2010-08-22

مطلوب محررين لمطبوعة رسمية براتب بيضة ونص في الساعة !





ليس مؤكدا بعد فيما إذا كانت وزارة الاقتصاد والتجارة قد قامت فعلا بتشكيل لجنة لتقديم دراسة جدوى اقتصادية لصحيفتها العتيدة التي ستنافح مستقبلا عن حرية الملكية التجارية والصناعية كما حددت مهمتها*.

وافتراض وجود لجنة كتلك هو من قبيل (العشم) المهني لتحصيل استشارة احترافية من ذوي الاختصاص تسبق عادة ربما إصدار قوانين (استثنائية) من رئاسة مجلس الوزراء، كحال قانون إصدار المطبوعات (غير الاستثنائية) على العموم، والصحيفة المذكورة هنا على وجه الخصخصة.

أما الشك فمرده إلى أن القرار إياه الصادر في عامنا هذا في بلدنا هذا في منعطفنا هذا حدد مكافئة المحرر هذا في الصحيفة المنتظرة بـ(4000- أربعة آلاف) ليرة سورية، من ليرات مصرفنا المركزي** هذا بالذات.

وفي الوقت الذي يعافر فيه الإعلاميون السوريون مع / ضد (مؤسساتهم) لرفع الرواتب ومكافئات الاستكتاب والتعويضات الاجتماعية وبدلات الطبابة والنقل والاتصالات، وسحب حقوقهم ومستحقاتهم من بين أنياب وأضراس وطواحن وضواحك التجار والمضاربين وأبناء المسؤولين وغاسلي الأموال أصحاب ورؤساء تحرير تلك المؤسسات، ودائما بعيدا عن النقابات الافتراضية والاتحادات الفقاعاتية، .. أقول في الوقت الذي يجري فيه كل هذا تخرج علينا دولة فلول القطاع العام بقرار اقتصادي سوقي اجتماعي رسمي يبقشش (موظفيه) بـ(400 ألف) قرش كل شهر.

منتظرا ضمنا من أولئك المستخدمين العمل المتقن والضمير اليقظ والكف النظيف والذقن الحليقة والصدر العامر والمؤخرة المشدودة والحنك المقفل.
أربعة آلاف ليرة سورية حكومية في الشهر، ما يعادل في إعلام الكيلو/كلمة وبورصة المنطقة الإعلامية الحرة في الزبلطاني وسوق الهال، بيضة فاصلة ستة أعشار البيضة (نيـّة) في الساعة.

نعم، ربما كان الأجدى بنا العودة إلى لغة المقايضة، إذ أنها قد تحمل لاتزال بعدا اعتباريا إنسانيا - حيوانيا أقل لؤما وأذى، من ذلك التجريد الاقتصادي الحداثوي لفرمانات أهل الحل والعقد الذين لا يخفى عليهم شيء في الأرض ولا في السماء.
وطالما أننا عاجزون عن وضع بعض الحرارة في الليرات المتصدق بها على الزملاء المحررين، فلا بأس إذا من وضع بعض الحريرات بدلا عنها.

فلابد أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بعد أن تم دمجها مع وزارة التموين والتجارة الداخلية باتت على علم تماما بالحجم الاقتصادي الذي يحتله (البيض) في حياة المواطن الإعلامي السوري.

بدء بما تيسر من بيض الدجاج الكلاسيكي الذي يمرغ في صفاره رئيس التحرير عادة المواد الخارجة على النص. مرورا بالمسؤولين وهم يبيضون في خطبهم ولقاءاتهم وتبصيراتهم بقية النهار، والذين ينتظرون من الصحفيين والإعلاميين موافاة جماهيرهم بذلك البيض عاجلا قبل أن يفقس. وصولا إلى مفتاح حلحلة الأمور المستعصية في معاملات الدوائر العمومية (ومنها وزارة الإعلام بالطبع) والذي يعرف لغة بـ(بيضة القبان)، ذلك الشخص (غالبا –شخصة- في مثالنا السابق) الذي تعود إليه الكلمة الفصل في التيسير والتعسير على حجاج الدائرة (الحرام).

كما أنه يمكن للصحافة الخاصة المستقلة بمداجنها الناشئة أن تأتسي بالصحيفة الحكومية الوليدة. بل لعل المحررين العاملين لدى بعض أصحاب تلك التجمعات الإعلامية (المستقلة) يكونون أكثر حظا من زملائهم العموميين، على اعتبار أن من بين أكابر ذلك الإعلام من هو (بيضه) أكبر وأثقل من بعض مداراء القطاع العام. ما يمنح بعض الإعلاميين فرصة تاريخية لتعلم اللعب بـ(البيض) ..والحجر.
النكات السورية ليست كلها سرية، وليست كلها دائما عن الحماصنة. فهناك نكات تحمل توقيع أرفع المسؤولين في الدولة ما يسمح بتداولها رسميا في أوساط العمال والموظفين وصغار الكسبة وعامة الشعب. وبالطبع (الصحفجيين) و(المحرراتية) من بينهم.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على (الروح الحلوة) عند مسؤولينا الرفيعين جدا، على التوازي مع (حلاوة الروح) عند مواطنيهم الأكثر (رفاعة).

على أن القرار التاريخي لرئاسة الوزراء بـ(ارتكاب) تلك الصحيفة الجديدة، أغفل رصد أي مكافئة لرئيس تحرير المطبوعة الموعودة, وهو هنا السيد وزير الاقتصاد نفسه. وهذا الإغفال كان إما لأن صاحب القرار على علم بأن السيد الوزير مكتف بذاته، وبنعم (سانا) الأخرى عليه، وإما لأن هذه اللفتة كانت بادرة حسن نية من فوق إلى تحت. بادرة لسان حالها يقول:
(ومن ساواك ببيضه .... ما ظلمك).
________
* نشرت صحيفة الخبر السورية مؤخرا قرارا صادرا عن مجلس الوزراء السوري بإنشاء مطبوعة لوزارة الاقتصاد والتجارة تتناول حرية الملكية التجارية والصناعية, وردت فيها تسعيرة المحررين المشار إليها.
**حاكمه نافح حد الشتيمة عن ليرتـ(ــه)، ووصف –وهو الصاحي- تصريحات وزير الصناعة (النقدية) التي لم ترقه مؤخرا بـ(الهلوسة).


2009

كلام حريم شاهد على العصر، زبد إعلامي سوري من "الجزيرة" إلى "الجزيرة"




استفاق عدد من السوريين مؤخرا وأيقظوا معهم كثيرين إثر إعادة اكتشافهم لجزيرتين حديثتين قديمتين على الخارطة المحلية لمشاغل الناس وتطنيشاتهم هنا.
وبين "الجزيرة" القطرية وأحمد منصور المتطاول على "شعبنا"، و"الجزيرة" السورية في "كلام حريم" حيث "شعبنا" هذه المرة هو المتطاول على "شعبنا" الآخر، لغط لم يفلح وهو يحاول أن يرتقي دون جدوى ليصبح نقاشا موضوعيا سوى في إثارة بعض الأسئلة المرّة التي لا تكاد تخبو استفهاماتها بعد مناسبة ما، حتى تطفو في مناسبة أخرى، ما أيضا.


"الجزيرة" - 1
مقالات وأقاويل، ردود منضبطة وشتائم، طالت برنامج أحمد منصور "شاهد على العصر"، بعد أن نعت الأخير السوريين بأنهم من السهل "الضحك عليهم"، وقال إنهم "باسوا جزمة" جمال عبد الناصر في يوم من الأيام، وذلك في معرض استضافته "عبد الكريم النحلاوي" أحد منظمي الانقلاب السوريين على الوحدة مع مصر القرن الماضي.

وسرعان ما انبرى –حرفيا- كثير من الإعلاميين وغيرهم للتشنيع على المعدّ المصري "الإخونجي"، والذود عما قالوا أنه "كرامة الشعب السوري العظيم" ضد الافتراءات المنسوبة إليه، كما بادر السيد وزير الإعلام بدوره إلى الاحتجاج رسميا لوزير الثقافة القطري -على اعتبار أن الدوحة ألغت وزراة الإعلام منذ زمن- ضد هذا الافتئات المستهجن من قبل الإعلامي "غير المهني"، وهذا بالطبع حق الوزير وحق كل من شعر بالإهانة من تصريحات "منصور".

الملاحظة هي أن السيد الوزير ذاته كان قد كال منذ أسابيع فقط الشتائم المقذعة لأحد الصحفيين السوريين على مرأى ومسمع و"قرطاسية" و"كيبوردات" و"ميكروفونات" مئات من أرباب وربائب الإعلام السوري، الأمر الذي بالكاد استوقف "كرامة" أحد يومها.

ناهيك عما روجت له فيما مضى صحيفة "الوطن" السورية شبه الرسمية من ترهات بحق كتاب سوريين، متهمة إياهم بالاسم ودون أدنى دليل بمناصرة وجهة النظر الإسرائيلية إبان عدوان الاحتلال على غزة، ولا "كرامة" ولا يحزنون.

ليرتأي من كتب من الصحفيين والإعلاميين السوريين -حتى الآن أقله- أن مذيع "الجزيرة" هو وحده "الطفيلي"، و"الوقح"، و"الديماغوجي الباهت"، و"صاحب الوجه المشؤوم كبرامجه وكتاباته الإعلامية"، إلى آخر قائمة الأسماء غير الحسنى التي تخطى فجأة بفضلها المحتوى العربي على الانترنت عتبة 3% الهزيلة.

كما أن "رذالة منصور" وحدها هي من ذكر وسيلة الإعلام المحلية إياها المنفردة بـ"الاستقلال" الصحفي حديثا منذ أكثر من "40 عاما" بشيء يدعى "ميثاق الشرف الإعلامي"، دون غيرها من الرذالات المحلية التي تتناقل الأخبار "زنخها" كل يوم لتغرسه في أنف القائمين على من يسير في ركاب ذلك الإعلام مطبوعا والكترونيا، بدون أن يهز ذلك شعرة واحدة من "الشرف" المزعوم.

وكل ذلك على الرغم من الوجود الفيزيائي "السوري" في ذات الاستوديو "الجزراوي" الذي سجلت بين جدرانه تلك "الإهانات"، حيث بالكاد حمّل أحد ذلك السوري جريرة عدم "الرد" و"تصحيح" الهرطقات التي نالت من "العظمة" السورية، في حين أن مغزى وجود السيد "النحلاوي" في ذلك المكان أصلا لم يكن لشيء آخر سوى الحديث عن "تصحيحاته" الانقلابية الفذة ضد نظام عبد الناصر الدكتاتوري في حينه.

وبالطبع، وكما هو متوقع منهم تجاهل السادة الإعلاميون الذائدون عن حياض الحصافة المهنية في مقابلة "الجزيرة" مع "النحلاوي" والتي امتدت لأسابيع وأسابيع كل الشؤون السورية الخطيرة التي دار الحديث عنها، ولم تخرج من حناجرهم المفتوحة اليوم عن آخر محرر فيها كلمة واحدة بالسلب أو بالإيجاب عما دار في تلك الحلقات، ليتلقفوا بأظافرهم فحسب تلك الثواني التي تلفظ بها "منصور" بتجديفاته "الغبية" تلك.

وهذا لا يتنافى برأي أصحاب الحملة مع كون القناة "الملعونة" سابقا وحاليا المصدر "المبارك" والأساس لكثير من البروباغاندا المدروسة و"الشعبية"، والتي يناط بها منذ زمن مهمة الذود إعلاميا عن "كرامة" هذه الأمة و"مناضليها"، مع أن شبابا سوريين لم يخجلوا من التصريح بأنهم لم يسمعوا بفضيحة "منصور" تلك، مفضلين متابعة دزينة "الجزر" الأخرى الأوسع انتشارا في أرخبيل "الجزيرة" الأم، والتي ليست سوى قنوات الرياضة المشفرة والمفتوحة.


"الجزيرة" - 2
بدورها أثارت "الجزيرة" الأخرى شمال شرق البلاد عبر الفيلم السوري "كلام حريم" لمخرجه سامر برقاوي ومعده عدنان العودة حفيظة بعضهم الآخر بسبب ما قيل إنه "سخرية" مبيتة، و"تشويه" متعمد لسمعة السوريين في تلك البقعة المتروكة لقدرها من حاضرنا المحلي.

ولا يدري المرء حقا ماذا يريد قوله أولئك الناقمون على الفيلم بالجملة، فيما عدا ربما تكرار تلك التبجحات الفارغة عن تحسن وضع المرأة "المتسامي" في كل أنحاء البلاد، متعامين عن كوارثها الأرضية اليومية، وهي أمية، تفلح، وتبذر، وتحصد، وتغسل، وتجمع الحطب، وتطبخ، وتنجب، وتدفن مواليدها قبل أن تسميهم حتى اليوم.

من دون أن يسأل أولئك أنفسهم فيما إن كانت شخوص عمر أميرلاي وسعد الله ونوس في فيلمها المفجع "وقائع يومية في حياة قرية سورية" -قبل الحريم وكلامهم- منذ 40 عاما؛ مجرد كومبارس مدرب مدفوع الأجر، أم أناسا مستوردين من مجاهل إفريقيا والقرى المعدمة جنوب الهند؟
ألم يسمع صانعوا الفيلم في ذلك الحين ذات "الموشح السياحي" الركيك عن "طيبة" أهل المنطقة، و"جمالهم"، و"حضارتهم"؟

وكأن رصد ما حاق بأولئك الناس من فاقة وبؤس يتناقض وتلك الأوصاف، على العكس مما تقتضيه البداهة السليمة من أن توثيق ما أصاب ويصيب تلك الجغرافية المنسية من البلاد خليق به أن يفتح العين العمشاء مطلبيا وتنمويا، في سبيل تحسين أوضاع تلك المناطق، بدل الإنشاء المرير، والعصبويات المجعجعة التي لا تضع ذرة طحين واحدة في أكف أناس أطعموا ويطعمون البلد خبزه كفاف يومه منذ دهر، وهم اليوم جياع فارون بكرامتهم من القحط حتى غور الأردن بحثا عن عمل يقيهم السؤال.

وإن كان بعضهم يحيط الانتقادات الموجهة للفيلم –والتي لا ترقى لأي نقد سينمائي حقيقي بطبيعة الحال- بـ"حرمة" خاصة لمجرد أن القائلين بها جاؤوا من تلك المنطقة وهم وحدهم من "يفهمون"ـها، فكيف يستقيم ذلك وكون معد الفيلم نفسه من أهل تلك الديار وشعابها؟
لا بل إن "الحريم" المصور كان أمه وأخواته وخالاته وعماته هو بالذات!
ألا يكفي ذلك وحده كي تتهافت تلك الدعوات العصبوية الفارغة على نفسها، والتي تحيل بسذاجة إلى عنصرية موهومة، لنعود إلى السؤال الأساس: هل أولئك الناس موجودون حقا في "زور شمر" بأوضاعهم المؤسية تلك في ساعته وتاريخه، أم أنهم من اختلاق "الغرفة المظلمة" –الكاميرا- في رأس السيناريست والمخرج؟

حين لا تعجبنا الإضاءة وكوادر التصوير والموسيقا المرافقة في الفيلم فهذا أمر يمكن بالطبع النقاش فيه إلى الأبد، لكن أن ننكر سوداوية الواقع وامتداداته القاحلة ونعيب الغربان على جذوع الأشجار اليابسة في المشهد الحي فهو لأمر جدير بالرثاء حقا، ولا يصب إلا في المصلحة المشبوهة لمن سعوا إلى منع عرض الفيلم سابقا بذات الذريعة والحجة تقريبا.


"الجزيرة" - 3
سيكون أمرا مثيرا للاهتمام ولابد - بين "جزيرة" منصور، و"جزيرة" برقاوي وعودة- أن يسأل أحد ما شخصيات فيلم "كلام حريم" عن حلقات برنامج "شاهد على العصر"، وفيما إن شعر أحد منهم أو منهن بالإهانة مما ورد فيها. غالبا قد نفاجئ بأن السؤال نفسه سيكون هو مصدر الإهانة، فمن أين لأولئك الناس بالذات بكهرباء، ناهيك عن تلفزيون، و"جزيرة" منكوبة أخرى؟

لابأس حقا في متابعة ونقد ما يجري على تلك الجزر من حولنا. والغضب من تلك "الجزيرة" والنقمة عليها، أوالغضب لتلك "الجزيرة" والانتقام لها تكفلهما حرية التعبير والرأي و"هيئات المجتمع المدني" –بحسب (الوطن)- بدون أدنى شك.

بيد أن الأحكام "الغوغائية" والتعميم "الأعمى" فيما أتى به أحمد منصور وسامر برقاوي من جزيرتيهما إن صح وصفها بذلك؛ لا تكاد تفوقها "شناعة" سوى المواقف المقابلة التي تسبغ "العظمة" و"الرفاهية" السرمدية المجانية على جميع السوريين بـ"عصبويات" و"فزعات" لا يدري المرء أيضحك منها أم يبكي. فيما أصحابها في النهاية يطمرون رؤوسهم في رمل "جزيرتهم" الإعلامية المعزولة الخاصة.