقصا في المعارف, لكن هذا لا يعني أن ننعتهم بتسطـّح

الذهن, فالشباب اليوم على سوية من امتلاك الأدوات استطيع أن أؤكد أنها غير موجودة عند كثير ممن يعتقدون أنفسهم في قمة الهرم المعرفي, والشباب إنما فقط تنقصهم معارف من هو حديث عهد بالشيء لا فاقده بالمطلق.

على الإستراتيجية المنشودة أن تتضمن رؤية القوى السياسية بالتعامل مع الشباب, وتحديد ما هيـّة الخطاب الذي يتم من خلاله التواصل مع الشباب, وكيفية التطبيق والممارسة لما سبق.

والسؤال هنا يمكن توسيعه ليصبح:

هل لدى هذه القوى السياسية أساسا مثل هذه الإستراتيجية للتوجه إلى المجتمع ككل, ناهيك عن الشباب كشريحة؟

في العمل السياسي قد يكون وضع البرامج هو الجانب الأسهل, بينما وضع الخطط هو الأمر الصعب في الحقيقة, ونحن بالتأكيد لدينا برنامج وخطط للعمل وهي تتطور مع تبدل المعطى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي, ويتم التدقيق فيها باستمرار"

• ....................؟

"يشكل الشباب نسبة هامة من بنية (تيار قاسيون) وبما يتجاوز النصف, وهو أمر واضح للعيان, وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون لهذه المجموعة الشبابيـّة تأثير متنام

على اللجان التمثيلية والهيئات القيادية, آخذين بعين الاعتبار موضوع الإمكانات الذاتية.

وإذا أخذنا مثلا قاسيون (الجريدة)؛ فستجد أنها تحتضن عددا غير قليل من الكتاب والمحررين الشباب الذين لازال بعضهم في أوائل العشرينيات من أعمارهم.

بيد أني أنبـّه هنا إلى أن موضوع أنّ الرغبات شيء, و قضية الإمكانيات شيء آخر, على الرغم من أنه لا شيء مستحيل بهذا المعنى."

• ....................؟

"في هيئاتنا القيادية (شيوخنا) و(شبابنا) متفقون, وقد تكون هذه حالة نادرة بالفعل.

بيد أنّ هذا لا يعني بحال أنّ الشباب يتمّ إقناعهم دائما من قبل الشيوخ, الأمر ليس كذلك, إذ هناك رؤية موحدة للأمور, والشباب يعطون ديناميكية وحماسا أكبر لتنفيذ القرار"

• ....................؟

"العمل الميداني هو حاجة ورغبة لدى جميع القوى السياسية, و ليس باعتقادي ثمة قوة لا تريد العمل ميدانيا, بيد أنـّه لدينا في البلد وضع قانوني ووضع سياسي معروف بأنـّه يحد من هذه المسائل, ولكنّ تنظيمنا بالتأكيد يستفيد من هذه النشاطات الميدانية عندما تحصل, حيث للشباب الباع الأطول في المساهمة فيها, لا بل في صنعها.

ومع أنني ذكرت أن للوضع القانوني الحالي تأثير كبير على النشاط السياسي, لكني لم أعن بذلك أنـّه من المسموح أو المنطقي لأي قوة سياسية أن تتذرع بالقوانين من حيث وجودها أو عدم وجودها لتبرير غياب نشاطها السياسي.

السياسة هي حاجة للمجتمع و تعبير عن رغباته, وبالتالي على القوى و الفعاليات السياسية أن تنشط مهما كانت الظروف, ويجب على تلك القوى أن تجد المخارج لهذه الفعالية, هذا إن كنّا نتحدث فعلا عن قوى سياسية جدية تملك رؤى للمسائل الوطنية على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي, ولا يفهم من كلامي أنني أدعو إلى عدم إزالة هذه القوانين المعيقة وتطوير الوضع الديمقراطي في البلد, بل على العكس"

• ....................؟

"إذا كنا بحاجة فعلا –ونحن كذلك- إلى خيارات صمود وخيارات مواجهة للامبريالية الأميركية والتهديدات الإسرائيلية القائمة فوق رؤوس شعبنا؛ فنحن بحاجة إلى خيارات (اقتصاد مواجهة) مثلا, والذي يحتاج بدوره أول ما يحتاج إلى مكافحة الفساد, الذي يتطلـّب -ليؤتي ثماره- جوا من الحريات السياسية, وكل هذه هي عناصر مترابطة متكاملة مع بعضها بعضا, ولا يمكن لسياسي أن يطالب بشيء منها دون آخر, فهي أوجه لمسألة واحدة.

ليس واردا أن نقول لشبابنا اليوم أنـّه لدينا معركة مع أميركا وإسرائيل؛ ثم نقول ليس لدينا وقت للوضع الداخلي, لأن الوضع الداخلي إذا تدهور يصبح نقطة ضعف في المواجهة الخارجية. فإصلاح الوضع الداخلي يحتاج إلى حرية سياسية وحركة أحزاب وحركة اجتماعية تفسح المجال أمام مواجهة الفساد والهدر والنهب, والتي هي معيقات أساسية للعمل.

والمسألة فيما أرى وأعتقد ليست مسألة شباب فقط -على محورية دورهم و أهميته- بل هي ا مسائل معنية بها كل أوجه الحياة السياسية في سوريا, وهذا الشأن بالذات جانب وطني يجب إيلائه الكثير من الاهتمام"

• ....................؟

"ردا على اتهامات من هذا القبيل –وبغض النظر عن المتهـِم- أقول أنـّه لا يمكنني الادعاء بأننا ملائكة, فنحن لدينا عيوبنا وأخطاؤنا, وهذا شيء طبيعي, بيد أنّ (الجو) عندنا ليس كما وصفت في سؤالك نهائيا!

إذ يوجد لدينا الكثير من الحرية والتواصل بين مختلف الرفاق, ونحن أساسا لا نفكر من منطلق شباب وشيوخ, وسمة غالبة -وغير مفروضة- لدى كوادرنا القديمة أنها تسعى لفسح المجال للجيل الشاب, ولكن يبقى هذا الموضوع منوطا بقرارات المؤتمرات الحزبية والعمل الديمقراطي فيها.

فأحيانا يتم التمسك بأحد الرموز مثلا من قبل الموجودين أنفسهم, ووجود مناضلين لديهم تجربتهم وخبرتهم؛ يدفع الناس –انطلاقا من احترامها لهم- أن تعتقد أنـّه من الأفضل أن يبقوا, فأين المشكلة في ذلك؟

وهذا على أيـّة حال لا يتعارض مع الميل العام الذي ينحو تجاه (تقديم) الكوادر الشابة, وأجزم أنّ هذه الكوادر تمتلك كل الإمكانيات الذاتية للتقدم, بل والتقدم السريع, ويأتي هنا دور الخبرات الأقدم في تطوير فعالية هذه الطاقات, لأنّ العمل السياسي ليس فقط عملا حماسيا؛ بل يمتلك جانبه المعرفي كذلك, والذي يجب تطويره بشكل مستمر".







2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

مراكز للدراسات والبحوث, بدل التيارات والأحزاب! -الـ(لا) حزبيون الشباب


يكاد اللاحزبيون السوريون من الشباب بحد ذاتهم يشكلون عن تواطؤ أو من دونه حزبا ناجز الأسس والأركان, له مبادئه (بل منتهياته), وأيديولوجياته (بالجمع والتجميع), بل وحتى قيادته الجماعية التي لا تحتاج بهذا المعنى إلى تراتبية أو انتخاب, اللهم إلا بقدر ما تفرزه قابلية الوصول الأسرع والحنكة الأكبر من بينهم في إدارة وسائل الاتصال ودفاتر العناوين واللينكات على (الجي ميل, والماسنجر, والفيس بوك,..)

وهم بهذا دروا أم لم يدروا مرشحون ذهبيـّون لأي انتخابات (كلاسيكية) من أي نوع, لأنهم في نهاية المطاف حزب الأغلبية.

وبسبب من كل هذا ربما وغيره, لم يبد على رائف كثير حماس للتحدث حول موضوع الحياة السياسية هذه لدى الشباب السوري –على الأقل بمصطلحاتها الكلاسيكية- ناهيك عن موضوعة الحزبيين الشباب بالذات, انطلاقا من أنـّه لم يجربها, لا بل...:

"...وبصراحة لا أنوي ذلك, لأنني أرى أنّها تعبـّر عن انتماء ضيق, في حين أنّ الانتماء للوطن كله هو الانتماء الواسع.

الأحزاب تحجم من رؤيتك, وتقترح عليك تضييقات على الانتماء الوطني"

ألهذه الدرجة تستصعب تخيل نفسك ضمن إطار عمل جماعي حزبي؟

"لا أدري, من الممكن في أحسن الأحوال أن أكون صديقا لهؤلاء الحزبيين من جيلي, بل أعتقد جازما أنّ وجودي خارج الإطار الحزبي يتيح لي فرصة أكبر للتواصل و(ربما) للعمل مع أكثر من طرف أو شريحة (حزبية), من دون أن أضطر إلى تبني آراء حزب بعينه, ناهيك عن أنه ومن مكاني كفرد لا زلت قادرا على القيام بالكثير"

هل أفهم من ذلك أنـّه ليس ثمة حزبيون شباب كثر في محيطك القريب؟

"على العكس تماما, كثير من أصدقائي يملكون انتماءات حزبية مختلفة, منهم بعثيون وماركسيون وناصريون, غير أن الإشكالية بالمجمل تكمن في أنّك تشعر أنّ تعامل هؤلاء الأشخاص المنتمين إلى تلك الأحزاب على اختلافها؛ يمرّ حصرا عبر خط مسير الحزب الذي يدينون له بالولاء.

وتكرّ إثر هذا السؤال سبحة انتقادات رائف الديري خريج المعهد الفندقي تجاه (رفاقه) وزملائه الذين اختاروا العمل من وراء واجهة التنظيم الحزبي, بادئا بالطريقة الأكثر (كلاسيكية) كما يصفها والتي عادة ما تكون فاتحة التعارف بين هؤلاء وأحزابهم, معرجا فيما بعد على أسلوب تعامل هؤلاء الحزبيين من مشارب مختلفة مع بعضهم بعضا فيقول:

"السائد من حولنا يظهر كيف أنّ انتماء الشباب الحزبي في الأساس هو انتماء تحدده الوراثة العائلية والتوجه الأسري. فإن صادف أنّ والد أحد الشباب لديه انتماء سياسي وحزبي من لون معين فإن ذلك سيلعب الدور الأكبر في تحديد الانتماء المستقبلي لهذا الشابالابن, هذا إن لم يكن له الدور كله.

سبب آخر مهم برأيي يحول بيني مع العديد حتى ممن تربطني بهم صلات قربى أو صداقة دون حتى محاولة الاقتراب من هذه التي يسمونها (حياة حزبية), ألا وهو غياب فكرة أساسية عن ذهن أولئك الذين اختاروا أن يكونوا على المقلب الآخر كحزبيين -وربما غابت هذه الفكرة أيضا عن أفكار أحزابهم نفسها- والمتمثلة بأن المحازب الآخر الذي ينتمي إلى حزب تخالف مبادئه وأفكاره –بهذا القدر أو ذاك- أفكارك كحزبي؛ إنما هو في محصلة الأمر مكمل ومتمم لك, لا مجرد منافس وخصم سياسي, فالهدف الأعلى للجميع فيما أفترض هو خدمة هذا الوطن في النهاية, لا مجرد إعلاء الشأن الحزبي الخاص, حيث كلّ يدعي أنه على صواب والباقون على خطأ, وهذا يمكن إرجاعه في رأيي إلى كسل في البحث عن الحقيقة لدى هؤلاء الناس, الذين يكتفون عادة بما لديهم من نظريات و(أيديولوجية), لا يكونون حتى قد اطلعوا عليها كفاية أصلا"

ولكن ألا تعتقد أنّه –توخيا للموضوعية- علينا أن نضع هذه الممارسات التي تتكلم عنها ضمن سياق الجو السياسي العام في البلد وبالتالي .....

(مقاطعا) "....يا صديقي, بات من غير المقبول أبدا أن نتذرع دائما بالظروف المحيطة بنا, ونجعل من عذر (الوضع الحالي) شماعة نعلق عليها جميع أخطاءنا, إذ يتوفر لدينا في البلد هامش من الحرية يتيح لهذه الفئات العمل (الجاد) لو أرادت.

ومن المتعارف عليه أن يكون الشباب محرك أي تغيير يحصل في أي مجتمع, وهم كشباب من المنتظر منهم أن يكونوا أكثر قابلية للتطور من حيث الأفكار والممارسات, على عكس من قد يكونون أكبر في السن, والذين يفقدون هذه الميزة بالتدريج.

وأنا أفهم تماما -إذا كان هذا ما تقصده- أنّ مهمة هؤلاء الشباب ليست باليسيرة, وأي عمل جاد بالنتيجة لا بد أن ترافقه بعض العراقيل والمصاعب, على الأقل في البدايات, فعملية التطوير التي نرغب في أن نراها على صعيد البلد ككل, هي عمليا ذات الشيء الذي يجب أن نكون قد بدأنا بتطبيقه على أنفسنا كأفراد, ومن الداخل, أكثر منه عملا على الشكل والقشور, كما هو دارج بين الشباب اليوم, والحزبي منه على الخصوص, من ارتداء الكوفية الفلسطينية, ورفع صور (غيفارا) أو (الزوبعة) أو (المنجل),... الخ, من هذه المظاهر التي تترافق مع بعض الانتماءات السياسية, ولتي هي عاجزة وحدها عن بناء أي شيء في الوطن"

ولكن هذا على الأقل يأتي في مقابله اهتمام مفرط إنما بمظاهر أخرى, كالشعر الطويل, والأوشام والبيرسينغ بالنسبة إلى شريحة شابة أخرى كي لا أقول مقابلة....

"ما هو جوهري في نظري, أن تكون أنت كما أنت, وليس كما يراد لك أن تكون.

وإذا كان الشخص مقتنعا بما يقوم به, و يحس أنه يعبر عن نفسه تماما من خلال مما يقوم به؛ فما المشكلة في ذلك؟ الخلاف هو حقيقة في عملية رفض هذا الآخر المختلف, لا في الاختلاف ذاته. من البديهي أنّ التمسك بالمظهر والزي وحده لا يوصل إلى أي مكان, المحكّ هو القراءة واكتساب المعارف على كل صعيد.

لنأخذ مثلا بعض أصدقائي المقربين الذين تخرجوا معي, والذين حتى لا يمكن أن تجد لديهم اهتمامات متطرفة من حيث مظهرهم الخارجي, لكن بينهم من لم يكلف نفسه عناء البحث الجدي عن فرصة عمل بعد التخرج, واكتفى بالقول أنّ البطالة مرتفعة ولا توجد فرص عمل في البلد! والأصدقاء الآخرون الذين جدّوا في البحث عن وظائف اكتفوا بتحصيلهم الدراسي الذي أخذوه عن المعهد قبل تخرجهم, ولم يطوروا أيا من معارفهم بأساليبهم الشخصية, على توفر هذه الفرص أمامهم –حتى لا أقول سهولتها- وبالتالي فقد أصبحوا أوتوماتيكيا غير صالحين أصلا للعمل الذي ينفقون وقتهم في البحث عنه.

أنا لا أريد إهانة أحد, ولكن شخص كهذا لا يحب عمله, كيف أطالبه بأن يحب وطنه, لا بل وأن يدخل حزبا يرفع شعارات الإصلاح في هذا البلد وهذا الوطن"

رائف الذي أنهى منذ بعض الوقت خدمته الإلزامية, ليستأنف مراسلاته بحثا عن فرصة عمل في قطاع السياحة والفندقة داخل البلاد أو خارجها "لا فرق"؛ مؤمن أشد الإيمان بالعمل الفردي أنموذجا وخلاصا, يقول:

"لا حاجة ملحة بنا إلى الأحزاب, الطالب من كرسيّه, والأب من أسرته, كل يمارس عملا وطنيا مهما, وأهمية هؤلاء الذين يراهم الآخرون (نكرات) تتجاوز بمراحل أهمية أولئك الأشخاص الذين يقضون أوقاتهم في المقاهي العامة, منشغلين في تقييم الحياة من هناك, ويوزعون شهادات على من يحيط بهم, هذا صحيح و هذا خاطئ, ويتكلمون بقضايا لا أجد أنني معني بها بحال من الأحوال, ومثلي في هذا الكثير.

الشريحة الأكبر بنظري يهمّها أن تعيش بأمان, وتحظى بفرصة عمل, وهو مطلب كل البشر في العالم. لديك الولايات المتحدة مثلا, والتي يـُنظر إليها بطريقة ما على أنها في طليعة المجتمعات المتقدمة في العالم, في حين يوصف شعبها بأنه (غبي) سياسيا, ولا يكترث أو يهتم سوى بمعدلات الأجور, والضمان الصحي, وهذا في رأيي ليس من الغباء في شيء"

إذا لا حاجة بنا إذاً فيما تقول لهذه المؤسسات التي تسمى أحزابا...

"نحن بحاجة أكبر إلى مراكز للدراسات, فمراكز الأبحاث والدراسات بهذا المعنى أقدر وأكثر جدوى من كل الأطر الحزبية, وأعم فائدة منها على المجتمع, لأنها تدفع باتجاه التطوير على أسس علمية ثابتة, بعيدة عن المناكفات والمصالح الآنية الضيقة والتنظيرات المجردة, أو الجلوس والتفرغ لشتم هذا وسب ذاك, وادعاء أنّ (الثقافة) تكون على مثل هذه الصورة"

رائف الذي يعترف بأنه لم يدر تلفازه على القنوات التلفزيونية الرسمية –أرضية وفضائية- منذ أربع سنوات؛ لا يبالي على الإطلاق بآليات العمل السياسي التي (يناضل) الآخرون في محاولة لتكريسها وتطويرها, هذا إن لم يضعوها عذرا لتخلف ممارستهم السياسية, وشرطا للنهوض بها.

"أما عن الانتخاب والاقتراع وما إلى ذلك , فأصارحك بأنني شخصيا لا أهتم بالطريقة التي يصل فيها المسؤول إلى منصبه؛ طالما أنـّه يعمل و ينتج و يفيد البلد.

وإذا حدثتني عن العمل مع الحزبيين من أجل تسريع وتيرة العمل والإصلاح؛ فهذا موضوع مشكوك في جدواه, لأنّ حرق المراحل شيء لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع.

وكلنا يعرف البلد وإمكاناتها سلبا وإيجابا, والحل الوحيد لأزماتها هو العمل خطوة فخطوة.

والخيانة الوطنية برأيي هي ليست ما ينعت به الحزبيون بعضهم أحيانا بناء على اختلافهم حول ما يسمونه الـ(مصيري)!

من يسرق خط كهرباء من العداد هو خائن بطريقة ما, ومن يرمي في الشارع نفايات منزله أو عقب سيكارته هو مسيء للوطن كله لا لأهل الحي فحسب.

دعونا في البداية ننتهي من تجاوز الإشارة المرورية الحمراء, دعونا نطفئ الإنارة الفائضة عن الحاجة في الغرفة المجاورة, لنمتنع عن تمزيق صفحات الكتاب المدرسي الحكومي.

لا الأفكار الحزبية و لا قادة الرأي, ولا أصحاب العمامات أو الرؤساء الدينيين تمكنوا من إيجاد حلول لأزمات الشباب من قبل.

رجاء كفانا إضاعة للوقت وإدارة للأسطوانات المشروخة".





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

حزبيـّون على نفقة العشيرة, وقيادات بالـ(مؤبـّد) -في الحزبية الكردية السورية


يطيب لبعضهم السياسي بين الحين والآخر أن يردد على أسماع ضيوفه ما طاب له, مقولة أنّ القوى السياسية السورية الكردية تشكل في واقع الحال الحامل الأكبر للحراك السياسي (المعاراضاتي) في البلد, بدء من حبر تواقيع العرائض والبيانات, وصولا إلى عرق تنظيم الاعتصامات وتسيير المظاهرات, كون تلك القوى الكردية-برأي محدثنا- هي الأكثر تسييسا, والأحدّ استنفارا, والأطوع استجابة لتوجيهات قياداتها (القيادات بين قوسين), وأنّ شيئا لا يمكن أن (ينجز) بدون هذه الحالة التعبوية لمناصريهم (قوسان هنا أيضا).

وطبعا لا تعدم تلك المجالس من ينبري لإدغام (زخم) التيار الديني في التحليل السابق ذكره جنبا إلى جنب مع (الفاعلية) الكرديـّة, رغم ما في تحديد المعالم الحركيـّة لهذا الـ(زخم الديني) من إشكالية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى السؤال فيما إذا كان أحد ينوي إعادة رسم إشارة استفهام -استفهامية محضة- عن مدى التداخل بين (القومي) و(الديني) لدى هذه الحركات, على اعتبار أن عددا لا يستهان به من قادة الرأي الروحي المحلي, و(مشايخ) الساحة الدينية السورية -إن صح التعبيران- هم من أصول كردية!

وفي العموم لا يمكن اعتبار جمهور السياسة السورية الداخلية غريبا عن مجمل نشاطات الحراك السياسي السوري ذي المانشيت الكردي, والذي يشكل الشباب عموده الفقري, من قبيل الاعتصامات الصامتة مثلا خارج أسوار كلية الآداب, أو التظاهرات الأكثر صخبا قرب رئاسة مجلس الوزراء, ناهيك عن أحداث أكبر وقعا كالذي جرى في المنطقة الشمالية في آذار 2004, والذي بات يعرف بـ(أحداث القامشلي) وارتداداته حتى دمشق وضواحي العاصمة.

فإلى أي حد هي متميزة تلك العصبية الحزبية لدى الشباب السوري الكردي عنها في باقي قطاعات الشباب في البلد, وهل ثمة تقاطع أو تلاق في الهواجس والهموم يلتقي عليها الجميع, وتغفل عنها أحيانا عين المراقب على سطح الحدث أو الظاهرة؟

عن ذلك يقول محي الدين عيسو وهو صحفي شاب متابع لهذا الشأن:

"أحب أن أوضح في البداية أن الحركة السياسية الكردية في سوريا؛ هي جزء من الحركة السياسية السورية العامة، وجزء من المجتمع السوري الذي يجمع في جغرافيته فسيفساء من القوميات المتعايشة في إطاره، بيد أنّ الشيء المشترك والذي يجمع بين هذه القوميات؛ هو في واقع الحال غياب هذه القوميات عن الحياة السياسية منذ عقود, وذلك لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها في الوقت الحالي، إلا أنّ المجتمع الكردي كانت له خصوصية من حيث تعرضه للقمع, لتأتي انطلاقة الحركة السياسية الكردية في عام 1957 -العام الذي تأسس فيه على الأرض أول تنظيم كردي في سورية, وحمل في حينه اسم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)- كضرورة وطنية وقومية, وتجسيدا لإرادة هذا الشعب عبر ممثل شرعي له، حيث كان الأستاذ عبد الحميد درويش -والذي يعتبر من بين القيادات والمؤسسين لهذا الحزب- لا يزال شابا طالبا في جامعة دمشق، في ذلك الحين أقبل الشباب الكردي على الانخراط في صفوف هذا الحزب بكثافة شديدة, وشمل إقبالهم ذاك كافة المناطق التي يقطنها أكراد، وساهم هذا العنصر الشاب الذي دخل المعترك الحزبي في نشر مبادئ وأهداف الحزب الأم بين عناصر وأفراد المجتمع الكردي, ونقل هذا التعاطف الحزبي إلى آخرين, حتى إلى أولئك الذين لم يكونوا قد انضووا تحت لوائه, مدفوعين بمبدأ ما يؤمنون أنّه تحقيق (الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سورية)، إضافة إلى زرع ثقافة التآخي العربي – الكردي داخل المجتمع السوري، وعليه يمكننا القول بأن المجتمع الكردي في سوريا هو مجتمع مسيس بشكل عام, إنما وغير متحزب بالشكل المطلوب."

ما هو الدور الذي تلعبه العائلة والعشيرة في تحديد الانتماءات السياسية والحزبية للشباب السوري في شمال البلاد؟

"لا يخفى عليك أنّ الانقسامات والانشقاقات والصراعات العشائرية في صفوف الحركة الكردية منذ العام 1965 أدت إلى ابتعاد شريحة كبيرة من الشباب الكردي الحزبي عن صفوف الحركة السياسية الكردية، وهذا أمر واقع, وهي حالة وقفت للأسف حائلا دون إتاحة الفرصة أو المجال أمام الشباب السوري الكردي كطاقة فعالة من الوصول بأفكارهم إلى قمة الهرم القيادي, والذي أصبح مع مرور الوقت (محتكرا) بيد من تسلموا الزعامة فيه, وينوون الاستمرار فيها (إلى الأبد!)"

هل من الممكن للمراقب تلمس تأثيرات هذا الوضع على الشارع الشبابي الكردي؟

"بالطبع, هناك ملاحظات كثيرة يمكن الإتيان بها كشاهد في هذا المجال, فأكبر تجمع شبابي للطلبة السوريين الكرد على سبيل المثال موجود كما هو معروف في جامعة حلب، إذ يربوا عددهم هناك على الـ(5000) طالب وطالبة، في حين أنك إذا دققت وأحصيت بينهم من هم منخرطون عمليا في صفوف الحركة السياسية الكردية؛ فإنك ستجد أن هؤلاء لا يتجاوز عددهم في أحسن تقدير الـ(300) حزبي, وهذا الأمر إن كان لنا أن نستدل منه على شيء, فهو يدلنا على عدم اكتراث أو اهتمام هؤلاء الطلبة بما تحاول أحزابهم الكردية أن تستميلهم به من سياسات, وهذا الانفضاض عن تلك الأحزاب من قبل الشباب إنما يأتي كنتيجة طبيعية وموضوعية لما آل إليه واقع تلك الأحزاب والتيارات, من خلافات وانشقاقات وصراعات من دون مضمون أو مغزى, ناهيك عن سبب آخر متمثل في أنّ جلّ أولئك الشباب السوري الكردي يفضلون الابتعاد عن الحياة السياسية العامة اليوم لحساب التفكير والانشغال بتوفير لقمة العيش, والتي أصبحت مستعصية على المواطن السوري على الإجمال."

ما هو برأيك سبب تدني حجم مشاركة الشباب الحزبي الكردي في الأحزاب السورية التي ليس لها طابع قومي محض, هل ثمة موضوعيا ما يحول بين هؤلاء الشباب و(اندماجهم) في بقية الطيف الحزبي السوري الأوسع؟

"هناك شيء يجب توضيحه في البداية, وهو أنّ عدم تفهم الأحزاب السورية الأخرى لطبيعة الحركة السياسية الكردية وأهدافها الديمقراطية؛ أسهم مع الوقت في جعل الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الكردية تعيش حالة من الانغلاق, ودفع باتجاه هيمنة الفكر الانعزالي على التوجه السياسي الكردي العام.

وهذا بدوره فتح الباب واسعا أمام البعض لإيهام الناس والرأي العام الوطني السوري بأن ولاء الحركة الكردية السياسية إنما هو ولاء للخارج, ناهيك عن اتهام الحراك السياسي الكردي بأنه حراك ذو مآرب انفصالية, وجرى كل ذلك بهدف حرمان القوى الكردية السورية من تحصيل أي دعم على المستوى الوطني, والحيلولة دون إدراج (القضية الكردية) ضمن أجندة القضايا السورية التي تبحث في العموم عن أجوبة وحلول عادلة وعاجلة.

وأنا آسف إذ كنت مضطرا لهذه المقدمة كي أوضح أن هذه السياسات التي أسلفت الحديث عنها أوصلت في النهاية إلى أن يتوجه الشباب الكردي السوري باتجاه التمسك والتشبث بأحزابه (القومية), وأدت به إلى العزوف عن محاولة الاقتراب من التيارات والأحزاب السورية الأخرى, أو السعي إلى الانخراط في صفوف قوى وطنية سورية غير كردية, وربما يكون الاستثناء الوحيد في هذا السياق هو ما جرى عمليا ضمن الأحزاب الشيوعية السورية, والتي كانت تعج بالشباب الكردي في وقت من الأوقات"

....فماذا عن اليوم إذا؟

"اليوم, ومع مرور الزمن, وانتشار ثقافة ومبادئ حقوق الإنسان, وبعد أن طفت على السطح ظاهرة (المجتمع المدني)، وبفضل ما أتاحته التكنولوجيات المتقدمة لنا من وسائل اتصال وتواصل, والفضاء الرحب الذي وسعته لنا شبكة الانترنت، ناهيك عن التواصل الذي قام بين معتقلي الأحزاب الكردية والأحزاب السورية الأخرى داخل السجون؛ أقول بعد كل هذا الذي ذكرت وبفضله انخرطت أعداد كبيرة من الشباب الكردي السوري في جمعيات حقوق الإنسان التي نشأت مؤخرا, كما في منظمات المجتمع المدني الأخرى, والأحزاب الديمقراطية السورية التي تدعو إلى مبدأ (المواطنة) واحترام حقوق الإنسان, وهذا بدوره أوصل إلى قيام ائتلافات وتشكيل تحالفات مع الأحزاب والقوى السياسية السورية الأخرى كـ(إعلان دمشق) دمشق مثلا, وذلك كله بغرض التوصل إلى صيغة مشتركة للعمل ضمن إطار النضال الوطني العام والشامل."

بماذا يمكن أن يتميز الخطاب السياسي للسوريين الأكراد, وخاصة الشباب الحزبي المنضوي في راية قوى سياسية كردية, كي يتجاوز-من طرفه على الأقل- عوائق الاتصال تلك التي أسلفت الحديث عنها؟

"باختصار شديد, على الشباب الحزبي السوري الكردي أن يعمل جاهدا وسريعا على التخلص من كل تلك العقد الحزبية المبثوثة والمزروعة في الموروث الثقافي والاجتماعي، وعلى الشباب بالذات السعي بكل ما أوتوا من طاقة من أجل محاولة تصحيح بعض المسارات، والعمل على تحقيق التواصل المستمر مع الآخر المختلف بالرؤية كردياً وسورياً, منطلقين في كل هذا من اعتبار واحد, وهو أن هذا الوطن الذي يجمعنا يجب أن يكون للجميع, بعيداً عن الانتماءات القومية والدينية والطائفية, بغية تطور المجتمع السوري, وتحقيق رفاهيته التي يجب أن تشمل الجميع."






2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

... ومعارضون شباب؛ يضْـرَسون! -إعلان دمشق



المسألة ليست اختيارا.. فأحيانا يبدو من الصعب طرح الرأي دون الوصول إلى حده الأقصى، على الأخص إذا كنا ننظر إلى تاريخ كامل وليس إلى فترة قصيرة. فمايا جاموس ابنة فاتح جاموس تملك تجربتها الخاصة، حتى عندما قررت العمل كصحافية، فتاريخ والدها مازال امامها، سواء عندما اعتقل في الثمانينات، أو في نشاطه الحالي.

مايا تتحدث بشكل مباشر ودون تحفظ:

"على مدى سنوات طويلة جُمّدت التقاليد السياسية في سوريا لزمن آخر، وغابت أية حركة شبابية واسعة حرة ومستقلة عن قطاعات المجتمع كلها، وحلت محلها صيغ التنظيمات والمؤسسات السلطوية ومصادرة أي تطلع لحركة مستقلة.

ثمـّة مؤسسات تحيط بالفرد منذ بداية خلقه، تراقبه، وترسم له سلوكه اليومي، وكل الحراك الجريء الذي استطاع أن يبرز هنا أوهناك قوبل بالمنع والمضايقات بغرض جعل أولئك الأشخاص عبرة لمن يطمح بالعمل والنشاط السياسي الشبابي المنظم."

هكذا، ودفعة واحدة، تضع مايا جاموس أمامك ما تعتقد هي أنه الخلاصة الموضوعية التي من الممكن للمرء الوصول إليها إذا أمعن الفكر قليلا فيما حوله، وهي على كونها وفق رأيها (خلاصة) تظلّ - كما تصرّ مايا مرة أخرى- (المقدمة) الأمثل للحديث عن الشأن الحزبي السوري لدى الشباب، وتقول مبينة وجهة نظرها:

"أعتقد أنّ الجوانب القانونية التي تحكم العمل السياسي في سورية هي الأساس لمحاولتنا قياس وتتبع النشاط السياسي للشباب السوري.

فالدستور السوري الحالي ومجموعة القوانين المفسرة له، تحوي جميعها محاولات لتبرير احتكار السياسة من قبل طرف سياسي واحد، كما لو أن السياسة والوطن والنضال هي أشياء ومفاهيم خاصة بهذا الاحتكار، وتابعة لذلك الطرف السياسي، باعتباره وحده المسؤول عن مصائر الوطن.

وهذا يعني بالضرورة وجود معايير تمييزية بين الأحزاب والمواطنين، فهنالك حزب ومواطنون درجة أولى، وهناك الآخرون من درجات مختلفة.

الأوائل في الهرم إياه يساهمون فعلياً حسب ترتيب موقعهم في تحديد مصير البلاد الوطن وقيادة المجتمع، والآخرون منفعلون فحسب، بمن فيهم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

خاصة بعد أن نصّ ميثاق الجبهة ونظامها على أن العمل في القطاعات الرئيسية وحيث يتركز العنصر الشاب (الجيش والتعليم)؛ هو حكر على حزب بعينه، ممنوع على حلفاء الجبهة، وذلك لفترة طويلة من الزمن، فكيف إذا مع بقية الأحزاب والمواطنين؟

ولتعزيز هذا التوجه أُنشأت مؤسسات خاصة بالشباب ورديفة لهذا الحزب، ومرتبطة حصراً من لجهة قيادتها وبرامجها ونشاطاتها به، مع منع قيام أي مؤسسة موازية، وما هو موجود سلفا لدى بعض أحزاب الجبهة يأخذ صيغا غير قانونية، في حين أن القانوني منه موجود طالما كان (مرْضيا عنه) وإلا أنهي وجوده كما حدث مع (رابطة النساء السوريات) مثلا.

وكل هذا الاحتكار بحجة الخوف والحذر من انقسام المجتمع وانفلاته وتهديد وحدته الوطنية."

ولكن هل الحال أقل بؤسا برأيك على المقلب الآخر، وهل يوجد لدى المعارضة ما تقوله حقا للشباب السوري؟

"بإمكاني القول أنه وفي زمن مضى، استطاعت بعض القوى والتجارب السياسية أن تخترق احتكار العمل السياسي في قطاع الشباب، وأن تقوم بشد قسم منهم إليها مثل التيار الإسلامي في سوريا، حيث قام هذا التيار باجتذاب قسم كبير وواسع من هذه الشريحة، على عكس اليسار الجديد الذي اقتصر استقطابه للشباب على الحالات النخبوية.

لكن بعد مرور زمن طويل على العطالة التي حلتّ بالمعارضة السياسية السورية نتيجة المنع الدائم بكل أشكاله، لا يمكن أن يرد ذكر المعارضة اليوم في مناسبة من المناسبات إلا وستوصف فيها بالضعف والتفكك والنخبوية.

على أنّ المعارضة ذاتها من جهة أخرى تفتقد إلى أية برامج خاصة تخاطب من خلالها الشباب لشدهم إليها، ناهيك عن عجزها عن تجديد ذاتها وخططها ووسائل نشاطها بين تلك الشريحة المهمة من المجتمع."

بكلمات أخرى، فإن حصيلة تفاعل السوريين من الشباب مع هذه القوى التي تحاول أن تطرح في نفسها البديل عن السلطة الحالية؛ هي باختصار (صفر)...

"...ولكن عليك أن تأخذ بعين الاعتبار أمرا مهما، وهو أنّ هناك دائما تخوف من قبل قياديي بعض القوى في هذه المعارضة -كحزب العمل الشيوعي على سبيل المثال- من قبول وتنظيم أية حالة شابة جديدة، وذلك خوفا عليها من المضايقات التي قد تتلقاها من طرف السلطة.

وهنا يمكن لي أن أسجّل ملاحظة تخص الشباب المستقطب من قبل اليسار المنضوي تحت جناح الجبهة (الجبهة الوطنية التقدمية)، لجهة أنّه هو أكبر وأوسع شريحة من الشباب المستقطب حول اليسار الآخر المعارض (حزب العمل الشيوعي، حزب العمال الثوري، انقسامات حزب الشعب، بعض المجموعات اليسارية التي غادرت الشيوعية الرسمية، اليسار الكردي)، بسبب استمرار ملاحقة السلطة لهذه القوىا.

والأمر ذاته ينطبق على التيار القومي المعارض (الاتحاد الاشتراكي بشكل أساسي) على الرغم من أنه لم يتعرض لمضايقات مشابهة للآخرين، بيد أنّه خضع بدوره للتضييقات ذاتها فيما يخص نشاطه مع الشباب."

إذا فاليسار الذي يمكن احتسابه على التكوين السياسي الرسمي حقق بعض التقدم على الأقل باتجاه شرائح الشباب،

ألا يمكن لهذا أن يكون مؤشرا على أن خيارات الجيل الجديد السياسية لا تسير وفق ما تشتهيه مراكب المعترضين على السلطة؟

"أعتقد أن هذا الأمر مثير للاهتمام، ويبدو لي هنا مشروعا ذلك التساؤل حول بعض الظواهر الشبابية المرتبطة ببعض أحزاب الجبهة بشكل خاص كما ذكرت، مثل الحزب الشيوعي و(اتحاد الشباب الديمقراطي أو شبيبة بكداش)، وأحد تيارات الحزب القومي السوري المنقسم، إذ تجد هنا استقطابا مهما لبعض الشباب السوري، لكن يصعب في الحقيقة الجزم فيما إذا كان سبب ذلك يعود إلى تأثر هؤلاء الشباب بإيديولوجيا وسياسات تلك القوى المذكورة عن وعي وخيار حقيقيين، أم أنّ ذلك كله يعود لمجرد رغبة من قبل بعض الشبيبة بممارسة عمل سياسي وثقافي واجتماعي غير مكلف أمنياً، وتتغاضى السلطة عنه رغم عدم مشروعيته من منظورها؟

من جهة أخرى كان هنالك محاولات عديدة من طرف قوى المعارضة السياسية لشد الشباب إلى الحوار عبر ما يشبه الصالونات والمنتديات، والنشاطات المناهضة للعولمة والصهيونية، لكن تلك الوسائل ظلت بدائية ولم تتبلور آفاقها تماما."

وبالتالي كيف توصفين الآن حال "شباب المعارضة" إن صح التعبير.

"الموجودون حالياً هم نخبة ضيقة من الشباب المهتم بالشأن العام والقضايا السياسية والوطنية الأساسية، وهذه النخبة متأثرة بطبيعة الحال بالنخبة الأولى والجيل السابق والأكبر سنا، وتدور عمليا في فلكها، بل يمكن القول إن غالبيتهم يمتون بصلة نسب بهذا القدر أو ذاك إلى عوائل وأسر تلك النخبة الأقدم، كما أن الاتجاهات السياسية والثقافية والفكرية القائمة في وسط هذه النخبة الضيقة من الشباب هي في المحصلة؛ ذاتها اتجاهات النخبة الأولى.

أما الاتجاه الآخر للنخب الشابة فيندرج ضمن الاهتمام بثقافة حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومناهضة العولمة.

وبين هؤلاء تجد مثلا شبابا هاربين من المسائلة إلى مؤسسات هي في واقع الحال أدنى من مؤسسة الحزب، وبالتالي فهي تشكل خيارا أقلّ تهديدا من الناحية الأمنية، كما تجد في صفوف هؤلاء كذلك شبابا سوريا سبق له أن قرر الابتعاد عن دائرة الأحزاب نتيجة موقف سلبي له منها، رغم أنّه قد لا يكون بالضرورة مطلعا عليها أو على برامجها ونشاطاتها بشكل جيد وعن قرب، بل على الغالب بسبب مواقف مسبقة وردود فعل على مسائل محددة."

أليس هذا حكما قاسيا على الشباب السوري اليوم؟

"لا أعتقد ذلك، إذ يمكنني القول اليوم أنّه لا وجود اليوم بين شبابنا السوري من يملك ما يمكن أن نطلق عليه (وعيا شابا مستقلا)، قادرا بالتالي على إنتاج نشاط أو حراك سياسي شبابي مستقل.

وحتى تلك الحالات التي أمكن لها أن تفلت من إسار هذا التعميم ولو جزئيا ً(مثل مجموعة اعتصام حلب) كحراك شبابي معاصر وحديث، ظلت هي الأخرى مستقطبة إلى حد ما، كما عانت بدورها أيضاً مما وقع عليها من عقوبات شديدة تراوحت بين السجن والفصل من الدراسة.

بيد أنّه تبقى برأيي أكثر المجموعات الشبابية استقلالاً؛ هي تلك التي لا تحددها نواظم فكرية أو سياسية أو تنظيمية، بل تربط فيما بينها كما هو واقع اليوم علاقات (شبكة الانترنت)، مع كل ما قد يعنيه ذلك على صعيد نمو (وعي) من نوع ما، ونشوء صنف من (العمل) السياسي والشبابي؛ خارج إطار مجتمعنا السوري، بين جدران البيوت، وبعيدا عن ضوء الشمس.

حيث يمكن تفادي المساءلة الأمنية، وراء الأسماء الوهمية والحيل التقنية."

ماذا عن خياراتك الشخصية بهذا الخصوص؟

"بالنسبة لي، أعتبر نفسي متابعة للشأن العام والقضايا الوطنية الأساسية عبر وسائل عديدة منها الكتابة، وأحاول البقاء على تواصل وإطلاع على أهم الحراكات في الوسط السوري، وخاصة الشبابية منها.

لم ألتحق بأي حزب سياسي للأسباب ذاتها التي سبق لي تفصيل الحديث فيها، وأنا -كغيري- بانتظار قانون حضاري وديمقراطي للأحزاب يسمح بإعادة الحياة السياسية إلى سوريا.

ورغم أنّ خياراتي بالمجمل هي خيارات غير حزبية، وبالتالي من المفترض بها أن تكون غير مكلفة أمنياً، فأنا أتعرض إلى مضايقات أمنية بسبب نشاطي وبسبب كوني ابنة معارض شيوعي، إذ أنني محرومة من السفر خارج البلاد، كما سبق وتم استدعائي للتحقيق ثلاث مرات حتى تاريخه بسبب مقالة نشرت لي حول أحد أحياء دمشق السكنية، وهذه القضية لم تغلق حتى الآن.

وأنا شخصيا أعتقد أن ما تعرض له والدي من اعتقال لفترة طويلة (حوالي 19 عاما)، إضافة إلى الثمن الذي دفعته أنا وعائلتي بسبب خيار والدي السياسي، وما أعرفه شخصيا عن عائلات وأسر أخرى في سوريا تعرضت لعقوبات مماثلة وربما أكثر قسوة، كان كفيلا في البداية بصدي عن ممارسة أي سياسة أو مشاركة في أي شأن عام، بيد أن الأمور اتخذت منحى آخر لاحقا، وتطور لدي فيما بعد وعي واهتمام شخصي بتلك المسائل بالذات."






2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

شباب المعارضة بين (سلطتين) -إعلان دمشق


كان لافتا ما تناقله بعض الإعلام المحلي عن أطراف في إعلان دمشق تنوي –والأعمال بالنيات- إقامة ما يشبه (لجنة شبابية) داخل الإعلان يكون من شأنها تسهيل "الانفتاح على شرائح جديدة في المجتمع السوري", بعد أن أثبتت الوقائع أن المشكلة الرئيسية التي واجهت المعارضة سياسياً وفكرياً عبر السنوات الماضية –والكلام دائما على عهدة الراوي- هي

"الفشل في التواصل ومن ثم التأثير على الشعب السوري بشرائحه المختلفة", خاصة وأنّ التوجه إلى الشباب "لم يأخذ حتى الآن مداه الحقيقي, بل ربما لا يزال في إطار الأماني والرغبات".

وكانت فكرة وجود هيئة شبابية من هذا النوع ظهرت قبل ذلك مع نشاط منتدى جمال الأتاسي -قبل إغلاقه منتصف 2005- الأمر الذي (عارضته) في حينه بعض (المعارضة) نفسها!

كما يتأكد ذلك من مطالعة تعليق سهير الأتاسي ذاتها على الأمر والتي تقول:

"كان التصدّي بداية لهذا المشروع من طرف بعض العقليات الوصائية النخبويّة في المعارضة، والتي رأت أن هذا النشاط (سيسير بالمنتدى نحو الهاوية)، و(سيتسبّب بالهبوط بسويّة المنتدى)..تلك العقليات التي لا ترى في الشباب إلا (قلّة الخبرة وعدم تحمّل المسؤولية والطيش والمبالغة في الحماس والاندفاع)".

ولا تبدو هند اللبواني ابنة المعارض كمال اللبواني مؤسس الاتحاد الليبرالي الديمقراطي في سورية بعيدة عن هذا الطرح, بل لعل لديها ما تضيفه بعد إلى النقد آنفا, تقول هند:

"بما أنني أنتمي إلى المعارضة بالأساس فدعني أقول لك أنّ الوجوه البارزة اليوم في هذه المعارضة كلها قديمة, وذات خلفيات ورواسب لا تناسب في الحقيقة تطلعاتنا كشباب, كما أنها تحوي في صفوفها أحزابا وتيارات أثبتت فشلها في الماضي, وهي لا تقدم أي فكر جديد, الأمر الذي يلقي على عاتق الشباب فيها واجبا كبيرا ومهمة ضخمة, من أجل بناء شيء حديث

يناسب تطلعاتهم ورؤاهم, شيء خاص بهم وبالوطن الذي سيصبح لهم"

ولكن أغلب من يتحدثون اليوم من وراء المنبر المعارض يعتبرون أنفسهم ممثلين على نحو ما لفئة يرونها كبيرة من المجتمع السوري اليوم, ومن ضمنهم الشباب بطبيعة الحال, فإلى أي حد ترين هذا التمثيل صحيحا فيما يخص الشريحة الشابة بالتحديد؟

"أنا شخصيا أكنّ كلّ الاحترام لأحزاب المعارضة وشخصياتها الوطنية, ولا ننسى هنا أنّ منهم من أمضى في السجن أكثر من عقد من الزمن, وهم في النهاية رموز وقدوة لنا كشباب, بيد أنـه لا أخفيك أنني (أخاف) من (فكرهم), وأنا غير راغبة صراحة في إتباع نهج وأسلوب كهذا.

يمكن لشباب آخرين بطبيعة الحال مشاركة تلك الأحزاب رؤاها ومنطلقاتها سواء في حال كانوا -أولئك الشباب- مقتنعين ومؤمنين بها, أم مجرد أتوها من باب الأمل بإحداث تغيير ما عبرها, وكونها هي المتاح فحسب, وهو على أية حال شأن احترمه فيهم أيا يكن الأمر, وأشجعهم عليه طبعا كشباب"

وفيما لا يزال الدكتور كمال اللبواني -والد هند- يخضع للمحاكمة أمام محكمة الجنايات الأولى بدمشق بتهمة (الاتصال بدولة أجنبية وتحريضها على ممارسة العدوان على سوريا), بعد أن أُلقي القبض عليه عائداً من رحلة استمرت بضعة أشهر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية, تصر هند على أنها لم تخض بعد تجربة حزبية كاملة حتى ضمن الحزب الذي سبق لوالدها أن أسسه وسبقت الاشارة إليه.

"بالنسبة لي شخصيا لم يسبق لي أن دخلت في أي تنظيم حزبي حتى الآن, ولو فكرت يوما في الإقدام على ذلك فلن أختار إطارا تنظيميا باليا ومنتهيا كـ(فكر) لأنتسب إليه, من نمط تلك الأفكار الانغلاقية, والتي تنادي بالثورة بالمفهوم الشيوعي والقومجي.

أنا في الحقيقة أميل أكثر إلى الوقوف مع الثقافة المبنيـّة على حرية الفرد, والانفتاح الاقتصادي,

والحب و التآخي مع الناس والمجتمعات الأخرى, بدون حدود القوميات, وبدون تعصبـّات, وأنا أجد نفسي أقرب في واقع الحال للتيار الليبرالي كتوجه, أنا أدعم هذا الفكر, وأتمنى أن يكون هناك في سوريا تنظيمات ليبرالية حقيقية بكل معنى الكلمة, عندها سأكون جزء من هذا الحراك بكل تأكيد"

ولكن ماذا عن الشبيبة الموجودة أصلا في صفوف قوى المعارضة, من حيث فرصها في إحداث تغيير نوعي ما في بنية أو مفاهيم تلك التيارات التي ترفع التغيير شعارا لها أصلا؟

تجيب هند:

"بالطبع لن تعدم مشاركتهم التأثير في تلك التيارات والقوى, بل إن ذلك قد يكون فرصة أمام تلك الأحزاب بالذات من أجل السعي نحو شيء من التجدد.

بيد أنّ سؤالي يكمن في مقدار المجال الذي سيملكه هؤلاء الشباب للحركة ضمن تلك الأطر من دون أن يكونوا مهمّشين؟"

ما هي دواعي القلق لديك على هذا الصعيد؟

"الشخصنة"

كيف؟

"شخصنة القضايا مرض موجود لدينا في المعارضة, حيث نلاحظ دائما كيف أنّ (زعيم) الحزب يبقى زعيم الحزب, و(الصغار) يظلـّون صغارا!

ما أقصده هو أنّه ليس هناك تعاط مع الشباب على أساس أنّهم ند ونظير, ومن خلال هذا النوع من الممارسات بالذات يحصل تهميش للشباب, مع أنني أؤكد مجددا على ثقتي وتضامني مع الجهد الذي يحاول الشباب بذله دائما على هذا الصعيد"

ماذا تقولين في الطرح الذي يصف التكتل المعارض اليوم داخل البلد بأنه وبامتياز (حالة عائلية), أكثر منه امتدادا موضوعيا في نسيج المجتمع؟

"مع أنهم قلائل في واقع الأمر؛ لكن يوجد هناك بالطبع شباب معارض من خارج هذه (الحالة) التي تتحدث عنها, بيد أنّ معظم من أعرفهم من المنخرطين في هذا التوجه هم عمليا ممن يوجد لديهم خلفيات أسرية سابقة للموضوع, أو لنقل أنّ أغلبهم حقيقة هم من (المتضررين) من السلطة بشكل عام.

ولكني أعود لأؤكد لك على الرغم من كل هذه الملاحظات التي أوردتها -ومن تجربتي الشخصية- أنني أستطيع أن ألمس أنّ النفس الشاب في العموم في البلد متجه نحو المعارضة"

وما سند دعواك هذه؟

"أعتقد أنك لو استفتيت معظم الناس اليوم -بشكل شخصي وحيث يشعرون بالأمان- فسيجيبونك بأنهم غير راضين عن الوضع اليوم, وعلى الأخص الشباب منهم, لذلك أعتبر أنّ للشباب ميلا باتجاه المعارضة, بيد أنّ ما يحيط بهذا الخيار من خوف وضغط أمني, ناهيك عن ضغوطات الحياة اليومية؛ يمنعهم من المشاركة المباشرة, على أنني متأكدة أنّه فيما لو أتيح متنفس لهم؛ فإنهم سيبادرون إلى المشاركة الفاعلة, وسيكون لهم دور كبير"

على الطرف المقابل بإمكانك أن تجدي حالة أخرى لدى شباب يخالفونك الرأي والخيار, ويقفون في صف من تسمينها (السلطة), وقد تتفقين معي أنّه ليس من الحكمة بمكان تعميم (النفعية) و(الانقيادية) عليهم جميعا, كيف تصفين طبيعة التعاطي مع هؤلاء الشباب المخالفين لك في التوجه السياسي؟

"بالطبع شباب كهؤلاء موجودون أيضا, وأنا أحمل لهم كلّ الاحترام, وإن اختلفت معهم بالرأي أو التوجه كما تقول, إذ ثمّة شباب في صف السلطة فعلا, وهم ليسوا على الحياد, بل يقومون بما في مقدورهم لخدمة هذه السلطة, بيد أنّ ذلك لا يدفعني لأن أشعر تجاههم بأي عداء, وما أتمناه عليهم هو أن يقبلوني هم أيضا, لنكون يدا واحدة.

أنا أتشرف أن أكون أنا والبعثي مع بعضنا بعضا, طالما اتفقنا على أنّ مفهوم الوطن هو مفهوم المشاركة"

تشترطين توفر بيئة صحية سياسيا لانطلاق الشبيبة من انعزاليتها عن الانخراط في الشأن العام, ولكن ماذا لو تأخر تمام هذه الشروط؟

"حقيقة, وعدا عن أولئك الذين يحملون قلوبهم على أيديهم من الشباب المعارض؛ فأنت لن ترى أحدا آخر, لأن السائد لدينا هو الخوف من الضغوط الاجتماعية والأمنية والاقتصادية, ما يجعل أيدي الشباب مكبلة في النهاية, لكنك تجد أحيانا من ضمن قيادات المعارضة -كي لا نظلم الجميع- من يشجع توسيع مشاركة هذه الشريحة الشابة, وهناك بعض الأسماء الشابة التي تجد فرصتها أحيانا وتكبر حجم مساهماتها مع الوقت.

من جهة أخرى نلاحظ أنـّه -ورغم ما يتعرض له الشباب من تهميش- من قبل الأطراف جميعها, فهم لم يتوانوا على سبيل المثال عن إبداء كل تلك الحماسة من أجل قضية العراق مثلا, وصار بعضهم يريد حتى أن يقاتل في ذلك البلد ضد الاحتلال, وهذا في الوقت ذاته يلفت النظر إلى مسألة غاية في الأهمية؛ وهي أنّ الشباب عندنا غير مثقف, وينقصه الوعي, الأمر الذي يجعله سهل الانقياد, ويصبح بالتالي قابلا للتجييش والاستخدام من قبل آخرين, على الرغم من وجود طاقات لا يستهان بها تنتظر الفرصة الملائمة للانطلاق"

بدخوله عامه الثالث, هل ثمة توجه داخل صفوف (إعلان دمشق) تكتل المعارضة الأبرز داخليا من أجل مراجعة من نوع ما لـ(سياسته) تجاه الشباب السوري برأيك؟

"لا أعتقد أنه يمكنني أن أفيدك كثيرا في هذه النقطة بالذات, إذ لست على اطلاع بما يتم التحضير له داخل الإعلان بالضبط, ولكن إيماني بهم يدفعني لتوقع أنّ ثمة ما يعدون له على هذا الصعيد, لابد".




2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بين (شيخ) الدين و(مريد) السياسة! -في الحزبية الدينية السورية


عشر بنادق أمريكية الصنع مع ذخائرها, عبوات متفجرة مصنعة محليا, أشرطة تسجيل لخطب ومواعظ دينية وأسلحة أخرى بينها رشاش؛ كانت –ودائما وفق الداخلية السورية- حصيلة

العملية التي قامت بها قوات الأمن في دمشق أوائل أيار2007 ضد (مجموعة إرهابية) استهدفت بناء مهجورا خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون في قلب العاصمة.

ولم ننتظر طويلا قبل أن تتدفق التحليلات يومها لتربط بين عناصر المجموعة التي قتل بعضهم في الحادثة واعتقل بقيتهم, وبين سوري آخر هو (أبو القعقاع), الشيخ الحلبي الذي ذاع صيته كمروج للفكر(الجهادي) بين الشبيبة السورية, والتي يقول محللون أن من هؤلاء الشباب بالذات من استقل عن شيخه (محمود كولاسي) أو (اسحق الدخيل) –أبو القعقاع نفسه- لينطلق في نشاطه الخاص الذي سمعنا بعض أخباره من (سانا) في دمشق وحلب وحماة, في إطار تصدي رجال الأمن لـ(خلايا تكفيرية) محلية, وذلك قبل أن يلقى الدكتور الداعية مصرعه على باب مسجد (الإيمان) -في حلب مرة أخرى- اغتيالا بالرصاص عن عمر 42 عاما.

تتكرر مقدمات من هذا النوع أحيانا –لا تخلو من مغزى- عندما يشرع بالحديث عن الشباب والتيارات الدينية, ومدى ارتباط واستفادة كل منهما من الآخر حركيا, لكنها -أي تلك المقدمات- نادرا ما تجد لها سياقا استطلاعيا أو استقصائيا متمما على الأرض, بعيدا عن التحليلي (التجميعي) والدراسي النظري على ضرورة كل منهما.

ومن نافلة القول الإشارة إلى كل ذلك الحبر الذي سال ويسيل, خوضا في ظواهر (المد الأصولي) و(الردة الدينية) و(الجهادية الجديدة) و(...), لكن تبقى التجليات السياسية بالذات لهذه الظاهرة-بعيدا عن الاجتماعي والخيري- مبهمة ومشوشة في واقعنا السوري, بفعل عوامل قد يدفعنا سردها إلى العودة إلى واحدة من تلك التحليلات التي سبق ذكرها.

والنتائج التي يخرج بها من يحاول تلمس بعض هذه الإرهاصات الحركية والتنظيمية لهذا التيار الديني بين الشباب السوري لا تشفي الغليل, لاعتبارات لها علاقة بالجو المحيط بهذا الموضوع في الثقافة السورية السياسية, إذ لا يمكنك أن تتوقع (في الظروف الطبيعية) مثلا أن يجلس إليك شاب من حزب التحرير ليتجاذب معك أطراف الحديث في مقهى الروضة, أو أن تأخذ موعدا من شاب من الإخوان المسلمين في مكتبه لـتتعرف على خطّه السياسي الراهن, هذا على فرض أنّ للتيارين المذكورين وجودا فعليا على الأرض اليوم.

فالقوانين السورية الراهنة (صارمة) فيما يتعلق بهذا الموضوع الحساس, وهي عموما تحظر –فيما تحظر- إنشاء أحزاب سياسية على خلفية دينية أو طائفية, وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو القانون 49 للعام 80 ذائع الصيت, والذي يقضي على منتسبي جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام (يتم استبدال هذه العقوبة مؤخرا بأحكام سجن طويلة), الأمر الذي يعيد إلى البال على الفور أحداث الثمانينات التي أقل ما يقال فيها أنها (مؤسفة).

وفي ظل كل ما يتم الحديث عنه من هذا المد الديني الذي لا تخطئ العين مظاهره وتجلياته الاجتماعية لا وبل الاقتصادية أيضا, يبقى الباب مشرعا أمام السؤال الموضوعي عن مدى استعداد الشباب السوري المتدين وحماسته اليوم لأشكال أخرى من التعبير عن ذاته وميوله, من نمط العمل الجماعي والتنظيمي السياسي المباشر, طالما أن البيئة المحيطة تتقبل -على ما نشهد- باقي مناحي أشكال التعبير تلك؟

وعن اعتقاده بوجود تيارات إسلام سياسي بين الشباب السوري تنتظر الخروج إلى العلن, يقول عبد الرحمن شاغوري الشاب الذي سبق أن أودع السجن بتهمة توزيع نشرة الكترونية يصدرها موقع على الانترنت محسوب على جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة:

"أريد أن أوضح شيئا في البداية, وهو أنه على الرغم من أني شخصيا ذو توجه إسلامي في العموم, لكنني هنا أتكلم بصفتي مستقلا وباسمي الشخصي, وأنا أرى بالفعل أنّ (الشعبية) على أرض الواقع هي بطبيعة الحال لهذا التيار الديني, بيد أنّ الحديث عن وجود تيارات سياسية ذات توجه أو طابع ديني وما شابه؛ أمر لا وجود له في سوريا نهائيا.

وأنا شخصيا –إذا سألتني- ضد فكرة الحزبية الدينية, والحزبية بشكل عام, لأن هذا الطرح يفترض إلى حد ما –ولغاية اليوم- أنّ عليك أن تسلـّم برأيك إلى جماعة بعينها, سواء أأمكن لك أن تساهم أو تشارك في صنع وانتخاب تلك الجماعة أم لا, وبالتالي يصبح من المتعذر عليك أن تقوم بأي فعل أو عمل –كبر أم صغر- من دون أخذ ضوء أخضر أو موافقة مسبقة من حزبك, كما يعني انتسابك إلى حزب أو تيار؛ قبولك وتبنيك بالضرورة كل موقف أو رأي أو قرار يقوم حزبك باتخاذه من قضية أو حدث أو شخص ما, وبالتالي تنعدم فرصتك في اتخاذ أي خيار أو اتجاه مغاير لما سلف, وإلا عرّضت نفسك لإجراءات حزبية انضباطية قد تصل حد الفصل أو الطرد مثلا...."

... ولكن الحياة الحزبية ليست بهذه البساطة, إذ يمكن الافتراض أنه وخلال آليات الحزب ذاتها؛ تستطيع التعبير عن رأيك وإبداء وجهة نظرك, ألا تعتقد ذلك؟

"مع كل الاحترام لما تقوله؛ لكنني لا أرى حديثك عن هذه (الآليات) مقاربة واقعية لـ(حالتنا) ولما يجري على الأرض, إذ لا يخفى على ذي بصر أنّ جميع أولئك الذين أردوا أن يخالفوا أحزابهم في قضية من القضايا أو مسألة من المسائل انتهى بهم المطاف إلى الانشقاق عن أحزابهم وتياراتهم الأم, وتشكيل أحزاب أخرى.

لدرجة أنـّه يوجد بين ظهرانينا اليوم –كما أعرف وتعرف- أحزاب كثيرة نشأت بالأساس عن ذلك الوضع الذي وصفت لك, ومن بينها يمكنك دون كثير عناء أن تجد (تيارات) مؤلفة من أشخاص يمكن عدّهم على أصابع اليد الواحدة!

ولكن, إذ سمحت لي فهناك شيء آخر حول موقفي هذا من الأحزاب..."

تفضل.....

" .... ما أسهم أيضا في تشكيل نظرتي من الحياة الحزبية المحلية كما تسميها, هو اعتقادي أن الإنسان في منطقتنا لم يصل بعد في تطوره الذاتي والاجتماعي حدا يمكنه أو يؤهله كي ينخرط في أطر كهذه (حياة حزبية.. كذا), ولهذا السبب بالذات؛ أعتبر نفسي اليوم من مناصري العمل الفردي المحض, وتمسي مؤطرات العمل الجماعي بهذا المعنى مرحلة جد متقدمة, ويفصلنا عنها اليوم من حيث نقف بون شاسع.

وإذا كان من أحد يرغب حقا في أن يضع أطروحة العمل الجماعي موضع التنفيذ -وأحد تمظهراتها هي حالة الحزبية موضوع أسألتك- فعليه أن يبدأ لا محالة من نقطة العمل على تكوين الفرد الواعي, وعلى الجميع عندها أن يبدؤوا العمل بشكل ذاتي على هذه الفكرة.

لذا-وبغض النظر عن أي موضوع آخر- علينا في البداية أن نتحصل على فرد قادر على الاستقلال برأيه وقراره.

وهذا الشخص من وجهة نظري لا وجود له بيننا اليوم."

ولكن التيارات الدينية عادة ما تنحو صيغ عمل جماعية, ووفق الشرط الموضوعي لظهورها, يكون لها (مداخلات) في الرأي السياسي العام بداية, وصولا إلى الحزب أو التنظيم السياسي الصافي, والذي قد تدفع باتجاهه العناصر الأكثر حماسة في المجموعة؟

"حسنا, لا أدري إن كان جوابي سيرضيك, ولكني أعتبر هذا الميل كما وصفته خطأ فادحا, ولا يمكنني النظر إلى حالات من هذا النوع على أنها حالات صحية يجب تعميمها.

ولا أجد بدا من أن أكرر لك أن ّ على الإنسان أن يملك بادئ ذي بدء المقدرة على انتقاء خياراته بنفسه, وبعد ذلك (قد) يكون من المستساغ أن يحصل التقاء أو تجمع من نوع ما لكل أو بعض أولئك الذين يملكون رأيا محددا لصنع تيار أو ما شابه.

وأنا في النهاية لا أعاند لمجرد المعاندة, إذ أقر معك أنّ المجتمع مضطر الآن أن يقاد عبر هذه القوى والتيارات الحزبية –مطلق أحزاب-, نظرا لغياب هذا الإنسان الواعي على المستوى السياسي كما على المستوى الديني, مع أنّ الأشياء تظهر فاقعة أكثر مع هذا الأخير بالذات, لجهة وضوح وجود (الشيخ) و(المريد) كمبدأ في هذا الإطار, والذي أكرر توصيفي له بأنّه خطأ لا يوصل إلى نتيجة"

بما أنك تحدثت عن (الشيخ) و(المريد), أليس من الأجدى في هذه الحال أن نشجع شكلا آخر للتعاطي يكون بناء العلاقة فيها أكثر (مؤسساتية) بين الطرفين المذكورين, بحيث يتم الحد من إعادة إنتاج هذه الأشكال القديمة التي تساعد على انتشار (البؤر) المغلقة, والمعزولة عن أي حوار أو حراك في البيئة المحيطة؟

"اسمح لي, هذه التيارات عاجزة عن توعية الفرد من خلال الجماعة أو الجماعات التي تؤسسها, وهي إن تمكنت من عمل أي شيء على الاطلاق لفرد من الأفراد؛ فهو سيكون بكل تأكيد تحويلا لذلك الشخص إلى فرد مطيع و(مطواع) ضمن الجماعة نفسها.

باعتقادي هناك نوع من (التدافع) يجب أن يحصل بين الأفراد قبل أن يصبحوا قادرين على الانتظام في جماعات من هذا القبيل الذي تتحدث عنه, أنا أصر على تهيئة (الإنسان) أساسا, لا عن تهيئة مسلم أو مسيحي أو ماركسي أو...,وهذا لن يتم على يد هذه الجماعات."

فماذا إذا عن هؤلاء المتدينين من السوريين الشباب الذين اختاروا تعبيرا سياسيا (متطرفا) في نظر بعضهم (إرهابيا) في نظر آخرين, فيما يعتقدون أنه طريق (الجهاد),ولك فيما وقع من حوادث في حلب, وريف حماة, ودمشق وريفها, في الفترة الأخيرة نموذج عنهم؟

"أعتقد أنّ الاحتقان الحالي والتضييق الموجود على الشباب يولد التطرف, ويفرز حالات تؤخذ على أنها مؤشر على التوجه العام لدى الشباب السوري, وهو استقراء خاطئ بطبيعة الحال.

الظرف الحالي هو الذي دفع –وبشكل استثنائي- باتجاه إفرازات من هذا النوع, إذ ليس كل الشباب (متطرفين) و(إرهابيين) و(انتحاريين).

الشباب لديهم أمل في هذه الحياة, إنما -وفي ظل أفق مسدود- من غير المستبعد أن تنمو مثل هذه الظواهر.

ناهيك عن أنّ الإعلام يلعب دورا أساسيا في التعميّة وتغييب بعض الحقائق, والدفع باتجاه تصورات محددة, تكون في الغالب الأعم سلبية الطابع, فإذا أخذنا مثلا (كلاسيكيا) عن شخص يفجر نفسه في مكان عام ويقتل ويجرح من كان حوله, نجد في المقابل لهذا الفرد عشرة أشخاص آخرين يجلسون بسلام في مكان آخر لمجرد الدراسة, وبالطبع وكما هو متوقع دائما يظهر ذاك على الشاشات فيما يغيب هؤلاء!"

إذا فأنت لست قلقا من أنّ مسودة قانون الأحزاب -المنتظر- لا زالت تلحظ على ما تسرب للاعلام منها عدم السماح بإقامة أحزاب على أسس طائفية ومذهبية؟

"باعتباري الشخصي, عندما يكون لديك نظريا أحزاب مؤسسة على أساس ووفق مبادئ دينية؛ فهذا يفترض منطقيا أنّ هذه الأحزاب مبنية على قاعدة أوسع من نظائرها القائمة على مبدأ القومية على سبيل المثال, وتجد على أرض الواقع أنّ هذه الأخيرة -الأحزاب القومية- مرخص لها بالعمل وموجودة على الساحة, بينما الأخرى محظورة.

إذ أنّ نطاق القومية أضيق من نطاق الدين, ويمكن لأي شخص أن يدخل حزبا دينيا, حيث من الممكن لأي كان أن يغير ملـّته من حيث المبدأ, وبالتالي يمكنه اختيار حزب ديني ما للانضمام إليه, بينما لا يمكن لأحد أن يغير قوميته بغرض الانتساب إلى حزب قومي معين.

والأحزاب اليسارية يمكن تصنيفها في السياق كأحزاب (دينية) تحمل أيديولوجيا معينة.

فلا أدري والحال هذه لماذا يمنعون الأحزاب الدينية؟

مع العلم أنني شخصيا ضد فكرة الأحزاب بالأساس كما أسلفت"

ما مصدر هذه الشكوك والتخوفات عند الأطراف التي لا تريد أن ترى أحزابا دينية سياسية برأيك؟

"حسنا, الإشكالية بنظري مع الإسلاميين, هي أنهم يـُقادون بشكل أسهل من غيرهم على أيدي المشايخ ضمن تراث ديني متسلسل وطويل, ومرجعيات روحية لا يمكن زحزحتها, إذ قد يكون في متناول اليد مثلا أن تنتقد مرجعية ماركسية, وتقول عن فلان منهم بأن فيه من الصفات كذا وكذا, أمـّا مناوأتك مرجعا دينيا فدونه الكثير من المحاذير والعقبات, ويصبح الأمر إذ ذاك أكثر تعقيدا لما يظنّ من ارتباطه بالإلهي."

وبالتالي فاهتمام الشباب السوري المتدين في ظل عدم وجود منفذ تنظيمي سياسي يجب أن ينصبّ برأيك على ....

"..... المشاركة في الشأن الحياتي العام, وهذه المشاركة لا تقتصر أبعادها على السياسي المحض كما يفهمه العامة, وأنا هنا أتكلم عن الشباب السوري بعمومهم ولا تخصيص لإسلامي عمّن سواه, لأقول أنّ نظافة الطرقات هي من الشأن العام مثلا, وهذه ليست دعوة للشبيبة أن يحملوا المكانس على ظهورهم ويبدؤوا بكنس الشوارع, أو أن يعمدوا إلى توعية الناس حول هذا الأمر بقدر ما هي رجاء منهم بأن يكفوا هم أنفسهم عن توسيخ تلك الشوارع.

مكافحة الرشوة مثل آخر, والرشوة كما يعرف القاصي والداني بلاء مستفحل, وهي ضد القانون و الأخلاق على السواء, وفي هذا أعود لأؤكد أنني لا أسأل أحدا أن يصرخ فوق المنابر تنديدا بالرشوة, بل أن يمتنع الشباب عن التعاطي بها ودفعها إلى الآخرين.

شيء آخر, على الشباب أن يعمدوا إلى قراءة القانون, فشبيبة البلد ليست لديها أدنى فكرة عما هي حقوقها وما هي واجباتها قانونا!

وأنا لا أسعى في هذا السياق وعبر دعوتي هذه إلى تقديم رؤية نقدية عن هذا القانون, ما هو أو كيف يجب أن يكون, بل أتعامل مع القانون كما هو موجود نصا, والذي نحن ملتزمون به إلى الآن."




2007

الحزبيون السوريون الجدد،دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

عندما يكون الهمُّ سوريا, والحزب .... فلسطينيا! -حزبيون سوريون في أحزاب غير سورية


(....ولكن أحلام الرجال تضيقُ)

ولعله –وعلى منوال عّجُز شطر بيت الشعر هذا- تضيق كذلك أحزاب الرجال بضيق أحلامهم وصدورهم, فلا تعود تنظيمات البلد وتياراته ومؤسساته السياسية وأطره الرفاقيّة -على ما تسوق له (دعوياتها) وتبشيراتها الوافرة- تتسع لأبناء البلد ذاتها.

أبناء البلد الذين يفترض بهم أن يكونوا لا غاية تلك الأحزاب والتيارات فحسب؛ بل وعقلها المشرع, وضميرها الناقد, وأداة برنامجها للعمل.

كل هذا بالطبع, على افتراض أننا نقرّ الشاعر إياه على شطر بيته الأول (لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها....).

وكما يلقي الشعر بين أيدينا أحيانا بإيجازه ومجازه ما قد تنوء بحمله المطولات فتعجز, كذلك يضع بين أيدينا هذا الشاهد القصير من تجربة شابـّة من شبابنا الحزبي السوري, إشارات ومدلولات تفقأ العين لو نظرت.

فقد لا يكون في ذلك القرار الذي اتخذته (ق.ف) ذلك الصباح -بعد طول تفكير- بالانخراط ضمن إطار مؤسسة حزبية بعينها؛ ما هو خارج عن المألوف بالنسبة للعديد من الشباب الحزبي السوري, بل وحتى غير الحزبي وغير السوري أيضا.

لكن الغرابة تكمن في أن تقع قرعة الشابة تلك في لحظتها المحكومة بشرطها ذاتا وموضوعا على تنظيم (فلسطيني) كخيار وحيد لانتمائها السياسي الأول, على غير ما قد تفترضه البداهة من خيار أقرب إلى الـ(طبيعيـّة الوطنيـّة), وهو الالتحاق بحزب سوري.مهما كان تصنيفه

لا يهم, مادام الحزب سوريا, طالما أنّ الهمّ في الأساس كذلك.

فما الذي تراه يدعو شبانا سوريين اليوم إلى الانخراط في أحزاب غير سورية –داخل سوريا- رغم توفر تشكيل حزبي من صناعة محلية لا يعدم في نهاية المطاف بعض التنوع؟

تجيب صاحبة الخيار المختلف بنفسها قائلة:

"السبب الأساسي في ابتعادي عن اختيار أي حزب سوري هو تشرذم الأحزاب اليسارية السورية, وكثرة النزاعات والخلافات فيما بينها, على الرغم من أنّ الكثير منها جاءت في الأصل من أرومة واحدة, وكان لها الجذر نفسه.

إضافة إلى قلقي الدائم من عدم قدرتي على التأكد من أنني أستطيع العمل مع أي من هذه الأحزاب أو التيارات من دون أن أوقع نفسي في متاهات المشاكل الداخلية المزمنة التي كنت أطّلع على بعض تفاصيلها الممضة من بعض الأصدقاء الحزبيين المنخرطين فيها.

كنت أعرف أنّ الخيارات الحزبية (السورية) متوفرة, لكن هذه التيارات على كثرتها وتنوعها لم تستطع يوما التوصل إلى حل لأي مشكلة مهما صغرت أو كبرت, ناهيك عن أنّ الشباب المنخرطين في صفوف معظم هذه التيارات لا زال ينقصهم الوعي السياسي الحقيقي والفاعل, ومن خلال اختلاطي بمعظمهم وجدت أنّ منهم من هو بالكاد يعرف أهداف أو غايات ما يفترض أنه يعمل و(يناضل) لأجله, في حين أنّهم جميعا يحفظون عن ظهر قلب أسماء مسؤوليهم وقيادييهم, وهذا ليس في الأساس ما كنت في طور البحث عنه عندما قررت الالتحاق بالمؤسسة الحزبية."

(ق.ف) والتي تبلغ من العمر اليوم 24 عاما, هي في هذا الـ(وضع) التنظيمي منذ ثلاث سنوات تقريبا, مع أنها كانت راغبة في الانضمام إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جناح (جورج حبش) منذ مدّة أبعد من ذلك, لكن اتفاقيّة سبق للفصائل الفلسطينية اليسارية أن وقـّعتها مع الجانب السوري –على ما تفيد (ق.ف)- تتعهد فيها بعدم تنسيب سوريين إلى صفوفها؛ حال دون أن تكون تجربة الحزبية الشابة أبكر مما كانت عليه.

أمـّا الطريقة التي تعاطى فيها الحزبيون الآخرون من الشباب السوري مع هذه (البدعة) التنظيمية على رأي أحدهم فتقول (ق.ف):

"واجهت في واقع الأمر العديد من محاولات الاستقطاب الحزبي من قبل كثير من التنظيمات السورية الأخرى، بيد أنّ كوني في (وضع) سري، وعملي من دون إعلان, حال دوني وأن أطلعهم على أنني منظـّمة سلفا، لكنهم اكشفوا ذلك لاحقا على أيـّة حال، وغالبيتهم كان لهم موقف إيجابي من الموضوع, إذ أكبروا انتمائي لهذا التنظيم الفلسطيني بالذات بسبب تاريخه النضالي المعروف, في حين أنّ قلة أخرى لم تبادر إلى إبداء أي تعليق يذكر, في حين أنّ آخرين قالوا لي بأنّ (مرجوعي) إليهم, حتى أنّ بعضهم عرض عليّ التعاون معهم في تنظيماتهم وإن بشكل (سري)"!

ولكن إلى أي حد لبى هذا النوع غير المألوف من النشاط الحزبي الذي اختارته (ق.ف) طموحاتها التي كانت تتوسمها في تنظيمها الفلسطيني, فارة من الحزبية السورية؟

عن هذا تقول:

"حقق لي ما أريد إلى حد بعيد جدا, ومن دون أية مبالغة, بيد أنّ (الملاحظات) من قبل بعض الكوادر والرفاق أحيانا تزايدت من حولي, خاصة عندما كنت أشارك –بشكل شخصي- في نشاطات تتعلق بأمور لها علاقة بالوضع الداخلي السوري...."

... ولكن ألم يخلق ذلك لك على مستوى من المستويات أزمة (هويـّة) من نوع ما, كونك في النهاية سورية, ومن حقك التفاعل عاطفيا و(حركيا) مع كل ما يمس هذا الموضوع, في حين أن ولائك التنظيمي والإداري هو في إطار آخر, وهو غير معني مباشرة بتقديم وجهة نظر فاعلة في المجريات السياسية السورية تحديدا, خشية أن يتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلد المضيف؟

"إلى حد ما؛ نعم, إنما على فترات متباعدة نسبيا, وقد شعرت في تلك الأوقات بالفعل بما قد أصفه بأنه نوع من الانسلاخ عن وضعي الاجتماعي والسياسي الحقيقي، خاصة وأنني أنتمي إلى جزء من البلد حيث الطبيعة الاجتماعية أصلا لا تسمح إلا بالقليل من النشاط، بسبب عقلية الأهل التي تضع دائما المحاذير الأمنية نصب عينيها فيما يخص التعاطي مع الشأن الحزبي والسياسي عموما, وتعمد دائما إلى التضييق على أبنائها ومحاصرتهم كي يتخلوا عن أي نشاط من هذا القبيل, أيا كان شكله, وبغض النظر عن الحزب و التنظيم, الأمر الذي جعل تفاعلي مع الشأن المحلي أصعب في الإجمال, بيد أني تمكنت لاحقا من (تدارك) هذا الموضوع وحله بالاتفاق مع مسؤولي الحزبي داخل المنظمة, والذي سهل عليّ الأمر في واقع الحال كون الحزب الذي انتميت ذا نظرة وأفق قوميين, وهنا أعود لأذكر أن مشكلة من هذا القبيل لو كانت واجهتني وأنا داخل حزب سوري لكنت في وضع أكثر حرجا بكل تأكيد"

سألتك عن ردة فعل الحزبيين الشباب السوريين, ماذا عن (رفاقك) الفلسطينيين, ألم يطلب إليك أحد منهم مثلا (العودة) إلى حزب سوري أيا يكن وكما هو مفترض بحزبية سوريـّة؟

"كان لدي بطبيعة الحال مشاكلي الخاصة بهذا الموضوع, ولكنها باعتقادي جاءت من كوني أنثى أكثر منها من كوني انتمي إلى جنسية أخرى غير فلسطينية داخل تنظيم فلسطيني, خاصة وأنني أنتسب في النهاية –وقبل انتسابي الحزبي- إلى مجتمع تسيطر عليه وتحكمه (الذكورة) في كثير من مناحيه, قد لا يستسيغ بسهولة وجود فتاة حزبية فاعلة, وكثيرة العمل، ومنظمة المواعيد والأنشطة، علاوة على أنها سورية أيضا.

والطريف في الموضوع أنّ هذه المشاكل أتتني من شباب ذكور في مثل سني, في حين أبدى الأكبر سنا تفهما أعمق لوضعي, ربما لأنهم سبق لهم وأن تعاملوا مع حالت تشبه حالتي من قبل"

أهم كثيرون أولئك الحزبيون السوريون الذين يتمتعون بما لديك من (ميزات) داخل تنظيمك الفلسطيني على حد علمك؟

"إجمالا لا، لكن المشكلة -كما يمكنك أن تتوقع- تكمن عمليا في عدم قدرتي على تحديد الرقم الذي تطلبه مني بدقة, على اعتبار أن من هم في مثل حالتي لديهم (وضع) سري, الأمر الذي يحول بيني و بين تقديم إجابة دقيقة لسؤالك, غير أنني أستطيع القول عموما أنهم في الغالب سيكونون في سن تكبرني على الأقل بـ20 عاما"!

لدى (ق.ف) ما يشغلها ويأخذ جلّ وقتها كباحثة تربوية, وإذا خطر ببال أحدهم أن يسألها ربما للمرة الألف (هل ستفكرين قريبا بالانضواء تحت جناح حزب سوري ما؟)

فإن جوابها لازال على حاله مع ابتسامة ذات مغزى:

"باختصار.... لا"!

_______________________________________

* مداولات من نمط أنّ الهم القومي العروبي طغى على أفق صاحبة التجربة التي بين أيدينا هنا فجعلها أميل للتعاطف مع الشقيق الفلسطيني النازف على حساب إدراكها لمصلحتها الوطنية العليا (بغض النظر عما بين الاتجاهين من تلاق أو طلاق أيديولوجي لدى القارئ), أو استنكار من قبيل (هل يكون حال الفصائل الفلسطينية على ما بينها من انقسام -وتناحر أحيانا- أرحم من حال فصائلنا الحزبية السورية؟),

وغيره مما قد يعن على البال سوقه من تبريرات جاهزة؛ إنما هي مقاربات وإن كانت لها وجاهتها في سياقها؛ غير أنّ محرر هذه المادة يزعم أنّها غير ذات موضوع هنا تحديدا.



2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!


شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بين السيد (الحزبي) والأجير (المحازب)! -تجربة مع اليسار السوري


لا يجد سعد روستان الممثل المسرحي الشاب بُـداً من الاتفاق مع الملاحظات والمشاهدات التي بات صداها يتردد بوتيرة متصاعدة مؤخرا, والتي تحاول استقراء ظاهرة ما أمسى يعرف -إعلاميا أقلـّه- بعزوف الشباب السوري عن المشاركة في الشأن العام لبلده, بل لعله -لا كشاب فحسب بل كحزبي سابق (ولاحق ربما)- يملك مفرداته الخاصة, التي يسعى على الدوام إلى إعادة تنضيدها ضمن سياق تجربته داخل هذا الحقل العام نفسه, الذي ينفر من الاقتراب منه شباب سوريون مثله.

".....بل إنّ الشباب اليوم يضمر حتى عدم الرغبة في البحث عن وسيلة ما, أو امتلاك مجرد حلم في أن يكون ذا تأثير على ما يجري حوله, أو أن يكون لديه دور وظيفي من نوع ما, وليس شرطا أبدا في نظري أن تمر هذه المشاركة حصرا عبر حزب من الأحزاب أو قوة من القوى السياسية, أو أن تجري تلك المساهمة في معركة كبرى.

فحتى التفاعل مع الشأن اليومي وتلوث البيئة على سبيل المثال انقرضت معالمه من حياتنا.

وبالطبع, هذه (الاستقالة) لم تسقط من الهواء, ويراها سعد نتيجة لتضافر مسببات عدة يأتي على رأسها "الخصوصية التي تمتلكها منطقتنا -شئنا أم أبينا- ولا مناص لنا من الإقرار بذلك, هذه الخصوصية تسببت مع عوامل أخرى في أن تجعل شبابنا تواكليين, وذوي منظور غيبي للأمور, الأمر الذي يمكن ردّه إلى (الثقافة الدينية) إن جاز لي التعبير, وهي الثقافة التي صنعت إنسان هذه المنطقة, واستغلتها القوى المختلفة والأنظمة الحاكمة لإخصاء أي طاقة من الممكن لها أن تكون فاعلة في يوم من الأيام.

ناهيك عن أنّ الشباب السوري إجمالا شباب غير مثقف, ويشكو من خلاصة تشوهات مرّ بها, وكلنا يعلم أن المثقفين هم أقدر الناس على لمس مصلحتهم و مصلحة (الجماهير), من خلال صيغ العمل الجماعي, أكثر منه اتكالا على الحلول الفردية الخاصة"

لماذا إذا –مادام الشباب السوري ميئوسا منه إلى هذه الدرجة - لا زال بعض الشباب يختارون العمل الحزبي ؟

"أنا لم أقل أنّهم كذلك –ميئوس منهم-, لأنه لا يمكنني رغم كل شيء أن أنكر تلك الطاقة الهائلة والمميزة التي يملكها هذا الشباب, والتي ساهمت بتخفيف وطأة ما نعانيه في مجتمعنا من مشاكل سياسية واقتصادية وغيرها, والتي كان من الممكن أن تكون تبعاتها أسوأ بكثير لو لم يمتلك شبابنا مثل هذه القوة, والتي تبدو وكأنها معجزة حقيقية.

أما بالنسبة للحزبيين منهم فيمكنني أن أقول أن خيارات من يعمل منهم اليوم على الساحة -على قلة عددهم- جاءت نتيجة مماحكة قريبة لـ(ظرف) من الظروف عرّفهم على الأوساط الحزبية والسياسية, الأمر الذي ربما دفعهم في النهاية إلى الدخول في صيغ تنظيمية.

فالغالبية العظمى من الشباب لا يعرفون تفاصيل نشوء القوى والأحزاب السورية, وهم يميلون عموما إلى اتخاذ موقف سلبي منها, والمشهد الإعلامي المحلي وأحاديث الشارع والمقهى غير كافية حتى اليوم بأن تطرح أمام الشاب السوري (الرؤية التنظيمية) كحل وخيار, وهي بالتأكيد ليست ما يساعد المتحزبين على الحفاظ على هذا الاختيار"

يوحي جواب سعد الأخير هذا بأن الشباب الحزبي ليس أسعد حالا من صنوه الذي أراد الابتعاد عن الأحزاب, وإذا كان هذا الأخير لم يدرس خياراته بشكل جيد قبل أن ينأى بنفسه عن خضم الحياة العامة؛ فإن الشيء ذاته ربما يكون قد حصل مع الحزبيين إنما بشكل معاكس تماما, فزجوا بأنفسهم في هذا المعترك كردة فعل ربما, ومن دون تبن حقيقي لأفكار الأحزاب التي وجدوا أنفسهم في صفوفها! وردا على هذا يقول:

"لا يمكن أن نعتبر أنّ الحزبيين غير مؤمنين بـ(الإيديولوجية) الحزبية التي اختاروا أن ينتظموا تحت شعارها, وإلا لما دخلوا هذه الأحزاب بالذات من الأساس, ولاختاروا إذن حلولا فردية محضة –كالباقين-, وحتى لو افترضنا أنهم يبحثون عن أي (خلاص) كان؛ فهذا بحد ذاته نضج كبير.

إذا أخذنا مثلا الحزب الشيوعي جناح (بكداش), رغم انه اليوم فصيل متكلس برأيي فعندما أرى في صفوفه شبابا لازالوا مستمرين في العمل داخله؛ فهذا في حد ذاته دليل على نضج ووعي كبيرين, لأنّ هذه الشبيبة لازالت مصممة على العمل

فهل تضمر إذا الآليات الحزبية أدوات تغييرية تلبي مطامح هذه الفئة الراغبة بالعمل؟

"لا اعتقد أنهم قادرون على تغيير أي شيء, وحتى لو أرادوا ذلك فلن تسمح لهم القيادات الحزبية بهذا, وكلامي يشمل الأحزاب جميعها.

وحتى لو سمحت تلك القيادات لشبابها بإنجاز تغيير ما؛ فذلك لن يكون إلا في الحدود الدنيا, وضمن (الجوانب) و(القشور) لا في بنية الحزب نفسه, لأنّ القيادات الحزبية -بنسب متفاوتة- هي عبارة عن (السلطة) نفسها, إذ هناك سلطة -بين قوسين- في حزب البعث, وهناك (سلطة) عند القوميين الاجتماعيين, وهناك (سلطة) عند الشيوعيين.

(الكرسي) موجود لدى الجميع, الأمر الذي حول هذه الأحزاب إلى دكاكين, والدكان عندما يجد صاحبها أن مستخدما من مستخدميه يقف عائقا بينه و بين ربحه, ولا (يشتغل) كما يريد, فهو ببساطة يرمي به خارجا.

وهذا لا يعني بالطبع التعميم المجحف بحق الجميع, ولا يطال قلّة من الرموز النظيفة داخل هذه القوى, رغم أنّ هؤلاء بدورهم قد يصدرون أمرا -على سبيل المثال- للكوادر الشابة بالنزول إلى الاعتصام الفلاني, أو القيام بالنشاط العلاني ثم وفي اليوم التالي (يضبـّون) هؤلاء الشباب, ويطلبون إليهم العودة إلى المقر, أو التزام بيوتهم, وذلك امتثالا لأمر ما صدر عن (الأجهزة)!

مع أنّ ذلك في النهاية أمر جيد بالعموم, كونه نوعا من العمل بما يتناسب مع قوتك و(حتى إشعار آخر).

ومن خلال تجربتي الشخصية بإمكاني أن أؤكد لك أنـّه كان هناك كذب من قبل القيادات على هذه الكوادر التي كانت تكتشف (الحقيقة) دائما بطرقها الخاصة, كان هناك تضليل وإخفاء للحقائق, وأنا امتلك وثائق وشهود على ما أقوله هنا -وهي بكل حال للحماية وليست للنشر- فالقيادات في هذه الأحزاب تحولت إلى تراث و إلى تقليد, وقد يصل الأمر في بعض الأحيان حد الصدام, والنتيجة أنّ الشباب يمسون خارج الحزب"

هذا الصراع الذي تصفه لنا في كواليس الحزبية, الإحباط , قلة الحيلة, إلى أين يمكن .....

(سعد مقاطعا...)

"....لحظة من فضلك, برغم كل ما تقدم, الشباب الحزبي اليوم لازال يرفض الاستسلام للممارسات الأميركية والصهيونية, ويرفض الديكتاتورية والاستبداد بالرأي في الخارج وفي الداخل, وهو أمر موجود عند الجميع على الإطلاق, على اختلاف أيدلوجياتهم وعقائدهم وقناعاتهم –وإن بنسب متباينة-, لكن الأمر يتجلى أكثر لدى هؤلاء الحزبيين الشباب كونهم يربطون القول بالعمل على الأرض, في الشارع, في المقر الحزبي, في المصنع والعمل الوظيفي, وهذا أمر يستوجب الاحترام"

المرارة التي لا تحتاج كثير عناء كي تتلمسها في عبارات سعد روستان نابعة في واقع الحال عن تجربة ذاتية خاضها في فترة من حياته, قد تعكس إلى حد ما تجارب كثيرين ممن ولجوا هذا الباب لحين, قبل أن يصفقوه ورائهم -أو يتركوه مواربا- على أحسن تقدير-, لكن في حين يرفض كثير منهم الحديث عما مضى, ونشر بعض (الغسيل الوسخ) في الجرائد باعتبار أنّ تلك الأحزاب (اللي فيها مكفيها) على رأي أحد أولئك؛ يبدو سعد أكثر استعدادا لمشاركة الآخرين (مرّه التنظيمي) إياه, يقول:

"التحقت في البداية بالحزب الشيوعي السوري جناح خالد بكداش, لكني لم أستمر معهم أكثر من سنتين بسبب العقلية السائدة وأسلوب العمل, ابتداء من عبادة الفرد عند خالد بكداش نفسه, وتحفظاتي على أداء آل بكداش داخل الحزب, علما أنّ هذه الملاحظات قد صحـّت عندما تم مؤخرا إطلاق اسم (شبيبة خالد بكداش) على (اتحاد الشباب الديمقراطي السوري) –التنظيم الشبابي في الحزب الشيوعي السوري-, إضافة إلى مسألة وجود الحزب ضمن الجبهة الوطنية التقدمية بحجة عدم نضوج الظرف الموضوعي لحراك من نوع آخر, مع أنّ الحزب ينتظر منذ عام الـ63 نضوج هذا الظرف -حتى لا أقول منذ أيام الوحدة والمشاكل مع عبد الناصر- إنما من دون بذل الجهد للعمل على إنضاج هذا الظرف على الأرض.

الحلقة المفرغة إياها على ما يصف سعد كانت داء من الصعوبة بمكان الإفلات من عدواه, حتى بين المنتسبين المستجدين ...

"....كل حزبي جديد يواجه نفس البيروقراطية, نفس الجمود, نفس محضر الاجتماع, وهو عندما يرى -أي الكادر الجديد- هذا التدهور الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي الذي يعاني منه الوطن, ثم ينظر إلى الحزب الشيوعي -الذي هو جزء من هذا الوطن- ويراه غير قادر على فعل شيء, فهذا الكادر سيدير ظهره و(يمشي).

إذ أنّ الفكرة الغائبة عني -كأمين عام أو قيادي حزبي- هي أنه ليس من المهم جلب حزبيين جدد بقدر أهمية خلق جو ومناخ حيوي يستطيع الحزب الحركة ضمنه. فالهدف ليس الإتيان بأناس جدد إلى الحزب ومن ثم وضعهم في الفريزر"

ولكنك لم (تتب) من تجربتك الأولى ....

(مبتسما) " ...هذا صحيح, عدت وتنظـّمت في صفوف قوة أخرى, بعضهم يقول أنها منشقة, وبعضهم الآخر يقول أنها مفصولة ومطرودة من حزبها الأم, والتي هي (تيار قاسيون)-اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين-, وهنا حصلت الطامة.

علماً أنّ تيار قاسيون من الناحية الفكرية و الإستراتيجية, ومن حيث شكل بناء العلاقة مع الآخر؛ أنضج من غيرهم في باقي الأحزاب اليسارية.

لكن ذلك لم يكن بفضل (قاسيون) كقوة ورأس هرم وخصوصية قيادية, بقدر ما كان -وفق تحليلي الشخصي- نتيجة صدفة تاريخية أوجدت أفرادا من الشباب الذين عرفوا كيف يجتذبون مزيدا من الشباب. والايجابي الذي حصل هو أنّ القيادة -ولأول مرة ضمن قاسيون- منحت كوادرها الشابـّة صلاحية العمل. وأنا هنا أذكـّر تلك القيادات -لئلا تنسى- أنّ الذي دعم ذلك التوجه وعزز منه داخل قاسيون وخارجه هو تصادف ما قاموا به مع انتقال البلد إلى نوع من الانفراج السياسي, الذي رافقه ظهور المنتديات وصالونات الحوار في البلد ...."

.....لكن اسمح لي هنا أن أذكرك بأنّ هذا يحسب لهم –وفق تصنيفك نفسك في كلام سابق- كونهم استثمروا الفرصة لـ(نضوج) الظرف الموضوعي الذي كنت تتحدث عنه!

"وهل كنا لننتظر منهم أن يناموا في بيوتهم وقتذاك؟ هذا عذر أقبح من ذنب فيما لو كان.

على كل لم يكن الظرف الداخلي الذي ذكرته هو المؤثر الوحيد في تلك الفترة, بل كان هناك أيضا الوضع العربي والإقليمي الذي رافق ذلك, ودفع إلى أن يتوحد خطاب السلطة مع خطاب القوى التقدمية, جنباً إلى جنب مع أماني وعواطف الشارع, فانتفت إلى حد ما الخطوط الحمراء, وصارت هذه القوى تنزل على الأرض تحت شعار وطني, مع عودة النفس القومي, وتعزز حالة الممانعة, وهذا التفاعل على الأرض ساهم في إنضاجهم –في قاسيون- وإظهارهم على خريطة الداخل السياسي.

لكن ما حصل لاحقا أنهم عادوا فيما بعد إلى عقلية (أبو عمار) –خالد بكداش- و(أم عمار), و(يوسف فيصل), و(رياض الترك), من خلال ممارسات قيادية غير مفهومة وغير مبررة,

إلا من منطلق المصلحة الشخصية, ما أفرز سلوكا ضد الماركسية, لا زال موجودا داخل التنظيم"

وأين كنت والشباب الحزبي من كل هذا الذي تصف؟

"في حالة قاسيون وإن حصلت فعليا تلك الممارسات, بيد أنها لم تمر مرور الكرام, باعتبار أن العنصر الشاب تسبب بنوع من الإزعاج للكادر البيروقراطي قي التيار لفترة طويلة, مما رفع سقف التعامل بين الطرفين, في حين كان كافيا فيما سبق أن يدخل رئيس الفرقة الحزبية مثلا ليقول –شفهيا- أنّ الموضوع الفلاني لا نريده أن يفتح ثانية, ليقفل الموضوع برمته, ولا يعود أحد للحديث فيه.

إلا أن ضريبة ذلك -الأخذ والرد بين الطرفين- هي التشرذم, وطرح بدائل أحيانا لا تقوم على أرضية ثابتة, كون تجربة الكوادر الشابة لاتزال غير مكتملة وغير ناضجة, وبالتالي غير قادرة بالضرورة على تأسيس حالة بديلة فيما لو تطلب الأمر ذلك"

وهذا ما دفعك إلى ترك الحياة الحزبية في حينه؟

"تماما, إضافة إلى أسبابي الذاتية المتعلقة بحياتي المهنية بعد التخرج, بعد أن كان وقتي في السابق مكرسا كله للحزب, حيث أنّ العمل السياسي يحتاج إلى تفرغ أو شبه تفرغ على أقل تقدير, بيد أنّ هناك كثيراً من الحالات التي يفيد بها المرء الأحزاب, من الخارج أكثر منه عندما يكون داخلها, وذلك تبعا لخصوصية الفرد وخصوصية الحزب.

وقد وجدت شخصيا أنّني كنت في الفترة التي واكبت فيها التنظيم من بعيد فاعلا أكثر, لأني كنت حرا أكثر, وعندما أكون حرا فأنا قادر حينها على عمل الشيء الذي أنا مقتنع به, رغم كل ما قد يشوبه من نواقص, بل إنني وتبعا لذلك أكون مفيدا للبلد قبل الحزب"

أليس من شيء يمكن لمسؤولي الأحزاب الذين تصب عليهم جام غضبك أن يفعلوه ليصلحوا من شأن تعاطيهم مع كوادرهم الشابة –على الأقل بالطريقة التي تفهم أنت شخصيا الإصلاح وفقها-؟

"يفترض سؤالك وجود قيادة جيدة للاستفادة من هذه الملاحظات, ولكن ماذا لو كانت هذه القيادة فاسدة -وهم يعرفون أنفسهم بأنهم فاسدون-؟

في هذه الحال هم إذا قرروا إفادة البلد والجماعة والحزب, فإنهم سيضرون بمصالحهم الشخصية.

ولكن في العموم, وفي ظل هذه المرحلة التاريخية الحساسة والدقيقة, فإن المطالبة بتغييرات جذرية داخل هذه القوى دونه تخوفات من حدوث اختلالات فيها.

فأن تطالب الأمين العام بالاستقالة, هذا سيؤدي أيضا –لحسابات تتعلق بهم- باللجنة المركزية والمكتب السياسي و...و...

وكل هذا مع عدم وجود من هو قادر على ملئ هذا الفراغ, في ظل عصر محكوم بالاختصاص العلمي. إذ لدينا -في الأحزاب اليسارية- منذ الخمسينات ما يدعي في الأدب بظاهرة (وفاة المؤلف), وبعد رحيل خالد بكداش -الذي ترجم البيان الشيوعي الأول- لم يعد هناك تنظير لليسار, أو حتى مفسرين للنظرية على الأقل لتستفيد منهم للكوادر الأصغر, هذه الكوادر التي تعتمد بشكل أساسي على ما يقدمه الحزب لها من نتاج نظري تثقيفي, والذي لا يكفي –عمليا- لكي يكون أي منهم قياديا داخل الحزب"

لا خلاص إذا إلا بـ...

"...المقاومة, كل من موقعه,!

فالمقاومة ليست حكرا على التيارات الدينية, ورصيد المقاومة هذه يأتي من الموروث والمعارف والخبرات, ومن الاجتهاد الشخصي بالدرجة الثانية.

وفي النهاية يبقى الجميع رفاقا على علاتهم ومشاكلهم, ولا يمكنني إنكار أنهم تعرضوا لحالة من النضج لم يتعرض لها غيرهم , وأنا بالنسبة لي شخصيا أفضّل أن يكون إلى جانبي في الشارع أو النادي أو المقهى أو السينما شيوعي, على أن يكون هناك شخص من مفرزات هذه المرحلة من متطرفين (طالبانيين).

ومجرد وجود أناس يدركون أنّ الصراع هو في حقيقته صراع طبقي, لا صراع حضارات أو صراع طوائف, وأنه تضارب مصالح بين مستغـِل و مستغَـَل؛ هو أمر مطمئن.

وأن تجد هناك من لا زال قادرا على الاعتصام عند تمثال صلاح الدين مثلا, أو عند المفوضية الأوروبية, هذا بحد ذاته مدعاة للتفاؤل, خاصة في ظل الظروف الراهنة ووجود قانون الطوارئ, وهو أمر يدعوني مجددا لإعادة الكرة والمحاولة من جديد.

لكن ليس إلى مالا نهاية بالتأكيد, فكل حزب تقدمي مهدد بأن يصل شبابه إلى مرحلة من اليأس فيديروا ظهورهم و(يمشو).

الناس طاقات, ولا يمكنك أن تطالب الشارع كله بأن يكون (طليعة).

لكني أنصح كل إنسان أن يمر بالمرحلة التنظيمية, وأن لا يستمع لما يقال له في البيت مثلا من قبل والديه لثنيه عن هذه الفكرة, لأنك بحاجة للانتماء ولمنهجة أفكارك, ناهيك عن أنـّه خارج الصيغة الحزبية لا يمكن إنجاز أي تغيير.

خلاصة كلامي أنـّه لا يمكنك أن تعتبر نفسك كحزب شيوعي (طليعة) متقدمة, وتعتبر نظريتك (أم النظريات), والأدوات التي تملكها؛ أكثر الأدوات نفاذا باتجاه الحلول, ثم تبرر لكوادرك أنك تتأثر بضغوطات, وأن المشكلة كانت أكبر منك!!





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بلد لكل محازبيه، ولكن... -البعث العربي الاشتراكي


"دعني أخبرك شيئا، لقد كنت في لبنان، وهناك لمست ذلك الوجود النافر للأحزاب والحزبية، وشهدت بنفسي كيف كان لكل من تلك الأحزاب المستقلة وجوده الفعلي على الأرض، وكان ذلك أكثر من واضح في الشارع، في المدرسة، في الجامعات، وسوى ذلك. لكن هذا الوجود الذي تحدثت عنه كان دائما يتخذ شكلا له طابع تناحري، إذ أن الحزبي في لبنان متطرف قولا واحدا".

بهذا الموقف استهل ثائر العبيد لقاءنا وأنا بالكاد سألته شيئا، كان التأثر باديا على وجهه وهو يتكلم، هو الذي يعرف مسبقا أنني هنا لأحاوره عن تجربته كحزبي شاب، ليستطرد من ثم بالحديث عن تجربته اللبنانية كطالب في جامعة بيروت العربية بالقول:

"الذي حصل أننا عندما ذهبنا إلى لبنان وشاهدنا أصدقائنا في حزب البعث اللبناني، ورأينا في نفس الوقت كيف أن حزب الله يدافع عن حزبه، والوطنيون الأحرار يدافعون عن حزبهم، والقواتيون يدافعون عن حزبهم، والكل يفعل ذلك باستماتة، شعرنا حينها بالضبط كم نحن مقصرون تجاه أحزابنا، لا البعث فحسب، بل وأحزاب الجبهة كذلك، لدينا للأسف أناس يحضرون الاجتماعات الحزبية ثم يخرجون منها كما دخلوا، فما الذي يقدمه أمثال هؤلاء لأحزابهم؟"

المحامي الذي يبلغ اليوم من العمر 32 عاما يذهب في مناصرته لحزبه البعث مذهبا غير مسبوق فيقول: "لا وجود في العالم لحزب كامل، وأنا كبعثي أؤيد حزبي في تطلعاته القومية منها والداخلية. هناك أخطاء و هناك عثرات، ولكن -كنظرة مستقبلية- أعتقد جازما أنه سيكون لحزب البعث شأن مستقبلي كبير لا على الصعيد السوري أو العربي فحسب؛ بل على الصعيد العالمي كذلك. وأنا أعتقد أن حزب البعث العربي الاشتراكي يشبه في هذا الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقا"!

وهنا يستدرك الحزبي المتحمس: ".... إنما بنظرة أخرى"، شارحا وجهة نظره "أنا لا أقول أنه –أي حزب البعث- مثل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق، بمعنى أنّ لديه نفس التصرفات ونفس الأهداف؛ وإنما كون حزب البعث سيستقطب مستقبلا أناسا كثيرين، باعتبار أنّ نظرته ليست نظرة إقليمية وإنما شاملة"

هنا كان لزاما علي أن أسأله عن الشيء الذي يجده في حزب البعث وليس موجودا في باقي الأحزاب السورية؟

ومن دون أن يحار جوابا يقول ثائر: "نحن هنا في سوريا وضع الأحزاب لدينا معروف، والنظام العام معروف، وحزب البعث يسير في توجه أنا شخصيا أدعمه في كل مناحيه.

وأرجو ألا تفهم كلامي على أنه تطرف لكني في واقع الحال أقول لك بأن النظرة العامة لحزب البعث هو أنه حزب شامل، وقوي وقادر على القيادة، كونه حزبا قوميا ذا نظرة بعيدة المدى،

وليس مجرد حزب إقليمي أو وطني يـُعنى بالمسائل الوطنية فقط. وحسبك أن تقرأ أهدافه لتتبين ماهيـّته وتميزه عن بقية الأحزاب"

ويثمن ثائر عاليا أهداف البعث المتمثلة في الـ(وحدة، حرية، اشتراكية)، ويعتقد أن لا وجود لأحد في هذا البلد يمكن له ألا يؤمن مثلا بالوحدة العربية: "منذا الذي لا يؤمن بالوحدة أو لا يريدها، هل ثمة أجمل من أن تركب سيارتك مثلا من هنا إلى الرباط دون أن يوقفك أحد، أو أن تذهب إلى السعودية من دون أن تحتاج إلى فيزا، ووكيل، وكفيل؟

الوحدة كلنا نريدها، والشيء ذاته ينطبق على الحرية، حرية المعتقد، والسياسة، والكلام... وهذه كلها أمور متوفرة لدينا اليوم".

ويعتبر ثائر أن ما يدور من أحاديث هنا وهناك تنال من سمعة البلد فيما يخص الحريات العامة "كلاما في الهواء"، ويقول: "أنا أتفق مع من يتكلم عن فترة مرت توجب على البلد أن تسير فيها ضمن طريق معينة، لكننا الآن نسير في طريق أخرى"، ويضيف: "سيادة الرئيس لا يمنعك من الكلام، والدليل على ما أقول اليوم؛ هو وجود كل وسائل الإعلام المستقلة تلك من تلفزيونات، وإذاعات، ومجلات، وهم كلهم يتكلمون بالطريقة التي تحلو لهم. لم يعد ثمة مشكلة في أن يبدي الإنسان رأيه، أما أولئك الذين لازالوا يشكون من هذا الأمر؛ فهم إنما يبنون رأيهم ذاك على تخوفات وهميّة لا أساس لها من الصحة."

ويعتبر ثائر أن المنابر الحزبية، واجتماعات المنظمات المختلفة هي الوسيلة المثلى والأجدى من اجل إيصال الأفكار و المقترحات إلى صناع القرار في البلاد، منتقدا الأساليب "الملتوية" الأخرى "المنظمات إطار موجود كي يمكننا الكلام عبرها، فأنا كعضو في حزب البعث بإمكاني أن أذهب إلى الاجتماع الحزبي و أتحدث بما أريد، أما أن أظهر على شاشات التلفزيون و لا أترك على البلد (ستر مغطى) فهذه ليست بالحرية"

حاملا على الذين يخالفونه الرأي في ذلك بالقول "أنا لا أعتبر أن المعارضة في سوريا معارضة حقيقية، وإنما هي تهديد"

مستطردا بحدة "ما الذي يريدون معارضته، أنا لدي إطار مؤسساتي و بإمكاني أن أتكلم ضمن إطار المؤسسات وأقول كل ما لدي، وإن لم يصل صوتي إلى صاحب القرار في المرة الأولى، لا بد أن يصل في المرة الثانية، إذ أنه يقع على عاتقي كمواطن أن أتكلم من موقعي. وأنا كمحام أتكلم من موقعي، ولدي نقابتي، وهي ملزمة بإيصال صوتي إلى وزارة العدل"

محذرا الشباب السوري من الانسياق وراء معسول كلام بعضهم، الذي لا يريد سوى إفراغ البلد من مؤسساتها "وبلد من دون مؤسسات و آليات (بتخرب)" ضاربا المثل بالحاصل على الساحة اللبنانية الداخلية.

"على العموم لا أحد يمنعهم من الحديث، وإذا كان لديهم شيء فليقدموه فربما تستفيد البلد منه"

ولا يخفي ثائر تبرمه من تلك الأسماء التي "يروج لها الإعلام" ولا يعرف أحد من أين اتت ولا على أين هي تريد الذهاب بنا

"هنالك من الشباب للأسف من يلتحق بأحزاب غير معروفة، أو يشارك في نشاطات (أكبر منه)، وانا أسال هؤلاء لماذا؟

ألمجرد أن ذلك الحزب معارض وغير معروف، أو أشياء من هذا القبيل؟ هل هذا يعقل؟

أمام الجميع أحزاب كثيرة ضمن الجبهة، وبإمكان أي أحد أن يوصل رأيه من خلالها، فلماذا يضع أولئك الشبان أنفسهم في موضع الشبهة؟"

ويخفف المحامي المتمرس لهجته قليلا ليقول "أنا شخصيا مع المبدأ الذي يقول بأن بلدنا سوريا يجب أن تتسع لكل أولادها، فلا يقولن أحد أنه بلا رأي ومن دون منبر، أنت لك رأي في موقعك، ولا أقوال في حزبك ، بل في عملك . أما أن تضع نفسك في مواقف (مشبوهة) ثم تتذمر من أنه لا يسمح لك بالكلام، فهذا وضع غير مقبول"

ويتحدث ثائر كيف أن التطورات التكنولوجية الأخيرة منحت الجميع مساحة تعبير غير مسبوقة، والشباب على وجه الخصوص هم المستفيد الأكبر منها، وهم الأقدر حتى على تثميرها كيف شاءوا "البلد بلد الجميع، والفرص متاحة أمام الجميع للتعبير عن آرائهم بشكل متساو، أي واحد منا بإمكانه اليوم أن يفتح الانترنت مثلا ليقرأ ما يشاء و يسمع ما يشاء ويكتب ما يشاء، من دون أن يقف أحد على رأسه، أو وراء شاشة حاسبه ليقول له لا تسمع هذا و لا تقرأ ذاك، و الأمر ذاته ينطبق على القنوات التلفزيونية الفضائية"

ولكن وباعتبارك محازبا وقانونيا في آن، ألا تعتقد أن تطوير البنية القانونية والتشريعية للحياة السياسية بات مطلبا تلح عليه كل الأطراف، بما فيها تلك الموجودة في سدة الحكم؟

"العوائق التي يتحدثون عنها وتمنع الناس أحيان من العمل والفاعلية هي في واقع الأمر عوائق وموانع ذاتية، وكامنة ضمن الأفراد والجماعات. هناك من يقصي نفسه عن العمل. وسيادة الرئيس يقول أننا نسير قدما في مسيرة التحديث و التطوير، وكل الأمور تسير خطوة بخطوة،

لأنه لا يمكنك أن تدخل على الانفتاح أو التطوير دفعة واحدة، في حين أنك غير مستعد له، وإلا كانت عاقبة ذلك التدمير الذاتي. (ومن تعجل الشيء قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه)، وهذه شريعة إلهية. الموضوع الذي تتحدث عنه تتم دراسته بتأن من أجل مصلحتنا، وإذا شئت أن تنهيه خلال يومين لأمكن ذلك، لكن النتيجة ستكون قانونا مهلهلا"

ويشكك ثائر في نوايا بعضهم من وراء هذه الاقتراحات مكررا دعوته الشباب إلى الاختيار من بين الأحزاب الموجودة على الساحة أصلا "أما إذا كان البعض ينتظر قانونا للأحزاب مفصلا على قياسهم فهذه (مسخرة) ليس إلا"

وبسؤاله عن الطريقة التي انتمى بها إلى حزب البعث يؤكد ثائر أن الأمر تم بعد اطلاعه على مجمل الأحزاب الموجودة

"لقد وجدت في حزب البعث حزبا يلبي متطلباتي أنا كشخص، كما أنّ حزب البعث مليء بأناس عظماء من ذوي التأثير الكبير، لا في سوريا فحسب، بل في الوطن العربي ككل، وأنا قمت بدراسة كل الخيارات التي كانت متاحة أمامي"

وعن السن التي بدأ فيها ممارسته الحزبية أول مرة يجيب ثائر "كنت في 16 من عمري"

ويضيف "هم سألوا –في المدرسة- عمّن يود الالتحاق بالحزب، وكانت طلبات الانتساب جاهزة، إنما لم يجبرنا أحد على ذلك، وأنا شخصيا لدي أصدقاء غير حزبيين كانوا معي في نفس المدرسة ونفس الصف، وهم لم ينتسبوا وقتها، أما إن كان ذلك عن قناعة أم غير قناعة فلا أدري ذلك شأنهم هم، في حين كان خياري أنا نابعا عن اقتناع"

وعن مدى اقتناعه عن أن الفرص متاحة أمام الأحزاب والتيارات الأخرى لاستقطاب محازبين من بين الشباب بنفس الطريق يعتقد ثائر أننا "في بلد لا يتوجب علينا الخوض في مثل هذه الأحاديث، ليس من أصل للكلام عن أن فلانا ليس بعثيا فلذلك لم يحصل على تلك الوظيفة أو ذلك العمل، هذا كله كلام في الهواء، وأمامك بقية الأحزاب، أليسوا أعضاء في الجبهة الوطنية التقدمية؟ أليس لديهم كلمتهم في تلك الجبهة التي يرأسها رئيس الجمهورية؟ إذن فبإمكانهم إيصال أصواتهم إلى رئيس الجمهورية مباشرة؟"

وعن شكوى أحزاب الجبهة الأخرى من عدم مقدرتها على العلم في أوساط الشباب يجيب ثائر محتجا "لا، السبب يعود إلى أن تلك الأطراف المذكورة مقلة بعملها داخل أحزابها، وأسباب تراجعها تتحملها هي، وهي في النهاية أسباب ذاتية قولا واحدا.

اذهب واسألهم هل يلتقون هم بالشباب في أحزابهم؟

أليسوا هم الآمرون الناهون في تلك الأحزاب؟(وأقصد القيادات من الصف الثاني والأول)

هل يلتفتون في ممارساتهم إلى الالتقاء بالقواعد لديهم؟

لماذا لا يفعلون مثلنا، نحن في البعث لدينا اجتماع كل 15 يوما، ونحن نلتقي دوريا مع قيادات الفروع في كل الفرق الحزبية"

ماذا عن ابتعاد الشباب أنفسهم عن تلك الاجتماعات، حتى من قبل بعض منتسبي البعث -كما سبقت الإشارة" الأسباب أسباب ذاتية بامتياز، والذين يجلسون في منازلهم من دون أن يفعلوا شيئا هم سلبيون تجاه أنفسهم و تجاه بلدهم و تجاه حزبهم، و لا يحسنون سوى النقد، هؤلاء الشباب المشار إليهم في سؤالك لا يريدون البحث عن ذواتهم، أنا وجدت ذاتي، و بعد عودتي من لبنان تحمست أكثر لحزب البعث العربي.

والدافع الذاتي هذا ينبع من الإنسان نفسه. عليك التحلي بروح المبادرة ومساعدة حزبك على سبيل المثال حتى في الاختصاص الذي تجيده في مجال عملك. أنا كمحامي أدافع عن حزبي بكل ما أوتيت من قوة، وأفعل ذلك لأني أحب حزب البعث، وهذه نقطة جوهرية"

هل تعتقد أن ثمة ما يمكن تحسينه في هذه الشروط الذاتية أو الموضوعية لممارستك الحزبية داخل البعث؟

"بصراحة، كلما وصلت إلى نقطة في التفكير حول ما يمكن أن تكون عليه الأمور بشكل أصلح؛ إلا ووجدت أن الرفاق في حزبي كانوا سباقين إلى معالجة تلك النقطة أو النقاط.

وأنا أدعو من هنا كل حزبي بعثي أن يعود فيتعمق في مبادئ حزب البعث خدمة لبلده، فالبعث

ليس في الساحة من يوم أو يومين، وإنما منذ أربعين سنه، وما زال واقفا، وسيظل واقفا".




2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بانتظار القدرة على التغيير في هذا البلد! -السوري القومي الاجتماعي


عندما التقيته ورفيقه نسيم كان مهيار لا زال يتحسر باشتياق على أيام الملتقى الذي جمعنا ومن أصبحوا بعدها أصدقاء لنا في دير مار موسى الحبشي منذ شهور في ندوة طرحت (التلاقي الثقافي وشبيبة الغد) عنوانا عريضا لها، والذي أكثر ما عنى مهيار منها في حينه هو تلك (الجَمعة) نفسها، والتي بإمكان المرء أن يخرج من مسامرات صحبتها بزاد لا يقل ثراء وأهمية عمّا يمكن له أن يستخلصه من ملاحظات محاضراتها.

وكان لافتا يومها استغرابنا المتبادل مع عدد من الحضور عن سبب غياب شباب مثقف حزبي عن المشاركة في أعمال اللقاء، والذي لم يكن في متن دعوته أو برنامجه أو مكان انعقاده ما يحول دون ذلك.

وقد جرنا هذا سريعا –إضافة لما دار من مناقشات شبابية في الندوات- إلى الحديث عن بؤس العمل العام لدى الشباب، واستنكافهم عن الإدلاء بدلوهم سياسيا واجتماعيا في الراهن والحياتي اليومي بما يخصهم ومحيطهم.

"أنا شخصيا لا أستطيع أن أتخيل شبابا مثلنا يعيشون ما نعيشه في مثل هذه الأيام وهم بعيدون عن الانتماء إلى أي حزب".

ويفسر مهيار وجهة نظره تلك بأن الشباب "ما لم يكونوا في إطار تنظيم معين فإنه من العسير عليهم أن يفهموا ما الذي يدور في هذا العالم، ناهيك عن اتكالية مفرطة لدى بعضهم تضعهم في دائرة الانفعال لا الفعل، والحزب من هذا المنطلق هو حاجة تلبي هذا الغرض بالذات".

سيقسم مهيار الطاير البالغ من العمر 29 عاما قسم الانتساب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأيام القليلة المقبلة وسينضم بذلك إلى قائمة الرفاق الذين يتطلع قدما إلى العامل معهم.

"اخترت الانخراط في صفوف الحزب القومي السوري الاجتماعي بالذات لأنه أكثر حزب أقنعني من بين الأحزاب الموجودة، وجعلني أحس انه من الممكن أن يوفر لي الحماية مستقبلا"

وهل سبق لك أن قمت بجردة لأفكار وتوجهات جميع الأحزاب السورية اليوم قبل إقدامك على هذه الخطوة مع هذا الحزب بالذات؟

"أنا على اطلاع على حزب البعث، وقد تعرفت على الحزب القومي السوري بالصدفة، فصرت أقرأ له كثيرا، أما ماهية الفرق الذي وجدته شخصيا بين البعث و القومي السوري على الرغم من أنّه لا خلاف بينهما لجهة علمانيّة كل منهما؛ فهو باختصار أنني رأيت أن (وحدة الإقليم) التي يقول بها القومي السوري أقرب من الوحدة العربية الشاملة"

ويبدو مهيار الذي يدير أعمالا حرة كما يصفها راضيا عن أفقه الجديد، يقول " لقد كانت حياتي من قبل محدودة في نطاق عملي فحسب، لكن و بمجرد دخولي إلى الحزب السوري صرت أملك صفة جديدة اكبر، من خلال اللقاءات والاجتماعات التي كنت أشارك فيها حيث أصبح لي ضمن جماعـتي صوت ما، خاصة وأنه يتساوى جميع الأفراد لدينا مع بعضهم داخل الحزب، أمّا المشاركة الفاعلة بالنسبة لي شخصيا فمؤجلة لحين أدائي للقسم".

وعن الطريقة التي انعكس فيها قرار مهيار اختيار الحياة الحزبية على نظرة المحيطين به نحوه، يجيب مبتسما "حسنا، نتيجة قلة الوعي والمعرفة بالحزب السوري القومي، والأفكار السائدة عنه -بعض الناس على اعتقادهم القديم بأنّ الحزب لا يزال ملاحقا- أقد وجد ممانعة وخوفا من قبل المقربين مني لدى معرفتهم بنيتي الانضمام إلى الحزب، لكني اعتقد أن عدم موافقة المحيطين بي على خياري بالتحزب يمكن له أن يزول شيئا فشيا، طالما أنني أحاول تعريف هؤلاء الناس من حولي أقاربا وأصدقاء على الحزب أكثر، وعندها ستزول هذه النظرة السلبية، على كل ثمة بوادر إيجابية على ما أقول تتمثل بأن شبابا من أصدقائي بدؤوا يطرحون الأسئلة علي حول هذا الموضوع ولو بدافع الفضول أحيانا، بل إن بعضهم طلب إلي أن أصطحبهم معي إلى اجتماعات (المواطنين) للتعرف على الحزب أكثر"

نسيم سارة يصغر مهيار بحوالي الأربع سنوات، لكنه سبق صديقه (المواطن) إلى (الرفاقية) داخل الحزب السوري القومي منذ فترة ويملك تجربة أكبر على هذا الصعيد.

وعن العلاقة بين السن والعمل الحزبي المنظم يؤكد نسيم بثقة ألا شرطا لازما بين الاثنين "فالزعيم أنطون سعادة كان لا يزال في 15 من عمره عندما بدأ يكتب مقالات في جريدة والده،

و كان ثمة قراء ينتظرون هذه المقالة، وبالتالي فالفرصة متاحة أمام كل الشباب لعمل شيء ما طالما أنهم يؤمنون بأنهم قادرون على ذلك"

وعن علاقته بمحازبي التيارات السورية الأخرى يقول نسيم "في الفترة الأولى كان من الصعب عليك كمحازب للسوري القومي أن تقدم نفسك للآخرين بصفتك الحزبية كون الحزب كان ضمن الأحزاب المحظورة، وكانت النظرة العامة في حينه سلبية تجاهنا من قبل هؤلاء الآخرين.

الآن تغير الوضع، وصار بإمكاني أن أجاهر مثلا باعتقادي أن الحزب السوري هو بالنسبة لي يمثل الأمل، ويتاح لي مجال أوسع اليوم للحوار مع أشخاص ذوي انتماءات أخرى، من حزب البعث من الشيوعي من حزب الوحدويين الاشتراكيين ....، وبالتالي نمكن اليوم من تبادل الأفكار حول أحزاب كل منا"

ماذا عن شباب سوريين آخرين ذوي خيارات سياسية معارضة؟

"ليس هناك اختلاط معهم بقدر ما هو اطلاع عام على الأفكار، ولكن ليس هناك حوار بالمعنى الشامل للكلمة، على الرغم من أنني لا أعتبر أن لقاء تم صدفة مثلا مع شخص قد يتبين لي أنه معارض يوجب عليّ أن أنال عليه إذنا من قيادتي لمتابعة الجلوس معه.

وفي رأيي هناك نوعان من هؤلاء الناس، أشخاص معارضون من أجل المعارضة ذاتها،

وآخرون لديهم شيء لخدمة هذه البلد لكن ما كان عليهم في رأيي أن يضعوا أنفسهم في خانة المعارضة، أو أن يسموا أنفسهم بهذا الاسم"

لدى نسيم عمله الخاص كمساعد مهندس والذي لا يتعارض من حيث المبدأ مع وضعه الحزبي، وإن كان نسيم لا ينكر أن متابعته للشأن المتعلق بالحزب رتب علي حياته أعباء إضافية، وحرمه مثلا من أيام العطل والإجازات، التي كان هامشها أوسع فيما مضى.

وعن مدى فعاليته ضمن دوائره المحيطة على أرض الواقع كمناصر وحزبي لديه توجه سياسي معين، يعتقد نسيم أن من الحكمة أخذ الأمور في سياقاتها الموضوعية، وعدم المزايدة في الطروحات على طريقة بعضهم: "أنا كحزبي سوري قومي اجتماعي لن أنزل بالطبع إلى الجامعة وأبدأ بتوزيع جريدة الحزب، أو ألقي بالمنشورات ذات اليمين وذات اليسار، لأنني أعرف أن هذا شيء مخالف للقانون، وأنا أعمل تحت سقف هذا القانون. بيد أنني حر في الحديث إلى أي شخص خارج الجامعة -حتى وإن كان جامعيا- ولي أن أجلس معه في المقهى أو في البيت، أو في مقر الحزب ولا عوائق بيني وبين ذلك، فكوني حزبيا لا يعني أن أخالف القانون، إذ لكل شيء مكان وأوان".

وهل تتيح لك القيادات الأكبر سنا داخل الحزب فرصة التعبير واتخاذ القرار، بما هو أوسع من المتاح لك في الخارج؟

ومع أن سؤالي لم يرق لنسيم تماما لكن ذلك لم يمنعه من التأكيد لي أنّ "القيادات في داخل الحزب فيها من القدامى وفيها من الشباب"، مستطردا "لا يمكنني كشاب حزبي القول أنه بمجرد أن يصبح أحدهم داخل الحزب بعمر 50 سنة مثلا يجب أن نرمي به خارجا، لأنك عمليا لا تستطيع الاستغناء عن هؤلاء الناس، خاصة عندما تكون في طور و ضع الخطط والبرامج على الورق، أما وقت التنفيذ فالعنصر الأكبر الذي ستحتاجه حينها هو العنصر الشاب. علما أن أي قرار يتخذ داخل الحزب يناقش مع الجميع، ولا علاقة بين إبداء الرأي وعامل السن أو العمر، كأن تكون مشاركة من عمره 16 بـ10% من القرار و من عمره 30 بـ30% القرار....!"

ويتدخل مهيار هنا ليقول "نحن كشباب لا يمكننا أن نتجاهل القيادات الكبيرة لأنها تظل خبرة في النهاية، لكن من الملاحظ فعلا أن الحركة لديهم بطيئة، فعلى سبيل المثال وجدت أن دور بعض القادة في تنظيم احتفال 16 تشرين ذكرى انطلاق الحزب كان أقل فاعلية من دور أصدقائي الشباب الذين عملوا على تحريك ذلك الاجتماع. القيادات القديمة تبقى كي نستفيد من تجاربها الأولى و صراعاتها حتى، خاصة في الفترة التي لم يكن فيها الحزب داخل الجبهة الوطنية التقدمية"

مستقبلا، لا يستبعد نسيم فيما يقول أن ينفض جزء من الحزبيين الشباب عن أحزابهم لا للاستقالة من الحياة السياسية برمتها أو للالتحاق بأحزاب منافسة، وإنما لتأسيس أحزابهم الخاصة، وعليه فقد نسمع يوما بحزب يعود تاريخ تأسيسه إلى الـ(2008) ويكون أكبر الأعضاء سنا في لجنته المركزية في عمر لا يتجاوز 33!

وذلك يظل أفضل من وجهة نظر نسيم من أن ينعزل الشباب نهائيا عن الحياة الحزبية، فنصل إلى يوم "لا نجد فيه قيادة للمجتمع".

أما بالنسبة إلى مهيار وإن كان يشاطر نسيما مخاوفه المستقبلية، غير أنه أكثر انشغالا بما هو فيه اليوم ويقول: "الفكرة التي تشغلني عندما أتحدث عن نفسي كحزبي، هي....

هل سيكون لهذا الحزب الذي انتميت إليه دور في هذا المجتمع؟

هل سيكون لدينا قرار أو قدرة على التغيير في هذه البلد؟

وهل هناك من سيحمينا إذا شرعنا في ذلك التغيير حقا؟".



2007