2010-09-21

المعادلة الجديدة للشؤون الاجتماعية والعمل ..دمج الإعلام بالإعاقة = إعلام معاق!

Disability rights in Syria





تقرر السيدة (ز.ش) صاحبة الحل والعقد ورئيسة إحدى اللجان الرياضية في دورة الألعاب الاقليمية السابعة للأولمبياد الخاص وبناء على مزاج وانفعال شخصي يحمل في أثناءه تفصيلا "طائفيا" سخيفا إقصاء مدربة إحدى الفرق الرياضية (ن.ف) بعد أن قامت الأخيرة بالجزء الأعظم من العمل والجهد، فيما حصدت سيادة الرئيسة الثناء والتقدير، والنقود أيضا.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد لدى الرئيسة ذات الروح الرياضية والمناقبية العالية، بل وإمعانا في الكيدية تعمد السيدة غير المذكورة إلى طرد نجل المدربة السابقة من فريقـ(ـها) الرياضي، وبالتالي تحرمه عمدا ومن دون وجه حق أو ذريعة قانونية من المشاركة في الأولمبياد الخاص رغم كونه واحدا من ذوي الاحتياجات الخاصة المسجلين، زارعة في نفسه حسرة إلى حسرة، بعد أن كان التدريب الرياضي الذي يتلقاه يساعده أيما مساعدة على تجاوز جزء كبير من الاختلاف الذي يشعر به تجاه أقرانه، بشهادة خبراء. وكل هذا من خلال تلويحة واحدة من يد تلك السيدة المؤتمنة على هؤلاء الناس وأطفالهم، ومن دون أن يجدي تدخل من هو أعلى منها في الهرم التنظيمي لجعلها تعدل عن قرارها الارتجالي المخزي.

الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة عن مدى الإعداد والاستعداد لدى هذه الكوادر التي تدعي القدرة على إدارة مثل هذه المنظمات والمؤسسات والمناسبات، وعن نجاعة البنية التنظيمة والإدارية –الركيكية فيما يبدو- حين تصدر القرارت شفهية اعتباطية لا مبرر معها ولا مسوغات-، مع سؤال إضافي آخر عن مدى الشفافية المالية والمحاسبية عندما توزع الأموال والرواتب والمكافئات لأناس دون آخرين في ظروف ومغلفات بلا أي نوع من أنواع الفوترة، كأنها بقشيش عرس أو "كومسيون" سمسرة رخيصة.

ولدى مراجعتنا للمسؤولين الكبار عن الأولمبياد وفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمجلس الأعلى للإعاقة، وسواهم من ذوي الاحتياجات "العامة"، يفاجئ المرء بهم وقد أحجموا جميعهم ودفعة واحدة عن الرد على موبايلاتهم، ليس مقاطعة لشركتي الخليوي في البلاد تضامنا مع المحتجين على الأسعار المرتفعة والخدمات المتدنية لـ"إم تي إن" و"سيرياتل"، وإنما تهربا موصوفا من مواجهة نتائج تقصيرهم الإداري والأخلاقي، رغم أن بعضهم تم الترتيب المسبق معه لأخذ موعد، وآخر تم إرسال رسالة نصية له تطلعه على شخص المتصل، فيما آخرين تمت مراجعتهم شخصيا من قبل صاحبة العلاقة دون فائدة.

وهؤلاء الأساتذة المحترمون الغارقون في العمل والانتاج هم على التوالي: المدير الوطني للأولمبياد الخاص، ومدير الألعاب ورئيس اللجنة الفنية لدورة الألعاب الاقليمية السابعة للأولمبياد الخاص، ومديرة المبادرات في هيئة الأولمبياد الخاص، ورئيس المجلس الأعلى للإعاقة.

أما موظفو مكتب السيدة الوزيرة ديالا حاج عارف فلا يستحون من صرف صاحبة العلاقة لدى مراجعتها لهم، طالبين منها إخلاء الممر لأن جناب الوزيرة تريد أن تخرج من مكتبها!

كل هذا في ظل شعارات مرفوعة و"لوجويات" خفاقة تنادي الإعلاميين لمطالعة أكثر قربا لمطلبيات ذوي الاحتياجات الخاصة. بيد أن الرسالة التي يود هؤلاء القوم إيصالها لنا عبر خزعبلاتهم اللفظية عن تحريض الإعلام على مقاربة شؤون وشجون من يوصمون بـ"المعاقين" ليست فيما يستشف سوى حصيلة مؤسية لمعادلة مفادها: دمج الإعلام بالإعاقة = إعلام معاق!

هذا أو أن يقوم الصحفيون فقط بتغطية المناسبات والإنجازات والتنظيرات والتصفيقات، أوالتقاط الصور مع المسؤولين والمسؤولات، الأحياء منهم والأموات.

إنها نظرة قاصرة حقا تلك التي تدعي أن العمل بصمت هو ما هو مطلوب اليوم في هذا القطاع. وأصحاب هذه النظرية عاجزون عن أن يميزوا لنا الصمت من الضوضاء من حق الحصول على المعلومات. فهل سمع أحد منا في حياته عن جراح أو محاسب أو رئيس وردية في معمل يخفي تفاصيل عمله ودفاتره وتقاريره عن المرضى والمديرين وأصحاب الشأن بحجة أنه يرغب في العمل "بصمت"؟

إن ما قد ينتج عن هذه السياسة الإعـ(ـتـ)ـامية العرجاء ليس سوى ما شهدناه على أرض الواقع من ابتعاد ما يسمى بـ"المجلس الأعلى للإعاقة" عن أي دور في تنظيم أو متابعة أو مراقبة لهذه المناسبة التي يجري استثمارها إعلاميا على أكمل وجه من قبل بعضهم، وعدم اطـّلاع أو معرفة ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم أو ذويهم أو كثير من الخبراء في المجال على وجود مثل هذا "المجلس" الذي لا يزال أثره فيهم افتراضيا وغير محسوس.

إن القيمين على الأمور في وزارة "الشؤون الاجتماعية والعمل" لا يفهمون أنه إذا تم إنشاء لجنة أو مجلس هنا أو تنظيم أولمبياد وسباق هناك برعاية أو بدون رعاية من فوق أو من تحت فإن هذا لا يخولهم بأن يصبحوا الناطقين الحصريين باسم هذه الشريحة المغبونة حقوقها في مجتمعنا، أو يمنحهم الشرعية ليمسوا أصحاب الفتاوى الناجزة فيما يجب أو لا يجب نشره.

والحرى بهم العمل على خفض هذه الجدران والعوازل الغبية التي يحاولون ان يلفوا أنفسهم ومكاتبهم بها، أسوة ربما بما يفعلونه بأرصفة شوارع دمشق حاليا.

إن الصمت في هذه الحالة لن يكون برغم النوايا الحسنة التي قد توجد منثورة عشوائيا هنا أو هناك سوى ستار لسوء التخطيط والفساد –وهو ما نراه واضحا في مثال السيدة (ن.ف) أعلاه- أوالهروب من تقديم كشوف حسابات النجاح والإخفاق في أداء الاستدامة والتنمية المطلوبين بإلحاح في هذا القطاع، وهي أمور نتشارك مسؤولياتها جميعا دون شك.

2010-09-16

"إصرخ".. فيلم هولندي عن يوميات سوريين من "الجولان" المحتل

SHOUT".. Dutch movie about the Syrian Golan Heights"


 الـمعانـاة الإنسـانيـّة أولا، ومن ثم السياسـة








لم يعد "وادي الصراخ" الذي يفصل بين الأرض المحررة وتلك المحتلة من “الجولان” السوري اسما غريبا على الأسماع في الفترة الأخيرة. وباتت مكابدات الأهالي المنقطعين عن ذويهم خلف الأسلاك الشائكة وحقول الألغام ودوريات جيش الاحتلال "الإسرائيلي” تجد طريقها إلى وسائل الإعلام وشاشات التلفزة والسينما.

ومؤخرا، استوقفت آلام “الجولانيين” في غربتهم القسرية تلك والمبثوثة عبر الحناجر ومكبرات الصوت على ضفتي الوطن مخرجتين هولنديتين لمدة عام تقريبا في "الشرق الأوسط"، حيث وجدت كل من "سابين لوبه باكر"، و"استر غولد" نفسيهما تخوضان غمار مقاربة سينمائية تسجيلية لتلك المعاناة التي تعود إلى أربعة عقود، بميزة مستحقة هذه المرة، كونهما تمكنتا من دخول القرى السورية المحتلة، وتصوير مشاهد حية عن أحوال السوريين اليوم تحت الاحتلال. الأمر الذي يجهل كثير من السوريين تفاصيله، نظرا لاستحالة انتقال أي مخرج أو إعلامي سوري إلى الطرف المحتل في ظل حالة الحرب القائمة رسميا حتى الساعة بين الطرفين.

الفيلم الهولندي الذي لم يكن إلا ليحمل اسم "إصرخ" افتتح في أول عرض دولي له الدورة الثالثة لتظاهرة "أيام سينما الواقع – دوكس بوكس" في سورية العام الماضي، متناولا يوميات طلبة جولانيين تركوا أهلهم في قرية "مجدل شمس" المحتلة بعد بلوغهم الثامنة عشرة، ليلتحقوا بـ"جامعة دمشق" في الوطن الأم.


للحديث عن "إصرخ" الذي شهدت صالتا عرضه في العاصمة دمشق آذار الماضي  إقبالا جماهيريا عريضا، كان اللقاء التالي مع "سابين لوبه باكر"، إحدى مخرجتي الفيلم.


 بداية، لماذا تختار مخرجة أوروبية “الجولان” تحديدا موضوعا لفيلمها الأول؟

من المفترض أنه تكـّون لدي إجابة قصيرة وواضحة الآن، لكنني دائما أجد صعوبة في الرد على عن هذا السؤال لسبب ما.
لقد سبق لي وعشت في سورية، وأحببت هذا البلد، ورغبتي في عمل فيلم عن موضوع “الجولان” عائد لكون الموضوع مثيرا للاهتمام حقا باعتقادي. والإثارة تأتي في المقام الأول من أن المكان هنا بشكل عام يجبرك على اختبار مشاعرك حياله طوال الوقت، فهو تارة بالغ الجمال، وتارة مليء بمظاهر القبح. إنه يشعرك بالغضب أحيانا، وأحيانا اخرى يدفعك دفعا للمرح والضحك، تجد في بعض المواقف سهولة في التأقلم معه، فيما تستصعب ذلك في مواقف أخرى، وهو بكل تأكيد مختلف جدا عن العالم الذي قدمت منه أنا.


لذا فقد أحسست برغبة قوية في إنتاج عمل يعكس صورة هذا المكان في ذهني. وقد التقيت صدفة في أحد شوارع دمشق بطلاب جامعيين قالوا لي إنهم قادمون من مكان يدعى “الجولان”، وقد بدا لي مباشرة أن لديهم شيئا ما يميزيهم عن باقي الشباب السوريين المولودين في العاصمة على سبيل المثال. كانت لهجتهم مختلفة، وثيابهم مختلفة، وهم دائما مع بعضهم، ، ناهيك عن كونهم فضوليين تجاه ما يجري هنا في "دمشق" مقارنة بالمكان الذي قدموا منه. وبالنسبة لي فقد وقعت في حبهم مذ سمعت قصصهم لسبب أجهله. ربما لأنهم تماما في هذا الوضع الـ"مميز" والـ"غريب" نوعا ما.

ومن هؤلاء الطلبة بالذات سمعت لأول مرة عن "وادي الصراخ"، والحديث بواسطة المكبرات بين الأهل، وهي صورة مثيرة سينمائيا باعتقادي، ومنها بدأت بالبحث لأول مرة عن الموضوع وحوله.


يظهر الفيلم أهل طلاب جولانيين في الطرف المحتل وهم منهمكين -قبل سفر أولادهم إلى سورية- في نزع الملصقات "العبرية" عن بعض المواد الاستهلاكية، كون السلطات المحلية في سورية تمنع دخول البضائع "الإسرائيلية". إلى أي حد تعتقدين أن فيلم "أصرخ" قدم ملامح لم تكن معروفة لدى سوريين كثيرين عن الحياة في “الجولان” المحتل؟

أنا على دراية اليوم بعد احتكاكي بجولانيين عاشوا في دمشق لفترة طويلة جاوزت 3 سنوات، ومن خلال التجارب الشخصية لعدد من أولئك الطلاب؛ أن ثمة جهلا من قبل بعض السوريين بتفاصيل تتعلق بالحياة في “الجولان”. وقد رُويت لي قصة أحد سائقي التكسي في العاصمة الذي أخطأ في تحديد مكان قرية جولانية، ظانا أنها تقع قرب الحدود التركية !

وأنا آسفة لقول هذا، لكنه أمر طبيعي برأيي أن يخطئ بعض الناس في أي بلد في تحديد مواقع أماكن بعينها، وهذا لا ينتقص من كون الطلاب “الجولانيين” القادمين إلى دمشق فخورين إلى أبعد الحدود بكونهم سوريين، ما يدفعهم إلى الحرص على أن يكون مواطنوهم جميعا مطلعين قدر الإمكان على أدق تفاصيل حياتهم على الضفة الأخرى رغم انقضاء فترة طويلة لهم تحت ذلك الاحتلال جاوزت الأربعة عقود، وهي صورة ليست مطابقة دائما لما يملك الناس هنا من انطباعات عنها في أذهانهم.

من جانبي، سبق لي كذلك أن شاهدت بعض المقاربات السينمائية للموضوع، مثل الفيلم اللبناني"طيارة من ورق"، وفيلم أديب صفدي والذي أنجرعلى يد طلاب في الحقيقة، وهو يظهر دواخل الموضوع كذلك. إضافة إلى فيلم آخر سوري اسمه "المعبر"، وهذا الأخير يصور جزء فقط من الحكاية الكاملة، لأن لا أحد هنا في سورية بإمكانه أن يعبر عمليا إلى الطرف المقابل ويقدم القصة من جانبها الآخر.


سادت لفترة طويلة –ولازالت- نظرة قاصرة لدى بعضهم هنا حيال تناول مواضيع تتعلق بـ“الجولان” المحتل، وصلت حد تأثيم التعرض لتفاصيل الحياة الاعتيادية للجولانيين لحساب السياسي والخطابي المباشر، فأخذوا على فيلمك مثلا مشهد حفلة الوداع الصاخبة التي يقيمها الأصدقاء لشخصيات العمل عشية السفر إلى دمشق، كيف ترين الأمر من وجهة نظرك؟

بالنسبة لي كان شيئا سهلا أن أحاول تكريس الصورة النمطية عن الطلاب الجولانيين، ورغم أنه من المهم للفيلم أن تبقى الخلفية السياسية للموضوع ماثلة في الأذهان، لكننا لم نكن بحال من الأحوال بصدد عمل فيلم سياسي محض عن هذه القضية.

وغياب البعد السياسي المباشر كان سبب كثير من النقد الذي تلقيته بعد العرض الأول للفيلم في سورية خلال مهرجان "دوكس بوكس" هذا العام، حيث عاتبني الناس مثلا لعدم إبراز مظاهر الاحتلال كاملة على الطرف الآخر، وهذا أمر –الانتقاد- شيء أتفهمه جيدا، بيد أن هذه النقطة لم تكن المحور الأساس الذي بنينا عليه قصة فيلمنا أصلا، أنا وإستر. ولو أني انسقت أكثر وراء تجسيد هذا الجانب بالذات لبدا حينها أننا نصور فيلمين في فيلم واحد. وهذا باعتقادي الشخصي خطأ يجب تجنبه عندما يكون المرء بصدد عمل تسجيلي، ناهيك عن أنه كان سيقصيني على نحو ما عن الشخصيات التي اخترت تصويرها في فيلمي منذ البداية، بل الأصح القول: اخترت تصوير فيلمي من خلال عيون ورؤية تلك الشخصيات لما يجري حولها.

وأنا شخصيا ما كنت لأتجاهل أي تأثير للاحتلال "الإسرائيلي" على مسار حياة هذه الشخصيات طالما أنه مرتبط مباشرة بوجهة نظر تلك الشخصيات تحديدا، وهو الاعتبار الأوحد الذي نظم مسيرة الفيلم حتى النهاية.

وبالنسبة لي كمخرجة أجنبية قادمة من خارج هذه المنطقة من العالم فإن أفضل طريقة لرواية قصة “الجولان” و"الاحتلال" كانت من خلال هؤلاء الطلبة أنفسهم وليس عبر اتباع خط محض سياسي.


ما هي التحديات برأيك أمام فيلم كهذا عندما يعرض على جمهور أجنبي قد لايكون ملمـّا تماما بتفاصيل وحيثيات قضية حساسة كتلك التي يتعرض لها "إصرخ"؟

جوابا لهذا السؤال أعتقد أنني سأستبق الأمور بعض الشيء وأقول بأنني سأحب الجمهور هنا في دمشق أكثر من أي مكان آخر. فعندما يجلس الناس في السينما ويبدؤون بإصدار الأصوات والتصفيق، أو الاعتراض على بعض المواقف وصولا إلى الهدوء المطبق أحيانا قبل أن يبادروا إلى  إخراج المناديل والبكاء، متفاعلين مع مجريات الأحداث في الفيلم؛ فإن ذلك يشكل لي متعة لا توصف، وهذا امر قد لا أجده تماما مع جمهور أجنبي.

لكننا وضعنا في اعتبارنا بكل الأحوال ومنذ البداية، بأن الفيلم موجه لجمهور غربي أساسا، حيث يوجد من لا يعرف شيئا على الاطلاق عن قضية  هضبة “الجولان” والسوريين الذين يعيشون فيه تحت  الاحتلال منذ 43 سنة. كما لم يسبق لغالبية كبيرة في الغرب أن التقوا بأي سوريين طوال حياتهم، بل يكاد بعضهم لا يعرفون شيئا عن سورية نفسها، ما بالك بطلاب من مرتفعات “الجولان”  لا يستطيعون عبور الحدود سوى مرة واحدة في السنة لرؤية أهلهم الذين يرفضون رفضا قاطعا حمل الجنسية "الإسرائيلية"، حيث تمنع سلطات الاحتلال عبور ذويهم إلى البلد الأم.

ولهذا اعتقد بأنه يتوجب علينا أن نزود مشاهدينا الغربيين أولئك بالكثير من المعلومات والنصوص والخلفيات عن الوضع القائم في المنطقة، والذي تم تصوير الفيلم في إطاره.

بيد أن هناك تحد آخر برأيي ماثل أمام الفيلم، بالنظر إلى أنه كان هناك ثمة كثير من الأفلام التي أنتجت عن منطقة الشرق الأوسط مؤخرا، وخاصة في أوروبا، حيث بدأ بعض الناس يشعرون بالملل من مواضيع كهذه، قائلين: "لا، رجاء ليس الشرق الأوسط مجددا"، وهذا امر مؤسف برأيي، لأن الصراع الدائر في هذا الجزء من الأرض واحد من أطول الصراعات في التاريخ، وأنا معنية جدا بإيصال رسالة عن بعض ما يحدث هنا لبقية العالم رغم أي شيء.


هل تعتربين نفسك منحازة في فيلمك لأحد طرفي النزاع كما يتم التعبير أحيانا، وبالتالي هل تتوقعين أن يثير "إصرخ" مشاكل من نوع ما لدى عرضه في أوروبا لأسباب تتعلق بالتمويل أو التوجه السياسي للعمل؟

لا، لا اعتقد أننا (أنا وإستر) منحازتان في عملنا هذا لأي طرف، نحن فعلنا ما بوسعنا كي نترك زمام قيادة مسار الأحداث بيد شخصيات الفيلم نفسها التي رأيتموها على الشاشة، وما قمنا به عمليا هو مجرد أننا حملنا آلة التصوير وتبعناهم. ومن البديهي القول أن شخصيات الفيلم بطبيعة الحال ليست مناصرة لـ”إسرائيل”، فهم سوريون أولا وآخرا.

وأنا معنية هنا بالتأكيد أنه رغم صحة ما ورد من أن تمويل الفيلم جاء من مباشرة من الحكومة الهولندية، بيد أن رسميي الحكومة لم يكن لهم أي تأثير على خططنا في تصوير الفيلم من قريب أو بعيد، فكل الشروط المتعلقة بموضوع التمويل كانت محصورة بمدى جدّة الموضوع، ودرجة أهميته للجمهور المتلقي في العالم، إضافة لأهلية جهة الإخراج للعمل على القصة المطروحة.

وأذكرك هنا بأننا تجنبنا في "إصرخ" اللجوء إلى السرد السياسي المباشر. وأنا شخصيا آمل أن يسمح لفيلمي بأن يعرض في “إسرائيل” نفسها، كما أنني أنوي عرضه على أية حال في “الجولان” المحتل الصيف القادم، ربما في واحد من حقول التفاح المنتشرة هناك، أو خلال إحدى تلك الاحتفالات التي تجري هناك على الهضبة. ذلك أنني أشعر بواجب ومسؤولية أن أوفر فيلمي في تلك البقعة بالذات، إذ ليس من المنطقي أن تصور فيلما عن الناس هناك ثم تتأخر في عرضه عليهم، والتعرف على ردة فعلهم حياله.

..
رغم كل شيء، لا يبدو أن إصرار المخرجتين الهولنديتين على إقصاء السياسية "الفجة" برأيهما عن فيلم "إصرخ" قد آتى أكله تماما، أقله بالنظر إلى ما  رشح من ردة فعل الجمهور السوري الذي حضر العرض الأول للفيلم.

بل إن أحد أسئلة المخرجة لجدّ "عزت" -إحدى شخصيات الفيلم-  والأسير السابق في سجون الاحتلال؛ جرّ الأخير مباشرة لحديث معهود ومطروق مرارا عن قضية “الجولان” المحتل، مستخدما كلمات "كبيرة" وفق تعبير حفيده الشاب في مشهد آخر، لدرجة أن الجد نسي في خضم اندفاعه، أن يجيب عن السؤال الأساس الذي وجهته له"سابين لوبه باكر"، والمتعلق مباشرة برؤيته لمستقبل حفيده بالذات. وهي لمحة  قيـّض لها أن تجسد مفارقة يعيشها جيل الشباب السوري اليوم على ضفتي الوطن المستقل والمحتل، بين ما مضى وما هو قائم من جهة وما هو آت من جهة أخرى.


وما افتراق خياري الصديقين “الجولانيين”، "بيان" و"عزت"، في نهاية فيلم "إصرخ" بين البقاء في "دمشق" أو العودة إلى "مجدل شمس" تحت الاحتلال الإسرائيلي، سوى مظهر آخر لتلك المفارقة، والتي عبرت عنها "دون صراخ" هذه المرة جملة افتتح الفيلم بها على لسان والد "عزت" الذي قال بصوت أجش وبالمحكيـّة الجولانية :
 "40  سنة مش قلال، بيتغير كثير الإنسان فيها".


أ
جرى الحوار وصاغه عن الانكليزية
خالد الاختيار


2010-09-08

دراما سورية حلال ..إذا ملكتنا أيمانهم المتطاولة

! Syrian drama series.. Halal Halal




ليس الانكفاء التكتيكي لأحد مشايخ التشدد-المعتدل في سوريا مؤخرا عن إحدى فتاويه المثيرة للجدل تجاه مسلسل سوري يعرض حاليا سوى حلقة ممضة أخرى في مسلسل أكبر وأقل فنتازية تحبـّر مشاهد حلقاته المتصلة كل يوم بين ظهرانينا بحروف يعاف أو يتحاشى كثيرون مهمة وضع النقاط عليها.

وإذ يتعهد الشيخ السوري محمد سعيد رمضان البوطي بالتراجع مؤقتا عن تصوراته وتخيلاته حول مسلسل "ما ملكت أيمانكم"، منتظرا بحسب ادعائه نهاية عرض العمل لإعادة النظر فيه و"إصدار حكمه النهائي"، وكأنه محكمة جزائية أو دستورية متنقلة؛ يلاحظ المرء تلك التعليقات والردود المهلهلة التي واجه بها المدافعون عن حرية تعبير العمل الفني "الغضبة الإلهية" المزعومة إياها.

وسواء أكانت الهدنة التي اختارها البوطي آنيا عن قناعة أو تقية، طوعية اختيارية أم إجبارية قسرية تحت ضغط السلطات التي ذاع صيت علمانيتها مؤخرا فقط، فلا شيء "يبيح" للشيخ إياه توجيه سبابة التكفير المتشنجة يمنة ويسرة بهذه الطريقة حتى ولو شاهد المسلسل وشهد عليه، فرأيه الديني في النهاية له ولأتباعه، ولا يزيد أو ينقص في قيمة العمل الفني من شيء.

والمؤسي هنا أن مسؤولي قناة الدراما السورية المملوكة للحكومة لا يجرؤون أغلب الأحيان في مسعاهم لصد مثل هذه الموجات التكفيرية الإعلامية الممجوجة سوى على التلطي وراء لحى مشايخ آخرين في وزارة الأوقاف ودار الإفتاء السورية، مجرورين أمام الجمهور إلى ذلك الدرك الذي يحفره لهم رجال الدين في أمثال هذه الوقائع في السنوات الأخيرة، ليكبلوا أنفسهم بعمائم لا تخصهم، وفي ظنهم أنهم يحسنون صنعا عبر تلك التوفيقية-التلفيقية المهترءة بين أعمال درامية يفترض بها محاكاة العصر، وتصاوير وتأويلات منقوشة على حجارة ذاكرة تعود إلى الوراء مئات السنين.

وهنا مكمن الخوف من مثل هذه السجالات التي يثير غبارها العطن هؤلاء المشايخ المتفرغون، حيث حركة النقاش والحوار إن وجدت فهي بين فتوى تحلل وأخرى تحرم، ما يرسخ بفجاجة ثقافة المنع والحجب و"التنقيب"، في حين أن المطلوب هو نقلة واحدة خارج هذه البؤرة المضللة، وإلا سيكون الأمر برمته أقرب لذلك القرار الإداري الذي اتخذته وزارة التربية السورية بنقل مئات المنقبات من عهدتها إلى وزارة الإدارة المحلية، وكأنه بوادر تقسيم وزاري خطير وغير مسبوق للملاكات الحكومية بين أصولي سافر وعلماني منقب.

بل إن بعض الكتاب وصحفيين آخرين مولعين بإطلاق صفة "نقاد" دراميين على أنفسهم يصرون على إحالة هذا المشكل وسواه إلى مشايخ آخرين لتصويب التوجه "المنطقي" للأحداث،(1) منطلقين من سذاجة أن التاريخ تاريخ واحد ناجز صادق، لا تأويل ولا تحريف أو افتراءات متبادلة فيه بين هؤلاء القوم وأشياعهم وأولئك وأنصار جماعتهم مما لا ينبغي لسفاسفه أن تعني الكثير لمجتمع اليوم وناسه ومؤسساته، اللهم إلا المؤسسة العربية للإعلان –كما قال أحدهم ساخرا- والتي لا زالت أمثال هذه الدعايات -غير المجانية تماما- تفلت من فك جبايتها المفتوح عن آخره رغم فاعلية هذه الفتاوى في إثارة الفضول وإضفاء عنصر التشويق السمج أحيانا على الأعمال الفنية المخالفة في مثل هذه المواقف.

البوطي الذي نصب نفسه بصلافة في بيانه ذاك وصيا على البلاد، بل والشرق الأوسط بأسره؛ لم يتورع عن إطلاق ألفاظ مقذعة وتحريضات تهويلية –المحق، الإجرام، الإحراق، الهلاك، المقت، الضرام- ما يمثل مشهدا دراميا لكاهن قروسطي يصب اللعنات في ليلة سوداء بحق العمل الفني وأصحابه، بل وعارضيه ومشاهديه حتى -من باب عاصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه- لتصل به العصبية حد وصف الأعمال الفنية المقدمة حاليا بأنها مكيدة من شياطين الإنس والجن يعكفون على تحضيرها وحبكها لبثها في هذه الوقت –رمضان- ما يعد بحسب القانون السوري افتراء وتحريضا، قانون ما فتئ الإعلاميون السوريون يجرجرون إلى المحاكم من قبل الفاسدين والمرتشين على أساسه.

نعم، بيسر وسلاسة ينتخب البوطي نفسه بالتزكية متحدثا باسم السوريين أجمعين، رغم أن قربه من كثير من هؤلاء المواطنين لا يتعدى كونه يأكل ويشرب من حر مالهم وهم دافعوا الضرائب المغبونون أبدا باعتباره مقدما لبرنامج ديني إسلامي يبثه التلفزيون السوري الرسمي، وبصفته الأكاديمية –بين قوسين- أستاذا محاضرا في جامعة دمشق.

بل إن فتواه احتجت حتى على اقتباس اسم العمل "وما ملكت أيمانكم"، رغم أن باقي النص المغفل الذي أخذ منه العنوان يشي بما هو أعظم "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، بما يروج له حتى اليوم من استباحة لحقوق المرأة في مجتمعنا حاضرا.
وبعد القوامة التسلطية على المرأة؛ من الطبيعي جدا أن يتسلل شيوخ الحسبة هؤلاء شيئا فشيئا في سوريا نحو "سياسة" القوامة على باقي فئات المجتمع التي تتمايز عنهم ثقافيا في جلها، وتمجهم كثير منها وجدانيا.

من المعيب أن يكون سعينا بحال من الأحوال في هذا البلد اليوم ينحو إلى استصدار دمغة "حلال" لا فن فيها على أعمالنا الدرامية، أسوة ربما بما قام به شيخان آخران هما السعودي سلمان العودة والمصري يوسف القرضاوي مع مسلسل "القعقاع" حيث زعم الأول أنهما أخضعا المسلسل لفحص لجنة "علمية" وخرجا بأن العمل الفني المذكور "قراءة تاريخية موثقة". ناهيك عن وجود توجيهات حكومية رسمية تضمن عرض أعمال فنية سورية تلفزيونية على وزارة الأوقاف قبل تصويرها.

والدراما الوحيدة التي قد ينفع البوطي توجيه بعض النقد لها ليست سوى خيالاته وشخوصه الماثلة في ذهنه عن معاشنا اليومي والتي يستمرء أن يظل لها عاكفا، رغم أن في نصوصه المقدسة ما يحذر من أخذ الأنباء من الفساق من دون التدقيق فيها. وبدلا عن أن يشتغل شغله كمدقق لبعض الأخطاء في قراءة نصوص المصحف باعتباره دارسا مختصا، اختار للأسف أن يمارس هواية غيره من مشايخ الإعلام الجديد في التكفير وإطلاق الفتاوى الفالتة من أي عقال.


واللافت في الأمر أن البوطي رد تهويلاته الإفتائية تلك إلى "تقرير" وصل إليه من "لجنة" يثق بها من دون أن يتحفنا بأسماء هؤلاء الجهابذة الذين أشاروا عليه بما أشاروا، ما يعيد للأذهان سيرة تلك اللجنة المتخلفة التي سبق واستتر ورائها مروجو المسودة القديمة لقانون الأحوال الشخصية السوري والذي أرادوه في حينها طائفيا مقيتا يرجع بالمجتمع المحلي القهقرى عشرات السنين نحو الظلام.

هو ذاته الشيخ الذي كتب منذ وقت قريب يصف فكر طه حسين بالظلامي على صفحات جريدة سعودية رفع حظر وزارة الإعلام السورية عنها مؤخرا، وهو ذاته الشيخ الذي فاخر في السنة الماضية وبملء فمه على إحدى القنوات السورية الفضائية الخاصة التي سحبت الوزارة نفسها ترخيصا لها بالعمل في دمشق بعلاقاته مع رأس هرم السلطة في البلاد في العقود الماضية، فظن اليوم أن سلطاته المتورمة هذه ستقيه من أي رد فعل كان، غير مكتف فيما يبدو بحوالي 80 قناة تبشيرية إسلامية تبث دراماها الخاصة فضائيا على مدار الساعة والوعي.
______________
(1) من دون أن ننسى أن مخرج العمل نفسه وبعض العاملين فيه اضطروا إلى رفع الصوت والتذكير بأن بعضا من أقاربهم النساء محجبات، وأنهم كثيرا ما نافحوا أنفسهم عن "رسالة الإسلام"، وأن المسلسل لا يتعارض مع القرآن والسنّة.