ليس مؤكدا بعد فيما إذا كانت وزارة الاقتصاد والتجارة قد قامت فعلا بتشكيل لجنة لتقديم دراسة جدوى اقتصادية لصحيفتها العتيدة التي ستنافح مستقبلا عن حرية الملكية التجارية والصناعية كما حددت مهمتها*.
وافتراض وجود لجنة كتلك هو من قبيل (العشم) المهني لتحصيل استشارة احترافية من ذوي الاختصاص تسبق عادة ربما إصدار قوانين (استثنائية) من رئاسة مجلس الوزراء، كحال قانون إصدار المطبوعات (غير الاستثنائية) على العموم، والصحيفة المذكورة هنا على وجه الخصخصة.
أما الشك فمرده إلى أن القرار إياه الصادر في عامنا هذا في بلدنا هذا في منعطفنا هذا حدد مكافئة المحرر هذا في الصحيفة المنتظرة بـ(4000- أربعة آلاف) ليرة سورية، من ليرات مصرفنا المركزي** هذا بالذات.
وفي الوقت الذي يعافر فيه الإعلاميون السوريون مع / ضد (مؤسساتهم) لرفع الرواتب ومكافئات الاستكتاب والتعويضات الاجتماعية وبدلات الطبابة والنقل والاتصالات، وسحب حقوقهم ومستحقاتهم من بين أنياب وأضراس وطواحن وضواحك التجار والمضاربين وأبناء المسؤولين وغاسلي الأموال أصحاب ورؤساء تحرير تلك المؤسسات، ودائما بعيدا عن النقابات الافتراضية والاتحادات الفقاعاتية، .. أقول في الوقت الذي يجري فيه كل هذا تخرج علينا دولة فلول القطاع العام بقرار اقتصادي سوقي اجتماعي رسمي يبقشش (موظفيه) بـ(400 ألف) قرش كل شهر.
منتظرا ضمنا من أولئك المستخدمين العمل المتقن والضمير اليقظ والكف النظيف والذقن الحليقة والصدر العامر والمؤخرة المشدودة والحنك المقفل.
أربعة آلاف ليرة سورية حكومية في الشهر، ما يعادل في إعلام الكيلو/كلمة وبورصة المنطقة الإعلامية الحرة في الزبلطاني وسوق الهال، بيضة فاصلة ستة أعشار البيضة (نيـّة) في الساعة.
نعم، ربما كان الأجدى بنا العودة إلى لغة المقايضة، إذ أنها قد تحمل لاتزال بعدا اعتباريا إنسانيا - حيوانيا أقل لؤما وأذى، من ذلك التجريد الاقتصادي الحداثوي لفرمانات أهل الحل والعقد الذين لا يخفى عليهم شيء في الأرض ولا في السماء.
وطالما أننا عاجزون عن وضع بعض الحرارة في الليرات المتصدق بها على الزملاء المحررين، فلا بأس إذا من وضع بعض الحريرات بدلا عنها.
فلابد أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بعد أن تم دمجها مع وزارة التموين والتجارة الداخلية باتت على علم تماما بالحجم الاقتصادي الذي يحتله (البيض) في حياة المواطن الإعلامي السوري.
بدء بما تيسر من بيض الدجاج الكلاسيكي الذي يمرغ في صفاره رئيس التحرير عادة المواد الخارجة على النص. مرورا بالمسؤولين وهم يبيضون في خطبهم ولقاءاتهم وتبصيراتهم بقية النهار، والذين ينتظرون من الصحفيين والإعلاميين موافاة جماهيرهم بذلك البيض عاجلا قبل أن يفقس. وصولا إلى مفتاح حلحلة الأمور المستعصية في معاملات الدوائر العمومية (ومنها وزارة الإعلام بالطبع) والذي يعرف لغة بـ(بيضة القبان)، ذلك الشخص (غالبا –شخصة- في مثالنا السابق) الذي تعود إليه الكلمة الفصل في التيسير والتعسير على حجاج الدائرة (الحرام).
كما أنه يمكن للصحافة الخاصة المستقلة بمداجنها الناشئة أن تأتسي بالصحيفة الحكومية الوليدة. بل لعل المحررين العاملين لدى بعض أصحاب تلك التجمعات الإعلامية (المستقلة) يكونون أكثر حظا من زملائهم العموميين، على اعتبار أن من بين أكابر ذلك الإعلام من هو (بيضه) أكبر وأثقل من بعض مداراء القطاع العام. ما يمنح بعض الإعلاميين فرصة تاريخية لتعلم اللعب بـ(البيض) ..والحجر.
النكات السورية ليست كلها سرية، وليست كلها دائما عن الحماصنة. فهناك نكات تحمل توقيع أرفع المسؤولين في الدولة ما يسمح بتداولها رسميا في أوساط العمال والموظفين وصغار الكسبة وعامة الشعب. وبالطبع (الصحفجيين) و(المحرراتية) من بينهم.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على (الروح الحلوة) عند مسؤولينا الرفيعين جدا، على التوازي مع (حلاوة الروح) عند مواطنيهم الأكثر (رفاعة).
على أن القرار التاريخي لرئاسة الوزراء بـ(ارتكاب) تلك الصحيفة الجديدة، أغفل رصد أي مكافئة لرئيس تحرير المطبوعة الموعودة, وهو هنا السيد وزير الاقتصاد نفسه. وهذا الإغفال كان إما لأن صاحب القرار على علم بأن السيد الوزير مكتف بذاته، وبنعم (سانا) الأخرى عليه، وإما لأن هذه اللفتة كانت بادرة حسن نية من فوق إلى تحت. بادرة لسان حالها يقول:
(ومن ساواك ببيضه .... ما ظلمك).
________
* نشرت صحيفة الخبر السورية مؤخرا قرارا صادرا عن مجلس الوزراء السوري بإنشاء مطبوعة لوزارة الاقتصاد والتجارة تتناول حرية الملكية التجارية والصناعية, وردت فيها تسعيرة المحررين المشار إليها.
**حاكمه نافح حد الشتيمة عن ليرتـ(ــه)، ووصف –وهو الصاحي- تصريحات وزير الصناعة (النقدية) التي لم ترقه مؤخرا بـ(الهلوسة).
2009