Syrian drama VS Syrian media
متقمصا –وهو الممثل- شخصية الخبير الرزين العارف ببواطن الأمور، يسند الفنان السوري سامر المصري رأسه إلى الوراء مائلا في جلسته ذات اليمين وهو يحك أذنه بإبهامه وسبابته، قبل أن يطلق حكمه على شاشة قناة "الدنيا" في حال ومآل الصحافة السورية، واصفا أداءها بـ"المتفاوت"، وقائلا إن "الدراميين" في وضع "حركة" فيما الإعلام السوري في "سكون" و"حالة عطالة".
ولم يتحفنا هذا المحلل الإعلامي المستجد -رغم أنه لم يتوقف لحظة عن الكلام طوال فترة البرنامج- بأسباب ومسببات هذه العطالة وذاك السكون الذي يحكم الأداء الإعلامي السوري، ما يجعله عاجزا عن قيادة "مشروع وطني" بحسب تعبير المخرج الجالس بقربه هو الآخر .
وقد ينتظر المواطن السوري المتفائل من المصري الذي يدعي تمثيله في أعماله في هذا المقام مثلا أن يحدثنا عن حرية الصحافة وضمان حق التعبير عن الرأي، أو يعرب لنا عن تعاطفه "الدرامي" مع بعض الصحفيين والمدونين الذين كانوا وراء القضبان، أو قبل ذلك في فلاش باك وهم يجرجرون إلى المحاكم ويطردون من أعمالهم –كإصابة عمل بحسب سخرية الفنان أيمن رضا لاحقا-، أو ربما أن يطالعنا بقراءة نقدية لسيناريو مسودة قانون النشر الالكتروني والتواصل على الشبكة الذي يهدف إلى القضاء على البقية الباقية من الأصوات الإعلامية والصحفية اللائذة بالفضاء الافتراضي هربا من الواقع المفروض، أو أن ينبري للتعريض بسينوغرافيا شتائم المسؤولين السوريين -بمستوى وزير- لرؤساء تحرير بعض المطبوعات السورية على الملأ، أو من باب أولى أن يطالب بفك أسر "الفيس بوك" و"اليوتيوب" المحجوبين رقابيا وفاء من طرفه ربما لتلك الصفحات و"اللينكات" التي أفردها شباب سوريون معجبون بطريقة ميلودرامية بمواويله وقفشاته، ولكن أنى له هذه المعرفة، أو تلك القراءة إن كان يقرأ أصلا.*
على العكس من ذلك يتهور المصري في استنتاجاته، ناعتا منتقدي عمله –أبو جانتي ملك التكسي- من الإعلاميين بكلمات أكبر منه، فهم إما "حاقدون" أو "مأجورون"، ما يعيد للأذهان أصداء تلك اللهجة المثيرة للاستهجان والتي درج كثير منا على سماعها من أفواه مسؤولين وغير مسؤولين كلما سارت رياح الإعلام بغير ما تشتهي سفن مسيراتهم المظفرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا –ومؤخرا- دراميا.
بل لعل سامر المصري هنا لم يكن -من حيث درى أو لم يدر- سوى ببغاء أعاد بمفردات أخرى تكرار ما سمعه ربما من "رئيسه" السابق في نقابة الفنانين السوريين صباح عبيد والذي ساوى في إحدى تصريحاته "الغضنفرية" المهينة له دون غيره بين الصحافة وحذاءه، فنيا.
ويذهب الفنان المتفاخر بحجم جماهريته المتورمة إلى أبعد من ذلك في اتهام أحد الصحفيين بأنه "تم شراؤه" من قبل "أحد المنتجين" بـ"ثمن بخس" لقاء "تعيينه في لجنة تحكيم ما" ما دفع الصحفي أن يكتب ما كتب من انتقادات للعمل "خدمة لمن اشتراه" على حد زعم المصري، وطبعا دون أن يجرؤ فناننا على تسمية الصحفي، أو لجنة التحكيم تلك، أو الإتيان بالبراهين التي وقعت في طريقه "صدفة" مصداقا لدعواه.**
وكل هذا بالطبع بحضور إعلامية "الدنيا" المديرة للحوار، والتي ما كان منها قبل دعوتها المصري لـ"تطراية الجو" بإحدى موشحاته الأقل تنفيرا من حديثه "الناشف" مما يستشف من تعليقها، إلا أن كررت كليشيهات ما تحفظه من دروس "فتوة" الإعلام الرسمي حول "الصحافة الموضوعية" و"النقد البناء" و التعاطي "المنطقي"، والتي لا يفهم من مغزاها في سياق الحلقة سوى أن تكون مديحا غير مشروط لعبقرية المسلسل وفتوحه الدرامية، شاء من شاء، وأبى من أبى.
وهنا لا يسعنا إبداء عتب كبير على الإعلامية الشابة لعدم اعتراضها في برنامجها على التهجم المجاني للمصري ورفاقه على الإعلام، إذ ظهرت تلك الإعلامية بشكل يدعو للخجل أسيرة مؤسستها –مؤسسة بين قوسين- "تلفزيون الدنيا" الذي دأب في الفترة الأخيرة على ابتداع ممارسات ممجوجة لاتمت لـلإعلام بصلة، تبدأ بالفصل التعسفي للإعلاميين وتخفيض أجورهم، مرورا بإجبارهم على إمضاء أوراق فارغة يجري ملؤها لا حقا بالمهمات والرواتب، ولا تنتهي عند تخوينهم وتعليق الملصقات المهينة لهم والتي تلمح بصفاقة إلى اتهامهم بأنهم لصوص تجهيزات وكاميرات –رغم الإجراءات الأمنية المشددة في المحطة واعتمادها نظام البصمة الالكترونية-، ناهيك عن تحكم ممولي المحطة بأدائها المهني، وفرضهم كادرا إداريا قليل الكفاءة، إنما سميعا مطيعا للتوجيهات والأوامر، وهو المطلوب على ما يبدو في هذه الفترة.
لامندوحة عن القول إن الجسم الإعلامي السوري راهنا لا يخلو من الإعاقات والترهلات والمثالب الموضوعي منها والذاتي، وهو في ذلك انعكاس حقيقي لحال المجتمع الذي يعمل بين ظهرانيه، ولا يختلف في معاناته تلك عما يمكن لنا لمسه لمس اليد من عاهات الجسد الدرامي ذاته الذي جهد المصري في أسطرته وتصويره بكمال الآلهة، والذي برغم نواقصه ومشاكله كلها تتاح له في أيامنا هذه مساحات حراك أوسع نحاول جميعنا استثمارها إلى أقصاها.
الشيء الأكيد هنا أننا ما كنا لنضطر للاستماع إلى التعليقات الفوقية، والمحاضرة المتهافتة لسامر المصري فيما لو أن جميع صحفيينا التزموا صراطه المستقيم القائل بمدح المسلسل، أو على الأقل الامتناع عن انتقاده فيما يكتبون وينشرون ويبثون، والذي عبرت عنه إحدى ممثلات العمل صراحة بضرورة "التصفيق" لبعضنا على حد تعبيرها.
التصفيق المجاني أو الإجباري ربما في هذه الحالة، وهو ما عـُوّد عليه كثير منا طوال العقود الماضية، وثمة كثير من النكات المتداولة بين الناس تعريضا بمثل هذا النوع من الإعجاب الفيزيائي الإلزامي والبروباغاندي، علما أن تلك النكات تفوق في تأثيرها "الكوميدي" وبما تثيره وستثيره من ضحك عفوي كل الفهلوات التي أتى بها هذا المسلسل وغيره، من قبل و من بعد.
لم تسعفه "أبو السبع مرايا" هذه المرة أي منها على ما يبدو كي يرى فيها الانعكاس الفعلي لتنظيراته الباهتة، ورغم ما درج عليه العمل طوال حلقاته من تكريس المصري "ملكا" فقد فات ذلك الممثل الفذ مع الأسف الدخول في تفاصيل شخصيته قولا وفعلا، وإلا لكان انتبه –كما أي سائق تكسي مبتدئ- للتحذيرات المطرزة أمامه على مراياه السبع كلما نظر فيها، والتي تخبره بصراحة مرورية، علمية، واقعية، بناءة، أن "الأجسام الظاهرة أمامك أكبر من حجمها الطبيعي".
________________
* تشبه بعض تحليلات المصري الصحفجية بالمناسبة تحليلاته الاجتماعية الأخرى، عندما يعلن موقفه المعارض للعنف ضد النساء، إنما من باب تأويلي مفرط في سذاجته -كي لانقول سخافته- إذ يقول بأن "المرأة ما بيجوز تنضرب" لا لشيء سوى لأنها "مخلوق جميل رقيق"!
** وهذه دعوة للمصري للإتيان بأدلته على هذا الاتهام الخطير، والتي في حال تم التأكد من مصداقيتها فلن يتوانى أحد عن نشرها على الرأي العام، ولا حصانة لأحد في هذه الحال، وذلك بدلا من الغمز واللمز وتوجيه الاتهامات جزافا بطريقة شبه أمنية تدعو للغثيان، علاوة على تملق المصري لكتاب وصحفيين آخرين أتى على ذكرهم بالاسم، وربما كانوا أصدقاء شخصيين له، أو لعله أجرى حساباته فوجد نفسه أعجز من أن يتحمل جريرة زجهم في جماعة المغضوب عليهم.
متقمصا –وهو الممثل- شخصية الخبير الرزين العارف ببواطن الأمور، يسند الفنان السوري سامر المصري رأسه إلى الوراء مائلا في جلسته ذات اليمين وهو يحك أذنه بإبهامه وسبابته، قبل أن يطلق حكمه على شاشة قناة "الدنيا" في حال ومآل الصحافة السورية، واصفا أداءها بـ"المتفاوت"، وقائلا إن "الدراميين" في وضع "حركة" فيما الإعلام السوري في "سكون" و"حالة عطالة".
ولم يتحفنا هذا المحلل الإعلامي المستجد -رغم أنه لم يتوقف لحظة عن الكلام طوال فترة البرنامج- بأسباب ومسببات هذه العطالة وذاك السكون الذي يحكم الأداء الإعلامي السوري، ما يجعله عاجزا عن قيادة "مشروع وطني" بحسب تعبير المخرج الجالس بقربه هو الآخر .
وقد ينتظر المواطن السوري المتفائل من المصري الذي يدعي تمثيله في أعماله في هذا المقام مثلا أن يحدثنا عن حرية الصحافة وضمان حق التعبير عن الرأي، أو يعرب لنا عن تعاطفه "الدرامي" مع بعض الصحفيين والمدونين الذين كانوا وراء القضبان، أو قبل ذلك في فلاش باك وهم يجرجرون إلى المحاكم ويطردون من أعمالهم –كإصابة عمل بحسب سخرية الفنان أيمن رضا لاحقا-، أو ربما أن يطالعنا بقراءة نقدية لسيناريو مسودة قانون النشر الالكتروني والتواصل على الشبكة الذي يهدف إلى القضاء على البقية الباقية من الأصوات الإعلامية والصحفية اللائذة بالفضاء الافتراضي هربا من الواقع المفروض، أو أن ينبري للتعريض بسينوغرافيا شتائم المسؤولين السوريين -بمستوى وزير- لرؤساء تحرير بعض المطبوعات السورية على الملأ، أو من باب أولى أن يطالب بفك أسر "الفيس بوك" و"اليوتيوب" المحجوبين رقابيا وفاء من طرفه ربما لتلك الصفحات و"اللينكات" التي أفردها شباب سوريون معجبون بطريقة ميلودرامية بمواويله وقفشاته، ولكن أنى له هذه المعرفة، أو تلك القراءة إن كان يقرأ أصلا.*
على العكس من ذلك يتهور المصري في استنتاجاته، ناعتا منتقدي عمله –أبو جانتي ملك التكسي- من الإعلاميين بكلمات أكبر منه، فهم إما "حاقدون" أو "مأجورون"، ما يعيد للأذهان أصداء تلك اللهجة المثيرة للاستهجان والتي درج كثير منا على سماعها من أفواه مسؤولين وغير مسؤولين كلما سارت رياح الإعلام بغير ما تشتهي سفن مسيراتهم المظفرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا –ومؤخرا- دراميا.
بل لعل سامر المصري هنا لم يكن -من حيث درى أو لم يدر- سوى ببغاء أعاد بمفردات أخرى تكرار ما سمعه ربما من "رئيسه" السابق في نقابة الفنانين السوريين صباح عبيد والذي ساوى في إحدى تصريحاته "الغضنفرية" المهينة له دون غيره بين الصحافة وحذاءه، فنيا.
ويذهب الفنان المتفاخر بحجم جماهريته المتورمة إلى أبعد من ذلك في اتهام أحد الصحفيين بأنه "تم شراؤه" من قبل "أحد المنتجين" بـ"ثمن بخس" لقاء "تعيينه في لجنة تحكيم ما" ما دفع الصحفي أن يكتب ما كتب من انتقادات للعمل "خدمة لمن اشتراه" على حد زعم المصري، وطبعا دون أن يجرؤ فناننا على تسمية الصحفي، أو لجنة التحكيم تلك، أو الإتيان بالبراهين التي وقعت في طريقه "صدفة" مصداقا لدعواه.**
وكل هذا بالطبع بحضور إعلامية "الدنيا" المديرة للحوار، والتي ما كان منها قبل دعوتها المصري لـ"تطراية الجو" بإحدى موشحاته الأقل تنفيرا من حديثه "الناشف" مما يستشف من تعليقها، إلا أن كررت كليشيهات ما تحفظه من دروس "فتوة" الإعلام الرسمي حول "الصحافة الموضوعية" و"النقد البناء" و التعاطي "المنطقي"، والتي لا يفهم من مغزاها في سياق الحلقة سوى أن تكون مديحا غير مشروط لعبقرية المسلسل وفتوحه الدرامية، شاء من شاء، وأبى من أبى.
وهنا لا يسعنا إبداء عتب كبير على الإعلامية الشابة لعدم اعتراضها في برنامجها على التهجم المجاني للمصري ورفاقه على الإعلام، إذ ظهرت تلك الإعلامية بشكل يدعو للخجل أسيرة مؤسستها –مؤسسة بين قوسين- "تلفزيون الدنيا" الذي دأب في الفترة الأخيرة على ابتداع ممارسات ممجوجة لاتمت لـلإعلام بصلة، تبدأ بالفصل التعسفي للإعلاميين وتخفيض أجورهم، مرورا بإجبارهم على إمضاء أوراق فارغة يجري ملؤها لا حقا بالمهمات والرواتب، ولا تنتهي عند تخوينهم وتعليق الملصقات المهينة لهم والتي تلمح بصفاقة إلى اتهامهم بأنهم لصوص تجهيزات وكاميرات –رغم الإجراءات الأمنية المشددة في المحطة واعتمادها نظام البصمة الالكترونية-، ناهيك عن تحكم ممولي المحطة بأدائها المهني، وفرضهم كادرا إداريا قليل الكفاءة، إنما سميعا مطيعا للتوجيهات والأوامر، وهو المطلوب على ما يبدو في هذه الفترة.
لامندوحة عن القول إن الجسم الإعلامي السوري راهنا لا يخلو من الإعاقات والترهلات والمثالب الموضوعي منها والذاتي، وهو في ذلك انعكاس حقيقي لحال المجتمع الذي يعمل بين ظهرانيه، ولا يختلف في معاناته تلك عما يمكن لنا لمسه لمس اليد من عاهات الجسد الدرامي ذاته الذي جهد المصري في أسطرته وتصويره بكمال الآلهة، والذي برغم نواقصه ومشاكله كلها تتاح له في أيامنا هذه مساحات حراك أوسع نحاول جميعنا استثمارها إلى أقصاها.
الشيء الأكيد هنا أننا ما كنا لنضطر للاستماع إلى التعليقات الفوقية، والمحاضرة المتهافتة لسامر المصري فيما لو أن جميع صحفيينا التزموا صراطه المستقيم القائل بمدح المسلسل، أو على الأقل الامتناع عن انتقاده فيما يكتبون وينشرون ويبثون، والذي عبرت عنه إحدى ممثلات العمل صراحة بضرورة "التصفيق" لبعضنا على حد تعبيرها.
التصفيق المجاني أو الإجباري ربما في هذه الحالة، وهو ما عـُوّد عليه كثير منا طوال العقود الماضية، وثمة كثير من النكات المتداولة بين الناس تعريضا بمثل هذا النوع من الإعجاب الفيزيائي الإلزامي والبروباغاندي، علما أن تلك النكات تفوق في تأثيرها "الكوميدي" وبما تثيره وستثيره من ضحك عفوي كل الفهلوات التي أتى بها هذا المسلسل وغيره، من قبل و من بعد.
لم تسعفه "أبو السبع مرايا" هذه المرة أي منها على ما يبدو كي يرى فيها الانعكاس الفعلي لتنظيراته الباهتة، ورغم ما درج عليه العمل طوال حلقاته من تكريس المصري "ملكا" فقد فات ذلك الممثل الفذ مع الأسف الدخول في تفاصيل شخصيته قولا وفعلا، وإلا لكان انتبه –كما أي سائق تكسي مبتدئ- للتحذيرات المطرزة أمامه على مراياه السبع كلما نظر فيها، والتي تخبره بصراحة مرورية، علمية، واقعية، بناءة، أن "الأجسام الظاهرة أمامك أكبر من حجمها الطبيعي".
________________
* تشبه بعض تحليلات المصري الصحفجية بالمناسبة تحليلاته الاجتماعية الأخرى، عندما يعلن موقفه المعارض للعنف ضد النساء، إنما من باب تأويلي مفرط في سذاجته -كي لانقول سخافته- إذ يقول بأن "المرأة ما بيجوز تنضرب" لا لشيء سوى لأنها "مخلوق جميل رقيق"!
** وهذه دعوة للمصري للإتيان بأدلته على هذا الاتهام الخطير، والتي في حال تم التأكد من مصداقيتها فلن يتوانى أحد عن نشرها على الرأي العام، ولا حصانة لأحد في هذه الحال، وذلك بدلا من الغمز واللمز وتوجيه الاتهامات جزافا بطريقة شبه أمنية تدعو للغثيان، علاوة على تملق المصري لكتاب وصحفيين آخرين أتى على ذكرهم بالاسم، وربما كانوا أصدقاء شخصيين له، أو لعله أجرى حساباته فوجد نفسه أعجز من أن يتحمل جريرة زجهم في جماعة المغضوب عليهم.