2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

... ومعارضون شباب؛ يضْـرَسون! -إعلان دمشق



المسألة ليست اختيارا.. فأحيانا يبدو من الصعب طرح الرأي دون الوصول إلى حده الأقصى، على الأخص إذا كنا ننظر إلى تاريخ كامل وليس إلى فترة قصيرة. فمايا جاموس ابنة فاتح جاموس تملك تجربتها الخاصة، حتى عندما قررت العمل كصحافية، فتاريخ والدها مازال امامها، سواء عندما اعتقل في الثمانينات، أو في نشاطه الحالي.

مايا تتحدث بشكل مباشر ودون تحفظ:

"على مدى سنوات طويلة جُمّدت التقاليد السياسية في سوريا لزمن آخر، وغابت أية حركة شبابية واسعة حرة ومستقلة عن قطاعات المجتمع كلها، وحلت محلها صيغ التنظيمات والمؤسسات السلطوية ومصادرة أي تطلع لحركة مستقلة.

ثمـّة مؤسسات تحيط بالفرد منذ بداية خلقه، تراقبه، وترسم له سلوكه اليومي، وكل الحراك الجريء الذي استطاع أن يبرز هنا أوهناك قوبل بالمنع والمضايقات بغرض جعل أولئك الأشخاص عبرة لمن يطمح بالعمل والنشاط السياسي الشبابي المنظم."

هكذا، ودفعة واحدة، تضع مايا جاموس أمامك ما تعتقد هي أنه الخلاصة الموضوعية التي من الممكن للمرء الوصول إليها إذا أمعن الفكر قليلا فيما حوله، وهي على كونها وفق رأيها (خلاصة) تظلّ - كما تصرّ مايا مرة أخرى- (المقدمة) الأمثل للحديث عن الشأن الحزبي السوري لدى الشباب، وتقول مبينة وجهة نظرها:

"أعتقد أنّ الجوانب القانونية التي تحكم العمل السياسي في سورية هي الأساس لمحاولتنا قياس وتتبع النشاط السياسي للشباب السوري.

فالدستور السوري الحالي ومجموعة القوانين المفسرة له، تحوي جميعها محاولات لتبرير احتكار السياسة من قبل طرف سياسي واحد، كما لو أن السياسة والوطن والنضال هي أشياء ومفاهيم خاصة بهذا الاحتكار، وتابعة لذلك الطرف السياسي، باعتباره وحده المسؤول عن مصائر الوطن.

وهذا يعني بالضرورة وجود معايير تمييزية بين الأحزاب والمواطنين، فهنالك حزب ومواطنون درجة أولى، وهناك الآخرون من درجات مختلفة.

الأوائل في الهرم إياه يساهمون فعلياً حسب ترتيب موقعهم في تحديد مصير البلاد الوطن وقيادة المجتمع، والآخرون منفعلون فحسب، بمن فيهم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

خاصة بعد أن نصّ ميثاق الجبهة ونظامها على أن العمل في القطاعات الرئيسية وحيث يتركز العنصر الشاب (الجيش والتعليم)؛ هو حكر على حزب بعينه، ممنوع على حلفاء الجبهة، وذلك لفترة طويلة من الزمن، فكيف إذا مع بقية الأحزاب والمواطنين؟

ولتعزيز هذا التوجه أُنشأت مؤسسات خاصة بالشباب ورديفة لهذا الحزب، ومرتبطة حصراً من لجهة قيادتها وبرامجها ونشاطاتها به، مع منع قيام أي مؤسسة موازية، وما هو موجود سلفا لدى بعض أحزاب الجبهة يأخذ صيغا غير قانونية، في حين أن القانوني منه موجود طالما كان (مرْضيا عنه) وإلا أنهي وجوده كما حدث مع (رابطة النساء السوريات) مثلا.

وكل هذا الاحتكار بحجة الخوف والحذر من انقسام المجتمع وانفلاته وتهديد وحدته الوطنية."

ولكن هل الحال أقل بؤسا برأيك على المقلب الآخر، وهل يوجد لدى المعارضة ما تقوله حقا للشباب السوري؟

"بإمكاني القول أنه وفي زمن مضى، استطاعت بعض القوى والتجارب السياسية أن تخترق احتكار العمل السياسي في قطاع الشباب، وأن تقوم بشد قسم منهم إليها مثل التيار الإسلامي في سوريا، حيث قام هذا التيار باجتذاب قسم كبير وواسع من هذه الشريحة، على عكس اليسار الجديد الذي اقتصر استقطابه للشباب على الحالات النخبوية.

لكن بعد مرور زمن طويل على العطالة التي حلتّ بالمعارضة السياسية السورية نتيجة المنع الدائم بكل أشكاله، لا يمكن أن يرد ذكر المعارضة اليوم في مناسبة من المناسبات إلا وستوصف فيها بالضعف والتفكك والنخبوية.

على أنّ المعارضة ذاتها من جهة أخرى تفتقد إلى أية برامج خاصة تخاطب من خلالها الشباب لشدهم إليها، ناهيك عن عجزها عن تجديد ذاتها وخططها ووسائل نشاطها بين تلك الشريحة المهمة من المجتمع."

بكلمات أخرى، فإن حصيلة تفاعل السوريين من الشباب مع هذه القوى التي تحاول أن تطرح في نفسها البديل عن السلطة الحالية؛ هي باختصار (صفر)...

"...ولكن عليك أن تأخذ بعين الاعتبار أمرا مهما، وهو أنّ هناك دائما تخوف من قبل قياديي بعض القوى في هذه المعارضة -كحزب العمل الشيوعي على سبيل المثال- من قبول وتنظيم أية حالة شابة جديدة، وذلك خوفا عليها من المضايقات التي قد تتلقاها من طرف السلطة.

وهنا يمكن لي أن أسجّل ملاحظة تخص الشباب المستقطب من قبل اليسار المنضوي تحت جناح الجبهة (الجبهة الوطنية التقدمية)، لجهة أنّه هو أكبر وأوسع شريحة من الشباب المستقطب حول اليسار الآخر المعارض (حزب العمل الشيوعي، حزب العمال الثوري، انقسامات حزب الشعب، بعض المجموعات اليسارية التي غادرت الشيوعية الرسمية، اليسار الكردي)، بسبب استمرار ملاحقة السلطة لهذه القوىا.

والأمر ذاته ينطبق على التيار القومي المعارض (الاتحاد الاشتراكي بشكل أساسي) على الرغم من أنه لم يتعرض لمضايقات مشابهة للآخرين، بيد أنّه خضع بدوره للتضييقات ذاتها فيما يخص نشاطه مع الشباب."

إذا فاليسار الذي يمكن احتسابه على التكوين السياسي الرسمي حقق بعض التقدم على الأقل باتجاه شرائح الشباب،

ألا يمكن لهذا أن يكون مؤشرا على أن خيارات الجيل الجديد السياسية لا تسير وفق ما تشتهيه مراكب المعترضين على السلطة؟

"أعتقد أن هذا الأمر مثير للاهتمام، ويبدو لي هنا مشروعا ذلك التساؤل حول بعض الظواهر الشبابية المرتبطة ببعض أحزاب الجبهة بشكل خاص كما ذكرت، مثل الحزب الشيوعي و(اتحاد الشباب الديمقراطي أو شبيبة بكداش)، وأحد تيارات الحزب القومي السوري المنقسم، إذ تجد هنا استقطابا مهما لبعض الشباب السوري، لكن يصعب في الحقيقة الجزم فيما إذا كان سبب ذلك يعود إلى تأثر هؤلاء الشباب بإيديولوجيا وسياسات تلك القوى المذكورة عن وعي وخيار حقيقيين، أم أنّ ذلك كله يعود لمجرد رغبة من قبل بعض الشبيبة بممارسة عمل سياسي وثقافي واجتماعي غير مكلف أمنياً، وتتغاضى السلطة عنه رغم عدم مشروعيته من منظورها؟

من جهة أخرى كان هنالك محاولات عديدة من طرف قوى المعارضة السياسية لشد الشباب إلى الحوار عبر ما يشبه الصالونات والمنتديات، والنشاطات المناهضة للعولمة والصهيونية، لكن تلك الوسائل ظلت بدائية ولم تتبلور آفاقها تماما."

وبالتالي كيف توصفين الآن حال "شباب المعارضة" إن صح التعبير.

"الموجودون حالياً هم نخبة ضيقة من الشباب المهتم بالشأن العام والقضايا السياسية والوطنية الأساسية، وهذه النخبة متأثرة بطبيعة الحال بالنخبة الأولى والجيل السابق والأكبر سنا، وتدور عمليا في فلكها، بل يمكن القول إن غالبيتهم يمتون بصلة نسب بهذا القدر أو ذاك إلى عوائل وأسر تلك النخبة الأقدم، كما أن الاتجاهات السياسية والثقافية والفكرية القائمة في وسط هذه النخبة الضيقة من الشباب هي في المحصلة؛ ذاتها اتجاهات النخبة الأولى.

أما الاتجاه الآخر للنخب الشابة فيندرج ضمن الاهتمام بثقافة حقوق الإنسان والمجتمع المدني ومناهضة العولمة.

وبين هؤلاء تجد مثلا شبابا هاربين من المسائلة إلى مؤسسات هي في واقع الحال أدنى من مؤسسة الحزب، وبالتالي فهي تشكل خيارا أقلّ تهديدا من الناحية الأمنية، كما تجد في صفوف هؤلاء كذلك شبابا سوريا سبق له أن قرر الابتعاد عن دائرة الأحزاب نتيجة موقف سلبي له منها، رغم أنّه قد لا يكون بالضرورة مطلعا عليها أو على برامجها ونشاطاتها بشكل جيد وعن قرب، بل على الغالب بسبب مواقف مسبقة وردود فعل على مسائل محددة."

أليس هذا حكما قاسيا على الشباب السوري اليوم؟

"لا أعتقد ذلك، إذ يمكنني القول اليوم أنّه لا وجود اليوم بين شبابنا السوري من يملك ما يمكن أن نطلق عليه (وعيا شابا مستقلا)، قادرا بالتالي على إنتاج نشاط أو حراك سياسي شبابي مستقل.

وحتى تلك الحالات التي أمكن لها أن تفلت من إسار هذا التعميم ولو جزئيا ً(مثل مجموعة اعتصام حلب) كحراك شبابي معاصر وحديث، ظلت هي الأخرى مستقطبة إلى حد ما، كما عانت بدورها أيضاً مما وقع عليها من عقوبات شديدة تراوحت بين السجن والفصل من الدراسة.

بيد أنّه تبقى برأيي أكثر المجموعات الشبابية استقلالاً؛ هي تلك التي لا تحددها نواظم فكرية أو سياسية أو تنظيمية، بل تربط فيما بينها كما هو واقع اليوم علاقات (شبكة الانترنت)، مع كل ما قد يعنيه ذلك على صعيد نمو (وعي) من نوع ما، ونشوء صنف من (العمل) السياسي والشبابي؛ خارج إطار مجتمعنا السوري، بين جدران البيوت، وبعيدا عن ضوء الشمس.

حيث يمكن تفادي المساءلة الأمنية، وراء الأسماء الوهمية والحيل التقنية."

ماذا عن خياراتك الشخصية بهذا الخصوص؟

"بالنسبة لي، أعتبر نفسي متابعة للشأن العام والقضايا الوطنية الأساسية عبر وسائل عديدة منها الكتابة، وأحاول البقاء على تواصل وإطلاع على أهم الحراكات في الوسط السوري، وخاصة الشبابية منها.

لم ألتحق بأي حزب سياسي للأسباب ذاتها التي سبق لي تفصيل الحديث فيها، وأنا -كغيري- بانتظار قانون حضاري وديمقراطي للأحزاب يسمح بإعادة الحياة السياسية إلى سوريا.

ورغم أنّ خياراتي بالمجمل هي خيارات غير حزبية، وبالتالي من المفترض بها أن تكون غير مكلفة أمنياً، فأنا أتعرض إلى مضايقات أمنية بسبب نشاطي وبسبب كوني ابنة معارض شيوعي، إذ أنني محرومة من السفر خارج البلاد، كما سبق وتم استدعائي للتحقيق ثلاث مرات حتى تاريخه بسبب مقالة نشرت لي حول أحد أحياء دمشق السكنية، وهذه القضية لم تغلق حتى الآن.

وأنا شخصيا أعتقد أن ما تعرض له والدي من اعتقال لفترة طويلة (حوالي 19 عاما)، إضافة إلى الثمن الذي دفعته أنا وعائلتي بسبب خيار والدي السياسي، وما أعرفه شخصيا عن عائلات وأسر أخرى في سوريا تعرضت لعقوبات مماثلة وربما أكثر قسوة، كان كفيلا في البداية بصدي عن ممارسة أي سياسة أو مشاركة في أي شأن عام، بيد أن الأمور اتخذت منحى آخر لاحقا، وتطور لدي فيما بعد وعي واهتمام شخصي بتلك المسائل بالذات."






2007

ليست هناك تعليقات: