2010-10-07

الثقافة السورية بين الواقعية الغيبية والفانطاستيكية العلمانية (1)

 Syrian Culture: Secularism In Hijab   






1-
لم يفاجئ قرار إلغاء الدورة الثانية من مؤتمر "العلمانية في المشرق العربي" كثيرين على ما يبدو، بعد أن سحبت وزارة الثقافة السورية بإدارتها القديمة في اللحظات الأخيرة موافقتها الرسمية والخطية بذريعة ركيكة هي "وجود خلل في أجهزة الصوت" لدى رئاسة جامعة دمشق، قبل أن تضطر الوزارة لاحقا للإفصاح عن السبب الحقيقي –بحسب عادتها الشهيرة بالاحتفاظ بأسباب أخرى سرية لقراراتها التعسفية- وهو أن موضوع العلمانية بالذات بات من محرمات الحوارات المفتوحة على الملأ، من باب الحرص على السكون الفكري، وصفاء بال بعض أصحاب العمائم التي تطمح "لفـّاتها" إلى الازدياد يوما بعد يوم. *(1)

 إذن، "ميجر فيلير" في أجهزة الصوت، و"سيستم خربان"، رغم باع الوزارة الطويل في التطبيل والتزمير *(2) الذي شرعنه الوزير السابق رياض نعسان آغا، لإقامة الليالي الملاح كرمى لعيون بعض محدثي النعمة في البلد، وإن على أطلال منزل رئيس وزراء سوريا الأسبق مثلا، قبل أن ينكفئ متراجعا عن قراره إثر الحملة التي شنت على ارتجاله الجديد حينها، وهو الساعي لإبراز "الأفراح" السطحية هذه، فرارا من مطارح أقل بهجة وأنسا كانت تحت إدارته، بحسب تعليق مدير آخر في وزارته وصف الساحة الثقافية المحلية بأنها "خاوية". *(3)

 2-
وتجد هذه الانتكاسة مؤشرا آخر لها في الرد المرير لرئيس اتحاد "بعض" الناشرين السوريين عدنان سالم *(4) على منتقدي تمدد بسطات الكتب الأصولية في ما سمي معرض "ربيع الكتاب" نيسان الماضي.

فرغم كل الفصاحة اللغوية –بفتح اللام- والسجع الباهت مدحا بنفسه ومعرضه؛ لم يتجرأ سالم -وشخص آخر تحته في الاتحاد المذكور- على أن ينكر الاتهام الأساس الذي وجه له، وهو قيام جماعة "المكتب التنفيذي" في الاتحاد إياه بتشكيل كوماندوس مطاوعة محلي في أحد معارض الكتاب الرسمية في سوريا، واقتحامهم أجنحة ناشرين آخرين ليصادروا منها كتبا "لا أخلاقية" بحسب تعريفهم القاصر لـ"الأخلاق"، ومخاطبتهم إدارة المكتبة الوطنية، التابعة لوزارة الثقافة، كي تعينهم على "إماطة أذى" مخالفيهم في الرأي والاتجاه.

 وهنا يجد المرء –آسفا- تقاطعات من نوع ما بين تطاولات "اتحاد الناشرين"، وإقرار وزير الثقافة السابق بأنه لا ينشر الكتب التي لا تدافع عن الإسلام ورؤيته هو للعيش المشترك، إذ يقول في إحدى مقابلاته "وقرارنا في نشر الكتب ينسجم مع هذه الرسالة، فإن جاء كتاب ضدها . لا ننشره باسمنا وإن نشر، فإننا نحاور صاحبه". *(5)
ما يثير سؤالا كبيرا عن صاحب القرار في قصر استراتيجات النشر الرسمية على هذا المستوى غير المقبول من الاعتبارات.

 3-
ومن "اتحاد الناشرين" إلى اجتهاد بحثي تاريخي آخر، استنبطه دون كثير عناء على ما يبدو -كحال مفارقات بعض الاكتشافات العظيمة- الشيخ البرلماني محمد حبش، والذي دعا في 17 نيسان، عيد الاستقلال الأخير إلى ضم عدد من "الصحابة" وقادة الجيوش المسلمين الذين عاشوا قبل بضعة عشر قرنا إلى قائمة أبطال "الجلاء السوري".

 وإذ يستعرض حبش الاحتلالات المجوسية والنصرانية والوثنية (فرساًً، وروماً، وسواهم)، نراه يقفز على قدم واحدة في صحيفة "تشرين" الحكومية -التي ندفع من جيوبنا أجر استكتابه وغيره فيها- فوق احتلال "الخلافة" العثمانية، باعتبار أن حبش لا يجرؤ على الحديث –وإن المعتدل بحسب وصف تياره- عن الإخوة الأتراك هذه الأيام.
وذلك في انسجام "استقلالي" ملفت مع وصف السيد وزير الثقافة في مكان آخر حملات التبشير والتوسع الإسلامي ذاتها بـ"جيوش التحرير". *(6)

4-
ويبدو وزير الثقافة السابق أكثر تركيزا – رغم أنه معروف بمواهبه الارتجالية المثيرة للإعجاب حقا- عندما يصل في إحدى المرات إلى مناطق معينة في حديثه، مثل "سارع مفكرونا إلى التغريب، وقدموا الحداثة لنا تقديما باهتا ورديئا"، متهما "رسل الحداثة" عندنا بأنهم نافحوا من أجل "إفهامنا أن القرآن الكريم جزء من التراث"، مستخلصا أن المطلوب منه –ودائما على لسان رواد الحداثة- هو ببساطة ... أن يلحد!

فلئن كان فهم وزير ثقافتنا للحداثة –وهو حر في رأيه- على هذا المنوال، فهل نعتب مؤخرا على الشيخ سعيد البوطي وهو يستنزل بفتوى متشنجة غضب السموات على أحد المسلسلات التي لم يشاهدها، أو وهو يطالعنا في صحيفة "الحياة" السعودية -بعد أن رفع عنها حظر وزارة الإعلام- مهاجما فكر طه حسين و"ظلاميته"؟*(7)

5-
ولا يقف الهجوم الإسلاموي المحلي على تنويرية مؤلفين أو مؤلفات عند حد "المعارضة" الكلامية، أو رشق التعاويذ على العدادت الالكترونية المستوردة من الصين، بل ينطلق لاويا عنق العلم "العدو- الصديق"، لنكحل الأنظار قريبا ربما بكتاب تنظر في شأنه اليوم "الرقابة" السورية، لمؤلف سوري أيضا يتحدث وبالعلم عن "ثبات الأرض ودوران الشمس حولها". *(8)

ومفحم "كوبرنيكوس" هذا، هو كابتن طيار سوري متقاعد، يقول بعضهم إن الله فتح عليه ما فتح، وألقى في روعه ما ألقى، في حين يقول آخرون إنه ليس سوى مجرد تلميذ "حفـّيظ" في أحد كتاتيب الشيخ السعودي ابن باز، الذي سبق له تكفير من يقول بدوران الأرض حول الشمس.

وكل هذا في الوقت الذي تسحب فيه وزارة الثقافة من الأسواق كتابا من نشرها تزعم أنه يهين
السوريين *(9) وتلغي اشتراك "دار الجمل" وتنبش رفوف "دار الساقي" وتصادر كتابا للمفكر السوري جورج طرابيشي *(10)، وهي ممارسات لا يبدو أن أحدا يشعر على الإطلاق بأي إهانة من أي نوع وهو يشهد فصولها المؤسفة، داخل بيئة سورية ثقافية باتت موئلا لتفريخ ورعاية أمثال مواهب الكابتن إياه.

على أن المثال السابق ذلك ليس حالة "بحثية-إمبريقية" معزولة على ما يبدو، إذ كان ثمة "عالم" سوري آخر رابض لنا في أحد زوايا "مركز ثقافي عربي" في قلب العاصمة دمشق.

ومن دون الدخول في سفسطة تبعية المراكز الثقافية التي بلغ عددها نصف الألف أو يكاد، يسأل المرء السيد نعسان آغا كيف عميت ألحاظ وزارته عن تلك المحاضرة التي ادعى صاحبها "الأكاديمي" الحصيف فيها أن "التمتمة"، و"الرقية"، و"تحريك اللسان" على رؤوس الفراريج قبل سلخها "يطهرها" من انفلونزا الطيور؟ لا أقل، وذلك في مثال آخر على نوع "التدجين" الثقافي الذي نجد أنفسنا على أعتابه اليوم، وبرعاية حكومية.

هل هذا هو ما يقتطع المواطن السوري من لقمته ويدفعه للوزارة -محلية كانت أم ثقافية- كي يحظى أمثال هؤلاء بمنبر وكروت دعوة وإضاءة ويافطات إعلانية و"بروجيكتور" ومدير جلسة وعدة صوت رسمية -غير معطلة كعدة رئاسة الجامعة- لتقديم عرض "بور بوينت" لمثل هذه الشعوذات المخزية؟ هل هذه هي "الخدمات الاجتماعية" للمراكز التي بشرنا بها الوزير السابق مرارا وتكرارا.

نعم، ثمة موجة جديدة – قديمة من شيوخ الحسبة تنتعش هذه الأيام في المشهد الثقافي السوري، لدرجة أن عطنها "الطاهر" طال مفتي سوريا نفسه، والذي لم ينج من محكمة تفتيشها، ولجنة الاستتابة فيها، المؤلفة من أولئك الراديكاليين الذين يحبون وصف أنفسهم بالعلماء والدكاترة. *(11)

6-
وإلا كيف نفسر أن تمنع وزارة الثقافة السورية في عهد الوزير السابق عرض أحد الأفلام التي سبق لوزارة الثقافة نفسها في التسعينات بأن سمحت به؟
ليس هذا فحسب، بل أن يتطاول أحد معاوني الوزير ويهدد القيمين على الحدث الثقافي بالسجن إن هم عرضوا ذلك الفيلم. *(12)

وسواء كانت حجة المنع هي وجود مشاهد عري بزعم الوزارة، ونفيها المستتر لاحقا، أو لأسباب أخرى في درج الوزير ومعاونه إياه؛ فإنهم مدينون لنا اليوم وكل يوم بتقديم المبررات التي لا تدخل في باب "التقيـّة" والتي يكسرون بموجبها موافقة نائب الرئيس نجاح العطار على الفيلم ذاته. لنتمكن على الأقل من مقارنة الرؤى الثقافية التي تسيـّر الوزارة اليوم، مع تلك التي تسيـّر الثقافة -اليوم أيضا- من منصب أرفع من ذلك المعاون وسيده.

علما أنها ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها مقص وزارة الثقافة في فيلم سينمائي بذرائع أخلاقية موهومة. فقد بررت الوزارة لنفسها تشويه فيلم افتتاح مهرجان دمشق السينمائي 2007، بعد قرار اعتباطي مشابه في حينه، يفيد بأن المشاهد التي جرى اقتطاعها "إباحية"، مع أن الوزارة نفسها "حفيت" وقتها لجلب الفيلم الروماني المشار إليه -أربعة أشهر وثلاثة أسابيع ويومان- بعد نيله سعفة مهرجان "كان"، لتتباهى بعرضه الأول في الشرق الأوسط "القديم".

وكل هذا في الوقت الذي كان يصر فيه السيد نعسان آغا على أنه يقدر "الإبداع" حق قدره، لا بل يشكو لإحدى الجرائد الرسمية "قلـّة النوم"، كونه لا يجد وقتا كافيا لممارسة "دور المبدع" إياه. ومدشنا في الوقت عينه بمواكبة المكتب الصحفي المطبـّل المزمـّر *(13) أحدث صالة عرض سينمائية في سورية.


.................................
هوامش

*(1)- كان من المفترض أن يشارك في المؤتمر الذي حمل عنوان "الدولة العلمانية ومسألة الدين" مفكرون من سوريا وتونس والعراق وفلسطين وتركيا والدنمارك وإيرلندا. وحاول المؤتمر الملغى مناقشة التجربة العلمانية التركية كنموذج، و"هل الدولة الدينية مطلب شعبي، والدولة العلمانية إلزام نخبوي؟"، و"مدى قبول الشعوب والمجتمعات المسلمة للمعيش العلماني"، و"حول إمكانية قيام علمانية إسلامية".

*(2)- بحسب تعليق أحد مدراء الآثار والمتاحف في الوزارة نفسها.

*(3)- تعليق لأحد معاوني الوزير أمام الصحافة في افتتاح مهرجان ثقافي محلي في دمشق.

*(4)- كان سالم زعم أن من لقاء صحفيا أجري معه لم يعطه الفرصة كاملة للرد، مع أن المذكور منح 20 دقيقة أصر خلالها على ترديد كليشيهات ببغائية مدائحية، وتفوهات لا تضيف شيئا للمادة الصحفية، متهربا من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالانشقاق في الاتحاد، وتهم الترويج للكتاب الإسلامي، وتقويض العلمانية في سوريا، وعدم شرعية المكتب التنفيذي وأهليته. راجع "خلافات الناشرين السوريين"-"كلنا شركاء".

*(5)-جريدة "بلدنا". فهل نعتب بعد اليوم مثلا على ممارسات أخرى من قبل شريحة معينة في البلد، نطق باسمها منذ بعض الوقت "ملاك" بعض مطابع العاصمة دمشق، الذين "عارضوا" طباعة كتيب يحوي لوحات تشكيلية للفنان السوري أسعد عرابي بذريعة تصويره رسوما عارية، تتنافى و"مكارم الأخلاق" التي نصبوا أنفسهم حماة الديار لها.

*(6)- مجلة "سوريانا". وسبق لحبش أن صام عن الإدلاء بتصريحات ذات طابع سياسي، إثر فضيحة إنكاره أنه تحدث عن محطات تجسس إيرانية في سوريا. وقد واجهت قناة "العربية" السعودية في حينها شيخنا بتسجيل له، تكذيبا لحبش في نفيه أنه قال ما قال.

*(7)- راجع مقال "ارتجالات مزمنة في راهن الثقافة السورية".

*(8)- هذه ليست على الإطلاق دعوة لمنع الكتاب، بل من الجيد أن يرى الناس الكتاب ليلمسوا إلى أي مدى يمكن لهؤلاء القوم أن يصلوا في دعاويهم و"علومهم"، مع الدعم الحكومي لهم في بعض المفاصل.

*(9)- انضم كتاب "سورية في رحلات روسية خلال القرن التاسع عشر" إلى القوائم السوداء للمؤلفات السورية الممنوعة، رغم أنه من منشورات وزارة الثقافة نفسها.
كما سبق أن منعت وزارة الإعلام السورية تداول كتاب "فلينزع الحجاب" للكاتبة الإيرانية شهداروت جافان، رغم حصوله على الموافقات الرسمية المطلوبة سوريا. وحرض وزير إعلام سابق على منع كتاب آخر من منشورات وزارة السياحة.
راجع "القاهرة تكتب، وبيروت تنشر، وبغداد تقرأ.. ودمشق تراقب"- "كلنا شركاء".

*(10)- راجع "بعد دار الجمل، إدارة معرض الكتاب تلغي اشتراك دار أطلس وتفتش جناح دار الساقي"-"كلنا شركاء".

*(11)- بدأت القصة إثر اجتماع مفتي سوريا إلى وفد طلاب أميريكيين بإشراف بروفيسور وحاخام يهودي أمريكي مناصر للسلام، ونسب إلى المفتي ما مفاده "لو أنّ النبي محمد أمرني بالكفر بالمسيح أو بموسى لكفرت بمحمد"، و"لو أنه –أي محمد- أمرني بالقتل بغير حقّ لقلت له أنت لست نبيا".

*(12)- راجع "وزارة الثقافة تمنع عرض فيلم جديد، وتهدد مثقفين بالسجن" –"كلنا شركاء".

*(13)- تصريح للمعاون السابق لوزير الإعلام. راجع "قوانين الإعلام تشبه قوانين معامل البصل والكونسروة" - "كلنا شركاء"

2010-10-05

بمبادرة شبابية مدنية ..مكتبة سورية في الجولان المحتل

Occupied Syrian Golan Heights: Reading is Freedom







أعلنت مجموعة من الشباب السوريين في الجولان المحتل عن مبادرة أهلية لتأسيس مكتبة عامة تحمل اسم روائي سوري هو "حنا مينة"، وذلك بهدف تلبية "حاجات المجتمع الجولاني السوري الثقافية" تحت الاحتلال.

وقال حسام عباس السوري الجولاني إن الهدف من المبادرة لتأسيس مكتبة عامة في "بقعاثا" إحدى قرى الجولان السوري المحتل هو "الحاجة الملحة لخلق نواة ثقافية حقيقة خالية من الشوائب"، مع التأكيد على أن "الكتاب هو أهم نقطة للبداية في هكذا طريق لتحقيق الهدف المرجو".

وأضاف عباس الذي يعمل كمتدرب في الحقوق في مدينة القدس المحتلة "نحن نعيش حالة تدهور على الصعيد الثقافي، والمشروع هو عباره عن خلق بيت أو ملاذ لكل من يهتم بتطوير الحالة الثقافية في الجولان المحتل، سواء كان ذلك على مستوى فردي أو على مستوى المجتمع ككل".

ويشكو سكان الجولان المحتل من تعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلية إهمال إقامة أية مشاريع ثقافية محلية عموماً، أومكتبات على وجه الخصوص، وذلك منذ قرار "الكنيست" الإسرائيلي ضم الأراضي السورية المحتلة في الجولان في الرابع عشر من كانون أول عام1981.

أما عن سبب اختيار الأديب السوري "حنا مينة" لإطلاق اسمه على المكتبة المزمع إنشاؤها، فيقول حسام عباس " إن مجموعة الشباب الجولاني صاحب هذه المبادرة كانوا على ثقة بأن "إطلاق اسم كاتب عربي على المشروع تتجاوز اسم الكاتب السوري باعتبارها سعيا وراء تكريم كل الكتاب والأدباء العرب"، مضيفا:"لقد تعودنا في عالمنا العربي تكريم الكاتب بعد وفاته، وهذا أمر مزعج وقاس، لهذا فنحن ندعو بطول العمر لكاتبنا الكبير (حنا مينا) الذي تربينا على قراءة رواياته" .

وعن النقطة التي وصل إليها منظمو مشروع المكتبة حاليا، قال عباس إنه تم جمع حوالي "ثلاثة آلاف كتاب" حتى الآن، وإن المجموعة بصدد "جمع أكبر عدد من الكتب الثقافية، وذلك من خلال التبرعات العامة من أهل الجولان وأصدقائهم من فلسطين"، وأضاف:"من هذا المنطلق، نتوجه إلى كل صاحب هم ثقافي، وطني واجتماعي، بالمساهمة الممكنة لدعم هذا المشروع الحضاري"، وزاد "ولكن لِمَ الاقتصار على الأرض المحتلة؟ لم لا يشارك الناشرون السوريون والعرب مثلاً في دعم هذه المكتبة بإرسال بعض منشوراتهم؟".

ولقيت هذه المبادرة من الشباب السوريين في الجولان المحتل تجاوبا سريعا من إحدى منظمات المجتمع المدني السورية المعنية مباشرة بالكتاب، وهي "رابطة أصدقاء الكتاب"، وذلك منذ ما يربو على الثلاثة أشهر.

وقال الناشر والكاتب لؤي حسين رئيس "الرابطة" " إن سبب اهتمام الرابطة بالمشروع الجولاني هو قدرته على "تأكيد مقدرة السوريين على التواصل والتعاون الأهلي البعيد عن السياسة أو المكاسب الحزبية أو الحزبوية، بغض النظر عن أي حدود تفصل بينهم وتبعدهم عن بعضهم، ناهيك عن شعورنا بأن السوريين الذين يعيشون في ظل الاحتلال يحتاجون منا كل عون ومساعدة في شتى مجالات حياتهم. ونحن نرى أن أصدق اشكال العون هو ذلك الذي يقوم بين الأهالي وليس بين الجهات السياسية أو الحزبية".

وتعرف "رابطة أصدقاء الكتاب" نفسها بأنه جمعية أهلية تتكون من ناشرين وكتّاب ومترجمين سوريين -أو من في حكمهم-، تسعى إلى توسيع انتشار الكتاب والارتقاء به ووضعه بين يدي كل الناس.

وعن السبل التي ستسلكها "الرابطة" لمساعدة الشباب الجولاني في مشروعهم، يقول حسين إن "أصدقاء الكتاب" سيسعون كخطوة أولى لـ"تأمين كميات لا بأس بها من الكتب لتأسيس حتى أكثر من مكتبة واحدة في قرى الجولان المحتل، وترميم النواقص لاحقاً".

وكشف حسين أن الرابطة ستعلن قريبا عن مكان استلام الكتب من المتبرعين بها، كما ستخصص رقم هاتف للراغبين بطرح أي استفسارات حول الموضوع.

وبادر حسين من طرفه إلى دعوة مجموعة الشبان الجولانيين ليكونوا فرعا للرابطة في الجولان المحتل، وهو أمر يرى حسين أنه "سيمكننا مستقبلا من إيجاد أشكال أخرى من التعاون الثقافي الذي يتمحور دوما على فكرة الكتاب، فضلا عن خلق نموذج للتعاون والتشبيك الثقافي الأهلي البحت".

من جهته يؤكد الناطق باسم أصحاب مبادرة مكتبة "حنا مينة" في "بقعاثا" حسام عباس أنه "من المهم التذكير بأن المبادرين يسعون لتطوير أنفسهم ثقافياً من خلال العمل الميداني، إضافة إلى الكثير من الأهداف غير المباشرة والتي ستنضج مع العمل، من ضمنها روح المبادرة والتنظيم الشبابي، وخلق مساحات للحوار والنقاش وطرح الأفكار، علاوة على توثيق العلاقة بين أبناء الجولان نفسه".

وطالبت أغلبية ساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مؤخرا إسرائيل بالامتثال للقرارات المتعلقة بالجولان السوري المحتل، وخاصة قرار مجلس الأمن الدولي رقم497 الذي يعتبر قرار دولة الاحتلال بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري المحتل لاغياً وباطلاً وفاقدا لأي أثر قانوني دولي.

وكان لسكان الجولان السورين الفضل الأكبر في جعل قرار إسرائيل حبرا على ورق، من خلال رفضهم لعقود حمل الجنسية الإسرائيلية، أو تنفيذ الأحكام الإدارية الإسرائيلية كانتخابات المجالس المحلية، علاوة على رفض التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال، وصولا إلى عزل العملاء وأصحاب الجنسيات -رغم قلة عددهم- عن المجتمع المحلي. كما نفذ المواطنون السوريون في المحتل إضرابا عاما ومفتوحا أوائل العام 1982 استمر 6 أشهر.

2010-09-22

بدون "عدّاد" ولا "دركسيون" ..الإعلام السوري في "تكسي" الدراماجاتية

Syrian drama VS Syrian media




متقمصا –وهو الممثل- شخصية الخبير الرزين العارف ببواطن الأمور، يسند الفنان السوري سامر المصري رأسه إلى الوراء مائلا في جلسته ذات اليمين وهو يحك أذنه بإبهامه وسبابته، قبل أن يطلق حكمه على شاشة قناة "الدنيا" في حال ومآل الصحافة السورية، واصفا أداءها بـ"المتفاوت"، وقائلا إن "الدراميين" في وضع "حركة" فيما الإعلام السوري في "سكون" و"حالة عطالة".

ولم يتحفنا هذا المحلل الإعلامي المستجد -رغم أنه لم يتوقف لحظة عن الكلام طوال فترة البرنامج- بأسباب ومسببات هذه العطالة وذاك السكون الذي يحكم الأداء الإعلامي السوري، ما يجعله عاجزا عن قيادة "مشروع وطني" بحسب تعبير المخرج الجالس بقربه هو الآخر .

وقد ينتظر المواطن السوري المتفائل من المصري الذي يدعي تمثيله في أعماله في هذا المقام مثلا أن يحدثنا عن حرية الصحافة وضمان حق التعبير عن الرأي، أو يعرب لنا عن تعاطفه "الدرامي" مع بعض الصحفيين والمدونين الذين كانوا وراء القضبان، أو قبل ذلك في فلاش باك وهم يجرجرون إلى المحاكم ويطردون من أعمالهم –كإصابة عمل بحسب سخرية الفنان أيمن رضا لاحقا-، أو ربما أن يطالعنا بقراءة نقدية لسيناريو مسودة قانون النشر الالكتروني والتواصل على الشبكة الذي يهدف إلى القضاء على البقية الباقية من الأصوات الإعلامية والصحفية اللائذة بالفضاء الافتراضي هربا من الواقع المفروض، أو أن ينبري للتعريض بسينوغرافيا شتائم المسؤولين السوريين -بمستوى وزير- لرؤساء تحرير بعض المطبوعات السورية على الملأ، أو من باب أولى أن يطالب بفك أسر "الفيس بوك" و"اليوتيوب" المحجوبين رقابيا وفاء من طرفه ربما لتلك الصفحات و"اللينكات" التي أفردها شباب سوريون معجبون بطريقة ميلودرامية بمواويله وقفشاته، ولكن أنى له هذه المعرفة، أو تلك القراءة إن كان يقرأ أصلا.*

على العكس من ذلك يتهور المصري في استنتاجاته، ناعتا منتقدي عمله –أبو جانتي ملك التكسي- من الإعلاميين بكلمات أكبر منه، فهم إما "حاقدون" أو "مأجورون"، ما يعيد للأذهان أصداء تلك اللهجة المثيرة للاستهجان والتي درج كثير منا على سماعها من أفواه مسؤولين وغير مسؤولين كلما سارت رياح الإعلام بغير ما تشتهي سفن مسيراتهم المظفرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا –ومؤخرا- دراميا.

بل لعل سامر المصري هنا لم يكن -من حيث درى أو لم يدر- سوى ببغاء أعاد بمفردات أخرى تكرار ما سمعه ربما من "رئيسه" السابق في نقابة الفنانين السوريين صباح عبيد والذي ساوى في إحدى تصريحاته "الغضنفرية" المهينة له دون غيره بين الصحافة وحذاءه، فنيا.

ويذهب الفنان المتفاخر بحجم جماهريته المتورمة إلى أبعد من ذلك في اتهام أحد الصحفيين بأنه "تم شراؤه" من قبل "أحد المنتجين" بـ"ثمن بخس" لقاء "تعيينه في لجنة تحكيم ما" ما دفع الصحفي أن يكتب ما كتب من انتقادات للعمل "خدمة لمن اشتراه" على حد زعم المصري، وطبعا دون أن يجرؤ فناننا على تسمية الصحفي، أو لجنة التحكيم تلك، أو الإتيان بالبراهين التي وقعت في طريقه "صدفة" مصداقا لدعواه.**

وكل هذا بالطبع بحضور إعلامية "الدنيا" المديرة للحوار، والتي ما كان منها قبل دعوتها المصري لـ"تطراية الجو" بإحدى موشحاته الأقل تنفيرا من حديثه "الناشف" مما يستشف من تعليقها، إلا أن كررت كليشيهات ما تحفظه من دروس "فتوة" الإعلام الرسمي حول "الصحافة الموضوعية" و"النقد البناء" و التعاطي "المنطقي"، والتي لا يفهم من مغزاها في سياق الحلقة سوى أن تكون مديحا غير مشروط لعبقرية المسلسل وفتوحه الدرامية، شاء من شاء، وأبى من أبى.

وهنا لا يسعنا إبداء عتب كبير على الإعلامية الشابة لعدم اعتراضها في برنامجها على التهجم المجاني للمصري ورفاقه على الإعلام، إذ ظهرت تلك الإعلامية بشكل يدعو للخجل أسيرة مؤسستها –مؤسسة بين قوسين- "تلفزيون الدنيا" الذي دأب في الفترة الأخيرة على ابتداع ممارسات ممجوجة لاتمت لـلإعلام بصلة، تبدأ بالفصل التعسفي للإعلاميين وتخفيض أجورهم، مرورا بإجبارهم على إمضاء أوراق فارغة يجري ملؤها لا حقا بالمهمات والرواتب، ولا تنتهي عند تخوينهم وتعليق الملصقات المهينة لهم والتي تلمح بصفاقة إلى اتهامهم بأنهم لصوص تجهيزات وكاميرات –رغم الإجراءات الأمنية المشددة في المحطة واعتمادها نظام البصمة الالكترونية-، ناهيك عن تحكم ممولي المحطة بأدائها المهني، وفرضهم كادرا إداريا قليل الكفاءة، إنما سميعا مطيعا للتوجيهات والأوامر، وهو المطلوب على ما يبدو في هذه الفترة.

لامندوحة عن القول إن الجسم الإعلامي السوري راهنا لا يخلو من الإعاقات والترهلات والمثالب الموضوعي منها والذاتي، وهو في ذلك انعكاس حقيقي لحال المجتمع الذي يعمل بين ظهرانيه، ولا يختلف في معاناته تلك عما يمكن لنا لمسه لمس اليد من عاهات الجسد الدرامي ذاته الذي جهد المصري في أسطرته وتصويره بكمال الآلهة، والذي برغم نواقصه ومشاكله كلها تتاح له في أيامنا هذه مساحات حراك أوسع نحاول جميعنا استثمارها إلى أقصاها.

الشيء الأكيد هنا أننا ما كنا لنضطر للاستماع إلى التعليقات الفوقية، والمحاضرة المتهافتة لسامر المصري فيما لو أن جميع صحفيينا التزموا صراطه المستقيم القائل بمدح المسلسل، أو على الأقل الامتناع عن انتقاده فيما يكتبون وينشرون ويبثون، والذي عبرت عنه إحدى ممثلات العمل صراحة بضرورة "التصفيق" لبعضنا على حد تعبيرها.

التصفيق المجاني أو الإجباري ربما في هذه الحالة، وهو ما عـُوّد عليه كثير منا طوال العقود الماضية، وثمة كثير من النكات المتداولة بين الناس تعريضا بمثل هذا النوع من الإعجاب الفيزيائي الإلزامي والبروباغاندي، علما أن تلك النكات تفوق في تأثيرها "الكوميدي" وبما تثيره وستثيره من ضحك عفوي كل الفهلوات التي أتى بها هذا المسلسل وغيره، من قبل و من بعد.

لم تسعفه "أبو السبع مرايا" هذه المرة أي منها على ما يبدو كي يرى فيها الانعكاس الفعلي لتنظيراته الباهتة، ورغم ما درج عليه العمل طوال حلقاته من تكريس المصري "ملكا" فقد فات ذلك الممثل الفذ مع الأسف الدخول في تفاصيل شخصيته قولا وفعلا، وإلا لكان انتبه –كما أي سائق تكسي مبتدئ- للتحذيرات المطرزة أمامه على مراياه السبع كلما نظر فيها، والتي تخبره بصراحة مرورية، علمية، واقعية، بناءة، أن "الأجسام الظاهرة أمامك أكبر من حجمها الطبيعي".

 ________________

* تشبه بعض تحليلات المصري الصحفجية بالمناسبة تحليلاته الاجتماعية الأخرى، عندما يعلن موقفه المعارض للعنف ضد النساء، إنما من باب تأويلي مفرط في سذاجته -كي لانقول سخافته- إذ يقول بأن "المرأة ما بيجوز تنضرب" لا لشيء سوى لأنها "مخلوق جميل رقيق"!

** وهذه دعوة للمصري للإتيان بأدلته على هذا الاتهام الخطير، والتي في حال تم التأكد من مصداقيتها فلن يتوانى أحد عن نشرها على الرأي العام، ولا حصانة لأحد في هذه الحال، وذلك بدلا من الغمز واللمز وتوجيه الاتهامات جزافا بطريقة شبه أمنية تدعو للغثيان، علاوة على تملق المصري لكتاب وصحفيين آخرين أتى على ذكرهم بالاسم، وربما كانوا أصدقاء شخصيين له، أو لعله أجرى حساباته فوجد نفسه أعجز من أن يتحمل جريرة زجهم في جماعة المغضوب عليهم.