2010-11-20

نعم سيدي، كل شيء جاهز لقانون إعلام سيء آخر (2)

Yes Sir, all is ready for another lousy Syrian media law




على أن أخبار المسودة الأخيرة لقانون الإعلام المتوقع لم تبلغ كل الآذان المشنفة للصحفيين والإعلاميين السوريين على ما يبدو، مع أن بعضها نشر عمليا على الانترنت منذ وقت قريب، ورغم تميز عدد من أولئك الإعلاميين بحواس إضافية جوّالة في أروقة صنع القرار المحلي. ما لم يكن الأمر متعلقا بـ"المصيبة أعظم" على رأي الشاعر فيما لوكان منهم من يدري ولا زال يحتسي شرابه من مقاعد الفرجة, التي لن تكون "ببلاش" هذه المرة.

وهذا دليل بدوره على مدى التراخي إن لم يكن الإهمال الذي يتعاطى به الوسط الإعلامي السوري المحلي مع أنباءه وأخباره وعاجل تطوراته هو نفسه. وهو سبب آخر لا يمكن للمرء أن يرفع عقيرته بالصراخ ضده في وجه الحكم والحكومة محملا إياهم جريرته وتبعاته بالكامل. فليست كل مشاكل الإعلام السوري ذات منشأ سلطوي حكومي في النهاية.

ومن الأمور التي تجعل فبركة تلك المواد والبنود في أي قانون سابق أو لاحق للإعلام -مما هو مسيئ للبيئة الإعلامية المحلية- شيئا يسير التحقيق من قبل أي جهة او لجنة أو فرد؛ هو تشرذم وتفرق أهواء أصحاب الشأن أنفسهم كل في متاهته.

فإعلاميو الرسمي قانعون بما قسط أربابهم لهم من لقمة "الحلال" و"وظيفة" الدولة، منكبين على التبشير بما يتنزل على رئيسـ/ـة التحرير، أو عليهم مباشرة من دون حجاب. ملتزمين صراط "سانا"، وحائط اقتصاد الشارع الاجتماعي.

في حين أن نظرائهم من مستنسبي الإعلام الخاص -المستقل بزعمه- لاهثون بإرادتهم أو رغم أنوفهم لتحصيل نسب الإعلان، والمكافئات الهزيلة، والاستكتابات الضئيلة من درج هذا وجيب ذاك. ودائما وراء اللقمة، وإن ضاع الطبق بكامله.

-1-
من المحبط حقا تلك الفجوة غير المبررة بين الصحفيين والإعلاميين السوريين من جهة وبين المنافحين عن حقوق حرية التعبير والإعلام منظمات وأفرادا.

فلئن وقفت المحاذير التحريرية الذاتية، والخطوط الحمر المطاطة عائقا أمام تعاطي معظم الإعلام الحكومي والخاص مع المنشورات الحقوقية حول الانتهاكات والمحاكمات والتوقيفات –باستثناء الالكتروني أحايين كثيرة- فإن مما لايخفى أن من أولئك الحقوقيين من لا يعرف -بحسن نية أم بسوءها وكل منها أنكى من أختها- من الصحفيين والكتاب وأرباب القلم والكيبورد سوى أولئك المنتمين والمحسوبين على الأطراف السياسية المعارضة، والتكتلات والشخصيات المناوئة للحكم، ممن تطلق البيانات بحقهم ليل نهار، وتغطى أدق تفاصيل توقيفاتهم واستجواباتهم ومحاكماتهم من لحظة اعتقالهم إلى نحنحة القاضي أوالجلاد لدى استحقاق تنفيذ الحكم، وتنتقل أخبار أحوالهم سراعا على أثير المنظمات المحلية والدولية، -وكل ذلك من حقهم بلا جدال- في حين يقبع بقية المعنيين بـ"حرية التعبير" إياها وهم الأكثرية -ومنهم الإعلاميون- في أسفل تلة أولويات أولئك الناشطين والحقوقيين.

ليبدو الصحفي والإعلامي السوري على سلم التصنيف ذاك كائنا "تعبيريا" من الدرجة الثانية، في المنزلة ذاتها تقريبا التي تنزله إياها الدوائر الرسمية.

ومرد ذلك كله إلى طريقة الفهم المتخلفة التي يتبناها القائمون على الحقوق من منظمي هذه المنظمات، حيث يطغى "الحق" و"الاستحقاق" السياسي المباشر في صوره الضيقة أحيانا على حقوق أخرى أرحب لا تقل خطرا وأهمية, تعاني بدورها من الانتهاك شبه الروتيني.

فلا يعتد والحال هذه بمعاناة من يرفعون أقلامهم ضد شؤون "عادية" كغلاء المعيشة مثلا، أو ممن يفضحون فجور التعدي على الأملاك العامة وتراث البلد، أم ممن ينافحن بالوثائق والأرقام ضد غيلان الفساد، خاصة –وهنا الخطورة- إن كانوا من إعلاميي القطاع الحكومي، على اعتبار أن للبيت ربا يحميه.

ولا ينبس الحقوقيون –على كثرة لغطهم- في مثل هذه القضايا ببنت شفة، حتى عندما يجرجر أولئك الصحفيون والكتاب إلى قاعات المحاكم، بعد أن يتنمر عليهم المسؤولون المتضررون من كشف عطنهم، بدء بالوزراء "المثقفين"، وانتهاء بمدراء الإدارات العامة المصروفين من الخدمة لسوء الائتمان.
بل يسمع المرء من بين حراس "حرية التعبير" أولئك من يحمل الإعلاميين أنفسهم مسؤولية إهمال ما ينال حقوقهم من إساءات, بذريعة أن تلك الإعلامية أو ذاك الكاتب لم يقيما خيمة عزاء جوالة بمصابهما الصحفي، وإلا فكيف للمنظمات العتيدة –المتابعة والمطلعة والمؤسساتية والخبيرة والمهنية والديموقراطية- أن تعرف ؟!

-2-
وإذا كان من اليسير على المرء أن يلوم غيره بمثل هذه السخاء، فما تراه يوفــّر لنفسه في السياق والموضوع ذاته؟
هل سأل أحد منا نحن المحسوبين على الإعلام والصحافة كم مرة أظهرنا ما يجب علينا أن نظهر من تعاضد مع زملاء لنا يمرون بمثل ما سلفت الإشارة إليه من ظروف ونكبات، مما نتمناه على غيرنا فيما لو كنا نحن من يمر بتلك الظروف؟
ومتى اتصل أحدنا آخر مرة بزميل له صديق كي يحصل منه على رقم هاتف زميل آخر لا يعرفه ممن يعانون أحد هذه المتاعب بقصد الاطمئنان على حاله والوقوف على ما قد يحتاجه ويصدف أن بمقدورنا تقديمه؟

متى حضر أحدنا آخر مرة محاكمة زميل له تحت "قوس العدالة" لا للحصول على تغطية إعلامية خاصة، ومجادلة مسؤول التحرير في مؤسسته الصحفية بضرورة بث الخبر أم لا –وحبذا لو كان-، وإنما لمجرد أن القانون يسمح له بحضور هذه المحاكمات، موفرا نوعا من الدعم المعنوي غير المباشر لزملاءه غي ذلك الموقف؟

كم مرة استجاب أحدنا نحن الإعلاميين والصحفيين لنداء مركز دراسات أوبحوث أو مرصد إعلامي، أو تبرع بمعلومة عن انتهاك، أو خبر يستحق الإشادة، أو فكرة لتحسين الدائرة الإعلامية المحيطة به، نهوضا بالبيئة الإعلامية السورية ككل؟

متى استطلع صحفي منا آخر مرة فرص التدريب والدورات المتاحة من حوله صقلا لأدواته المهنية، أو طالب المؤسسة التي يعمل فيها بتوفير دورات من هذا القبيل له، بدل أن يكتفي بالجلوس و"النق" وحسد زملاء له "دبروا" أنفسهم فيما يشبهها؟

متى عادت خريجة من قسم الإعلام انطلاقا من المؤسسة التي تعمل فيها لتتفقد القصور و"التخلف" الذي كانت تعاني منه أيام الدراسة في الجامعة، ومنتقدة من موقعها وسلطتها الجديدة ما هي أدرى به، بغرض إحراج المقصرين وإخراجهم؟

متى تحدى صحفي منا آخر مرة تكتلات التخلف في مجتمعه، وتلك المنابر التي تدعي لنفسها سلطات رقابية وتوجيهية لم يمنحها لها القانون, ليوقفها شيئا فشيئا عند حدودها؟

-3-
واستطرادا في الأسئلة، متى كانت آخر رسالة أو ملاحظة وجهها أحد منا لمسؤوله المفترض في اتحاد الصحفيين أو وزيره الافتراضي في وزراة الإعلام يفضح فيها تجاوزا، أو يشيد فيها بإنجاز، أو يقترح فيها ما يفيد، عامدا إلى تسجيلها في ديوان الاتحاد أو النقابة أو الوزارة؟

فذلك أن التشاؤم العصابي بات مهنة أخرى رديفة للإعلامي السوري، تغذيها التعميمات الجائرة، والاستغناء غير المنطقي أو الموضوعي عن هذه المؤسسات الإعلامية الحكومية، والتي هي ملك له، والميل التعففي الجزافي لوضع كل من فيها في سلة واحدة، ومنهم زملاء مجتهدون له.
فحال المؤسسات –إن صح إطلاق التسمية عليها أصلا- الخاصة ليس أكثر "طهارة"، وإن في جوانب أخرى.

فمعظم تلك المنشآت التي تتكلف الملايين، تراوح بين أن تكون مجرد واجهات و"فترينات" لزوم وجاهة النعمة المحدثة لأصحابها، أو مجرد استثمار اعتباطي بحسب الموضة الدارجة، أو تكليفا من مرجعيات مطلعة على "غيبنا". لكنها نادرا ما تكون مشروعا إعلاميا خالصا ذا معنى ومبنى.

والدلائل على هذه المزاعم كثيرة وافرة، آخرها ما كان ربما من لجوء قناة "الدنيا" الخاصة إلى أسلوب مميز في "المأسسة".

إذ وبعد الفتح الأمني الذي دشنته بإدخال نظام البصمة الشخصية لإثبات الحضور لدى "موظفيها" كبديل مؤقت عن البصمة الإعلامية الشاردة، عمدت الإدارة الجديدة إلى تمرير أوراق بيضاء للعاملين فيها كي يوقوعوها ليتم ملؤها لاحقا من قبل الهيئة الإدارية –النزيهة والشريفة- بما تشاء من أجور، وساعات دوام، ومتطلبات وظيفية.

ما دفع فنيي مونتاج نشرة الأخبار في القناة إلى اللجوء للإ ضراب احتجاجا على هذا التصرف الصفيق، والذي فاجأ أصحاب "المشروع الإعلامي" إعلامييهم به، وبلا ذرة من حياء، متخيلين أنه لازال بإمكانهم –من الخلفية التي جاؤوا منها- أن يستعبدوا الناس قانونيا، بحيل الحواري السوقية هذه.

-4-
مشكلة أخرى تبقي الهمّ الإعلامي محصورا بالإعلاميين أنفسهم، وشأنا فئويا معزولا ليس من اليسير على بقية فئات المجتمع تلمس خطره عليها –وبالتالي لا خلاص له-؛ هي في الناس الذين لا زالوا لا يرون أنفسهم ممثلين في هذا الإعلام كما ينبغي.
إعلام فشل لدرجة بعيدة في أن يلتقط نبضهم لتقصير أصيل فيه أو عارض، أو مكره عليه، والذي قد يكون في النهاية حصيلة كل تلك الأمراض والقيود التي يرزح تحتها، ليعود فيصدرها إلى محيطه و"جمهوره".

فمعظم السوريين أخذتهم المشاغل فانحدرت قراءتهم ومطالعاتهم لواقعهم، وتراجعت ثقتهم بالمؤسسات من حولهم الحكومي منها والخاص، فخفت حشريتهم "المدنية" بمتاعب غيرهم من المحشورين في الأشغال العامة المؤبدة، كحال الصحفيين.
بل إن معظم السوريين لازالوا يتحرجون من النظر بعينيهم الاثنتين في عين الكاميرا الواحدة وقول ما يعتقدون، أو يشعرون. بدل استظهار تلك الكليشيهات العدمية التي رسخت في أذهانهم على مدى عقود عن "دورهم" المفترض لدى الاحتكاك بالإعلام المفروض.

ولا يشعر كثير من السوريين بجدوى مجزية لـ"الاتصال" أو مقاطعة أو امتداح أو ذم كثير من أولئك "الموظفين" الإعلاميين، خاصة وراء مكنات الإعلام الحكومي. لينقلوا إليهم خبرا عاجلا مفاده أن من يجلس وراء الشاشة أوالجريدة لم يعد أميا تماما، وأنه بات من العسير اليوم أن تنطلي على كل الناس كل الوقت كثير من ترهات البروباغندا العمياء، وأن على الذين يقبضون رواتبهم من عرق وضرائب هذا "الجمهور" أن يفكروا جديا باحترام أنفسهم وغيرهم من الآن فصاعدا.

نعم يحتاج الأداء الإعلامي المحلي السوري حكوميا وخاصا لا إلى نقطة نظام واحدة فحسب وإنما إلى طقم كامل من إشارات المرور، شرط أن تكون صادرة من الجسد الإعلامي ذاته، وليس عن أي وصاية أخرى، وعلى أرضية من حرية العمل والتعبير والمعايير الدولية للصحافة والإعلام، وضمن مؤسسات قانونية ودستورية منتخبة ومعينة وفق معايير الكفاءة والنزاهة وحدها. وإلى ذلك الحين لا يستغربن أحد إن أفاق على قوننات لا يفهمها و لا تفهمه، و لايعنيها منه إلا ما بقدر ما يعانيه منها.

2010-11-15

نعم سيدي، كل شيء جاهز لقانون إعلام سيء آخر (1)

Yes Sir, all is ready for another lousy Syrian media law

(1)


طوال ما يقارب الثماني سنوات ظلت الانتقادات التي أمطر بها الإعلاميون والصحفيون السوريون من مختلف المشارب قانون المطبوعات رقم 50 للعام 2001 محافظة على حدتها وحرارتها.


وهي لا زالت كذلك اليوم أيضا ونحن نستعد لتلقف قانون جديد يجري الإعداد له، والذي سيتفوق دون شك على سابقه من حيث السوء والتخلف، بحسب ما قرأنا عنه وفيه مؤخرا.
على أن أية أضرار إضافية يمكن للقانون الجديد أن يلحقها بجسد الإعلام السوري لن تعدو كونها تنويعا إضافيا على ما في ذلك الجسد المثخن من جروح وندوب وعاهات، تكاد تكون في ذاتها أصلا لأي نكبات أخرى في أي قانون جديد فضلا عن أن تكون ناتجة عنه أو عن غيره.

لدرجة تنتفي معها أي مفاجئة تجاه مواد أو بنود بعينها في التشريع الجديد قد تكون مثارا للندب أكثر منه للانتقاد، إذ أن كل شيء جاهز عمليا لقانون إعلام سوري سيء ثالث، يراد له في الخطابيات أن يسهم في تحسين أداء الإعلام السوري, غير أنه لن يفلح في حال كان أمينا لما فيه من كوارث سوى في تطوير أداء "معامل البصل والكونسروة".[1]

وفيما يلي بعض هذه الأسباب / النتائج التي لا يمكن لأحد على أساسها إلا أن يتأبط شرا من أي قانون جديد أو قديم.


-1-
لن يكون بعيدا جدا ذلك اليوم الذي سيفتح المرء فيه إحدى الموسوعات العالمية الشهيرة والفخورة بموضوعيتها وحصافتها على كلمة "سلبطة" لتظهر له على الفور صورة لوغو "المؤسسة العربية للإعلان" كتعريف مباشر وواف لهذا التعبير الذي باتت له خصوصية سورية لافتة مؤخرا.

فالخدمات التي توفرها هذه المؤسسة لزبائنها الإعلاميين كي تستحق عليه ما تقتطعه من دخلهم الإعلاني هي في أحيان كثيرة أقل من "لا شيء".

وتكاد تكون الرسالة الوحيدة لـ"مؤسسة الإعلان" لعقود هي استغلال سلطاتها الاحتكارية والانتهازية لتجفيف أية منابع محتملة للكفاية المادية والتمويل الذاتي لمختلف الوسائل الإعلامية في البلاد، حارمة إياها من أحد أهم دعائم استقلالها المنشود، وهو الاستقلال الاقتصادي، في ظل غياب أي دعم حكومي مالي مستحق لهذه الوسائل الخاصة.

ليمسي دور المؤسسة الهدام أفدح فأفدح على أبواب –بل في غرفة نوم- أزمة مالية يعرف أصحاب وسائل الإعلام والإعلان كما مديرو المؤسسة الطفيلية إياها أنها بالغتهم. بغض النظر عن التطمينات الوزارية الجوفاء بين حين وآخر، والتي بلغت حدود التضارب والتناقض.

وتفتح "العربية للإعلان" عبر ما تفرضه على وسائل الإعلام الخاص الناشئ، والجبان ماديا، من الضرائب والرسوم والنسب والاقتطاعات والخوات الجائرة والصفيقة الباب واسعا أمام احتكار المتنفذين السابقين والحاليين وأولادهم وشركاهم للقدرة المالية الضرورية لإصدار وتأسيس مؤسسات إعلامية وصحفية وفق المقاييس والمواصفات الرسمية، كأذرع إضافية للبروباغندا الحكومية. مع كل ما قد يشوب ذلك المال من شبهات فساد، نرى انعكاساتها ونسمع صداها بشكل شبه يومي.


-2-
سبب آخر يجعل قانونا مجحفا للإعلام أمرا يسير التطبيق، وهو وجود "المؤسسة العامة للنشر وتوزيع المطبوعات" وتمتعها بصحة وظيفية أكثر من ممتازة حتى الآن.

إذ يكاد من شبه المستحيل أن يمر مطبوع أو مكتوب أو منشور إلا من تحت إبط هذه المؤسسة الديناصور، والتي تستغل عند الطلب طاقاتها الكبيرة وطاقم موظفيها المنتشر على مساحة البلاد لعرقلة توزيع أي صحيفة أو مجلة عبر وسائل باتت معروفة للقاصي والداني، وتكاد المؤسسة نفسها لا تنكرها.
من تأخير التوزيع أو تحديد عدد الأعداد الموزعة، إلى سحب أعداد المطبوعة المغضوب عليها من الأسواق والمكتبات، أو نزع بعض صفحاتها، وصولا إلى منع توزيع المطبوعة نهائيا.

وعلى الضد من شقيقاتها في القطاع العام؛ لا تشكو هذه المؤسسة فيما يبدو من البيروقراطية السورية الممضة، بروتينها الرسمي الأشهر، إذ يمكن لإحدى تلك الإجراءات أن تأخذ طريقها للتنفيذ بسرعات قياسية، وعبر مكالمة هاتفية مقتضبة، وأوامر مرتجلة من قبل هذا المسؤول أو ذاك، كما سبق وأن حصل مع صحيفة الوطن شبه الرسمية، وجريدة بورصات وأسواق المحليتين، وصحيفتي الأخبار والديار اللبنانيتين، على سبيل المثال لا الحصر.

وترفض المؤسسة –التزاما بقانون الحصرية المبنية على أساسه- رفضا باتا، أن توكل مهمة التوزيع لمؤسسات محلية خاصة لا تنقصها الموارد والخبرات أحيانا، ما لم تخضع الأمر لمساومات مجحفة، تبقى تفاصيلها مثار التكهنات كما وقع مرة مع صحيفة "بلدنا" اليومية، والتي تملكها المجموعة المتحدة للإعلام، رغم ما هو مشهود لها من التزام الخط الرسمي في معظم ما تقوم به.


-3-
أما عن اتحاد الصحفيين السوريين فحدث ولا حرج. بدء بتعريفاته التمييزية ضد الصحفيين الذين لا يروقونه، ومرورا باستثناءه صحفيي الإعلام الخاص من عضويته، واحتكاره تمثيل صحافيي البلد في المحافل الدولية –إن كان له أي تأثير فاعل فيها أصلا- وصولا إلى وقوفه مكتوف اليدين، تجاه مصالح من يفترض أنه يمثلهم داخل كيانه وخارجه، وتحوله مع الأيام إلى مركز جباية للاشتراكات من أعضاءه الحاليين، بدل المنافحة عن حقوقهم المادية المتدهورة والمنتهكة.

ولا يسع معظم صحفيي الإعلام الخاص إلا الاكتفاء بالتقاط بعض التصريحات الثمينة من رئيس اتحاد زملائهم "الموظفين" والـ"بلا إبداع" **** في الحكومي، خاصة وهو يقرّع هؤلاء الصحفيين "الخاصـّين" بقول من قبيل "لا يلومن صحفيو هذا القطاع إلا أنفسهم لعدم تمكنهم من توفير مصادر معلومات لموادهم" !

وهو العارف أن اتحاده بقي عاجزا لسنوات طويلة رغم الانفتاح النسبي هنا وهناك في قطاع الإعلام عن استصدار أو طرح تشريع يتيح حرية الحصول على المعلومات أمام الصحفيين السوريين على الجملة، كسبيل بديل عن الطرق الكلاسيكية في تحصيل المعلومة والخبر سوريا، والتي كثيرا ما تعتمد على التلفونات الاستنسابية لرؤساء تحرير الرسمي ذوي السلطة ما فوق الصحفية، أو تسهيلات رئيس الفرقة الحزبية هنا وهناك، أو واسطات شهبندر التجار، أو شيخ الكار، أو دفع الرشاوى، أو الاعتماد على الإحصاءات والمعلومات "المغرضة" للمؤسسات الدولية المتآمرة على اقتصاد البلد وسياسته واجتماعه ورياضته ولحمته الوطنية.
وكل ذلك للتمتع بخمر وعسل بضع ليرات سورية للمادة الواحدة وفق أسعار الصحافة غير المدرجة في بورصة هذه الأيام.

والشيء ذاته ينطبق على أداء وزارة الإعلام السورية، والتي بلغ من "مهنية" ممارساتها أنها تعيق في بعض الأحيان دخول الصحفيين إلى البلاد رغم موافقة جهات أخرى لا تقل عنها نفوذا، وتعرقل بعض المشاريع الإعلامية الإنمائية في الجامعات السورية، وتمنع إعطاء بعض المعلومات الخاصة بالوسط الإعلامي المحلي لإعلاميين سوريين، ناهيك عن فهمها المتأخر لدور الإعلام الحكومي وقصره على تمثيل وجهة نظر الدولة كما جاء على لسان مديرة التلفزيون مؤخرا.

-4-
وإمعانا في النظرة التشكيكية بدور الإعلام السوري الخاص حد ابتذالات التخوين والعمالة أحيانا [2] فليس من المستغرب تماما السعي الرسمي الدؤوب لتدجينه و"تربيته" مع إسناد مهمة طباعة منشورات وزارة الأعلام -والتي هي ملك لكل الإعلاميين السوريين مادامت قائمة- إلى وزارة التربية، رغم الوظيفة المختلفة تماما لهذه الأخيرة.

ولو أن الإعفاءات الضريبية والجمركية الواسعة التي تتمتع بها المؤسسة العامة للمطبوعات توضع في خدمة جميع الصحف والمطبوعات السورية لهان الأمر، لكن خدماتها أيضا وأيضا حكر على المطبوعات والصحف الحكومية، ما يسبغ عليها ميزات تنافسية كبيرة تنعكس لاحقا وحكما على سعر مبيع تلك الصحف -دون الارتقاء بمستواها المهني ضرورة- ما يجعل منافستها لجهة التكلفة المادية الصافية من قبل المطبوعات الخاصة أمرا عسيرا وبالغ التعقيد، في بلد لايزال الإعلام الخاص فيه ناشئا، برؤوس أموال جبانة وعديمة الخبرة. ناهيك عن اضطراب دخل الفرد في البلاد نزولا، وتقلص إنفاق السوريين الضئيل أصلا على القراءة يوما بعد يوم.

ناهيك عن أن فصل عملية الطباعة للصحف الحكومية عن إجراءات التحرير وجعل كل منهما في جزيرة معزولة عن الأخرى, هو قرار أقل ما يقال فيه إنه "غير مهني" و لا يصدر عن خبير بأعراف العمل الصحفي.

-5-
أما "الاتصالات" فقصة أخرى. فـهذه المؤسسة العامة التي وبرغم أرباح جبايتها التي تقاس منذ سنوات بالمليارات إلا أنها تقدم خدماتها للسوريين بمفهوم الصدقة.

وتتعاطى "الاتصالات" مع المساءلات الصحفية والاستجوابات الإعلامية بطريقة فوقية تدعو للغثيان أحيانا،
ولا أحد تقريبا عدا المرضي عن تحريرهم من الصحف الرسمية وأشباهها يجد منفذا ليسأل أحدا فيها مجرد سؤال عن مسببات واقع الخدمة السيئ, والانقطاعات المتكررة أثناء الدخول على شبكة الانترنت المحلية، وبطء هذه الشبكة وغلاء أسعار خدماتها.

مع أن بعضا من أكابر متنفذيها والمسؤولين عنها لا يعدون كونهم –كما تبين لاحقا- لصوصا محترفين وسارقين وقحين للمال العام. [3]

ولا تكلف المؤسسة نفسها عناء الاعتذار عن أداءها المخزي بالمقاييس الإقليمية والدولية، والذي غالبا ما يعقب بعض فصوله ترقيعات إعلانية نافرة، و"وتوك شو" استعراضي أكثر منه مؤتمرات صحفية لكل تلك المنجزات التي لا يجد المرء منها مسمارا على الأرض.

ناهيك عما تضعه من شروط غير مهنية مقابل منحها رخص استثمار مقاهي الانترنت، وتحميلها المواطن العادي جريرة قوانينها المتخلفة، وكادرها الحقوقي والإداري المترهل والذي يحار منذ سنوات في مخارج قانونية لما يحلو للمؤسسة أن تطلق عليه اسم "تهريب الاتصالات عبر الانترنت".

إضافة لكون المؤسسة أداة تنفيذية طيعة لتوقيع سياسة الحجب الرسمية على المواقع الالكترونية السورية وغير السورية، وبمزاجية لا يفقه المتابع لها منهجا ولا منطقا.


(يتبع)
_____________________
[1] تصريح للمعاون السابق لوزير الإعلام طالب قاضي أمين.
[2] راجع صحيفة الوطن اليومية والأحكام القضائية الصادرة بحقها على خلفية مادة تتعلق بـ"سفراء إسرائيل العرب".
[3] راجع بعض مواد الرأي والتحقيقات في الصحف الرسمية في الفترة السابقة.

2010-10-21

29/10 يوم عالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف






في هذا اليوم الحزين، 29/10/2009، قررت محكمة سورية أن قاتلا لشقيقته هو بطل لأنه ادعى أنه قتلها باسم "الشرف"! مئات النساء السوريات يقتلن كل عام تحت هذه الذريعة على مرأى ومسمع وتأييد من الحكومة السورية!

آلاف يقتلن سنويا في سورية والأردن والعراق وفلسطين ومصر والسعودية والجزائر والمغرب وليبيا وغيرها.. على مرأى ومسمع وتأييد من حكومات دول لا تلتزم بأهم مبرر لوجودها: منع التذابح بين مواطنيها!

عشرات الآلاف يقتلن سنويا على مدار الكرة الأرضية تحت مسمى "جرائم الشرف"، الاسم الذي يعبر جيدا عن الانحطاط البشري في هذه الجرائم، على مرأى ومسمع من العالم أجمع.. الذي يقدم "إدانات" نادرا ما ترقى إلى مستوى الفعل على الأرض!

حان الوقت في القرن الواحد والعشرين لكي تنتهي هذه الجريمة القذرة. حان الوقت لكي لا يكون هناك أي مجال للتهاون مع "قتلة الشرف" عبر منحهم عقوبات رادعة تطال كل من حرض أو وافق أو صمت على ارتكاب الجريمة!

لذلك، نعلن هذا اليوم، التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول من كل عام، يوما عالميا للتضامن مع ضحايا "جرائم الشرف"، يوما لكي نتذكر أن هذه الجريمة لن تصير تاريخا أسود ما لم نقم جميعا بمواجهتها دون كلل ولا ملل، دون تساهل ودون أعذار.

وندعو الأمم المتحدة، وجميع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان متضمنة حقوق المرأة، وجميع الأحزاب والقوى التي تدعي أنها تعمل من أجل المجتمع، كليا أو جزئيا، كما جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، إلى تبني هذا اليوم لجعله شوكة في حلق مؤيدي القتل الحرام، لجعله سلاحا فعالا في مواجهة جرائم القتل المسماة "جرائم الشرف".

*- هذا الإعلان ليس ملكا لأحد، ويمكن لمن يتبناه أن يعيد نشره بالشكل والطريقة التي يراها مناسبة.