2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

... ومعارضون شباب؛ يضْـرَسون! -إعلان دمشق



المسألة ليست اختيارا.. فأحيانا يبدو من الصعب طرح الرأي دون الوصول إلى حده الأقصى، على الأخص إذا كنا ننظر إلى تاريخ كامل وليس إلى فترة قصيرة. فمايا جاموس ابنة فاتح جاموس تملك تجربتها الخاصة، حتى عندما قررت العمل كصحافية، فتاريخ والدها مازال امامها، سواء عندما اعتقل في الثمانينات، أو في نشاطه الحالي.

مايا تتحدث بشكل مباشر ودون تحفظ:

"على مدى سنوات طويلة جُمّدت التقاليد السياسية في سوريا لزمن آخر، وغابت أية حركة شبابية واسعة حرة ومستقلة عن قطاعات المجتمع كلها، وحلت محلها صيغ التنظيمات والمؤسسات السلطوية ومصادرة أي تطلع لحركة مستقلة.

ثمـّة مؤسسات تحيط بالفرد منذ بداية خلقه، تراقبه، وترسم له سلوكه اليومي، وكل الحراك الجريء الذي استطاع أن يبرز هنا أوهناك قوبل بالمنع والمضايقات بغرض جعل أولئك الأشخاص عبرة لمن يطمح بالعمل والنشاط السياسي الشبابي المنظم."

هكذا، ودفعة واحدة، تضع مايا جاموس أمامك ما تعتقد هي أنه الخلاصة الموضوعية التي من الممكن للمرء الوصول إليها إذا أمعن الفكر قليلا فيما حوله، وهي على كونها وفق رأيها (خلاصة) تظلّ - كما تصرّ مايا مرة أخرى- (المقدمة) الأمثل للحديث عن الشأن الحزبي السوري لدى الشباب، وتقول مبينة وجهة نظرها:

"أعتقد أنّ الجوانب القانونية التي تحكم العمل السياسي في سورية هي الأساس لمحاولتنا قياس وتتبع النشاط السياسي للشباب السوري.

فالدستور السوري الحالي ومجموعة القوانين المفسرة له، تحوي جميعها محاولات لتبرير احتكار السياسة من قبل طرف سياسي واحد، كما لو أن السياسة والوطن والنضال هي أشياء ومفاهيم خاصة بهذا الاحتكار، وتابعة لذلك الطرف السياسي، باعتباره وحده المسؤول عن مصائر الوطن.

وهذا يعني بالضرورة وجود معايير تمييزية بين الأحزاب والمواطنين، فهنالك حزب ومواطنون درجة أولى، وهناك الآخرون من درجات مختلفة.

الأوائل في الهرم إياه يساهمون فعلياً حسب ترتيب موقعهم في تحديد مصير البلاد الوطن وقيادة المجتمع، والآخرون منفعلون فحسب، بمن فيهم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

خاصة بعد أن نصّ ميثاق الجبهة ونظامها على أن العمل في القطاعات الرئيسية وحيث يتركز العنصر الشاب (الجيش والتعليم)؛ هو حكر على حزب بعينه، ممنوع على حلفاء الجبهة، وذلك لفترة طويلة من الزمن، فكيف إذا مع بقية الأحزاب والمواطنين؟

ولتعزيز هذا التوجه أُنشأت مؤسسات خاصة بالشباب ورديفة لهذا الحزب، ومرتبطة حصراً من لجهة قيادتها وبرامجها ونشاطاتها به، مع منع قيام أي مؤسسة موازية، وما هو موجود سلفا لدى بعض أحزاب الجبهة يأخذ صيغا غير قانونية، في حين أن القانوني منه موجود طالما كان (مرْضيا عنه) وإلا أنهي وجوده كما حدث مع (رابطة النساء السوريات) مثلا.

وكل هذا الاحتكار بحجة الخوف والحذر من انقسام المجتمع وانفلاته وتهديد وحدته الوطنية."

ولكن هل الحال أقل بؤسا برأيك على المقلب الآخر، وهل يوجد لدى المعارضة ما تقوله حقا للشباب السوري؟

"بإمكاني القول أنه وفي زمن مضى، استطاعت بعض القوى والتجارب السياسية أن تخترق احتكار العمل السياسي في قطاع الشباب، وأن تقوم بشد قسم منهم إليها مثل التيار الإسلامي في سوريا، حيث قام هذا التيار باجتذاب قسم كبير وواسع من هذه الشريحة، على عكس اليسار الجديد الذي اقتصر استقطابه للشباب على الحالات النخبوية.

لكن بعد مرور زمن طويل على العطالة التي حلتّ بالمعارضة السياسية السورية نتيجة المنع الدائم بكل أشكاله، لا يمكن أن يرد ذكر المعارضة اليوم في مناسبة من المناسبات إلا وستوصف فيها بالضعف والتفكك والنخبوية.

على أنّ المعارضة ذاتها من جهة أخرى تفتقد إلى أية برامج خاصة تخاطب من خلالها الشباب لشدهم إليها، ناهيك عن عجزها عن تجديد ذاتها وخططها ووسائل نشاطها بين تلك الشريحة المهمة من المجتمع."

بكلمات أخرى، فإن حصيلة تفاعل السوريين من الشباب مع هذه القوى التي تحاول أن تطرح في نفسها البديل عن السلطة الحالية؛ هي باختصار (صفر)...

"...ولكن عليك أن تأخذ بعين الاعتبار أمرا مهما، وهو أنّ هناك دائما تخوف من قبل قياديي بعض القوى في هذه المعارضة -كحزب العمل الشيوعي على سبيل المثال- من قبول وتنظيم أية حالة شابة جديدة، وذلك خوفا عليها من المضايقات التي قد تتلقاها من طرف السلطة.

وهنا يمكن لي أن أسجّل ملاحظة تخص الشباب المستقطب من قبل اليسار المنضوي تحت جناح الجبهة (الجبهة الوطنية التقدمية)، لجهة أنّه هو أكبر وأوسع شريحة من الشباب المستقطب حول اليسار الآخر المعارض (حزب العمل الشيوعي، حزب العمال الثوري، انقسامات حزب الشعب، بعض المجموعات اليسارية التي غادرت الشيوعية الرسمية، اليسار الكردي)، بسبب استمرار ملاحقة السلطة لهذه القوىا.

والأمر ذاته ينطبق على التيار القومي المعارض (الاتحاد الاشتراكي بشكل أساسي) على الرغم من أنه لم يتعرض لمضايقات مشابهة للآخرين، بيد أنّه خضع بدوره للتضييقات ذاتها فيما يخص نشاطه مع الشباب."

إذا فاليسار الذي يمكن احتسابه على التكوين السياسي الرسمي حقق بعض التقدم على الأقل باتجاه شرائح الشباب،

ألا يمكن لهذا أن يكون مؤشرا على أن خيارات الجيل الجديد السياسية لا تسير وفق ما تشتهيه مراكب المعترضين على السلطة؟

"أعتقد أن هذا الأمر مثير للاهتمام، ويبدو لي هنا مشروعا ذلك التساؤل حول بعض الظواهر الشبابية المرتبطة ببعض أحزاب الجبهة بشكل خاص كما ذكرت، مثل الحزب الشيوعي و(اتحاد الشباب الديمقراطي أو شبيبة بكداش)، وأحد تيارات الحزب القومي السوري المنقسم، إذ تجد هنا استقطابا مهما لبعض الشباب السوري، لكن يصعب في الحقيقة الجزم فيما إذا كان سبب ذلك يعود إلى تأثر هؤلاء الشباب بإيديولوجيا وسياسات تلك القوى المذكورة عن وعي وخيار حقيقيين، أم أنّ ذلك كله يعود لمجرد رغبة من قبل بعض الشبيبة بممارسة عمل سياسي وثقافي واجتماعي غير مكلف أمنياً، وتتغاضى السلطة عنه رغم عدم مشروعيته من منظورها؟

من جهة أخرى كان هنالك محاولات عديدة من طرف قوى المعارضة السياسية لشد الشباب إلى الحوار عبر ما يشبه الصالونات والمنتديات، والنشاطات المناهضة للعولمة والصهيونية، لكن تلك الوسائل ظلت بدائية ولم تتبلور آفاقها تماما."

وبالتالي كيف توصفين الآن حال "شباب المعارضة" إن صح التعبير.

"الموجودون حالياً هم نخبة ضيقة من الشباب المهتم بالشأن العام والقضايا السياسية والوطنية الأساسية، وهذه النخبة متأثرة بطبيعة الحال بالنخبة الأولى والجيل السابق والأكبر سنا، وتدور عمليا في فلكها، بل يمكن القول إن غالبيتهم يمتون بصلة نسب بهذا القدر أو ذاك إلى عوائل وأسر تلك النخبة الأقدم، كما أن الاتجاهات السياسية والثقافية والفكرية القائمة في وسط هذه النخبة الضيقة من الشباب هي في المحصلة؛ ذاتها اتجاهات النخبة الأولى.

أما الاتجاه الآخر للنخب الشابة فيندرج ضمن الاهتمام بثقافة حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومناهضة العولمة.

وبين هؤلاء تجد مثلا شبابا هاربين من المسائلة إلى مؤسسات هي في واقع الحال أدنى من مؤسسة الحزب، وبالتالي فهي تشكل خيارا أقلّ تهديدا من الناحية الأمنية، كما تجد في صفوف هؤلاء كذلك شبابا سوريا سبق له أن قرر الابتعاد عن دائرة الأحزاب نتيجة موقف سلبي له منها، رغم أنّه قد لا يكون بالضرورة مطلعا عليها أو على برامجها ونشاطاتها بشكل جيد وعن قرب، بل على الغالب بسبب مواقف مسبقة وردود فعل على مسائل محددة."

أليس هذا حكما قاسيا على الشباب السوري اليوم؟

"لا أعتقد ذلك، إذ يمكنني القول اليوم أنّه لا وجود اليوم بين شبابنا السوري من يملك ما يمكن أن نطلق عليه (وعيا شابا مستقلا)، قادرا بالتالي على إنتاج نشاط أو حراك سياسي شبابي مستقل.

وحتى تلك الحالات التي أمكن لها أن تفلت من إسار هذا التعميم ولو جزئيا ً(مثل مجموعة اعتصام حلب) كحراك شبابي معاصر وحديث، ظلت هي الأخرى مستقطبة إلى حد ما، كما عانت بدورها أيضاً مما وقع عليها من عقوبات شديدة تراوحت بين السجن والفصل من الدراسة.

بيد أنّه تبقى برأيي أكثر المجموعات الشبابية استقلالاً؛ هي تلك التي لا تحددها نواظم فكرية أو سياسية أو تنظيمية، بل تربط فيما بينها كما هو واقع اليوم علاقات (شبكة الانترنت)، مع كل ما قد يعنيه ذلك على صعيد نمو (وعي) من نوع ما، ونشوء صنف من (العمل) السياسي والشبابي؛ خارج إطار مجتمعنا السوري، بين جدران البيوت، وبعيدا عن ضوء الشمس.

حيث يمكن تفادي المساءلة الأمنية، وراء الأسماء الوهمية والحيل التقنية."

ماذا عن خياراتك الشخصية بهذا الخصوص؟

"بالنسبة لي، أعتبر نفسي متابعة للشأن العام والقضايا الوطنية الأساسية عبر وسائل عديدة منها الكتابة، وأحاول البقاء على تواصل وإطلاع على أهم الحراكات في الوسط السوري، وخاصة الشبابية منها.

لم ألتحق بأي حزب سياسي للأسباب ذاتها التي سبق لي تفصيل الحديث فيها، وأنا -كغيري- بانتظار قانون حضاري وديمقراطي للأحزاب يسمح بإعادة الحياة السياسية إلى سوريا.

ورغم أنّ خياراتي بالمجمل هي خيارات غير حزبية، وبالتالي من المفترض بها أن تكون غير مكلفة أمنياً، فأنا أتعرض إلى مضايقات أمنية بسبب نشاطي وبسبب كوني ابنة معارض شيوعي، إذ أنني محرومة من السفر خارج البلاد، كما سبق وتم استدعائي للتحقيق ثلاث مرات حتى تاريخه بسبب مقالة نشرت لي حول أحد أحياء دمشق السكنية، وهذه القضية لم تغلق حتى الآن.

وأنا شخصيا أعتقد أن ما تعرض له والدي من اعتقال لفترة طويلة (حوالي 19 عاما)، إضافة إلى الثمن الذي دفعته أنا وعائلتي بسبب خيار والدي السياسي، وما أعرفه شخصيا عن عائلات وأسر أخرى في سوريا تعرضت لعقوبات مماثلة وربما أكثر قسوة، كان كفيلا في البداية بصدي عن ممارسة أي سياسة أو مشاركة في أي شأن عام، بيد أن الأمور اتخذت منحى آخر لاحقا، وتطور لدي فيما بعد وعي واهتمام شخصي بتلك المسائل بالذات."






2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

شباب المعارضة بين (سلطتين) -إعلان دمشق


كان لافتا ما تناقله بعض الإعلام المحلي عن أطراف في إعلان دمشق تنوي –والأعمال بالنيات- إقامة ما يشبه (لجنة شبابية) داخل الإعلان يكون من شأنها تسهيل "الانفتاح على شرائح جديدة في المجتمع السوري", بعد أن أثبتت الوقائع أن المشكلة الرئيسية التي واجهت المعارضة سياسياً وفكرياً عبر السنوات الماضية –والكلام دائما على عهدة الراوي- هي

"الفشل في التواصل ومن ثم التأثير على الشعب السوري بشرائحه المختلفة", خاصة وأنّ التوجه إلى الشباب "لم يأخذ حتى الآن مداه الحقيقي, بل ربما لا يزال في إطار الأماني والرغبات".

وكانت فكرة وجود هيئة شبابية من هذا النوع ظهرت قبل ذلك مع نشاط منتدى جمال الأتاسي -قبل إغلاقه منتصف 2005- الأمر الذي (عارضته) في حينه بعض (المعارضة) نفسها!

كما يتأكد ذلك من مطالعة تعليق سهير الأتاسي ذاتها على الأمر والتي تقول:

"كان التصدّي بداية لهذا المشروع من طرف بعض العقليات الوصائية النخبويّة في المعارضة، والتي رأت أن هذا النشاط (سيسير بالمنتدى نحو الهاوية)، و(سيتسبّب بالهبوط بسويّة المنتدى)..تلك العقليات التي لا ترى في الشباب إلا (قلّة الخبرة وعدم تحمّل المسؤولية والطيش والمبالغة في الحماس والاندفاع)".

ولا تبدو هند اللبواني ابنة المعارض كمال اللبواني مؤسس الاتحاد الليبرالي الديمقراطي في سورية بعيدة عن هذا الطرح, بل لعل لديها ما تضيفه بعد إلى النقد آنفا, تقول هند:

"بما أنني أنتمي إلى المعارضة بالأساس فدعني أقول لك أنّ الوجوه البارزة اليوم في هذه المعارضة كلها قديمة, وذات خلفيات ورواسب لا تناسب في الحقيقة تطلعاتنا كشباب, كما أنها تحوي في صفوفها أحزابا وتيارات أثبتت فشلها في الماضي, وهي لا تقدم أي فكر جديد, الأمر الذي يلقي على عاتق الشباب فيها واجبا كبيرا ومهمة ضخمة, من أجل بناء شيء حديث

يناسب تطلعاتهم ورؤاهم, شيء خاص بهم وبالوطن الذي سيصبح لهم"

ولكن أغلب من يتحدثون اليوم من وراء المنبر المعارض يعتبرون أنفسهم ممثلين على نحو ما لفئة يرونها كبيرة من المجتمع السوري اليوم, ومن ضمنهم الشباب بطبيعة الحال, فإلى أي حد ترين هذا التمثيل صحيحا فيما يخص الشريحة الشابة بالتحديد؟

"أنا شخصيا أكنّ كلّ الاحترام لأحزاب المعارضة وشخصياتها الوطنية, ولا ننسى هنا أنّ منهم من أمضى في السجن أكثر من عقد من الزمن, وهم في النهاية رموز وقدوة لنا كشباب, بيد أنـه لا أخفيك أنني (أخاف) من (فكرهم), وأنا غير راغبة صراحة في إتباع نهج وأسلوب كهذا.

يمكن لشباب آخرين بطبيعة الحال مشاركة تلك الأحزاب رؤاها ومنطلقاتها سواء في حال كانوا -أولئك الشباب- مقتنعين ومؤمنين بها, أم مجرد أتوها من باب الأمل بإحداث تغيير ما عبرها, وكونها هي المتاح فحسب, وهو على أية حال شأن احترمه فيهم أيا يكن الأمر, وأشجعهم عليه طبعا كشباب"

وفيما لا يزال الدكتور كمال اللبواني -والد هند- يخضع للمحاكمة أمام محكمة الجنايات الأولى بدمشق بتهمة (الاتصال بدولة أجنبية وتحريضها على ممارسة العدوان على سوريا), بعد أن أُلقي القبض عليه عائداً من رحلة استمرت بضعة أشهر في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية, تصر هند على أنها لم تخض بعد تجربة حزبية كاملة حتى ضمن الحزب الذي سبق لوالدها أن أسسه وسبقت الاشارة إليه.

"بالنسبة لي شخصيا لم يسبق لي أن دخلت في أي تنظيم حزبي حتى الآن, ولو فكرت يوما في الإقدام على ذلك فلن أختار إطارا تنظيميا باليا ومنتهيا كـ(فكر) لأنتسب إليه, من نمط تلك الأفكار الانغلاقية, والتي تنادي بالثورة بالمفهوم الشيوعي والقومجي.

أنا في الحقيقة أميل أكثر إلى الوقوف مع الثقافة المبنيـّة على حرية الفرد, والانفتاح الاقتصادي,

والحب و التآخي مع الناس والمجتمعات الأخرى, بدون حدود القوميات, وبدون تعصبـّات, وأنا أجد نفسي أقرب في واقع الحال للتيار الليبرالي كتوجه, أنا أدعم هذا الفكر, وأتمنى أن يكون هناك في سوريا تنظيمات ليبرالية حقيقية بكل معنى الكلمة, عندها سأكون جزء من هذا الحراك بكل تأكيد"

ولكن ماذا عن الشبيبة الموجودة أصلا في صفوف قوى المعارضة, من حيث فرصها في إحداث تغيير نوعي ما في بنية أو مفاهيم تلك التيارات التي ترفع التغيير شعارا لها أصلا؟

تجيب هند:

"بالطبع لن تعدم مشاركتهم التأثير في تلك التيارات والقوى, بل إن ذلك قد يكون فرصة أمام تلك الأحزاب بالذات من أجل السعي نحو شيء من التجدد.

بيد أنّ سؤالي يكمن في مقدار المجال الذي سيملكه هؤلاء الشباب للحركة ضمن تلك الأطر من دون أن يكونوا مهمّشين؟"

ما هي دواعي القلق لديك على هذا الصعيد؟

"الشخصنة"

كيف؟

"شخصنة القضايا مرض موجود لدينا في المعارضة, حيث نلاحظ دائما كيف أنّ (زعيم) الحزب يبقى زعيم الحزب, و(الصغار) يظلـّون صغارا!

ما أقصده هو أنّه ليس هناك تعاط مع الشباب على أساس أنّهم ند ونظير, ومن خلال هذا النوع من الممارسات بالذات يحصل تهميش للشباب, مع أنني أؤكد مجددا على ثقتي وتضامني مع الجهد الذي يحاول الشباب بذله دائما على هذا الصعيد"

ماذا تقولين في الطرح الذي يصف التكتل المعارض اليوم داخل البلد بأنه وبامتياز (حالة عائلية), أكثر منه امتدادا موضوعيا في نسيج المجتمع؟

"مع أنهم قلائل في واقع الأمر؛ لكن يوجد هناك بالطبع شباب معارض من خارج هذه (الحالة) التي تتحدث عنها, بيد أنّ معظم من أعرفهم من المنخرطين في هذا التوجه هم عمليا ممن يوجد لديهم خلفيات أسرية سابقة للموضوع, أو لنقل أنّ أغلبهم حقيقة هم من (المتضررين) من السلطة بشكل عام.

ولكني أعود لأؤكد لك على الرغم من كل هذه الملاحظات التي أوردتها -ومن تجربتي الشخصية- أنني أستطيع أن ألمس أنّ النفس الشاب في العموم في البلد متجه نحو المعارضة"

وما سند دعواك هذه؟

"أعتقد أنك لو استفتيت معظم الناس اليوم -بشكل شخصي وحيث يشعرون بالأمان- فسيجيبونك بأنهم غير راضين عن الوضع اليوم, وعلى الأخص الشباب منهم, لذلك أعتبر أنّ للشباب ميلا باتجاه المعارضة, بيد أنّ ما يحيط بهذا الخيار من خوف وضغط أمني, ناهيك عن ضغوطات الحياة اليومية؛ يمنعهم من المشاركة المباشرة, على أنني متأكدة أنّه فيما لو أتيح متنفس لهم؛ فإنهم سيبادرون إلى المشاركة الفاعلة, وسيكون لهم دور كبير"

على الطرف المقابل بإمكانك أن تجدي حالة أخرى لدى شباب يخالفونك الرأي والخيار, ويقفون في صف من تسمينها (السلطة), وقد تتفقين معي أنّه ليس من الحكمة بمكان تعميم (النفعية) و(الانقيادية) عليهم جميعا, كيف تصفين طبيعة التعاطي مع هؤلاء الشباب المخالفين لك في التوجه السياسي؟

"بالطبع شباب كهؤلاء موجودون أيضا, وأنا أحمل لهم كلّ الاحترام, وإن اختلفت معهم بالرأي أو التوجه كما تقول, إذ ثمّة شباب في صف السلطة فعلا, وهم ليسوا على الحياد, بل يقومون بما في مقدورهم لخدمة هذه السلطة, بيد أنّ ذلك لا يدفعني لأن أشعر تجاههم بأي عداء, وما أتمناه عليهم هو أن يقبلوني هم أيضا, لنكون يدا واحدة.

أنا أتشرف أن أكون أنا والبعثي مع بعضنا بعضا, طالما اتفقنا على أنّ مفهوم الوطن هو مفهوم المشاركة"

تشترطين توفر بيئة صحية سياسيا لانطلاق الشبيبة من انعزاليتها عن الانخراط في الشأن العام, ولكن ماذا لو تأخر تمام هذه الشروط؟

"حقيقة, وعدا عن أولئك الذين يحملون قلوبهم على أيديهم من الشباب المعارض؛ فأنت لن ترى أحدا آخر, لأن السائد لدينا هو الخوف من الضغوط الاجتماعية والأمنية والاقتصادية, ما يجعل أيدي الشباب مكبلة في النهاية, لكنك تجد أحيانا من ضمن قيادات المعارضة -كي لا نظلم الجميع- من يشجع توسيع مشاركة هذه الشريحة الشابة, وهناك بعض الأسماء الشابة التي تجد فرصتها أحيانا وتكبر حجم مساهماتها مع الوقت.

من جهة أخرى نلاحظ أنـّه -ورغم ما يتعرض له الشباب من تهميش- من قبل الأطراف جميعها, فهم لم يتوانوا على سبيل المثال عن إبداء كل تلك الحماسة من أجل قضية العراق مثلا, وصار بعضهم يريد حتى أن يقاتل في ذلك البلد ضد الاحتلال, وهذا في الوقت ذاته يلفت النظر إلى مسألة غاية في الأهمية؛ وهي أنّ الشباب عندنا غير مثقف, وينقصه الوعي, الأمر الذي يجعله سهل الانقياد, ويصبح بالتالي قابلا للتجييش والاستخدام من قبل آخرين, على الرغم من وجود طاقات لا يستهان بها تنتظر الفرصة الملائمة للانطلاق"

بدخوله عامه الثالث, هل ثمة توجه داخل صفوف (إعلان دمشق) تكتل المعارضة الأبرز داخليا من أجل مراجعة من نوع ما لـ(سياسته) تجاه الشباب السوري برأيك؟

"لا أعتقد أنه يمكنني أن أفيدك كثيرا في هذه النقطة بالذات, إذ لست على اطلاع بما يتم التحضير له داخل الإعلان بالضبط, ولكن إيماني بهم يدفعني لتوقع أنّ ثمة ما يعدون له على هذا الصعيد, لابد".




2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بين (شيخ) الدين و(مريد) السياسة! -في الحزبية الدينية السورية


عشر بنادق أمريكية الصنع مع ذخائرها, عبوات متفجرة مصنعة محليا, أشرطة تسجيل لخطب ومواعظ دينية وأسلحة أخرى بينها رشاش؛ كانت –ودائما وفق الداخلية السورية- حصيلة

العملية التي قامت بها قوات الأمن في دمشق أوائل أيار2007 ضد (مجموعة إرهابية) استهدفت بناء مهجورا خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون في قلب العاصمة.

ولم ننتظر طويلا قبل أن تتدفق التحليلات يومها لتربط بين عناصر المجموعة التي قتل بعضهم في الحادثة واعتقل بقيتهم, وبين سوري آخر هو (أبو القعقاع), الشيخ الحلبي الذي ذاع صيته كمروج للفكر(الجهادي) بين الشبيبة السورية, والتي يقول محللون أن من هؤلاء الشباب بالذات من استقل عن شيخه (محمود كولاسي) أو (اسحق الدخيل) –أبو القعقاع نفسه- لينطلق في نشاطه الخاص الذي سمعنا بعض أخباره من (سانا) في دمشق وحلب وحماة, في إطار تصدي رجال الأمن لـ(خلايا تكفيرية) محلية, وذلك قبل أن يلقى الدكتور الداعية مصرعه على باب مسجد (الإيمان) -في حلب مرة أخرى- اغتيالا بالرصاص عن عمر 42 عاما.

تتكرر مقدمات من هذا النوع أحيانا –لا تخلو من مغزى- عندما يشرع بالحديث عن الشباب والتيارات الدينية, ومدى ارتباط واستفادة كل منهما من الآخر حركيا, لكنها -أي تلك المقدمات- نادرا ما تجد لها سياقا استطلاعيا أو استقصائيا متمما على الأرض, بعيدا عن التحليلي (التجميعي) والدراسي النظري على ضرورة كل منهما.

ومن نافلة القول الإشارة إلى كل ذلك الحبر الذي سال ويسيل, خوضا في ظواهر (المد الأصولي) و(الردة الدينية) و(الجهادية الجديدة) و(...), لكن تبقى التجليات السياسية بالذات لهذه الظاهرة-بعيدا عن الاجتماعي والخيري- مبهمة ومشوشة في واقعنا السوري, بفعل عوامل قد يدفعنا سردها إلى العودة إلى واحدة من تلك التحليلات التي سبق ذكرها.

والنتائج التي يخرج بها من يحاول تلمس بعض هذه الإرهاصات الحركية والتنظيمية لهذا التيار الديني بين الشباب السوري لا تشفي الغليل, لاعتبارات لها علاقة بالجو المحيط بهذا الموضوع في الثقافة السورية السياسية, إذ لا يمكنك أن تتوقع (في الظروف الطبيعية) مثلا أن يجلس إليك شاب من حزب التحرير ليتجاذب معك أطراف الحديث في مقهى الروضة, أو أن تأخذ موعدا من شاب من الإخوان المسلمين في مكتبه لـتتعرف على خطّه السياسي الراهن, هذا على فرض أنّ للتيارين المذكورين وجودا فعليا على الأرض اليوم.

فالقوانين السورية الراهنة (صارمة) فيما يتعلق بهذا الموضوع الحساس, وهي عموما تحظر –فيما تحظر- إنشاء أحزاب سياسية على خلفية دينية أو طائفية, وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو القانون 49 للعام 80 ذائع الصيت, والذي يقضي على منتسبي جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام (يتم استبدال هذه العقوبة مؤخرا بأحكام سجن طويلة), الأمر الذي يعيد إلى البال على الفور أحداث الثمانينات التي أقل ما يقال فيها أنها (مؤسفة).

وفي ظل كل ما يتم الحديث عنه من هذا المد الديني الذي لا تخطئ العين مظاهره وتجلياته الاجتماعية لا وبل الاقتصادية أيضا, يبقى الباب مشرعا أمام السؤال الموضوعي عن مدى استعداد الشباب السوري المتدين وحماسته اليوم لأشكال أخرى من التعبير عن ذاته وميوله, من نمط العمل الجماعي والتنظيمي السياسي المباشر, طالما أن البيئة المحيطة تتقبل -على ما نشهد- باقي مناحي أشكال التعبير تلك؟

وعن اعتقاده بوجود تيارات إسلام سياسي بين الشباب السوري تنتظر الخروج إلى العلن, يقول عبد الرحمن شاغوري الشاب الذي سبق أن أودع السجن بتهمة توزيع نشرة الكترونية يصدرها موقع على الانترنت محسوب على جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة:

"أريد أن أوضح شيئا في البداية, وهو أنه على الرغم من أني شخصيا ذو توجه إسلامي في العموم, لكنني هنا أتكلم بصفتي مستقلا وباسمي الشخصي, وأنا أرى بالفعل أنّ (الشعبية) على أرض الواقع هي بطبيعة الحال لهذا التيار الديني, بيد أنّ الحديث عن وجود تيارات سياسية ذات توجه أو طابع ديني وما شابه؛ أمر لا وجود له في سوريا نهائيا.

وأنا شخصيا –إذا سألتني- ضد فكرة الحزبية الدينية, والحزبية بشكل عام, لأن هذا الطرح يفترض إلى حد ما –ولغاية اليوم- أنّ عليك أن تسلـّم برأيك إلى جماعة بعينها, سواء أأمكن لك أن تساهم أو تشارك في صنع وانتخاب تلك الجماعة أم لا, وبالتالي يصبح من المتعذر عليك أن تقوم بأي فعل أو عمل –كبر أم صغر- من دون أخذ ضوء أخضر أو موافقة مسبقة من حزبك, كما يعني انتسابك إلى حزب أو تيار؛ قبولك وتبنيك بالضرورة كل موقف أو رأي أو قرار يقوم حزبك باتخاذه من قضية أو حدث أو شخص ما, وبالتالي تنعدم فرصتك في اتخاذ أي خيار أو اتجاه مغاير لما سلف, وإلا عرّضت نفسك لإجراءات حزبية انضباطية قد تصل حد الفصل أو الطرد مثلا...."

... ولكن الحياة الحزبية ليست بهذه البساطة, إذ يمكن الافتراض أنه وخلال آليات الحزب ذاتها؛ تستطيع التعبير عن رأيك وإبداء وجهة نظرك, ألا تعتقد ذلك؟

"مع كل الاحترام لما تقوله؛ لكنني لا أرى حديثك عن هذه (الآليات) مقاربة واقعية لـ(حالتنا) ولما يجري على الأرض, إذ لا يخفى على ذي بصر أنّ جميع أولئك الذين أردوا أن يخالفوا أحزابهم في قضية من القضايا أو مسألة من المسائل انتهى بهم المطاف إلى الانشقاق عن أحزابهم وتياراتهم الأم, وتشكيل أحزاب أخرى.

لدرجة أنـّه يوجد بين ظهرانينا اليوم –كما أعرف وتعرف- أحزاب كثيرة نشأت بالأساس عن ذلك الوضع الذي وصفت لك, ومن بينها يمكنك دون كثير عناء أن تجد (تيارات) مؤلفة من أشخاص يمكن عدّهم على أصابع اليد الواحدة!

ولكن, إذ سمحت لي فهناك شيء آخر حول موقفي هذا من الأحزاب..."

تفضل.....

" .... ما أسهم أيضا في تشكيل نظرتي من الحياة الحزبية المحلية كما تسميها, هو اعتقادي أن الإنسان في منطقتنا لم يصل بعد في تطوره الذاتي والاجتماعي حدا يمكنه أو يؤهله كي ينخرط في أطر كهذه (حياة حزبية.. كذا), ولهذا السبب بالذات؛ أعتبر نفسي اليوم من مناصري العمل الفردي المحض, وتمسي مؤطرات العمل الجماعي بهذا المعنى مرحلة جد متقدمة, ويفصلنا عنها اليوم من حيث نقف بون شاسع.

وإذا كان من أحد يرغب حقا في أن يضع أطروحة العمل الجماعي موضع التنفيذ -وأحد تمظهراتها هي حالة الحزبية موضوع أسألتك- فعليه أن يبدأ لا محالة من نقطة العمل على تكوين الفرد الواعي, وعلى الجميع عندها أن يبدؤوا العمل بشكل ذاتي على هذه الفكرة.

لذا-وبغض النظر عن أي موضوع آخر- علينا في البداية أن نتحصل على فرد قادر على الاستقلال برأيه وقراره.

وهذا الشخص من وجهة نظري لا وجود له بيننا اليوم."

ولكن التيارات الدينية عادة ما تنحو صيغ عمل جماعية, ووفق الشرط الموضوعي لظهورها, يكون لها (مداخلات) في الرأي السياسي العام بداية, وصولا إلى الحزب أو التنظيم السياسي الصافي, والذي قد تدفع باتجاهه العناصر الأكثر حماسة في المجموعة؟

"حسنا, لا أدري إن كان جوابي سيرضيك, ولكني أعتبر هذا الميل كما وصفته خطأ فادحا, ولا يمكنني النظر إلى حالات من هذا النوع على أنها حالات صحية يجب تعميمها.

ولا أجد بدا من أن أكرر لك أن ّ على الإنسان أن يملك بادئ ذي بدء المقدرة على انتقاء خياراته بنفسه, وبعد ذلك (قد) يكون من المستساغ أن يحصل التقاء أو تجمع من نوع ما لكل أو بعض أولئك الذين يملكون رأيا محددا لصنع تيار أو ما شابه.

وأنا في النهاية لا أعاند لمجرد المعاندة, إذ أقر معك أنّ المجتمع مضطر الآن أن يقاد عبر هذه القوى والتيارات الحزبية –مطلق أحزاب-, نظرا لغياب هذا الإنسان الواعي على المستوى السياسي كما على المستوى الديني, مع أنّ الأشياء تظهر فاقعة أكثر مع هذا الأخير بالذات, لجهة وضوح وجود (الشيخ) و(المريد) كمبدأ في هذا الإطار, والذي أكرر توصيفي له بأنّه خطأ لا يوصل إلى نتيجة"

بما أنك تحدثت عن (الشيخ) و(المريد), أليس من الأجدى في هذه الحال أن نشجع شكلا آخر للتعاطي يكون بناء العلاقة فيها أكثر (مؤسساتية) بين الطرفين المذكورين, بحيث يتم الحد من إعادة إنتاج هذه الأشكال القديمة التي تساعد على انتشار (البؤر) المغلقة, والمعزولة عن أي حوار أو حراك في البيئة المحيطة؟

"اسمح لي, هذه التيارات عاجزة عن توعية الفرد من خلال الجماعة أو الجماعات التي تؤسسها, وهي إن تمكنت من عمل أي شيء على الاطلاق لفرد من الأفراد؛ فهو سيكون بكل تأكيد تحويلا لذلك الشخص إلى فرد مطيع و(مطواع) ضمن الجماعة نفسها.

باعتقادي هناك نوع من (التدافع) يجب أن يحصل بين الأفراد قبل أن يصبحوا قادرين على الانتظام في جماعات من هذا القبيل الذي تتحدث عنه, أنا أصر على تهيئة (الإنسان) أساسا, لا عن تهيئة مسلم أو مسيحي أو ماركسي أو...,وهذا لن يتم على يد هذه الجماعات."

فماذا إذا عن هؤلاء المتدينين من السوريين الشباب الذين اختاروا تعبيرا سياسيا (متطرفا) في نظر بعضهم (إرهابيا) في نظر آخرين, فيما يعتقدون أنه طريق (الجهاد),ولك فيما وقع من حوادث في حلب, وريف حماة, ودمشق وريفها, في الفترة الأخيرة نموذج عنهم؟

"أعتقد أنّ الاحتقان الحالي والتضييق الموجود على الشباب يولد التطرف, ويفرز حالات تؤخذ على أنها مؤشر على التوجه العام لدى الشباب السوري, وهو استقراء خاطئ بطبيعة الحال.

الظرف الحالي هو الذي دفع –وبشكل استثنائي- باتجاه إفرازات من هذا النوع, إذ ليس كل الشباب (متطرفين) و(إرهابيين) و(انتحاريين).

الشباب لديهم أمل في هذه الحياة, إنما -وفي ظل أفق مسدود- من غير المستبعد أن تنمو مثل هذه الظواهر.

ناهيك عن أنّ الإعلام يلعب دورا أساسيا في التعميّة وتغييب بعض الحقائق, والدفع باتجاه تصورات محددة, تكون في الغالب الأعم سلبية الطابع, فإذا أخذنا مثلا (كلاسيكيا) عن شخص يفجر نفسه في مكان عام ويقتل ويجرح من كان حوله, نجد في المقابل لهذا الفرد عشرة أشخاص آخرين يجلسون بسلام في مكان آخر لمجرد الدراسة, وبالطبع وكما هو متوقع دائما يظهر ذاك على الشاشات فيما يغيب هؤلاء!"

إذا فأنت لست قلقا من أنّ مسودة قانون الأحزاب -المنتظر- لا زالت تلحظ على ما تسرب للاعلام منها عدم السماح بإقامة أحزاب على أسس طائفية ومذهبية؟

"باعتباري الشخصي, عندما يكون لديك نظريا أحزاب مؤسسة على أساس ووفق مبادئ دينية؛ فهذا يفترض منطقيا أنّ هذه الأحزاب مبنية على قاعدة أوسع من نظائرها القائمة على مبدأ القومية على سبيل المثال, وتجد على أرض الواقع أنّ هذه الأخيرة -الأحزاب القومية- مرخص لها بالعمل وموجودة على الساحة, بينما الأخرى محظورة.

إذ أنّ نطاق القومية أضيق من نطاق الدين, ويمكن لأي شخص أن يدخل حزبا دينيا, حيث من الممكن لأي كان أن يغير ملـّته من حيث المبدأ, وبالتالي يمكنه اختيار حزب ديني ما للانضمام إليه, بينما لا يمكن لأحد أن يغير قوميته بغرض الانتساب إلى حزب قومي معين.

والأحزاب اليسارية يمكن تصنيفها في السياق كأحزاب (دينية) تحمل أيديولوجيا معينة.

فلا أدري والحال هذه لماذا يمنعون الأحزاب الدينية؟

مع العلم أنني شخصيا ضد فكرة الأحزاب بالأساس كما أسلفت"

ما مصدر هذه الشكوك والتخوفات عند الأطراف التي لا تريد أن ترى أحزابا دينية سياسية برأيك؟

"حسنا, الإشكالية بنظري مع الإسلاميين, هي أنهم يـُقادون بشكل أسهل من غيرهم على أيدي المشايخ ضمن تراث ديني متسلسل وطويل, ومرجعيات روحية لا يمكن زحزحتها, إذ قد يكون في متناول اليد مثلا أن تنتقد مرجعية ماركسية, وتقول عن فلان منهم بأن فيه من الصفات كذا وكذا, أمـّا مناوأتك مرجعا دينيا فدونه الكثير من المحاذير والعقبات, ويصبح الأمر إذ ذاك أكثر تعقيدا لما يظنّ من ارتباطه بالإلهي."

وبالتالي فاهتمام الشباب السوري المتدين في ظل عدم وجود منفذ تنظيمي سياسي يجب أن ينصبّ برأيك على ....

"..... المشاركة في الشأن الحياتي العام, وهذه المشاركة لا تقتصر أبعادها على السياسي المحض كما يفهمه العامة, وأنا هنا أتكلم عن الشباب السوري بعمومهم ولا تخصيص لإسلامي عمّن سواه, لأقول أنّ نظافة الطرقات هي من الشأن العام مثلا, وهذه ليست دعوة للشبيبة أن يحملوا المكانس على ظهورهم ويبدؤوا بكنس الشوارع, أو أن يعمدوا إلى توعية الناس حول هذا الأمر بقدر ما هي رجاء منهم بأن يكفوا هم أنفسهم عن توسيخ تلك الشوارع.

مكافحة الرشوة مثل آخر, والرشوة كما يعرف القاصي والداني بلاء مستفحل, وهي ضد القانون و الأخلاق على السواء, وفي هذا أعود لأؤكد أنني لا أسأل أحدا أن يصرخ فوق المنابر تنديدا بالرشوة, بل أن يمتنع الشباب عن التعاطي بها ودفعها إلى الآخرين.

شيء آخر, على الشباب أن يعمدوا إلى قراءة القانون, فشبيبة البلد ليست لديها أدنى فكرة عما هي حقوقها وما هي واجباتها قانونا!

وأنا لا أسعى في هذا السياق وعبر دعوتي هذه إلى تقديم رؤية نقدية عن هذا القانون, ما هو أو كيف يجب أن يكون, بل أتعامل مع القانون كما هو موجود نصا, والذي نحن ملتزمون به إلى الآن."




2007