2010-12-30

عزيز العظمة ..المطلوب من الإسلاميين مضارعة العصر, لا خفة اليد الخطابية

Aziz al-Azma: O Islamists: Live your present time, and enough rhetoric



نصيرا بالغ الحماس لدنيوية الواقع المنفتح جملة و أبدا على التحول ... موغلا في أحافيره النقدية اللاذعة داخل الاجتماع العربي ... وراء حصن للعلمانية يعاند خصومه أنه بات أطلالا دارسة, وينافح هو عن خصب لازال فيه, -على أزمته- رحبا للدراسة...
فهل عساه -وهو المولع بتاريخانية القراءات- يستل ثانية من دون أن يشعر سيف عمه الأكبر يوسف العظمة, لغمار معركة أخرى لا يعول هو نفسه فيها على معجزات. عزيز العظمة على سجيته في حديث خاطف


• يطاَلب الفكر الديني و يُحثُّ دائما من منابر مختلفة على تقديم طروحات إصلاحية, مقصدية و شريعية, تمس متنه المقدس أحيانا أو تكاد. هل يمكننا بالمقابل أن نتوقع جديدا من التناولات العلمانية الحديثة للموضوع العلماني ذاته؟
وبالتالي, ألا تعتقد أن (الاجتهادات) التي قدمت في أفق العلمنة حتى الآن؛ تحتاج بدورها إلى مثل هذه الأطروحات الإصلاحية, وصولا إلى مقاربة أكثر ملائمة للمعاصر المجتمعي؟

من البديهي أن يصار إلى معاصرة كل شيء دينيا كان أم علمانيا, سواء في مجالات الفكر, أو في غيرها من المجالات, وفي الواقع يوجد هناك في العالم أجمع, في جنوب أميركا وفي أوروبا, معالجات ومقاربات تاريخية وموضوعية للعلمانية وتعقدات العلمانية واختلاف مساراتها عن بعضها بعضا حسب الأوضاع المتعينة, وهذا بالطبع أمر أساسي ويجب أن يكون, ولكن لا يمكن الموازاة بين المراجعة العلمانية والمراجعة الدينية, لأن المراجعة الدينية يفترض بها أن تبتدأ من مكان آخر.

المراجعة العلمانية في نظري في إحدى نواحيها إنما هي إلمام بواقع معلمن ومتعين, ومعرفة به, ويقع على عاتق الفكر الديني أن يقر بما حصل من تحولات في مجتمعاتنا في القرنين الأخيرين, وهي تحولات بالغة السعة, وهي بينة بمكان بحيث لا يمكن إنكارها, وبالتالي إن المطلوب ليس (التوازي) وإنما (التمايز) في المقاربات, لأنه لا يمكن بحال أن يوازى بين هذا و ذاك, باعتبار أن لكل من هاتين المقاربتين منطلقات مختلفة ومتباينة, وبالتالي إن كان الدينيون قد (راجعوا) فإن هذا لا يفترض بالضرورة أن نراجع من موقعنا كعلمانيين.

ليس في الأمر عملية تكتيكية أو تحالف تاريخي, فالعلماني ينطلق من الواقع, والديني ينطلق من المتوهم, فعلى الوهم أن يوازي الواقع, وأن يقارب هذا الواقع بدرجات أكبر, وعلى الديني أن يوسع من نطاق هذه المعالجة التي قد تكون جزئية, أو يبدو أنها كانت جزئية في بعض من نواحيها, بغاية تنشيط الفعالية الذهنية والمقدرات التحليلية لهذا الفكر,فالغرض من الطرح العلماني أساسا هو التحليل العياني, والغرض من الطرح الديني هو موائمة ديني تليد مع متطلبات العصر التي يضارعها الفكر العلماني بدرجات لا تقارن مع ما يقدمه الفكر الديني. باختصار؛ يجد الفكر الديني والتصورات الدينية تفسيرها المعرفي في الفكر العلماني, أما العكس فهو ليس صحيحا.

لقد حاول الفكر الديني الاقتراب من واقعنا المعاش, ومن تحولات نظم التعليم والعلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل, ومن تحولات النظم القانونية والسياسية إلى منحى علماني و(عالمي أيضا)-وعليه أن يفعل-, بيد أن خطواته شابها التعثر.

طبعا يوجد هناك جملة واسعة من المواقف المتباينة لدى الطرف الديني, تتفاوت بين المتشدد شديد التشدد, والمتحرر شديد التحرر ممن يحاول أن يوائم ما بين نصوص قرآنية أو نصوص حديثية أو تجارب تاريخية, وبين واقع اليوم.

و هذا بالطبع شأن ليس بالسهل, بالنظر إلى أن تلك النصوص نشأت في بيئة وفي عصر مختلف, ومباين تمام المباينة لعصرنا هذا, وبالتالي فإن القضية في رأيي تتطلب أكثر مما هو مبذول الآن, من قبيل ما يصار على سبيل المثال من ترجمة الشورى بالديموقراطية, أو الديمقراطية بالشورى, ففي هذا شيء من خفة اليد الخطابية, وعلى الخطاب الديني أن يخطو إلى أبعد من ذلك, وأن يرى النصوص الدينية في سياق عصرها, و في حدود هذا السياق.

سبق لي مرة في تجمع غلب عليه الطابع الإسلامي في (كوالا لامبور) -عاصمة ماليزيا- أن سئلت: (هل تعني بكلامك يا أستاذ أن النبي لم يفهم القرآن على نحو جيد؟)
فأجبت السائل: (بلى, هو فهم القرآن, ولكن ضمن الحدود العقلية و الثقافية و الذهنية لعصره.)


• ... إذا في أي إطار تضع ما راج مؤخرا على ألسنة بعض من أشد المدافعين عن العلمانية حماسا من دعوة وجهت إلى أوروبا بالذات لإعادة اكتشاف علمانيتها اليوم؟

هي -حسب فهمي- دعوة للتنشيط, بمعنى أن هناك قدرا معينا من الانحسار في التوجه العلماني, خصوصا فيما يتعلق بالجاليات المسلمة المقيمة في أوروبا, وفي رأيي أن ما يقترحه الدكتور جورج طرابيشي –وظني أنك تعنيه- هو بالضبط إعادة تنشيط الفكر العلماني في هذا المجال, وليس ترك الأوروبيين المسلمين وحدهم -و أنا أنوي التشديد هنا على عبارة (الأوروبيين المسلمين)- على اعتبار أنهم متخلفون, وأنهم آتون من كوكب آخر, إلى ما هنالك من هذا النوع من الكلام, أنا أعتقد انهم يجب أن يعاملوا بالمثل.
و إذا كان الجميع الآخر يخضع لمعايير العلمانية, فعلى المسلمين أن يعاملوا بذات الطريقة العلمانية.


• يميل منظرو العلمنة في منطقتنا أكثر فأكثر إلى تبني مقولة أن التغيير من فوق فيما يخص هذا الشأن يوشك أن يكون استراتيجية فاشلة على صعد عدة, بل هناك توجسات تعاند بأن توجها كهذا قد يأتي بنتائج عكس المبتغى. و من ثم جرى اقتراح التأسيس التربوي و التعليمي كطرح بديل, على ماذا يتم الرهان في هذا الصدد بالذات في رأيك؟

أنا أعتبر أن الطرح العلماني موجود فعلا في أجندة المناهج التربوية, يعني أننا نقوم بدراسة التاريخ على أنه تاريخ, وليس على أنه مدونات عجائب, و ندرس الجغرافيا على أنها جغرافيا, لا جغرافيا جبل قاف, وندرس العلوم الطبيعية على أنها علوم, وليس على أنها إعجاز قرآني, وبهذا المعنى, فالمناهج التربوية لدينا معلمنة كليا.

لذلك فإن المناهج التي يجب الانتباه إليها في هذا الإطار, هي مناهج التعليم الديني, التي تنحو إلى المحافظة, والكثير من التشدد, وتسمها نظرة رجعية للعالم وللعلاقات الاجتماعية.

كذلك يجب الانتباه إلى بعض مناهج التاريخ التي ترى في تاريخ الإسلام تاريخا للعجائب و الإنجازات, بالطبع لا ينكر أحد أهمية تلك المنجزات, ولكن من المفترض بنا أن نضع كلا ً في سياقه التاريخي, وضمن حدوده التاريخية.

أما القول بأن الإجراءات العلمانية التي أتت من فوق كانت فاشلة, فهو أمر ليس بالصحيح على الإطلاق, إذ أنه قد تم لنا علمنة النظم القانونية, بمعنى أنه يوجد لدينا نظام مدني في القانون سواء في القضاء أو في العلاقات الاقتصادية و سوى ذلك, كما قمنا أيضا بعلمنة نظم الدولة, حيث يوجد لدينا دولة وبيروقراطية و .... لا سلطنات أو إمارات بالمعنى التقليدي.

وليس هناك (خلافة) -و لن يكون-, كما قمنا كذلك بعلمنة أجهزة التعليم, بمعنى أنه يوجد لدينا مدارس, والطلاب يذهبون إليها لا إلى الكتاتيب, و يذهبون إلى الجامعات, وليس إلى حلقات المساجد -مع أن هذه الأخيرة لا زالت موجودة على نحو ما- ....

فبهذا المعنى كانت الإجراءات الفوقية ناجحة, وهذه الإجراءات الفوقية التي انطوت على قدر كبير من الهندسة الاجتماعية على امتداد أكثر من قرن, لا يمكن نعتها بالفاشلة بأي حال, مع أنه يمكن القول الآن أنها متعثرة ومتأزمة, إلا أن هذا لا يعني الإخفاق, الأزمة تعني أننا نواجه أوضاعا جديدة علينا أن نتلاءم معها.

و القضية بالتالي ليست قضية انتظار نضوج المجتمع, وإن كان علينا أن نعتبر أن المجتمع غير ناضج فإن العمل على إنضاج هذا المجتمع عبء يقع على عاتق الدولة والمثقفين, مع الأخذ بعين الاعتبار طبعا أن للمجتمع العربي والمجتمع السوري بنية متراكبة ككل المجتمعات, و هناك فئات, و مناطق وطبقات و .. الخ

و عليه فإن درجة تغلغل العلمانية فكرا وممارسة متفاوت بين هاتيك الفئات, وإذا كان هناك ثمة فئات يمكن أن نحكم أنها على قدر من التخلف, فان ذلك يرتب علينا بالمقابل العمل على الارتقاء بها.


• يتم من حين لآخر العودة إلى مسارد تاريخية مضنية -إنسانيا أقله- تتعلق بالمذابح و المجازر التي اجترحتها في منطقتنا الطوائف المختلفة -خاصة المسلمة منها- في حق بعضها وحق الآخرين, إلا أن مآس مشابهة سبق ووقعت في أوروبا أيضا, حيث كان السؤال العلماني لحظتئذ -مسيحيا – مسيحيا- بدل أن يكون -إسلاميا – إسلاميا- على ما يجادل اليوم, وبالتالي أين تكمن معرفيا الإضافة التي تسعى أمثال هذه المطالعات التاريخية إلى اقتراحها في هذا المضمار؟

ما تقوله صحيح تماما, فتاريخ التنازع الطائفي لدينا ليس فريدا من نوعه, أو غير قابل للتكرار, إذ يوجد هناك تنازعات طائفية في كل أنحاء الدنيا, إنما باعتقادي أن الشرط اللازم لمقاربة مثل هذه الأمور ليس مجرد الإتيان على ذكر أن السنة و الشيعة مثلا قد تقاتلا في ذلك المكان, و تلك الحقبة, وبشكل مستمر -وهذا صحيح-, وإنما المهم برأيي هو النظر في الظروف الاجتماعية التي أدت إلى تلك التنازعات, لأن عملية الفرز الطائفي تترافق دوما مع عمليات فرز اجتماعية أيضا, وثمة دائما تنازعات بين فئات يحلو لها أن تكسو خلافاتها لبوسا طائفيا.

أما عن التاريخ وما قد يضيفه فأقول أنه لا يمكن لتفكير علماني منضبط أن يقوم دون الإلمام بتاريخية الأمور وتحول الأشياء, ومقدار سعة هذا التبدل, فالتاريخ مجال للتحول وليس مجالا للثبات, وهذا يحدونا -نحن ذوي النظرة التاريخية للأمور- أن نلحظ الكيفية التي تتحول فيها مجتمعاتنا, والصفة التي تنزاح إليها, وأن تلحظ كذلك وتائر تلك التحولات.

وعن ذلك بالضبط ينبثق ما قد قلته في بداية هذا الحديث من كون العلمانية في وجه من وجوهها الفكرية إلماما بالواقع المتعين والمتحول, وبما يقال عن وقائع ثابتة, وحتى القول بالوقائع الثابتة -ومنها الوقائع الدينية- يخضع عندي إلى معيار نظر تاريخي, وإلى ظروف تاريخية, تجعل من التأكيد على الثوابت الدينية أمرا هاما في فترات معينة, وغير ذي أهمية في فترات أخرى.


• ألا تخشى من التجيير الخاطئ لطروحاتك التي قد يرى بعضهم في مقدماتها الحادة استفزازا من نوع ما, خاصة ما تعلق منها بمظاهرتك للعسكري التركي خلاصا من تحزب إسلامي لا تخفى شعبيته اليوم في ذلك البلد؟

القضية ليست قضية اصطفاف مع العسكر كما فهم بعضهم, بل هي مسألة حرص على النظام الدستوري في تركيا, نظام يحاول الحزب الحاكم الالتفاف عليه باللجوء إلى الشارع مباشرة من وراء ظهر العملية السياسية, و في رأيي أن في ذلك سابقة خطيرة جدا, و أعتبرها -كما هي في واقع الأمر- نوعا من الانقلاب على الدولة, و إن اتخذ هذا الانقلاب شكلا دستوريا هذه المرة.
فالشارع هو جزء من العملية السياسية, و ليس جماع العملية السياسية, الشارع هو من يقوم بالانتخاب, أما العمل السياسي التنفيذي, فهو أمر يرجع إلى مجلس النواب, وإلى الحكومة, وإلى الدولة, والدولة جهات, والدولة متمايزة عن الشعب, وهي متمايزة كذلك عن الشارع, وهذا -كما لا يخفى- من المعطيات الأساسية لعلم الاجتماع السياسي.

الدولة كيان ونصاب متمايز, ولا يمكننا أن نخلط بين الدولة وبين الشعب,-وبالطريقة نفسها- لا يمكن الخلط بين البرلمان هو من هو ممثلا للشعب, وبين الشعب نفسه, لأنه عندما يصار إلى انتخاب نائب ما, يصبح هذا النائب نائبا ليس فقط عن منتخبيه المباشرين, وإنما يصبح فاعلا في عملية سياسية تتجاوز معيار النصاب الانتخابي, ذلك أن العملية السياسية في جوهرها أكثر تعقيدا من أن يصار بها إلى الرجوع دوما إلى الشارع كلما عنّ لأحد الأطراف ذلك.

و بسبب من الظرف الحالي بالذات؛ حيث يملك الحزب الحالي الحاكم أكثرية من نوع ما, يجب أن ننتبه إلى أن هذه الأكثرية ليست بالضرورة أكثرية مستديمة, بالنظر إلى أن العملية الديموقراطية في حد ذاتها وبطبيعتها تؤدي إلى تداول السلطة بين القوى والأحزاب السياسية المختلفة. فأن يستغل حزب ما أكثرية في هذا الوقت لكي ينفذ انقلابا على الدستور, أمر غير مقبول في النظام الديموقراطي.

أما فيما يخص مسألة الحريات وما يطرح أحيانا من بدائل لفظية للعلمانية كـ(المدنية) و غيرها فأقول أن هذه عبارة عن حلول خطابية لا معنى لها على الإطلاق, فسواء أأسميناها علمانية أم أسميناها مدنية فالمحصلة النهائية هي عمليا الشيء نفسه, هم يحاولون فقط تفادي لفظة (العلمانية) وهذا شأنهم, وأسأل من يثير قضية الحريات الدينية إن كان هؤلاء يجدون أننا نشهد أي قمع على الفكر الديني أو على المساجد و العبادات؟ .... هل يجدون أننا نحد من حرية نشر الكتب الدينية و حركة المشايخ ؟ هذه ادعاءات غير صحيحة البتة, مشكلة الحريات الدينية مشكلة مفتعلة, وليس عندنا كعلمانيين مشكلة حريات دينية, والشيء نفسه بالنسبة للمسيحيين, فالكنائس مشرعة الأبواب, ونشر الكتب الدينية قائم على قدم وساق, كذلك في كل ما يتعلق بالجمعيات المذهبية والخيرية والنوادي..., ليست هناك مشكلة حريات دينية, ما هذا الكلام. هل هناك ثمة من يمنع الشيخ البوطي من نشر الثقافة الظلامية, أو من يحول دون تمدد القبيسيات في المجتمع؟


• تقترح علينا التأويلات المختلفة -كما للإسلام للعلمانية- مجموعة من التجارب و التفاعلات المجتمعية مع هذه المفاهيم, و تصل هذه القراءات أحيانا بين بعضها بعضا حد المباينة و الافتراق, فإلى أي منها تجد نفسك أميل تساوقا والشرط الاجتماعي المحلي؟

المسألة ليست قضية الاستفادة من هذا النظام أو ذاك, فالعلمانية لا تقوم على استيراد للنماذج من هنا وهناك, العلمانية -كما اقترحها وكما ذكرت في مداخلتي في المؤتمر- هي عملية موضوعية متعينة في التاريخ, و بالتالي فإن التحولات العلمانية, بما تشمل من تحولات في نظم التعليم والمعرفة, والنظم القانونية الخ؛ تتخذ أشكالا مختلفة باختلاف الظروف.

فالعلمانية في فرنسا تختلف عن تلك الموجودة في السويد, أو في بريطانيا, وهلم جرا, وبالتالي فالشيء ذاته ينسحب علينا في منطقتنا.
ومعنى أن العلمانية علمانيات لا يمكن أن يفهم منه أن لكل مكان علمانية خاصة به, بل يعني أن هناك صيرورة تاريخية عالمية سمتها العلمانية, وتتخذ أشكالا مختلفة حسب الظروف, وهذا شيء طبيعي جدا, والشيء ذاته ينسحب على الإسلام, بمعنى أن للإسلام تأويلات كثيرة, وأن التعبيرات السياسية عن الإسلام تتخذ أشكالا متعددة, ومؤهلة لأن تتحالف مع أيديولوجيات سياسية مختلفة, مع الأخذ بالاعتبار, أن الإسلام دين, وأن هناك مجموعة من النصوص المثبتة, وجملة من العبادات الأساسية, ولكن إضافة لذلك هناك تأويلات كثيرة, وهناك اندراجات في سياقات سياسية واجتماعية مختلفة وبهذا المعنى هو (إسلام).


• درجنا فيما يخص حوارات من هذا النوع على إبراز محاور الخلاف و التمايز بين الأطراف, فهل عساك تلحظ نقاطا للتقاطع أو التجاور بين الطروحات العلمانية و ما يتوصل إلى إعلانه الإصلاح الديني بين الفينة والأخرى؟

نقطة الالتقاء التي يمكنني التفكير فيها هي عمليا نوع من السعي المشترك لترشيد وتحديث الفكر الديني, وهذا هو السبيل الذي سيمكن هذا الفكر من الإلمام بالواقع الذي نعيش, وهو السبيل الذي سيعينه كيلا يجنح إلى الحنين -كما هو الحال دائما- نحو أزمان مضت, أزمنة أعني بها نظما اجتماعية انقرضت, ونظما قانونية تقادمت, وعلاقات اجتماعية ما عادت مساوقة للدرجة التي تطور إليها المجتمع, وبالتالي في نهاية المطاف إدخال أو أعمال العقل التاريخي في النظر إلى الشأن الديني ذاته.



• هل تعتقد أنه لا يزال بالإمكان رفع العلمانية كشعار أو مأثور مجتمعي موجه, أم أن العلمانيين يشفقون -إن فعلوا ذلك- أن يحل بها ما حل بغيرها من شعارات طغى في المآل ذكرها على جوهرها؟
و أين يجدر برأيك أن يكون مكانها ضمن أولويات الراهن السوري؟

أنا أعتقد أنه لا زال بإمكاننا أن نضع العلمانية الموضع الذي ذكرت, بالرغم من أنني أظن أن العلمانية لم تكن شعارا يوما, وإنما ممارسة وصيرورة تاريخية, آسفا لأن الكثير من العلمانيين ضمنا لم يتناولوا هذه القضية بشكل مباشر على امتداد عقود.

أما اليوم -وأقصد العشرين سنة الأخيرة- فنحن نشهد هجوما عارما, سياسيا, واجتماعيا, وثقافيا, من قبل الإسلاميين, وهذا الهجوم هو الذي أدى إلى تصدر شعار العلمانية مساحة من مساحات الفعل الثقافي والاجتماعي, ولولا هذا الهجوم على منجزات التحديث, ومنجزات الترقي التي حصلت لدينا في القرنين الأخيرين, لما رفع شعار العلمانية.

وكما سبق لي واقترحت في مداخلتي, فإن شكلا جديدا من الإسلام ما برح يطغى على الساحات العامة, ويلوث أيضا حتى بعضا من الفكر الإسلامي السمح والمنفتح, من خلال ما يطرحه من مزيد التشدد, ومزيد التزمت, ومزيد القراءة الحرفية للقرآن.

في الشأن المحلي أنا أرى أنه لدينا في سوريا خطر أساسي, وهو خطر بالطبع يهدد المنطقة بكاملها, وهو تنامي النزعات الأصولية اجتماعيا, وحتى عسكريا, بمعنى (الإرهاب).

ولدينا كذلك مخاطر تتمثل باحتمال اندلاع نزاعات قد تكون طائفية.
وليس من سبيل لتفادي هذه الأخطار سوى العمل اجتماعيا وسياسيا وثقافيا على تحييد الدين عن السياسة, ونزع الدين عن المجال السياسي, وإلا فسنكون على شفا الدخول في كوارث لا نهاية لها.

وأنا لا أطرح هنا ما قيل عن إحلال العلمانية بدل الدين كدين هي بذاتها للديموقراطية, إذ أنني لا أعتقد في العلمانية دينا, العلمانية نوع من الإدراك و الصيرورة الاجتماعية و المعرفة الموضوعية, هي ليست دينا على الإطلاق, ولا ألزم اشتراطا بين العلمانية والديموقراطية, فهناك دول علمانية غير ديموقراطية, وهناك دول علمانية ديموقراطية, إنما ليس هناك دول دينية ديموقراطية, وإن تزيت العملية السياسية فيها ببعض شكليات الديموقراطية.

يجب أن يصار -فيما أرى- إلى تكامل بين الاتجاهات المختلفة الموجودة عل الساحة السورية فيما يخص الشأن العلماني, إضافة إلى تنشيط المجال الثقافي في هذا المضمار, وأظن أن إنشاء جمعيات في هذا السياق يكتسي قدرا كبيرا من الأهمية, كونه يؤدي إلى نوع من المأسسة لهذا الهدف, ويغطي جانب العمل في المجال الاجتماعي والتوعية بهذا الأمر.



حاوره خالد الاختيار


   ______________________________________

عزيز العظمة: ولد في دمشق عام 1947, دَرَس في جامعة توبنجن بألمانيا, ونال الدكتوراه في العلوم الاسلامية من
أوكسفورد – إنكلترا.
أستاذ في جامعات عربية وعالمية, منها: جامعتا الكويت والشارقة, الجامعة الأميريكية في بيروت, جامعة اكستر -
إنكلترا وبودابست – هنغاريا.
من مؤلفاته : التراث بين السلطان و التاريخ, الإسلام و الحداثة, العلمنة من منظور مختلف,العرب و البرابرة, وغيرها.

(1)- سجال كان أثاره محمد حبش رئيس مركز الدراسات الاسلامية, و عضو مجلس الشعب السوري, في
معرض مداخلته التي تلاها تعقيبا على محاضرة العظمة و التي كان عنوانها (جولة أفق في العلمانية وشأن
الحضارة), وذلك في مؤتمر " العلمانية في المشرق العربي" الذي عقد في دمشق في أواسط أيار - 2007

(2)- المؤتمر الآنف ذكره.

2010-11-30

متى تدخل الـ"D.N.A" في قوانينا بدل المرود في المكحلة؟

 !! Syrian Laws Don`t Recognize DNA Test






من المؤسف أنه برغم كل تلك الادعاءات والأقاويل التي تنخر رؤوسنا صباح مساء على مكبرات صوت أجهزة الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، حول السعي الحكومي المزعوم نحو الإصلاح القانوني والتشريعي للمنظومات القانونية المتقادمة المتهالكة والتي تستجر الحكومة بذريعتها الملايين والملايين من دولارات ويوروات التمويل الأجنبي والدعم الخارجي والشراكات الدولية ومسميات أخرى لا تنتهي؛ تتكشف عند أول محك عملي في حياة ما نطلق عليه اسم "المواطن العادي" و"رجل الشارع" عن كونها مجرد هباء منثور، وضوضاء جعجعة بدون ذرة طحين واحدة.


"المواطن العادي" في نسخة اليوم اسمه "نبيل البستاني"، والمحك دعوى إبطال نسب كان للقضاء السوري فيها رأي غريب وشاذ عن أي منهج علمي، رد فيه الدعوى المثارة وأثبت ما تراءى له أنه النسب العائلي الضيق، مبطلا في الوقت عينه النسب الأسمى الذي يربطنا إنسانيا بالمنجز العلمي البشري في أعلى ذراه حتى الآن.

ويكشف محامي "نبيل" تفاصيل هذه الدعوى التي رفضت فيها إحدى محاكم مدينة حماة السورية النظر في استدعاء الشهود الذين أقر أمامهم المدعى عليه بأبوته للطفل مصداقا لنفي المدعي "نبيل"، والتي ضربت المحكمة ذاتها فيها صفحا عن الأخذ بنتائج تحليل السائل المنوي لدى ستة مخابر معتمدة، والتي تقول صراحة بعقم المدعي "نبيل" وعدم وجود نطاف لديه أساسا تمكنه من الإنجاب، قبل أن تختم المحكمة نفسها سلسلة اجتهاداتها برفض إجراء تحليل "D.N.A"، وهو الإمام الفيصل في مثل هذه الحالات، ولماذا؟ لأن قاضي المحكمة الشرعية هناك لا يعتد بشهادة الـ"D.N.A" بعد.

وبدل أن نكون أمينين لكل تلك الوعود التي تقطعها لنا المكاتب الصحفجية لمسؤولينا الحكوميين شارق كل شمس –ومنها وزارة العدل بحكم الحال- في محاولة منها لتنويمنا مغناطيسيا حول التزامها بتيمات "التطوير" و"التحديث"، ننكفئ فجأة نحو التشبث الأعمى بأمانة "أحكام قدري باشا"، الذي لم يكن لديه في سالف أيامه وغابرها تحاليل عقم مخبرية، أو فحوص "D.N.A" جينية. ولم يكن له بين يدي زمانه وأوانه (1821-1886) من "أدلة العلوم الجنائية" على واقعة بعينها سوى مجاز "دخول (ذلك منه) في (ذلك منها) دخول المرود في المكحلة". لتظل أيدي عدالتنا "الحداثوية" مغلولة إلى حجارة ذلك العصر ورقمه ومخطوطاته.

ألم يأت على بعضنا حين من الدهر ليس ببعيد سمع فيه ترهات حملت الوسم "الشرعي" طالت أجهزة كشف جنس الجنين في بطن أمه، وظلت المسألة حينها مناط جدالات سقيمة وتجاذبات ممضة بين فتاوى تبيح وأخرى تستنكره وثالثة تمنع وتحرم، على اعتبار أن ذلك كله يدخل في ملف "غامض العلم" و"عالم الغموض"، إلى أن مرت بضع سنين ورمينا بعدها وراءنا باستسخاف كل تلك السفسطات التي لا طائل منها، ويصبح من المسلمات حق الوالدين اللجوء إلى مثل هذه الاختبارات الطبية لمعرفة جنس المولود بحسب مشيئتهما الشخصية واختيارهما الحر؟

ألم تسقط مرات عديدة أمام أعيننا مثل هذه المناظرات الفارغة والتي تردنا إلى الوراء عقودا بل وقرونا أحيانا، مجبرة إيانا بصلافة على تغييب العلم والمكتشفات العلمية الناجزة في شؤوننا الحياتية ومعاشنا اليومي؟

هل سنضطر ثانية إلى تعريف المعرف والإعلام عن المعلوم للتذكير بأن فحوص "D.N.A" هي صاحبة القدح المعلى اليوم في "العلوم الجنائية" لتحديد هوية "القتلة" و"المجرمين" و"الإرهابيين" في "بلدتنا الطيبة الآمنة" ذاتها هذه؟

وعلى الضد من مزاعم محكمة حماة بعدم وجود سابقة جنائية بالأخذ بفحص "D.N.A" فإن البرهان يثبت بوجود مثل هذه السابقة في دمشق، ما لم يكن الأمر في نظر القضاة هناك منوطا بأن"لكم دين ولنا دين"!

ناهيك عن أنه ورغم إقرار الأب البيولوجي المدعى عليه بأن المولود هو ابنه أمام شهود، بيد أن المحكمة فضلت عدم استدعاء أي منهم للشهادة بهذا الخصوص.

ليجد بعد كل هذا وذاك خصوم المدعي "نبيل" فسحة ومجالا إلى تهديده بالسلاح الحربي غير المرخص، والتعرض له بإطلاق النار عند أعتاب أحد مخافر الشرطة في حماة مرة، وقرب أحد مقرات الجيش الشعبي مرة أخرى، وغير بعيد كثيرا في الثالثة عن باب المحكمة نفسها.

ولازال مطلق النار مطلوبا من السلطات ومتواريا، لكن أخاه يوفر له الملجأ والمأوى، وبحسب المدعي "نبيل" فإنه قد قام بنفسه في وقت سابق بإرشاد عناصر من الشرطة إلى مكان وجود خصمه المطلوب، لكن العناصر غير المذكورين الذين جاؤوا معه دخلوا ذلك البيت الذي دلهم عليه وزعموا أن الشخص المتواري ليس موجودا فيه، بل وحذروا المدعي من الاتصال بهم مجددا لهذا الغرض.

أما ثالثة الأثافي، فجاءت على يد أحد أقارب مطلقة المدعي "نبيل"، وهو شيخ من أصحاب العمائم، وإمام أحد مساجد حماة، وقد حاول هذا الأخير هو وثلة ممن هم من طينته من المسؤولين الدينيين في جمعيات خيرية ومعاهد تحفيظ القرآن استدراج المدعي وتعليله بالآمال الكاذبة بأن مسألته قد تحل من فتوى من هنا أو أخرى من هناك، وصاروا يرمونه من لحية لأخرى طمعا في تفويت مدة صلاحية تقديم الطعن قانونيا.

على أن كثيرين على ما يبدو قد تبرعوا لنجدة "العبد الفقير نبيل" في محنته هذه، ابتداء بسلسلة من المشايخ المكشوف عنهم الغطاء مرورا بأحد أعضاء مجلس الشعب وانتهاء –ربما- بنافذين وعدوا بإيصال القصة إلى القصر الجمهوري، لا أقل.
غير أن الجميع تقريبا توقفوا في حركة متزامنة عن الرد على هواتفهم النقالة، لأسباب لا تتعلق غالبا بمقاطعة شركتي الخليوي في البلاد. وراح كل يتهرب على "طريقته" و"مذهبه" في التملص والروغان، لينفض الجميع أيديهم دفعة واحدة من التعاطي مع الموضوع، خاصة وأنه ليس في الأمر مال يرتجى، أو "تلميعات" اجتماعية وإعلامية هي دائما متوخاة في مثل هذا المقام الخدمي.

وكان لافتا كذلك ضيق صدر المحكمة والقائمين عليها في حماة مثل كثير من مسؤولينا السوريين بتناول الصحافة للموضوع، وكأنه ليس من حق الناس أن تلجأ للإعلام لبحث قضايا تعنيها، أو كأن القضاة منزهون عن الخطأ والزلل والفساد.

بل إن الأمر يبدو وكأنه امتداد طبيعي لحالة شاذة في انتقاد "ثورة الإعلام الالكتروني" بعد التنكر لـ"ثورة العلوم البيولوجية".
على أن الحالة "المخبرية" السابقة ليست سوى مثال فاقع من الأمثلة العديدة على تخلف قانون الأحوال الشخصية السوري، والذي كان يراد له منذ فترة ليست بالبعيدة أن يستبدل بقانون أكثر تخلفا ورجعية، بهمة مجموعة سرية من بعض أصحاب الضمائر السوداء والأفكار المثيرة للغثيان، والذين لازال كثير منهم على رأس عملهم ووراء مكاتبهم إلى اليوم، ونحن ندفع لهم من جيوبنا رواتبهم، ليستعينوا بها على إفساد مستقبلنا والعبث به.

وفي الوقت الذي يشهد فيه للأطباء السوريين المبرزين في الخارج بمستوى علومهم ومعارفهم، يجد المرء موادا مصمتة في قانون أحوالنا الحالي تصر على إبقاء هؤلاء عاطلين عن العمل في بلادهم، لأن تلك المواد والفقرات تتجاهل ببساطة كل هذه المنجزات، وترمي بها بكل قحة في سلة المهملات، اعتمادا على اجتهادات أكل عليها الدهر وشرب، ولو خرج بعض واضعي تلك الاجتهادات أنفسهم من قبورهم للفظوها اليوم لصالح ما يصلح حياة المواطنين في هذا الزمن وهذه البلد.

ليصل الأمر بأحد القضاة، في قضيتنا التي بين أيدينا هذه، إلى حد توجيه نصيحة "صادقة" للمدعي مفاده أن عليه أن يحمد ربه ويشكره –بالمناسبة "نبيل" يقوم بذلك كل يوم طوعيا- إنما لسبب آخر وفق القاضي، وهو أن كثيرين يتمنون إنجاب أطفال، في حين أن لدى "نبيل" واحدا اليوم وهو يحاول "التبرؤ" منه!

لكن الغائب الأكبر والضحية المسكوت عنها في خضم كل هذا التخبط والفوضى والألم، يبقى الطفل الوليد ذاته، الذي لم تتهجى أي من محاضر وأوراق ومنسوخات الدعاوى والادعاءات هذه اسمه بعد، وظل في المرافعات وتحت قوس العدالة "العمياء" ضميرا مغيبا، وكان عليه منذ أنفاسه الأولى في هذه البلد أن يختبر بلحمه الغض وعظامه الطرية هذه "الطاحون" الاجتماعية والتشريعية الهادرة، التي تنوء أكتافنا نحن "الذين تعودنا" بأحمالها البائسة.

2010-11-27

كتاب بلا حدود.. مكتبة "حنا مينة" في الجولان المحتل

Books Without Borders .. "Hanna Mina" Library in the occupied Golan Heights





بمبادرة من شباب سوريين يقيمون في الجولان المحتل انطلق مشروع "كتاب بلا حدود"، بهدف تلبية الحاجات الثقافية للمجتمع الجولاني تحت الاحتلال، وخلق نواة ثقافية حقيقة، استناداً إلى أن الكتاب يمكن أن يكون نقطة بداية مهمة في الطريق لتحقيق الهدف المرجو.

وقد تلاقت أهداف هذه المبادرة الشبابية الجولانية مع أهداف "رابطة أصدقاء الكتاب"، إحدى منظمات المجتمع المدني المعنية مباشرة بالكتاب، والتي تعمل داخل سوريا.

وتسعى "رابطة أصدقاء الكتاب"، التي تتكون من ناشرين وكتّاب ومترجمين سوريين - أو من في حكمهم -، إلى توسيع انتشار الكتاب والارتقاء به ووضعه بين أيدي الجميع.

وستعمل "الرابطة" على مساعدة الشباب الجولاني في مشروعهم هذا عن طريق تأمين كميات من الكتب، وترميم النواقص لاحقاً.

لهذا تفتح "الرابطة" الباب للراغبين في التبرع بالكتب، وذلك من خلال تأمين مستودع لتجميع هذه الكتب، وخط هاتف لتسهيل التواصل والتنسيق. وتتكفل الرابطة بإيجاد السبل الكفيلة لإيصال الكتب لاحقاً للمكتبات في الجولان المحتل.

http://golanbooks.blogspot.com/


هاتف التنسيق والتواصل:

0957605147
0955357428