2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد،دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

عندما يكون الهمُّ سوريا, والحزب .... فلسطينيا! -حزبيون سوريون في أحزاب غير سورية


(....ولكن أحلام الرجال تضيقُ)

ولعله –وعلى منوال عّجُز شطر بيت الشعر هذا- تضيق كذلك أحزاب الرجال بضيق أحلامهم وصدورهم, فلا تعود تنظيمات البلد وتياراته ومؤسساته السياسية وأطره الرفاقيّة -على ما تسوق له (دعوياتها) وتبشيراتها الوافرة- تتسع لأبناء البلد ذاتها.

أبناء البلد الذين يفترض بهم أن يكونوا لا غاية تلك الأحزاب والتيارات فحسب؛ بل وعقلها المشرع, وضميرها الناقد, وأداة برنامجها للعمل.

كل هذا بالطبع, على افتراض أننا نقرّ الشاعر إياه على شطر بيته الأول (لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها....).

وكما يلقي الشعر بين أيدينا أحيانا بإيجازه ومجازه ما قد تنوء بحمله المطولات فتعجز, كذلك يضع بين أيدينا هذا الشاهد القصير من تجربة شابـّة من شبابنا الحزبي السوري, إشارات ومدلولات تفقأ العين لو نظرت.

فقد لا يكون في ذلك القرار الذي اتخذته (ق.ف) ذلك الصباح -بعد طول تفكير- بالانخراط ضمن إطار مؤسسة حزبية بعينها؛ ما هو خارج عن المألوف بالنسبة للعديد من الشباب الحزبي السوري, بل وحتى غير الحزبي وغير السوري أيضا.

لكن الغرابة تكمن في أن تقع قرعة الشابة تلك في لحظتها المحكومة بشرطها ذاتا وموضوعا على تنظيم (فلسطيني) كخيار وحيد لانتمائها السياسي الأول, على غير ما قد تفترضه البداهة من خيار أقرب إلى الـ(طبيعيـّة الوطنيـّة), وهو الالتحاق بحزب سوري.مهما كان تصنيفه

لا يهم, مادام الحزب سوريا, طالما أنّ الهمّ في الأساس كذلك.

فما الذي تراه يدعو شبانا سوريين اليوم إلى الانخراط في أحزاب غير سورية –داخل سوريا- رغم توفر تشكيل حزبي من صناعة محلية لا يعدم في نهاية المطاف بعض التنوع؟

تجيب صاحبة الخيار المختلف بنفسها قائلة:

"السبب الأساسي في ابتعادي عن اختيار أي حزب سوري هو تشرذم الأحزاب اليسارية السورية, وكثرة النزاعات والخلافات فيما بينها, على الرغم من أنّ الكثير منها جاءت في الأصل من أرومة واحدة, وكان لها الجذر نفسه.

إضافة إلى قلقي الدائم من عدم قدرتي على التأكد من أنني أستطيع العمل مع أي من هذه الأحزاب أو التيارات من دون أن أوقع نفسي في متاهات المشاكل الداخلية المزمنة التي كنت أطّلع على بعض تفاصيلها الممضة من بعض الأصدقاء الحزبيين المنخرطين فيها.

كنت أعرف أنّ الخيارات الحزبية (السورية) متوفرة, لكن هذه التيارات على كثرتها وتنوعها لم تستطع يوما التوصل إلى حل لأي مشكلة مهما صغرت أو كبرت, ناهيك عن أنّ الشباب المنخرطين في صفوف معظم هذه التيارات لا زال ينقصهم الوعي السياسي الحقيقي والفاعل, ومن خلال اختلاطي بمعظمهم وجدت أنّ منهم من هو بالكاد يعرف أهداف أو غايات ما يفترض أنه يعمل و(يناضل) لأجله, في حين أنّهم جميعا يحفظون عن ظهر قلب أسماء مسؤوليهم وقيادييهم, وهذا ليس في الأساس ما كنت في طور البحث عنه عندما قررت الالتحاق بالمؤسسة الحزبية."

(ق.ف) والتي تبلغ من العمر اليوم 24 عاما, هي في هذا الـ(وضع) التنظيمي منذ ثلاث سنوات تقريبا, مع أنها كانت راغبة في الانضمام إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جناح (جورج حبش) منذ مدّة أبعد من ذلك, لكن اتفاقيّة سبق للفصائل الفلسطينية اليسارية أن وقـّعتها مع الجانب السوري –على ما تفيد (ق.ف)- تتعهد فيها بعدم تنسيب سوريين إلى صفوفها؛ حال دون أن تكون تجربة الحزبية الشابة أبكر مما كانت عليه.

أمـّا الطريقة التي تعاطى فيها الحزبيون الآخرون من الشباب السوري مع هذه (البدعة) التنظيمية على رأي أحدهم فتقول (ق.ف):

"واجهت في واقع الأمر العديد من محاولات الاستقطاب الحزبي من قبل كثير من التنظيمات السورية الأخرى، بيد أنّ كوني في (وضع) سري، وعملي من دون إعلان, حال دوني وأن أطلعهم على أنني منظـّمة سلفا، لكنهم اكشفوا ذلك لاحقا على أيـّة حال، وغالبيتهم كان لهم موقف إيجابي من الموضوع, إذ أكبروا انتمائي لهذا التنظيم الفلسطيني بالذات بسبب تاريخه النضالي المعروف, في حين أنّ قلة أخرى لم تبادر إلى إبداء أي تعليق يذكر, في حين أنّ آخرين قالوا لي بأنّ (مرجوعي) إليهم, حتى أنّ بعضهم عرض عليّ التعاون معهم في تنظيماتهم وإن بشكل (سري)"!

ولكن إلى أي حد لبى هذا النوع غير المألوف من النشاط الحزبي الذي اختارته (ق.ف) طموحاتها التي كانت تتوسمها في تنظيمها الفلسطيني, فارة من الحزبية السورية؟

عن هذا تقول:

"حقق لي ما أريد إلى حد بعيد جدا, ومن دون أية مبالغة, بيد أنّ (الملاحظات) من قبل بعض الكوادر والرفاق أحيانا تزايدت من حولي, خاصة عندما كنت أشارك –بشكل شخصي- في نشاطات تتعلق بأمور لها علاقة بالوضع الداخلي السوري...."

... ولكن ألم يخلق ذلك لك على مستوى من المستويات أزمة (هويـّة) من نوع ما, كونك في النهاية سورية, ومن حقك التفاعل عاطفيا و(حركيا) مع كل ما يمس هذا الموضوع, في حين أن ولائك التنظيمي والإداري هو في إطار آخر, وهو غير معني مباشرة بتقديم وجهة نظر فاعلة في المجريات السياسية السورية تحديدا, خشية أن يتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلد المضيف؟

"إلى حد ما؛ نعم, إنما على فترات متباعدة نسبيا, وقد شعرت في تلك الأوقات بالفعل بما قد أصفه بأنه نوع من الانسلاخ عن وضعي الاجتماعي والسياسي الحقيقي، خاصة وأنني أنتمي إلى جزء من البلد حيث الطبيعة الاجتماعية أصلا لا تسمح إلا بالقليل من النشاط، بسبب عقلية الأهل التي تضع دائما المحاذير الأمنية نصب عينيها فيما يخص التعاطي مع الشأن الحزبي والسياسي عموما, وتعمد دائما إلى التضييق على أبنائها ومحاصرتهم كي يتخلوا عن أي نشاط من هذا القبيل, أيا كان شكله, وبغض النظر عن الحزب و التنظيم, الأمر الذي جعل تفاعلي مع الشأن المحلي أصعب في الإجمال, بيد أني تمكنت لاحقا من (تدارك) هذا الموضوع وحله بالاتفاق مع مسؤولي الحزبي داخل المنظمة, والذي سهل عليّ الأمر في واقع الحال كون الحزب الذي انتميت ذا نظرة وأفق قوميين, وهنا أعود لأذكر أن مشكلة من هذا القبيل لو كانت واجهتني وأنا داخل حزب سوري لكنت في وضع أكثر حرجا بكل تأكيد"

سألتك عن ردة فعل الحزبيين الشباب السوريين, ماذا عن (رفاقك) الفلسطينيين, ألم يطلب إليك أحد منهم مثلا (العودة) إلى حزب سوري أيا يكن وكما هو مفترض بحزبية سوريـّة؟

"كان لدي بطبيعة الحال مشاكلي الخاصة بهذا الموضوع, ولكنها باعتقادي جاءت من كوني أنثى أكثر منها من كوني انتمي إلى جنسية أخرى غير فلسطينية داخل تنظيم فلسطيني, خاصة وأنني أنتسب في النهاية –وقبل انتسابي الحزبي- إلى مجتمع تسيطر عليه وتحكمه (الذكورة) في كثير من مناحيه, قد لا يستسيغ بسهولة وجود فتاة حزبية فاعلة, وكثيرة العمل، ومنظمة المواعيد والأنشطة، علاوة على أنها سورية أيضا.

والطريف في الموضوع أنّ هذه المشاكل أتتني من شباب ذكور في مثل سني, في حين أبدى الأكبر سنا تفهما أعمق لوضعي, ربما لأنهم سبق لهم وأن تعاملوا مع حالت تشبه حالتي من قبل"

أهم كثيرون أولئك الحزبيون السوريون الذين يتمتعون بما لديك من (ميزات) داخل تنظيمك الفلسطيني على حد علمك؟

"إجمالا لا، لكن المشكلة -كما يمكنك أن تتوقع- تكمن عمليا في عدم قدرتي على تحديد الرقم الذي تطلبه مني بدقة, على اعتبار أن من هم في مثل حالتي لديهم (وضع) سري, الأمر الذي يحول بيني و بين تقديم إجابة دقيقة لسؤالك, غير أنني أستطيع القول عموما أنهم في الغالب سيكونون في سن تكبرني على الأقل بـ20 عاما"!

لدى (ق.ف) ما يشغلها ويأخذ جلّ وقتها كباحثة تربوية, وإذا خطر ببال أحدهم أن يسألها ربما للمرة الألف (هل ستفكرين قريبا بالانضواء تحت جناح حزب سوري ما؟)

فإن جوابها لازال على حاله مع ابتسامة ذات مغزى:

"باختصار.... لا"!

_______________________________________

* مداولات من نمط أنّ الهم القومي العروبي طغى على أفق صاحبة التجربة التي بين أيدينا هنا فجعلها أميل للتعاطف مع الشقيق الفلسطيني النازف على حساب إدراكها لمصلحتها الوطنية العليا (بغض النظر عما بين الاتجاهين من تلاق أو طلاق أيديولوجي لدى القارئ), أو استنكار من قبيل (هل يكون حال الفصائل الفلسطينية على ما بينها من انقسام -وتناحر أحيانا- أرحم من حال فصائلنا الحزبية السورية؟),

وغيره مما قد يعن على البال سوقه من تبريرات جاهزة؛ إنما هي مقاربات وإن كانت لها وجاهتها في سياقها؛ غير أنّ محرر هذه المادة يزعم أنّها غير ذات موضوع هنا تحديدا.



2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!


شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بين السيد (الحزبي) والأجير (المحازب)! -تجربة مع اليسار السوري


لا يجد سعد روستان الممثل المسرحي الشاب بُـداً من الاتفاق مع الملاحظات والمشاهدات التي بات صداها يتردد بوتيرة متصاعدة مؤخرا, والتي تحاول استقراء ظاهرة ما أمسى يعرف -إعلاميا أقلـّه- بعزوف الشباب السوري عن المشاركة في الشأن العام لبلده, بل لعله -لا كشاب فحسب بل كحزبي سابق (ولاحق ربما)- يملك مفرداته الخاصة, التي يسعى على الدوام إلى إعادة تنضيدها ضمن سياق تجربته داخل هذا الحقل العام نفسه, الذي ينفر من الاقتراب منه شباب سوريون مثله.

".....بل إنّ الشباب اليوم يضمر حتى عدم الرغبة في البحث عن وسيلة ما, أو امتلاك مجرد حلم في أن يكون ذا تأثير على ما يجري حوله, أو أن يكون لديه دور وظيفي من نوع ما, وليس شرطا أبدا في نظري أن تمر هذه المشاركة حصرا عبر حزب من الأحزاب أو قوة من القوى السياسية, أو أن تجري تلك المساهمة في معركة كبرى.

فحتى التفاعل مع الشأن اليومي وتلوث البيئة على سبيل المثال انقرضت معالمه من حياتنا.

وبالطبع, هذه (الاستقالة) لم تسقط من الهواء, ويراها سعد نتيجة لتضافر مسببات عدة يأتي على رأسها "الخصوصية التي تمتلكها منطقتنا -شئنا أم أبينا- ولا مناص لنا من الإقرار بذلك, هذه الخصوصية تسببت مع عوامل أخرى في أن تجعل شبابنا تواكليين, وذوي منظور غيبي للأمور, الأمر الذي يمكن ردّه إلى (الثقافة الدينية) إن جاز لي التعبير, وهي الثقافة التي صنعت إنسان هذه المنطقة, واستغلتها القوى المختلفة والأنظمة الحاكمة لإخصاء أي طاقة من الممكن لها أن تكون فاعلة في يوم من الأيام.

ناهيك عن أنّ الشباب السوري إجمالا شباب غير مثقف, ويشكو من خلاصة تشوهات مرّ بها, وكلنا يعلم أن المثقفين هم أقدر الناس على لمس مصلحتهم و مصلحة (الجماهير), من خلال صيغ العمل الجماعي, أكثر منه اتكالا على الحلول الفردية الخاصة"

لماذا إذا –مادام الشباب السوري ميئوسا منه إلى هذه الدرجة - لا زال بعض الشباب يختارون العمل الحزبي ؟

"أنا لم أقل أنّهم كذلك –ميئوس منهم-, لأنه لا يمكنني رغم كل شيء أن أنكر تلك الطاقة الهائلة والمميزة التي يملكها هذا الشباب, والتي ساهمت بتخفيف وطأة ما نعانيه في مجتمعنا من مشاكل سياسية واقتصادية وغيرها, والتي كان من الممكن أن تكون تبعاتها أسوأ بكثير لو لم يمتلك شبابنا مثل هذه القوة, والتي تبدو وكأنها معجزة حقيقية.

أما بالنسبة للحزبيين منهم فيمكنني أن أقول أن خيارات من يعمل منهم اليوم على الساحة -على قلة عددهم- جاءت نتيجة مماحكة قريبة لـ(ظرف) من الظروف عرّفهم على الأوساط الحزبية والسياسية, الأمر الذي ربما دفعهم في النهاية إلى الدخول في صيغ تنظيمية.

فالغالبية العظمى من الشباب لا يعرفون تفاصيل نشوء القوى والأحزاب السورية, وهم يميلون عموما إلى اتخاذ موقف سلبي منها, والمشهد الإعلامي المحلي وأحاديث الشارع والمقهى غير كافية حتى اليوم بأن تطرح أمام الشاب السوري (الرؤية التنظيمية) كحل وخيار, وهي بالتأكيد ليست ما يساعد المتحزبين على الحفاظ على هذا الاختيار"

يوحي جواب سعد الأخير هذا بأن الشباب الحزبي ليس أسعد حالا من صنوه الذي أراد الابتعاد عن الأحزاب, وإذا كان هذا الأخير لم يدرس خياراته بشكل جيد قبل أن ينأى بنفسه عن خضم الحياة العامة؛ فإن الشيء ذاته ربما يكون قد حصل مع الحزبيين إنما بشكل معاكس تماما, فزجوا بأنفسهم في هذا المعترك كردة فعل ربما, ومن دون تبن حقيقي لأفكار الأحزاب التي وجدوا أنفسهم في صفوفها! وردا على هذا يقول:

"لا يمكن أن نعتبر أنّ الحزبيين غير مؤمنين بـ(الإيديولوجية) الحزبية التي اختاروا أن ينتظموا تحت شعارها, وإلا لما دخلوا هذه الأحزاب بالذات من الأساس, ولاختاروا إذن حلولا فردية محضة –كالباقين-, وحتى لو افترضنا أنهم يبحثون عن أي (خلاص) كان؛ فهذا بحد ذاته نضج كبير.

إذا أخذنا مثلا الحزب الشيوعي جناح (بكداش), رغم انه اليوم فصيل متكلس برأيي فعندما أرى في صفوفه شبابا لازالوا مستمرين في العمل داخله؛ فهذا في حد ذاته دليل على نضج ووعي كبيرين, لأنّ هذه الشبيبة لازالت مصممة على العمل

فهل تضمر إذا الآليات الحزبية أدوات تغييرية تلبي مطامح هذه الفئة الراغبة بالعمل؟

"لا اعتقد أنهم قادرون على تغيير أي شيء, وحتى لو أرادوا ذلك فلن تسمح لهم القيادات الحزبية بهذا, وكلامي يشمل الأحزاب جميعها.

وحتى لو سمحت تلك القيادات لشبابها بإنجاز تغيير ما؛ فذلك لن يكون إلا في الحدود الدنيا, وضمن (الجوانب) و(القشور) لا في بنية الحزب نفسه, لأنّ القيادات الحزبية -بنسب متفاوتة- هي عبارة عن (السلطة) نفسها, إذ هناك سلطة -بين قوسين- في حزب البعث, وهناك (سلطة) عند القوميين الاجتماعيين, وهناك (سلطة) عند الشيوعيين.

(الكرسي) موجود لدى الجميع, الأمر الذي حول هذه الأحزاب إلى دكاكين, والدكان عندما يجد صاحبها أن مستخدما من مستخدميه يقف عائقا بينه و بين ربحه, ولا (يشتغل) كما يريد, فهو ببساطة يرمي به خارجا.

وهذا لا يعني بالطبع التعميم المجحف بحق الجميع, ولا يطال قلّة من الرموز النظيفة داخل هذه القوى, رغم أنّ هؤلاء بدورهم قد يصدرون أمرا -على سبيل المثال- للكوادر الشابة بالنزول إلى الاعتصام الفلاني, أو القيام بالنشاط العلاني ثم وفي اليوم التالي (يضبـّون) هؤلاء الشباب, ويطلبون إليهم العودة إلى المقر, أو التزام بيوتهم, وذلك امتثالا لأمر ما صدر عن (الأجهزة)!

مع أنّ ذلك في النهاية أمر جيد بالعموم, كونه نوعا من العمل بما يتناسب مع قوتك و(حتى إشعار آخر).

ومن خلال تجربتي الشخصية بإمكاني أن أؤكد لك أنـّه كان هناك كذب من قبل القيادات على هذه الكوادر التي كانت تكتشف (الحقيقة) دائما بطرقها الخاصة, كان هناك تضليل وإخفاء للحقائق, وأنا امتلك وثائق وشهود على ما أقوله هنا -وهي بكل حال للحماية وليست للنشر- فالقيادات في هذه الأحزاب تحولت إلى تراث و إلى تقليد, وقد يصل الأمر في بعض الأحيان حد الصدام, والنتيجة أنّ الشباب يمسون خارج الحزب"

هذا الصراع الذي تصفه لنا في كواليس الحزبية, الإحباط , قلة الحيلة, إلى أين يمكن .....

(سعد مقاطعا...)

"....لحظة من فضلك, برغم كل ما تقدم, الشباب الحزبي اليوم لازال يرفض الاستسلام للممارسات الأميركية والصهيونية, ويرفض الديكتاتورية والاستبداد بالرأي في الخارج وفي الداخل, وهو أمر موجود عند الجميع على الإطلاق, على اختلاف أيدلوجياتهم وعقائدهم وقناعاتهم –وإن بنسب متباينة-, لكن الأمر يتجلى أكثر لدى هؤلاء الحزبيين الشباب كونهم يربطون القول بالعمل على الأرض, في الشارع, في المقر الحزبي, في المصنع والعمل الوظيفي, وهذا أمر يستوجب الاحترام"

المرارة التي لا تحتاج كثير عناء كي تتلمسها في عبارات سعد روستان نابعة في واقع الحال عن تجربة ذاتية خاضها في فترة من حياته, قد تعكس إلى حد ما تجارب كثيرين ممن ولجوا هذا الباب لحين, قبل أن يصفقوه ورائهم -أو يتركوه مواربا- على أحسن تقدير-, لكن في حين يرفض كثير منهم الحديث عما مضى, ونشر بعض (الغسيل الوسخ) في الجرائد باعتبار أنّ تلك الأحزاب (اللي فيها مكفيها) على رأي أحد أولئك؛ يبدو سعد أكثر استعدادا لمشاركة الآخرين (مرّه التنظيمي) إياه, يقول:

"التحقت في البداية بالحزب الشيوعي السوري جناح خالد بكداش, لكني لم أستمر معهم أكثر من سنتين بسبب العقلية السائدة وأسلوب العمل, ابتداء من عبادة الفرد عند خالد بكداش نفسه, وتحفظاتي على أداء آل بكداش داخل الحزب, علما أنّ هذه الملاحظات قد صحـّت عندما تم مؤخرا إطلاق اسم (شبيبة خالد بكداش) على (اتحاد الشباب الديمقراطي السوري) –التنظيم الشبابي في الحزب الشيوعي السوري-, إضافة إلى مسألة وجود الحزب ضمن الجبهة الوطنية التقدمية بحجة عدم نضوج الظرف الموضوعي لحراك من نوع آخر, مع أنّ الحزب ينتظر منذ عام الـ63 نضوج هذا الظرف -حتى لا أقول منذ أيام الوحدة والمشاكل مع عبد الناصر- إنما من دون بذل الجهد للعمل على إنضاج هذا الظرف على الأرض.

الحلقة المفرغة إياها على ما يصف سعد كانت داء من الصعوبة بمكان الإفلات من عدواه, حتى بين المنتسبين المستجدين ...

"....كل حزبي جديد يواجه نفس البيروقراطية, نفس الجمود, نفس محضر الاجتماع, وهو عندما يرى -أي الكادر الجديد- هذا التدهور الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي الذي يعاني منه الوطن, ثم ينظر إلى الحزب الشيوعي -الذي هو جزء من هذا الوطن- ويراه غير قادر على فعل شيء, فهذا الكادر سيدير ظهره و(يمشي).

إذ أنّ الفكرة الغائبة عني -كأمين عام أو قيادي حزبي- هي أنه ليس من المهم جلب حزبيين جدد بقدر أهمية خلق جو ومناخ حيوي يستطيع الحزب الحركة ضمنه. فالهدف ليس الإتيان بأناس جدد إلى الحزب ومن ثم وضعهم في الفريزر"

ولكنك لم (تتب) من تجربتك الأولى ....

(مبتسما) " ...هذا صحيح, عدت وتنظـّمت في صفوف قوة أخرى, بعضهم يقول أنها منشقة, وبعضهم الآخر يقول أنها مفصولة ومطرودة من حزبها الأم, والتي هي (تيار قاسيون)-اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين-, وهنا حصلت الطامة.

علماً أنّ تيار قاسيون من الناحية الفكرية و الإستراتيجية, ومن حيث شكل بناء العلاقة مع الآخر؛ أنضج من غيرهم في باقي الأحزاب اليسارية.

لكن ذلك لم يكن بفضل (قاسيون) كقوة ورأس هرم وخصوصية قيادية, بقدر ما كان -وفق تحليلي الشخصي- نتيجة صدفة تاريخية أوجدت أفرادا من الشباب الذين عرفوا كيف يجتذبون مزيدا من الشباب. والايجابي الذي حصل هو أنّ القيادة -ولأول مرة ضمن قاسيون- منحت كوادرها الشابـّة صلاحية العمل. وأنا هنا أذكـّر تلك القيادات -لئلا تنسى- أنّ الذي دعم ذلك التوجه وعزز منه داخل قاسيون وخارجه هو تصادف ما قاموا به مع انتقال البلد إلى نوع من الانفراج السياسي, الذي رافقه ظهور المنتديات وصالونات الحوار في البلد ...."

.....لكن اسمح لي هنا أن أذكرك بأنّ هذا يحسب لهم –وفق تصنيفك نفسك في كلام سابق- كونهم استثمروا الفرصة لـ(نضوج) الظرف الموضوعي الذي كنت تتحدث عنه!

"وهل كنا لننتظر منهم أن يناموا في بيوتهم وقتذاك؟ هذا عذر أقبح من ذنب فيما لو كان.

على كل لم يكن الظرف الداخلي الذي ذكرته هو المؤثر الوحيد في تلك الفترة, بل كان هناك أيضا الوضع العربي والإقليمي الذي رافق ذلك, ودفع إلى أن يتوحد خطاب السلطة مع خطاب القوى التقدمية, جنباً إلى جنب مع أماني وعواطف الشارع, فانتفت إلى حد ما الخطوط الحمراء, وصارت هذه القوى تنزل على الأرض تحت شعار وطني, مع عودة النفس القومي, وتعزز حالة الممانعة, وهذا التفاعل على الأرض ساهم في إنضاجهم –في قاسيون- وإظهارهم على خريطة الداخل السياسي.

لكن ما حصل لاحقا أنهم عادوا فيما بعد إلى عقلية (أبو عمار) –خالد بكداش- و(أم عمار), و(يوسف فيصل), و(رياض الترك), من خلال ممارسات قيادية غير مفهومة وغير مبررة,

إلا من منطلق المصلحة الشخصية, ما أفرز سلوكا ضد الماركسية, لا زال موجودا داخل التنظيم"

وأين كنت والشباب الحزبي من كل هذا الذي تصف؟

"في حالة قاسيون وإن حصلت فعليا تلك الممارسات, بيد أنها لم تمر مرور الكرام, باعتبار أن العنصر الشاب تسبب بنوع من الإزعاج للكادر البيروقراطي قي التيار لفترة طويلة, مما رفع سقف التعامل بين الطرفين, في حين كان كافيا فيما سبق أن يدخل رئيس الفرقة الحزبية مثلا ليقول –شفهيا- أنّ الموضوع الفلاني لا نريده أن يفتح ثانية, ليقفل الموضوع برمته, ولا يعود أحد للحديث فيه.

إلا أن ضريبة ذلك -الأخذ والرد بين الطرفين- هي التشرذم, وطرح بدائل أحيانا لا تقوم على أرضية ثابتة, كون تجربة الكوادر الشابة لاتزال غير مكتملة وغير ناضجة, وبالتالي غير قادرة بالضرورة على تأسيس حالة بديلة فيما لو تطلب الأمر ذلك"

وهذا ما دفعك إلى ترك الحياة الحزبية في حينه؟

"تماما, إضافة إلى أسبابي الذاتية المتعلقة بحياتي المهنية بعد التخرج, بعد أن كان وقتي في السابق مكرسا كله للحزب, حيث أنّ العمل السياسي يحتاج إلى تفرغ أو شبه تفرغ على أقل تقدير, بيد أنّ هناك كثيراً من الحالات التي يفيد بها المرء الأحزاب, من الخارج أكثر منه عندما يكون داخلها, وذلك تبعا لخصوصية الفرد وخصوصية الحزب.

وقد وجدت شخصيا أنّني كنت في الفترة التي واكبت فيها التنظيم من بعيد فاعلا أكثر, لأني كنت حرا أكثر, وعندما أكون حرا فأنا قادر حينها على عمل الشيء الذي أنا مقتنع به, رغم كل ما قد يشوبه من نواقص, بل إنني وتبعا لذلك أكون مفيدا للبلد قبل الحزب"

أليس من شيء يمكن لمسؤولي الأحزاب الذين تصب عليهم جام غضبك أن يفعلوه ليصلحوا من شأن تعاطيهم مع كوادرهم الشابة –على الأقل بالطريقة التي تفهم أنت شخصيا الإصلاح وفقها-؟

"يفترض سؤالك وجود قيادة جيدة للاستفادة من هذه الملاحظات, ولكن ماذا لو كانت هذه القيادة فاسدة -وهم يعرفون أنفسهم بأنهم فاسدون-؟

في هذه الحال هم إذا قرروا إفادة البلد والجماعة والحزب, فإنهم سيضرون بمصالحهم الشخصية.

ولكن في العموم, وفي ظل هذه المرحلة التاريخية الحساسة والدقيقة, فإن المطالبة بتغييرات جذرية داخل هذه القوى دونه تخوفات من حدوث اختلالات فيها.

فأن تطالب الأمين العام بالاستقالة, هذا سيؤدي أيضا –لحسابات تتعلق بهم- باللجنة المركزية والمكتب السياسي و...و...

وكل هذا مع عدم وجود من هو قادر على ملئ هذا الفراغ, في ظل عصر محكوم بالاختصاص العلمي. إذ لدينا -في الأحزاب اليسارية- منذ الخمسينات ما يدعي في الأدب بظاهرة (وفاة المؤلف), وبعد رحيل خالد بكداش -الذي ترجم البيان الشيوعي الأول- لم يعد هناك تنظير لليسار, أو حتى مفسرين للنظرية على الأقل لتستفيد منهم للكوادر الأصغر, هذه الكوادر التي تعتمد بشكل أساسي على ما يقدمه الحزب لها من نتاج نظري تثقيفي, والذي لا يكفي –عمليا- لكي يكون أي منهم قياديا داخل الحزب"

لا خلاص إذا إلا بـ...

"...المقاومة, كل من موقعه,!

فالمقاومة ليست حكرا على التيارات الدينية, ورصيد المقاومة هذه يأتي من الموروث والمعارف والخبرات, ومن الاجتهاد الشخصي بالدرجة الثانية.

وفي النهاية يبقى الجميع رفاقا على علاتهم ومشاكلهم, ولا يمكنني إنكار أنهم تعرضوا لحالة من النضج لم يتعرض لها غيرهم , وأنا بالنسبة لي شخصيا أفضّل أن يكون إلى جانبي في الشارع أو النادي أو المقهى أو السينما شيوعي, على أن يكون هناك شخص من مفرزات هذه المرحلة من متطرفين (طالبانيين).

ومجرد وجود أناس يدركون أنّ الصراع هو في حقيقته صراع طبقي, لا صراع حضارات أو صراع طوائف, وأنه تضارب مصالح بين مستغـِل و مستغَـَل؛ هو أمر مطمئن.

وأن تجد هناك من لا زال قادرا على الاعتصام عند تمثال صلاح الدين مثلا, أو عند المفوضية الأوروبية, هذا بحد ذاته مدعاة للتفاؤل, خاصة في ظل الظروف الراهنة ووجود قانون الطوارئ, وهو أمر يدعوني مجددا لإعادة الكرة والمحاولة من جديد.

لكن ليس إلى مالا نهاية بالتأكيد, فكل حزب تقدمي مهدد بأن يصل شبابه إلى مرحلة من اليأس فيديروا ظهورهم و(يمشو).

الناس طاقات, ولا يمكنك أن تطالب الشارع كله بأن يكون (طليعة).

لكني أنصح كل إنسان أن يمر بالمرحلة التنظيمية, وأن لا يستمع لما يقال له في البيت مثلا من قبل والديه لثنيه عن هذه الفكرة, لأنك بحاجة للانتماء ولمنهجة أفكارك, ناهيك عن أنـّه خارج الصيغة الحزبية لا يمكن إنجاز أي تغيير.

خلاصة كلامي أنـّه لا يمكنك أن تعتبر نفسك كحزب شيوعي (طليعة) متقدمة, وتعتبر نظريتك (أم النظريات), والأدوات التي تملكها؛ أكثر الأدوات نفاذا باتجاه الحلول, ثم تبرر لكوادرك أنك تتأثر بضغوطات, وأن المشكلة كانت أكبر منك!!





2007

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بلد لكل محازبيه، ولكن... -البعث العربي الاشتراكي


"دعني أخبرك شيئا، لقد كنت في لبنان، وهناك لمست ذلك الوجود النافر للأحزاب والحزبية، وشهدت بنفسي كيف كان لكل من تلك الأحزاب المستقلة وجوده الفعلي على الأرض، وكان ذلك أكثر من واضح في الشارع، في المدرسة، في الجامعات، وسوى ذلك. لكن هذا الوجود الذي تحدثت عنه كان دائما يتخذ شكلا له طابع تناحري، إذ أن الحزبي في لبنان متطرف قولا واحدا".

بهذا الموقف استهل ثائر العبيد لقاءنا وأنا بالكاد سألته شيئا، كان التأثر باديا على وجهه وهو يتكلم، هو الذي يعرف مسبقا أنني هنا لأحاوره عن تجربته كحزبي شاب، ليستطرد من ثم بالحديث عن تجربته اللبنانية كطالب في جامعة بيروت العربية بالقول:

"الذي حصل أننا عندما ذهبنا إلى لبنان وشاهدنا أصدقائنا في حزب البعث اللبناني، ورأينا في نفس الوقت كيف أن حزب الله يدافع عن حزبه، والوطنيون الأحرار يدافعون عن حزبهم، والقواتيون يدافعون عن حزبهم، والكل يفعل ذلك باستماتة، شعرنا حينها بالضبط كم نحن مقصرون تجاه أحزابنا، لا البعث فحسب، بل وأحزاب الجبهة كذلك، لدينا للأسف أناس يحضرون الاجتماعات الحزبية ثم يخرجون منها كما دخلوا، فما الذي يقدمه أمثال هؤلاء لأحزابهم؟"

المحامي الذي يبلغ اليوم من العمر 32 عاما يذهب في مناصرته لحزبه البعث مذهبا غير مسبوق فيقول: "لا وجود في العالم لحزب كامل، وأنا كبعثي أؤيد حزبي في تطلعاته القومية منها والداخلية. هناك أخطاء و هناك عثرات، ولكن -كنظرة مستقبلية- أعتقد جازما أنه سيكون لحزب البعث شأن مستقبلي كبير لا على الصعيد السوري أو العربي فحسب؛ بل على الصعيد العالمي كذلك. وأنا أعتقد أن حزب البعث العربي الاشتراكي يشبه في هذا الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقا"!

وهنا يستدرك الحزبي المتحمس: ".... إنما بنظرة أخرى"، شارحا وجهة نظره "أنا لا أقول أنه –أي حزب البعث- مثل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق، بمعنى أنّ لديه نفس التصرفات ونفس الأهداف؛ وإنما كون حزب البعث سيستقطب مستقبلا أناسا كثيرين، باعتبار أنّ نظرته ليست نظرة إقليمية وإنما شاملة"

هنا كان لزاما علي أن أسأله عن الشيء الذي يجده في حزب البعث وليس موجودا في باقي الأحزاب السورية؟

ومن دون أن يحار جوابا يقول ثائر: "نحن هنا في سوريا وضع الأحزاب لدينا معروف، والنظام العام معروف، وحزب البعث يسير في توجه أنا شخصيا أدعمه في كل مناحيه.

وأرجو ألا تفهم كلامي على أنه تطرف لكني في واقع الحال أقول لك بأن النظرة العامة لحزب البعث هو أنه حزب شامل، وقوي وقادر على القيادة، كونه حزبا قوميا ذا نظرة بعيدة المدى،

وليس مجرد حزب إقليمي أو وطني يـُعنى بالمسائل الوطنية فقط. وحسبك أن تقرأ أهدافه لتتبين ماهيـّته وتميزه عن بقية الأحزاب"

ويثمن ثائر عاليا أهداف البعث المتمثلة في الـ(وحدة، حرية، اشتراكية)، ويعتقد أن لا وجود لأحد في هذا البلد يمكن له ألا يؤمن مثلا بالوحدة العربية: "منذا الذي لا يؤمن بالوحدة أو لا يريدها، هل ثمة أجمل من أن تركب سيارتك مثلا من هنا إلى الرباط دون أن يوقفك أحد، أو أن تذهب إلى السعودية من دون أن تحتاج إلى فيزا، ووكيل، وكفيل؟

الوحدة كلنا نريدها، والشيء ذاته ينطبق على الحرية، حرية المعتقد، والسياسة، والكلام... وهذه كلها أمور متوفرة لدينا اليوم".

ويعتبر ثائر أن ما يدور من أحاديث هنا وهناك تنال من سمعة البلد فيما يخص الحريات العامة "كلاما في الهواء"، ويقول: "أنا أتفق مع من يتكلم عن فترة مرت توجب على البلد أن تسير فيها ضمن طريق معينة، لكننا الآن نسير في طريق أخرى"، ويضيف: "سيادة الرئيس لا يمنعك من الكلام، والدليل على ما أقول اليوم؛ هو وجود كل وسائل الإعلام المستقلة تلك من تلفزيونات، وإذاعات، ومجلات، وهم كلهم يتكلمون بالطريقة التي تحلو لهم. لم يعد ثمة مشكلة في أن يبدي الإنسان رأيه، أما أولئك الذين لازالوا يشكون من هذا الأمر؛ فهم إنما يبنون رأيهم ذاك على تخوفات وهميّة لا أساس لها من الصحة."

ويعتبر ثائر أن المنابر الحزبية، واجتماعات المنظمات المختلفة هي الوسيلة المثلى والأجدى من اجل إيصال الأفكار و المقترحات إلى صناع القرار في البلاد، منتقدا الأساليب "الملتوية" الأخرى "المنظمات إطار موجود كي يمكننا الكلام عبرها، فأنا كعضو في حزب البعث بإمكاني أن أذهب إلى الاجتماع الحزبي و أتحدث بما أريد، أما أن أظهر على شاشات التلفزيون و لا أترك على البلد (ستر مغطى) فهذه ليست بالحرية"

حاملا على الذين يخالفونه الرأي في ذلك بالقول "أنا لا أعتبر أن المعارضة في سوريا معارضة حقيقية، وإنما هي تهديد"

مستطردا بحدة "ما الذي يريدون معارضته، أنا لدي إطار مؤسساتي و بإمكاني أن أتكلم ضمن إطار المؤسسات وأقول كل ما لدي، وإن لم يصل صوتي إلى صاحب القرار في المرة الأولى، لا بد أن يصل في المرة الثانية، إذ أنه يقع على عاتقي كمواطن أن أتكلم من موقعي. وأنا كمحام أتكلم من موقعي، ولدي نقابتي، وهي ملزمة بإيصال صوتي إلى وزارة العدل"

محذرا الشباب السوري من الانسياق وراء معسول كلام بعضهم، الذي لا يريد سوى إفراغ البلد من مؤسساتها "وبلد من دون مؤسسات و آليات (بتخرب)" ضاربا المثل بالحاصل على الساحة اللبنانية الداخلية.

"على العموم لا أحد يمنعهم من الحديث، وإذا كان لديهم شيء فليقدموه فربما تستفيد البلد منه"

ولا يخفي ثائر تبرمه من تلك الأسماء التي "يروج لها الإعلام" ولا يعرف أحد من أين اتت ولا على أين هي تريد الذهاب بنا

"هنالك من الشباب للأسف من يلتحق بأحزاب غير معروفة، أو يشارك في نشاطات (أكبر منه)، وانا أسال هؤلاء لماذا؟

ألمجرد أن ذلك الحزب معارض وغير معروف، أو أشياء من هذا القبيل؟ هل هذا يعقل؟

أمام الجميع أحزاب كثيرة ضمن الجبهة، وبإمكان أي أحد أن يوصل رأيه من خلالها، فلماذا يضع أولئك الشبان أنفسهم في موضع الشبهة؟"

ويخفف المحامي المتمرس لهجته قليلا ليقول "أنا شخصيا مع المبدأ الذي يقول بأن بلدنا سوريا يجب أن تتسع لكل أولادها، فلا يقولن أحد أنه بلا رأي ومن دون منبر، أنت لك رأي في موقعك، ولا أقوال في حزبك ، بل في عملك . أما أن تضع نفسك في مواقف (مشبوهة) ثم تتذمر من أنه لا يسمح لك بالكلام، فهذا وضع غير مقبول"

ويتحدث ثائر كيف أن التطورات التكنولوجية الأخيرة منحت الجميع مساحة تعبير غير مسبوقة، والشباب على وجه الخصوص هم المستفيد الأكبر منها، وهم الأقدر حتى على تثميرها كيف شاءوا "البلد بلد الجميع، والفرص متاحة أمام الجميع للتعبير عن آرائهم بشكل متساو، أي واحد منا بإمكانه اليوم أن يفتح الانترنت مثلا ليقرأ ما يشاء و يسمع ما يشاء ويكتب ما يشاء، من دون أن يقف أحد على رأسه، أو وراء شاشة حاسبه ليقول له لا تسمع هذا و لا تقرأ ذاك، و الأمر ذاته ينطبق على القنوات التلفزيونية الفضائية"

ولكن وباعتبارك محازبا وقانونيا في آن، ألا تعتقد أن تطوير البنية القانونية والتشريعية للحياة السياسية بات مطلبا تلح عليه كل الأطراف، بما فيها تلك الموجودة في سدة الحكم؟

"العوائق التي يتحدثون عنها وتمنع الناس أحيان من العمل والفاعلية هي في واقع الأمر عوائق وموانع ذاتية، وكامنة ضمن الأفراد والجماعات. هناك من يقصي نفسه عن العمل. وسيادة الرئيس يقول أننا نسير قدما في مسيرة التحديث و التطوير، وكل الأمور تسير خطوة بخطوة،

لأنه لا يمكنك أن تدخل على الانفتاح أو التطوير دفعة واحدة، في حين أنك غير مستعد له، وإلا كانت عاقبة ذلك التدمير الذاتي. (ومن تعجل الشيء قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه)، وهذه شريعة إلهية. الموضوع الذي تتحدث عنه تتم دراسته بتأن من أجل مصلحتنا، وإذا شئت أن تنهيه خلال يومين لأمكن ذلك، لكن النتيجة ستكون قانونا مهلهلا"

ويشكك ثائر في نوايا بعضهم من وراء هذه الاقتراحات مكررا دعوته الشباب إلى الاختيار من بين الأحزاب الموجودة على الساحة أصلا "أما إذا كان البعض ينتظر قانونا للأحزاب مفصلا على قياسهم فهذه (مسخرة) ليس إلا"

وبسؤاله عن الطريقة التي انتمى بها إلى حزب البعث يؤكد ثائر أن الأمر تم بعد اطلاعه على مجمل الأحزاب الموجودة

"لقد وجدت في حزب البعث حزبا يلبي متطلباتي أنا كشخص، كما أنّ حزب البعث مليء بأناس عظماء من ذوي التأثير الكبير، لا في سوريا فحسب، بل في الوطن العربي ككل، وأنا قمت بدراسة كل الخيارات التي كانت متاحة أمامي"

وعن السن التي بدأ فيها ممارسته الحزبية أول مرة يجيب ثائر "كنت في 16 من عمري"

ويضيف "هم سألوا –في المدرسة- عمّن يود الالتحاق بالحزب، وكانت طلبات الانتساب جاهزة، إنما لم يجبرنا أحد على ذلك، وأنا شخصيا لدي أصدقاء غير حزبيين كانوا معي في نفس المدرسة ونفس الصف، وهم لم ينتسبوا وقتها، أما إن كان ذلك عن قناعة أم غير قناعة فلا أدري ذلك شأنهم هم، في حين كان خياري أنا نابعا عن اقتناع"

وعن مدى اقتناعه عن أن الفرص متاحة أمام الأحزاب والتيارات الأخرى لاستقطاب محازبين من بين الشباب بنفس الطريق يعتقد ثائر أننا "في بلد لا يتوجب علينا الخوض في مثل هذه الأحاديث، ليس من أصل للكلام عن أن فلانا ليس بعثيا فلذلك لم يحصل على تلك الوظيفة أو ذلك العمل، هذا كله كلام في الهواء، وأمامك بقية الأحزاب، أليسوا أعضاء في الجبهة الوطنية التقدمية؟ أليس لديهم كلمتهم في تلك الجبهة التي يرأسها رئيس الجمهورية؟ إذن فبإمكانهم إيصال أصواتهم إلى رئيس الجمهورية مباشرة؟"

وعن شكوى أحزاب الجبهة الأخرى من عدم مقدرتها على العلم في أوساط الشباب يجيب ثائر محتجا "لا، السبب يعود إلى أن تلك الأطراف المذكورة مقلة بعملها داخل أحزابها، وأسباب تراجعها تتحملها هي، وهي في النهاية أسباب ذاتية قولا واحدا.

اذهب واسألهم هل يلتقون هم بالشباب في أحزابهم؟

أليسوا هم الآمرون الناهون في تلك الأحزاب؟(وأقصد القيادات من الصف الثاني والأول)

هل يلتفتون في ممارساتهم إلى الالتقاء بالقواعد لديهم؟

لماذا لا يفعلون مثلنا، نحن في البعث لدينا اجتماع كل 15 يوما، ونحن نلتقي دوريا مع قيادات الفروع في كل الفرق الحزبية"

ماذا عن ابتعاد الشباب أنفسهم عن تلك الاجتماعات، حتى من قبل بعض منتسبي البعث -كما سبقت الإشارة" الأسباب أسباب ذاتية بامتياز، والذين يجلسون في منازلهم من دون أن يفعلوا شيئا هم سلبيون تجاه أنفسهم و تجاه بلدهم و تجاه حزبهم، و لا يحسنون سوى النقد، هؤلاء الشباب المشار إليهم في سؤالك لا يريدون البحث عن ذواتهم، أنا وجدت ذاتي، و بعد عودتي من لبنان تحمست أكثر لحزب البعث العربي.

والدافع الذاتي هذا ينبع من الإنسان نفسه. عليك التحلي بروح المبادرة ومساعدة حزبك على سبيل المثال حتى في الاختصاص الذي تجيده في مجال عملك. أنا كمحامي أدافع عن حزبي بكل ما أوتيت من قوة، وأفعل ذلك لأني أحب حزب البعث، وهذه نقطة جوهرية"

هل تعتقد أن ثمة ما يمكن تحسينه في هذه الشروط الذاتية أو الموضوعية لممارستك الحزبية داخل البعث؟

"بصراحة، كلما وصلت إلى نقطة في التفكير حول ما يمكن أن تكون عليه الأمور بشكل أصلح؛ إلا ووجدت أن الرفاق في حزبي كانوا سباقين إلى معالجة تلك النقطة أو النقاط.

وأنا أدعو من هنا كل حزبي بعثي أن يعود فيتعمق في مبادئ حزب البعث خدمة لبلده، فالبعث

ليس في الساحة من يوم أو يومين، وإنما منذ أربعين سنه، وما زال واقفا، وسيظل واقفا".




2007