2010-08-08

القاهرة تكتب، وبيروت تنشر، وبغداد تقرأ، ..ودمشق تراقب




لسبب أو لآخر غاب بند الرقابة على المطبوعات والكتب في سورية عن أعمال "مؤتمر الثقافة العربية وأزمة القراءة" الذي عقد في دمشق منذ بعض الوقت.

غير أن ذلك لم يمنع المؤتمرين * وجمهورهم حتى من التطرق للمسألة بالنقد المموه أحيانا، والمباشر القاسي أحايين أخرى، باعتبار "الرقابة" سببا من أسباب كثيرة أدت في مآلاتها المخزية إلى تدهور حال القراءة والقرّاء من قبل في بلادنا.

بل إن بعض تجارب نوادي القراءة التي جاء أصحابها الشباب للحديث عنها في ختام الجلسات، صعقت عددا من المثقفين الموجودين في المكتبة الوطنية سواء الجالسين منهم بين الحضور أو ممن كان على المنبر محاضرا.

إذ ينحو هؤلاء الشباب السوري في جمعاتهم الثقافية الجديدة إلى الاحتفاء بالكتاب الأجنبي شراء ومطالعة ونقاشا، بعد أن عدموا كتبا عربية جديرة بمثل هذه العناية على ما اشتكوا، وبعض من هذه "العدمية" والافتقاد للعنوان المنشود عائد في جزء منه كبر أو صغر بحسب الشبيبة أنفسهم إلى التعنت الرقابي المزمن الذي تنتهجه السلطات المحلية المختصة وغير ذات الاختصاص ضد الكتاب.

وعلى الرغم من أنه مقابل العين الرسمية المفتوحة منزوعة الأجفان والرموش والمسلطة على الصفحات والأسطر والأفكار، فإن العين الرسمية الأخرى لا تتوقف عن ذرف الدموع بوقاحة فجة على المنابر رثاء لحال الثقافة "العربية" و"كتابها المتردي".

فالدقائق التاريخية الست التي "يتهم" العربي بأنه يسلخها من وقته المعاشي الثمين كل سنة ليقرأ فيها بضعة أسطر من كتاب ينازعه عليه 12ألف "مواطن" عربي بحسب الأرقام الإحصائية المؤسية، لم تقنع حتى الآن الجهات الرقابية السورية -التي تحاشت حضور المؤتمر رسميا- بترشيد جهودها الهدامة على هذا الصعيد.

لا بل إن الإسفاف في هذا المجال وصل حدا صادرت فيه وزارة الثقافة السورية منذ أشهر كتابا صادرا عن الهيئة العامة السورية للكتاب، أي أن الوزارة الحصيفة منعت عمليا تداول مؤلف من منشوراتها هي نفسها.

لينضم كتاب "سورية في رحلات روسية خلال القرن التاسع عشر" إلى القوائم السوداء للمؤلفات السورية المصادرة والممنوعة أو الخاضعة للأمزجة الصفراء حظرا وسماحا مثل "المترجم الخائن" لفواز حداد, و"مديح الكراهية" لخالد خليفة، و"الفقد" للؤي حسين، و"برهان العسل" لسلوى النعيمي، و"وردة في صليب الحاضر" لجاد كريم الجباعي، و"شهادة أتان" لمحمد الحاج صالح، و"غوائل الأرمن" لنورا أريسيان, و"خيانات اللغة والصمت" لفرج بيرقدار, ..وسواها. **

على أن حالة المصادرة والمنع الحكومية الداخلية بين وزارة الثقافة وهيئة الكتاب ليست نكتة سمجة عابرة، ولا بدعة لا تتكرر، فها هو وزير الإعلام السوري السابق يطالب من "رياضه" في السعودية سفيرا لبلاده بمنع كتاب توزعه وزارة السياحة لدينا في دمشق، بدل أن يكتفي بإرسال مادة نقدية عن الكتاب تبرز وجهة نظره فحسب.

إذ وجد الرقيب محمد مهدي دخل الله من أرض "المطاوعة" و"الحسبة" أن كتاب "سورية اليوم" الذي توزعه "السياحة" مسيء لـ"صورة سورية المشرقة" كما يراها هو.

بيد أن الوزير الحالي على كرسي الإعلام لم يكن بحال من الأحوال أقل حرصا من خلفه على "صورة" البلد و"إخراجها"، إذ منع منذ أكثر من شهر عددا لمجلة "الآداب" البيروتية تناول باحث سوري في مادة له فيها بالتحليل عددا من المؤلفات الروائية السورية الموجودة في المكتبات المحلية.

وللحقيقية، فإن هذه الممارسات الرجعية واستسهال الحجب والمنع والقص، تلقى مساندة لا تقل رجعية وتخلفا من قبل شريحة معينة في البلد، نطق باسمها منذ بعض الوقت "ملاك" بعض مطابع العاصمة دمشق، الذين "عارضوا" طباعة كتيب يحوي لوحات تشكيلية للفنان السوري أسعد عرابي بذريعة تصويره رسوما عارية، تتنافى و"مكارم الأخلاق" التي نصبوا أنفسهم حماة الديار لها.

ولا يبدو أن البيئة المعادية للقراءة في سورية تقف عند هذا الحد، فبعد التسلط الثقافي الرسمي بين وزارة ثقافة وإعلام، واتحاد كتاب، وشيوخ أوقاف علنيين وسريين، يأتي اتحاد الناشرين السوريين "الأهلي" المحدث ليصب زيته العطن على نار محرقة الكتب هذه.

إذ سبق لناشرين سوريين أن اشتكوا في معرض الكتاب في دمشق الذي أقيم العام الفائت من تدخل "الاتحاد" المذكور للتحريض على منع بعض الكتب، لا بل وسحبها عن الرفوف بعد بدء المعرض. تغولا ربما من قبل التيار المسيطر على "النقابة المهنية" إياها، والذي يبرز في هيئة دور نشر يمينية محافظة تعنى بالترويج للكتب الدينية، ولا تكاد منشوراتها تحوي عملا أدبيا أو فنيا واحدا.

بيد أن ما يزيد حقا من وجع كل هذا التقهقر والانكفاء "الكتابي" محليا، هو "قراءة" أنباء نشرت مؤخرا من قبيل:
"قررت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في دولة الاحتلال الإسرائيلي دعم مشروع قانون جديد يسمح باستيراد كتب مترجمة، بما في ذلك إلى اللغة العربية، ترجمت في دول تُعتبر وفقاً للقانون الإسرائيلي (دولاً معادية) بينها سورية ولبنان، شرط ألا تتضمن الكتب المستوردة (مضامين تتسم بالتحريض أو تنكر الهولوكوست أو تشجع على الإرهاب)". !!

نعم، سقط اسم دمشق من المثل الدارج الذي سارت به عربان المثقفين والناشرين في منطقتنا منذ حين، والقائل بأن "القاهرة تكتب، وبيروت تنشر، وبغداد تقرأ". وعلى الرغم من وجود من يتهكم اليوم على المقولة السابقة ناعيا بأنه لا القاهرة لازالت تكتب ولا بيروت عادت تنشر ولا بغداد تجد وقتا للقراءة، فإنه من المخجل بكل الأحوال أن تصر دمشق وهي في القلب من تلك المدن بالمراقبة فحسب، ما بالك بالأنكى، الرقابة.
_________


* بينهم اثنان على الأقل لديهم إصدارات منعت مؤخرا من دخول البلاد.

** فيما يلي قائمة "لأخذ العلم" بعدد من الكتب الممنوعة من التداول في سورية:

"بن لادن والعقل العربي" شاكر النابلسي، "ليلة الفلق" فتحي بن سلامة، "أحوال المرأة في الإسلام" منصور فهمي، "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" خليل عبد الكريم، "الجسد المخلوع بين هز البطن وهز البدن" ابراهيم محمود, "حراس الهواء" روزا ياسين حسن، "صديقنا الملك" جيل بيرو, "آيات شيطانية" سلمان رشدي، "جغرافية الملذات" ابراهيم محمود، "الروض العاطر في نزهة الخاطر" النفزاوي، "الإسلام السياسي" محمد سعيد العشماوي، "النصوص المحرمة" أبو نواس، "زبيبة والملك" صدام حسين، "العصيان المسلح أو قتال أهل البغي في دولة الإسلام" أحمد بن تيمية، "هرطقات" جورج طرابيشي, "الثورة الوهابية" عبد الله القصيمي، "الإسم العربي الجريح" عبد الكبير الخطيبي، "رواد مبدعون" شمعون بلاص، "آخر أيام إسرائيل" باري شاميش، "وداع العروبة" حازم صاغية، "هذا الجسر العتيق" كمال ديب، "أميركا إسرائيل والعرب" شارل مالك، "تأملات في شقاء العرب" سمير قصير، "دولة حزب الله" وضاح شرارة، "بلاد المهانة والخوف" محمد أبي سمرة، "أمة في شقاق" جونثان راندل، "مغامرات المغايرة" أحمد بيضون، "أمراء الحرب وتجار الهيكل" كمال ديب، "دنيا الدين والدولة" دلال البزري، "القاتل إن حكى" نصري الصايغ، "الدين والدهماء والدم" صقر أبو فخر، "القسوة والصمت" كنعان مكية، "مسلمون وأحرار" إرشاد منجي، "الغنوصية في الإسلام" هاينس هالم، "سلسلة الأئمة" 11 كتابا دار الهادي، "عسكر على مين" سمير القصير، "الحياة الجنسية في المجتمع العثماني" سيما أردوغان، "مأزق الفرد في الشرق الوسط" حازم صاغية، "يد ملأى بالنجوم"رفيق شامي، "عيد العشاق" سامر أبو هواش، "حمار وثلاث جمهوريات" كريم كطافة، "تاريخ القرآن" تيودور نولدكه، "الشخصية المحمدية" معروف الرصافي، "القوقعة" مصطفى خليفة، "فهم الدين البهائي" ويندي مؤمن، "الرجل الأسطورة" إيغور تيموفييف، "الجهاد" جمال البنا، "بيان من أجل الديموقراطية" برهان غليون، "أوراق في الريح" أدونيس، "طفلة الكوليرا" ماري رشو، "الإسلام دين وأمة" جمال البنا، "مشهد عابر" فواز حداد، "أسامة، السبيل إلى الإرهاب" جوناثان راندل، "عين المرآة" ليانة بدر، "تلك الرائحة" صنع الله ابراهيم، "الحب الممنوع" براين ويتاكر، "صناعة قائد صناعة شعب" زهير الجزائري، "البحث عن يسوع" كمال الصليبي، "الجنس في العالم العربي" جون غانيون وسمير خلف"، "حرب الألف سنة حتى آخر مسيحي" جوناثان راندل، "بعث العراق" حازم صاغية، "الأقليات والمواطنة في العالم العربي" كراسات الأوان، "عميان عن التاريخ" بيتر فين ورينيه فلدنغل، "الكتاب الأسود" نهاد الغادري، "أصداء الإبادة الأرمنية" نورا أريسيان، "وداعا يا ماردين" هنرييت عبودي، "الاختيار الديموقراطي في سورية" لؤي حسين وبرهان غليون, "في الجواب عن الأسئلة النصيرية" صدر الدين الشيرازي، "الأسئلة المخفية" شتيفان فايندر، "لئلا يعود هارون الرشيد" عبد الله القصيمي، "قدر المسيحيين العرب وخيارهم" ألبير منصور، "وراثة سورية" فلاينت ليفريت، "في ظلال القرآن" سيد قطب، "نيجاتيف" روزا ياسين حسن، "سقط الأزرق من السماء" منذر حلوم، "سلسلة كراسات ماركسية – 8 أجزاء" سلامة كيلة، "أنا هي أنت" الهام منصور، "سياسة الله" نديم محسن، "يوميات يهودي في دمشق" ابراهيم الجبين، "عواصم من خطأ" يحيى جابر، "من تاريخ الالحاد في الإسلام" عبد الرحمن بدوي، "صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث" جويا بلندل سعد، "نزهة الألباب فيما ليس في كتاب" التيفاشي، "العرب ظاهرة صوتية" عبد الله القصيمي، "الصراع على الشرق الوسط" باتريك سيل، "تعريب الكتائب اللبنانية" حازم صاغية، "حديقة الحواس" عبده وازن، "القبيلة الضائعة" ابراهيم محمود، "جمهورية الخوف" كنعان مكية، "ديوان أبي حكيمة" راشد بن اسحق الكاتب، "درة التاج من شعر ابن الحجاج" ابن الحجاج البغدادي، "عاشق لعار التاريخ" عبد الله القصيمي، "شنغهاي بيبي" وي هيوي، "شلومو الكردي وأنا والزمن" سمير نقاش، "خرائط مدن محروقة" إياس حسن، "الجنس عند العرب - 5 أجزاء" ...


بالمناسبة ..

لا تزعم هذه القائمة غير النقدية الإحاطة حاليا بجميع العناوين والكتب الممنوعة في سورية، ولا بأس أبدا من المشاركة بالعناوين الأخرى التي غابت في هذه العجالة.

بعض هذه الكتب منع في فترات متفرقة وأفرج عنه لاحقا والعكس بالعكس، وبعضها الآخر لازال أسير مزاجية الرقيب اللحظية.

القائمة تحتمل التصديق وتأسف له، وتحتمل التكذيب وتسعد به، ناهيك عن التصويب والإضافة من قبل الأطراف المعنية والرسمية وغير المعنية وغير رسمية.

الصحافة الالكترونية السورية كما لا أجرؤ على شرحها لابنتي

1-
طفلتي العزيزة


2-
على العكس من التحليلات المستفيضة التي كثرت مؤخرا في سبيل الرد على مسودة قانون النشر الالكتروني في سوريا، فإن بعضهم قد يفاجئ من أن أكبر مشكلة حقيقة واجهت "الصحافة الالكترونية" لدينا يا بابا، ليست فيما يشار إليه عادة من مصائب وكوارث كلاسيكية، وإنما تتمثل في واقع الأمر بإضافة تاء التأنيث إلى المقابل العربي في ترجمةelectronic journalism فأصبح عليها أي "الصحافة الالكترونية" أن تعاني مشكلتين هما بطبيعة الحال أزليتين في بلادنا: الأولى سياسية، والثانية جندرية، وهي الأنكى بلا شك، كما ستكتشفين قريبا بنفسك يابابا، بعد إقرار مسودة قانون الأحوال الشخصية الالكترونية.
3-
ورغم ما يشيعه مخبرو أصدقاء رفاق أعضاء مكاتب منظمات حقوق الإنسان والتعبير في مقهى "الروضة" و"الفيس بوك" و"مهرجان الجاز" والمنابر المشبوهة الأخرى، فإن الصحفي الالكتروني السوري، يا بابا، ممسك تماما بزمام أموره، فهو مثلا يملك عادة دفاعا عن نفسه الحق في أن يرفع كل الدعاوى القضائية على من يشاء، ومن باب المساواة حصرا يا بابا، فإن "من يشاء" له الحق في رد تلك الدعاوى جميعها، وتضمين الجمهور النفقات والاستدعاءات وفركات الأذن والقلم والأعضاء الالكترونية الأخرى.


4-
مرة واحدة وإلى الأبد، يا بابا، تأكد لقراء الصحافة الإلكترونية السورية أن الصحفيين الالكترونيين السوريين اختاروا الصحافة الالكترونية السورية خيارا صحفيا الكترونيا سوريا استراتيجيا لارجعة عنه، ولم تعد تغريهم، يا بابا، مفاتن أبواب وشبابيك التعبير الالكترونية وغير الالكترونية، السورية وغير السورية، الاستراتيجية وغير الاستراتيجية الأخرى.
فالصحفي الالكتروني السوري، يا بابا، قانع حتى نخاع معالج لابتوبه بمجرد أن يكون لديه الحق في أن يعبر بالوسائل الالكترونية السلمية عن رأيه في مقال أو خبر الكتروني سلمي، وذلك على أمل أن يكون لديه في المدى المنظور سلسلته المكسيكية الخاصة من مواد الرأي والتحليل والتجميع، وذلك على أمل أن يصبح لديه يوما ما موقع الكتروني سوري سلمي خاص به، مميز رائد وغير محجوب، مع طقم محررين ومعلقين مجاني من خريجـ(ـات) قسم الإعلام السوري.
والصحفي الالكتروني السوري، يا بابا، لا يعيش أبدا بعد ذلك على أمل أن يصبح لديه بمجهوداته ومدخراته الفردية السبونسرية المسؤولة مطبوعة ورقية -لا الكترونية، دورية شهرية، منوعة، بعد سفريات عمان واستوكهولم وواشنطون دي سي ودي حا، بملفات يعاد نشرها كل 3 سنوات، مع رئيس تحرير شامل، وبدون استكتابات.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصير عنده جريدة سياسية يومية وبخمس ليرات، ومستقلة، وللأربعين سنة القادمة، مدعومة بـ(تساؤلات) مؤسستي الإعلان والتوزيع على المطبوعات المنافسة، وبدعم كتيبة من الشركات القابضة المساهمة وفق قانون الاستعثار (الاستعلام والاستثمار) رقم 10 وتعديلاته و(عدلاتو)، وفلل بالصبورة، وشركة اتصالات.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يتمكن من إنشاء جمعية أهلية، مدنية، غير حكومية، مدعومة رسميا، وع الكتالوج، ولو في كراج مدير مكتب سيارة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يتطور ويصير عنده منظمة حقوقية سورية منشقة، مسجلة في أحد بلدان الفوضى الخلاقة، فيها واحد تاني غيرو، وواحد تاني غيرو، وسكرتيرة مطلقة.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصبح لديه على "منبر الجزيرة موبايل" تيار سياسي شفهي عائلي وحدوي (من الوحدات)، غير مرخص، وخالي الاجتماعات والبرامج، مع ميزة "دقللي بغنيلك".
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصير عنده في وقت قياسي تجمع حزبي معارض ملون، بنشرة إيميلات سبام مفيرسة، وانتخابات بالتزكية، وحق الفيتو لصهرو، مع استقواء بالخارج وجناح في السلطة.
ولا يعيش أبدا بعد ذلك، يا بابا، على أمل أن يصبح ممثلا شعبيا استثنائيا للجماهير الإعلامية، ووزيرا على رأس منصبه لعدة ولايات كبيسة ومتلاحقة، وبنسب تصويت و"لايكات" على الفيسبوك توازي معدلات التضخم في البلاد، وعرض البنية "التحتية" المتوسعة للمتفرجين الأصليين.
وكل ذلك، يا بابا، ليس أبدا..
على أمل أن يأتي إليه ذات يوم في الرابعة إلا ربع صباحا من يقرع بابه، ويسحبه من تخته، ويــ(...)ـخ عليه وعلى أمل.. وعلى بابا.



يحدثونك عن مسودة النشر الالكتروني السوري ..أصحاب مواقع لا رؤساء تحرير

يحدثونك عن مسودة النشر الالكتروني السوري ..وفاة رئيس التحرير

 

 

كلام حريم شاهد على العصر، زبد إعلامي سوري من "الجزيرة" إلى "الجزيرة"

استفاق عدد من السوريين مؤخرا وأيقظوا معهم كثيرين إثر إعادة اكتشافهم لجزيرتين حديثتين قديمتين على الخارطة المحلية لمشاغل الناس وتطنيشاتهم هنا.
وبين "الجزيرة" القطرية وأحمد منصور المتطاول على "شعبنا"، و"الجزيرة" السورية في "كلام حريم" حيث "شعبنا" هذه المرة هو المتطاول على "شعبنا" الآخر، لغط لم يفلح وهو يحاول أن يرتقي دون جدوى ليصبح نقاشا موضوعيا سوى في إثارة بعض الأسئلة المرّة التي لا تكاد تخبو استفهاماتها بعد مناسبة ما، حتى تطفو في مناسبة أخرى، ما أيضا.


"الجزيرة" - 1
مقالات وأقاويل، ردود منضبطة وشتائم، طالت برنامج أحمد منصور "شاهد على العصر"، بعد أن نعت الأخير السوريين بأنهم من السهل "الضحك عليهم"، وقال إنهم "باسوا جزمة" جمال عبد الناصر في يوم من الأيام، وذلك في معرض استضافته "عبد الكريم النحلاوي" أحد منظمي الانقلاب السوريين على الوحدة مع مصر القرن الماضي.

وسرعان ما انبرى –حرفيا- كثير من الإعلاميين وغيرهم للتشنيع على المعدّ المصري "الإخونجي"، والذود عما قالوا أنه "كرامة الشعب السوري العظيم" ضد الافتراءات المنسوبة إليه، كما بادر السيد وزير الإعلام بدوره إلى الاحتجاج رسميا لوزير الثقافة القطري -على اعتبار أن الدوحة ألغت وزراة الإعلام منذ زمن- ضد هذا الافتئات المستهجن من قبل الإعلامي "غير المهني"، وهذا بالطبع حق الوزير وحق كل من شعر بالإهانة من تصريحات "منصور".

الملاحظة هي أن السيد الوزير ذاته كان قد كال منذ أسابيع فقط الشتائم المقذعة لأحد الصحفيين السوريين على مرأى ومسمع و"قرطاسية" و"كيبوردات" و"ميكروفونات" مئات من أرباب وربائب الإعلام السوري، الأمر الذي بالكاد استوقف "كرامة" أحد يومها.

ناهيك عما روجت له فيما مضى صحيفة "الوطن" السورية شبه الرسمية من ترهات بحق كتاب سوريين، متهمة إياهم بالاسم ودون أدنى دليل بمناصرة وجهة النظر الإسرائيلية إبان عدوان الاحتلال على غزة، ولا "كرامة" ولا يحزنون.

ليرتأي من كتب من الصحفيين والإعلاميين السوريين -حتى الآن أقله- أن مذيع "الجزيرة" هو وحده "الطفيلي"، و"الوقح"، و"الديماغوجي الباهت"، و"صاحب الوجه المشؤوم كبرامجه وكتاباته الإعلامية"، إلى آخر قائمة الأسماء غير الحسنى التي تخطى فجأة بفضلها المحتوى العربي على الانترنت عتبة 3% الهزيلة.

كما أن "رذالة منصور" وحدها هي من ذكر وسيلة الإعلام المحلية إياها المنفردة بـ"الاستقلال" الصحفي حديثا منذ أكثر من "40 عاما" بشيء يدعى "ميثاق الشرف الإعلامي"، دون غيرها من الرذالات المحلية التي تتناقل الأخبار "زنخها" كل يوم لتغرسه في أنف القائمين على من يسير في ركاب ذلك الإعلام مطبوعا والكترونيا، بدون أن يهز ذلك شعرة واحدة من "الشرف" المزعوم.

وكل ذلك على الرغم من الوجود الفيزيائي "السوري" في ذات الاستوديو "الجزراوي" الذي سجلت بين جدرانه تلك "الإهانات"، حيث بالكاد حمّل أحد ذلك السوري جريرة عدم "الرد" و"تصحيح" الهرطقات التي نالت من "العظمة" السورية، في حين أن مغزى وجود السيد "النحلاوي" في ذلك المكان أصلا لم يكن لشيء آخر سوى الحديث عن "تصحيحاته" الانقلابية الفذة ضد نظام عبد الناصر الدكتاتوري في حينه.

وبالطبع، وكما هو متوقع منهم تجاهل السادة الإعلاميون الذائدون عن حياض الحصافة المهنية في مقابلة "الجزيرة" مع "النحلاوي" والتي امتدت لأسابيع وأسابيع كل الشؤون السورية الخطيرة التي دار الحديث عنها، ولم تخرج من حناجرهم المفتوحة اليوم عن آخر محرر فيها كلمة واحدة بالسلب أو بالإيجاب عما دار في تلك الحلقات، ليتلقفوا بأظافرهم فحسب تلك الثواني التي تلفظ بها "منصور" بتجديفاته "الغبية" تلك.

وهذا لا يتنافى برأي أصحاب الحملة مع كون القناة "الملعونة" سابقا وحاليا المصدر "المبارك" والأساس لكثير من البروباغاندا المدروسة و"الشعبية"، والتي يناط بها منذ زمن مهمة الذود إعلاميا عن "كرامة" هذه الأمة و"مناضليها"، مع أن شبابا سوريين لم يخجلوا من التصريح بأنهم لم يسمعوا بفضيحة "منصور" تلك، مفضلين متابعة دزينة "الجزر" الأخرى الأوسع انتشارا في أرخبيل "الجزيرة" الأم، والتي ليست سوى قنوات الرياضة المشفرة والمفتوحة.


"الجزيرة" - 2
بدورها أثارت "الجزيرة" الأخرى شمال شرق البلاد عبر الفيلم السوري "كلام حريم" لمخرجه سامر برقاوي ومعده عدنان العودة حفيظة بعضهم الآخر بسبب ما قيل إنه "سخرية" مبيتة، و"تشويه" متعمد لسمعة السوريين في تلك البقعة المتروكة لقدرها من حاضرنا المحلي.

ولا يدري المرء حقا ماذا يريد قوله أولئك الناقمون على الفيلم بالجملة، فيما عدا ربما تكرار تلك التبجحات الفارغة عن تحسن وضع المرأة "المتسامي" في كل أنحاء البلاد، متعامين عن كوارثها الأرضية اليومية، وهي أمية، تفلح، وتبذر، وتحصد، وتغسل، وتجمع الحطب، وتطبخ، وتنجب، وتدفن مواليدها قبل أن تسميهم حتى اليوم.

من دون أن يسأل أولئك أنفسهم فيما إن كانت شخوص عمر أميرلاي وسعد الله ونوس في فيلمها المفجع "وقائع يومية في حياة قرية سورية" -قبل الحريم وكلامهم- منذ 40 عاما؛ مجرد كومبارس مدرب مدفوع الأجر، أم أناسا مستوردين من مجاهل إفريقيا والقرى المعدمة جنوب الهند؟
ألم يسمع صانعوا الفيلم في ذلك الحين ذات "الموشح السياحي" الركيك عن "طيبة" أهل المنطقة، و"جمالهم"، و"حضارتهم"؟

وكأن رصد ما حاق بأولئك الناس من فاقة وبؤس يتناقض وتلك الأوصاف، على العكس مما تقتضيه البداهة السليمة من أن توثيق ما أصاب ويصيب تلك الجغرافية المنسية من البلاد خليق به أن يفتح العين العمشاء مطلبيا وتنمويا، في سبيل تحسين أوضاع تلك المناطق، بدل الإنشاء المرير، والعصبويات المجعجعة التي لا تضع ذرة طحين واحدة في أكف أناس أطعموا ويطعمون البلد خبزه كفاف يومه منذ دهر، وهم اليوم جياع فارون بكرامتهم من القحط حتى غور الأردن بحثا عن عمل يقيهم السؤال.

وإن كان بعضهم يحيط الانتقادات الموجهة للفيلم –والتي لا ترقى لأي نقد سينمائي حقيقي بطبيعة الحال- بـ"حرمة" خاصة لمجرد أن القائلين بها جاؤوا من تلك المنطقة وهم وحدهم من "يفهمون"ـها، فكيف يستقيم ذلك وكون معد الفيلم نفسه من أهل تلك الديار وشعابها؟
لا بل إن "الحريم" المصور كان أمه وأخواته وخالاته وعماته هو بالذات!
ألا يكفي ذلك وحده كي تتهافت تلك الدعوات العصبوية الفارغة على نفسها، والتي تحيل بسذاجة إلى عنصرية موهومة، لنعود إلى السؤال الأساس: هل أولئك الناس موجودون حقا في "زور شمر" بأوضاعهم المؤسية تلك في ساعته وتاريخه، أم أنهم من اختلاق "الغرفة المظلمة" –الكاميرا- في رأس السيناريست والمخرج؟

حين لا تعجبنا الإضاءة وكوادر التصوير والموسيقا المرافقة في الفيلم فهذا أمر يمكن بالطبع النقاش فيه إلى الأبد، لكن أن ننكر سوداوية الواقع وامتداداته القاحلة ونعيب الغربان على جذوع الأشجار اليابسة في المشهد الحي فهو لأمر جدير بالرثاء حقا، ولا يصب إلا في المصلحة المشبوهة لمن سعوا إلى منع عرض الفيلم سابقا بذات الذريعة والحجة تقريبا.


"الجزيرة" - 3
سيكون أمرا مثيرا للاهتمام ولابد - بين "جزيرة" منصور، و"جزيرة" برقاوي وعودة- أن يسأل أحد ما شخصيات فيلم "كلام حريم" عن حلقات برنامج "شاهد على العصر"، وفيما إن شعر أحد منهم أو منهن بالإهانة مما ورد فيها. غالبا قد نفاجئ بأن السؤال نفسه سيكون هو مصدر الإهانة، فمن أين لأولئك الناس بالذات بكهرباء، ناهيك عن تلفزيون، و"جزيرة" منكوبة أخرى؟

لابأس حقا في متابعة ونقد ما يجري على تلك الجزر من حولنا. والغضب من تلك "الجزيرة" والنقمة عليها، أوالغضب لتلك "الجزيرة" والانتقام لها تكفلهما حرية التعبير والرأي و"هيئات المجتمع المدني" –بحسب (الوطن)- بدون أدنى شك.

بيد أن الأحكام "الغوغائية" والتعميم "الأعمى" فيما أتى به أحمد منصور وسامر برقاوي من جزيرتيهما إن صح وصفها بذلك؛ لا تكاد تفوقها "شناعة" سوى المواقف المقابلة التي تسبغ "العظمة" و"الرفاهية" السرمدية المجانية على جميع السوريين بـ"عصبويات" و"فزعات" لا يدري المرء أيضحك منها أم يبكي. فيما أصحابها في النهاية يطمرون رؤوسهم في رمل "جزيرتهم" الإعلامية المعزولة الخاصة.

نعم سيدي، كل شيء جاهز لقانون إعلام سوري سيء آخر

(2)

... على أن أخبار المسودة الأخيرة لقانون الإعلام المتوقع لم تبلغ كل الآذان المشنفة للصحفيين والإعلاميين السوريين على ما يبدو، مع أن بعضها نشر عمليا على الانترنت منذ وقت قريب، ورغم تميز عدد من أولئك الإعلاميين بحواس إضافية جوّالة في أروقة صنع القرار المحلي. ما لم يكن الأمر متعلقا بـ"المصيبة أعظم" على رأي الشاعر فيما لوكان منهم من يدري ولا زال يحتسي شرابه من مقاعد الفرجة, التي لن تكون "ببلاش" هذه المرة.

وهذا دليل بدوره على مدى التراخي إن لم يكن الإهمال الذي يتعاطى به الوسط الإعلامي السوري المحلي مع أنباءه وأخباره وعاجل تطوراته هو نفسه. وهو سبب آخر لا يمكن للمرء أن يرفع عقيرته بالصراخ ضده في وجه الحكم والحكومة محملا إياهم جريرته وتبعاته بالكامل. فليست كل مشاكل الإعلام السوري ذات منشأ سلطوي حكومي في النهاية.

ومن الأمور التي تجعل فبركة تلك المواد والبنود في أي قانون سابق أو لاحق للإعلام -مما هو مسيئ للبيئة الإعلامية المحلية- شيئا يسير التحقيق من قبل أي جهة او لجنة أو فرد؛ هو تشرذم وتفرق أهواء أصحاب الشأن أنفسهم كل في متاهته.

فإعلاميو الرسمي قانعون بما قسط أربابهم لهم من لقمة "الحلال" و"وظيفة" الدولة، منكبين على التبشير بما يتنزل على رئيسـ/ـة التحرير، أو عليهم مباشرة من دون حجاب. ملتزمين صراط "سانا"، وحائط اقتصاد الشارع الاجتماعي.

في حين أن نظرائهم من مستنسبي الإعلام الخاص -المستقل بزعمه- لاهثون بإرادتهم أو رغم أنوفهم لتحصيل نسب الإعلان، والمكافئات الهزيلة، والاستكتابات الضئيلة من درج هذا وجيب ذاك. ودائما وراء اللقمة، وإن ضاع الطبق بكامله.

-1-
من المحبط حقا تلك الفجوة غير المبررة بين الصحفيين والإعلاميين السوريين من جهة وبين المنافحين عن حقوق حرية التعبير والإعلام منظمات وأفرادا.
فلئن وقفت المحاذير التحريرية الذاتية، والخطوط الحمر المطاطة عائقا أمام تعاطي معظم الإعلام الحكومي والخاص مع المنشورات الحقوقية حول الانتهاكات والمحاكمات والتوقيفات –باستثناء الالكتروني أحايين كثيرة- فإن مما لايخفى أن من أولئك الحقوقيين من لا يعرف -بحسن نية أم بسوءها وكل منها أنكى من أختها- من الصحفيين والكتاب وأرباب القلم والكيبورد سوى أولئك المنتمين والمحسوبين على الأطراف السياسية المعارضة، والتكتلات والشخصيات المناوئة للحكم، ممن تطلق البيانات بحقهم ليل نهار، وتغطى أدق تفاصيل توقيفاتهم واستجواباتهم ومحاكماتهم من لحظة اعتقالهم إلى نحنحة القاضي أوالجلاد لدى استحقاق تنفيذ الحكم، وتنتقل أخبار أحوالهم سراعا على أثير المنظمات المحلية والدولية، -وكل ذلك من حقهم بلا جدال- في حين يقبع بقية المعنيين بـ"حرية التعبير" إياها وهم الأكثرية -ومنهم الإعلاميون- في أسفل تلة أولويات أولئك الناشطين والحقوقيين.
ليبدو الصحفي والإعلامي السوري على سلم التصنيف ذاك كائنا "تعبيريا" من الدرجة الثانية، في المنزلة ذاتها تقريبا التي تنزله إياها الدوائر الرسمية.

ومرد ذلك كله إلى طريقة الفهم المتخلفة التي يتبناها القائمون على الحقوق من منظمي هذه المنظمات، حيث يطغى "الحق" و"الاستحقاق" السياسي المباشر في صوره الضيقة أحيانا على حقوق أخرى أرحب لا تقل خطرا وأهمية, تعاني بدورها من الانتهاك شبه الروتيني.

فلا يعتد والحال هذه بمعاناة من يرفعون أقلامهم ضد شؤون "عادية" كغلاء المعيشة مثلا، أو ممن يفضحون فجور التعدي على الأملاك العامة وتراث البلد، أم ممن ينافحن بالوثائق والأرقام ضد غيلان الفساد، خاصة –وهنا الخطورة- إن كانوا من إعلاميي القطاع الحكومي، على اعتبار أن للبيت ربا يحميه.

ولا ينبس الحقوقيون –على كثرة لغطهم- في مثل هذه القضايا ببنت شفة، حتى عندما يجرجر أولئك الصحفيون والكتاب إلى قاعات المحاكم، بعد أن يتنمر عليهم المسؤولون المتضررون من كشف عطنهم، بدء بالوزراء "المثقفين"، وانتهاء بمدراء الإدارات العامة المصروفين من الخدمة لسوء الائتمان.
بل يسمع المرء من بين حراس "حرية التعبير" أولئك من يحمل الإعلاميين أنفسهم مسؤولية إهمال ما ينال حقوقهم من إساءات, بذريعة أن تلك الإعلامية أو ذاك الكاتب لم يقيما خيمة عزاء جوالة بمصابهما الصحفي، وإلا فكيف للمنظمات العتيدة –المتابعة والمطلعة والمؤسساتية والخبيرة والمهنية والديموقراطية- أن تعرف ؟!

-2-
وإذا كان من اليسير على المرء أن يلوم غيره بمثل هذه السخاء، فما تراه يوفــّر لنفسه في السياق والموضوع ذاته؟
هل سأل أحد منا نحن المحسوبين على الإعلام والصحافة كم مرة أظهرنا ما يجب علينا أن نظهر من تعاضد مع زملاء لنا يمرون بمثل ما سلفت الإشارة إليه من ظروف ونكبات، مما نتمناه على غيرنا فيما لو كنا نحن من يمر بتلك الظروف؟
ومتى اتصل أحدنا آخر مرة بزميل له صديق كي يحصل منه على رقم هاتف زميل آخر لا يعرفه ممن يعانون أحد هذه المتاعب بقصد الاطمئنان على حاله والوقوف على ما قد يحتاجه ويصدف أن بمقدورنا تقديمه؟

متى حضر أحدنا آخر مرة محاكمة زميل له تحت "قوس العدالة" لا للحصول على تغطية إعلامية خاصة، ومجادلة مسؤول التحرير في مؤسسته الصحفية بضرورة بث الخبر أم لا –وحبذا لو كان-، وإنما لمجرد أن القانون يسمح له بحضور هذه المحاكمات، موفرا نوعا من الدعم المعنوي غير المباشر لزملاءه غي ذلك الموقف؟

كم مرة استجاب أحدنا نحن الإعلاميين والصحفيين لنداء مركز دراسات أوبحوث أو مرصد إعلامي، أو تبرع بمعلومة عن انتهاك، أو خبر يستحق الإشادة، أو فكرة لتحسين الدائرة الإعلامية المحيطة به، نهوضا بالبيئة الإعلامية السورية ككل؟
متى استطلع صحفي منا آخر مرة فرص التدريب والدورات المتاحة من حوله صقلا لأدواته المهنية، أو طالب المؤسسة التي يعمل فيها بتوفير دورات من هذا القبيل له، بدل أن يكتفي بالجلوس و"النق" وحسد زملاء له "دبروا" أنفسهم فيما يشبهها؟

متى عادت خريجة من قسم الإعلام انطلاقا من المؤسسة التي تعمل فيها لتتفقد القصور و"التخلف" الذي كانت تعاني منه أيام الدراسة في الجامعة، ومنتقدة من موقعها وسلطتها الجديدة ما هي أدرى به، بغرض إحراج المقصرين وإخراجهم؟

متى تحدى صحفي منا آخر مرة تكتلات التخلف في مجتمعه، وتلك المنابر التي تدعي لنفسها سلطات رقابية وتوجيهية لم يمنحها لها القانون, ليوقفها شيئا فشيئا عند حدودها؟

-3-
واستطرادا في الأسئلة، متى كانت آخر رسالة أو ملاحظة وجهها أحد منا لمسؤوله المفترض في اتحاد الصحفيين أو وزيره الافتراضي في وزراة الإعلام يفضح فيها تجاوزا، أو يشيد فيها بإنجاز، أو يقترح فيها ما يفيد، عامدا إلى تسجيلها في ديوان الاتحاد أو النقابة أو الوزارة؟
فذلك أن التشاؤم العصابي بات مهنة أخرى رديفة للإعلامي السوري، تغذيها التعميمات الجائرة، والاستغناء غير المنطقي أو الموضوعي عن هذه المؤسسات الإعلامية الحكومية، والتي هي ملك له، والميل التعففي الجزافي لوضع كل من فيها في سلة واحدة، ومنهم زملاء مجتهدون له.
فحال المؤسسات –إن صح إطلاق التسمية عليها أصلا- الخاصة ليس أكثر "طهارة"، وإن في جوانب أخرى.

فمعظم تلك المنشآت التي تتكلف الملايين، تراوح بين أن تكون مجرد واجهات و"فترينات" لزوم وجاهة النعمة المحدثة لأصحابها، أو مجرد استثمار اعتباطي بحسب الموضة الدارجة، أو تكليفا من مرجعيات مطلعة على "غيبنا". لكنها نادرا ما تكون مشروعا إعلاميا خالصا ذا معنى ومبنى.

والدلائل على هذه المزاعم كثيرة وافرة، آخرها ما كان ربما من لجوء قناة "الدنيا" الخاصة إلى أسلوب مميز في "المأسسة".

إذ وبعد الفتح الأمني الذي دشنته بإدخال نظام البصمة الشخصية لإثبات الحضور لدى "موظفيها" كبديل مؤقت عن البصمة الإعلامية الشاردة، عمدت الإدارة الجديدة إلى تمرير أوراق بيضاء للعاملين فيها كي يوقوعوها ليتم ملؤها لاحقا من قبل الهيئة الإدارية –النزيهة والشريفة- بما تشاء من أجور، وساعات دوام، ومتطلبات وظيفية.

ما دفع فنيي مونتاج نشرة الأخبار في القناة إلى اللجوء للإ ضراب احتجاجا على هذا التصرف الصفيق، والذي فاجأ أصحاب "المشروع الإعلامي" إعلامييهم به، وبلا ذرة من حياء، متخيلين أنه لازال بإمكانهم –من الخلفية التي جاؤوا منها- أن يستعبدوا الناس قانونيا، بحيل الحواري السوقية هذه.

-4-
مشكلة أخرى تبقي الهمّ الإعلامي محصورا بالإعلاميين أنفسهم، وشأنا فئويا معزولا ليس من اليسير على بقية فئات المجتمع تلمس خطره عليها –وبالتالي لا خلاص له-؛ هي في الناس الذين لا زالوا لا يرون أنفسهم ممثلين في هذا الإعلام كما ينبغي.
إعلام فشل لدرجة بعيدة في أن يلتقط نبضهم لتقصير أصيل فيه أو عارض، أو مكره عليه، والذي قد يكون في النهاية حصيلة كل تلك الأمراض والقيود التي يرزح تحتها، ليعود فيصدرها إلى محيطه و"جمهوره".

فمعظم السوريين أخذتهم المشاغل فانحدرت قراءتهم ومطالعاتهم لواقعهم، وتراجعت ثقتهم بالمؤسسات من حولهم الحكومي منها والخاص، فخفت حشريتهم "المدنية" بمتاعب غيرهم من المحشورين في الأشغال العامة المؤبدة، كحال الصحفيين.
بل إن معظم السوريين لازالوا يتحرجون من النظر بعينيهم الاثنتين في عين الكاميرا الواحدة وقول ما يعتقدون، أو يشعرون. بدل استظهار تلك الكليشيهات العدمية التي رسخت في أذهانهم على مدى عقود عن "دورهم" المفترض لدى الاحتكاك بالإعلام المفروض.

ولا يشعر كثير من السوريين بجدوى مجزية لـ"الاتصال" أو مقاطعة أو امتداح أو ذم كثير من أولئك "الموظفين" الإعلاميين، خاصة وراء مكنات الإعلام الحكومي. لينقلوا إليهم خبرا عاجلا مفاده أن من يجلس وراء الشاشة أوالجريدة لم يعد أميا تماما، وأنه بات من العسير اليوم أن تنطلي على كل الناس كل الوقت كثير من ترهات البروباغندا العمياء، وأن على الذين يقبضون رواتبهم من عرق وضرائب هذا "الجمهور" أن يفكروا جديا باحترام أنفسهم وغيرهم من الآن فصاعدا.

نعم يحتاج الأداء الإعلامي المحلي السوري حكوميا وخاصا لا إلى نقطة نظام واحدة فحسب وإنما إلى طقم كامل من إشارات المرور، شرط أن تكون صادرة من الجسد الإعلامي ذاته، وليس عن أي وصاية أخرى، وعلى أرضية من حرية العمل والتعبير والمعايير الدولية للصحافة والإعلام، وضمن مؤسسات قانونية ودستورية منتخبة ومعينة وفق معايير الكفاءة والنزاهة وحدها. وإلى ذلك الحين لا يستغربن أحد إن أفاق على قوننات لا يفهمها و لا تفهمه، و لايعنيها منه إلا ما بقدر ما يعانيه منها.

نعم سيدي، كل شيء جاهز لقانون إعلام سوري سيء آخر

(1)


طوال ما يقارب الثماني سنوات ظلت الانتقادات التي أمطر بها الإعلاميون والصحفيون السوريون من مختلف المشارب قانون المطبوعات رقم 50 للعام 2001 محافظة على حدتها وحرارتها.


وهي لا زالت كذلك اليوم أيضا ونحن على أهبة أن نلحق بذلك القانون سيء الصيت نعت "السابق"، بعد أن طالعتنا الأنباء بين تصريح وتسريب ببعض التفاصيل عن قانون جديد يجري الإعداد له، والتي في حال صدقت –الأنباء- فإن هذا القانون الجديد سيتفوق دون شك على سابقه، بعد أن يكتب له النفاذ المظفر عبر جدران إحدى العطل البرلمانية القريبة وفق سيناريو لئيم لا يستبعده متشائمون صحفيون مزمنون في البلد.


على أن أية أضرار إضافية يمكن للقانون الجديد أن يلحقها بجسد الإعلام السوري لن تعدو كونها تنويعا إضافيا على ما في ذلك الجسد المثخن من جروح وندوب وعاهات، تكاد تكون في ذاتها أصلا لأي نكبات أخرى في أي قانون جديد فضلا عن أن تكون ناتجة عنه أو عن غيره.


لدرجة تنتفي معها أي مفاجئة تجاه مواد أو بنود بعينها في التشريع الجديد قد تكون مثارا للندب أكثر منه للانتقاد، إذ أن كل شيء جاهز عمليا لقانون إعلام سوري سيء ثالث، يراد له في الخطابيات أن يسهم في تحسين أداء الإعلام السوري, غير أنه لن يفلح في حال كان أمينا لما فيه من كوارث سوى في تطوير أداء "معامل البصل والكونسروة".[1]


وفيما يلي بعض هذه الأسباب / النتائج التي لا يمكن لأحد على أساسها إلا أن يتأبط شرا من أي قانون جديد أو قديم.




-1-


لن يكون بعيدا جدا ذلك اليوم الذي سيفتح المرء فيه إحدى الموسوعات العالمية الشهيرة والفخورة بموضوعيتها وحصافتها على كلمة "سلبطة" لتظهر له على الفور صورة لوغو "المؤسسة العربية للإعلان" كتعريف مباشر وواف لهذا التعبير الذي باتت له خصوصية سورية لافتة مؤخرا.


فالخدمات التي توفرها هذه المؤسسة لزبائنها الإعلاميين كي تستحق عليه ما تقتطعه من دخلهم الإعلاني هي في أحيان كثيرة أقل من "لا شيء".


وتكاد تكون الرسالة الوحيدة لـ"مؤسسة الإعلان" لعقود هي استغلال سلطاتها الاحتكارية والانتهازية لتجفيف أية منابع محتملة للكفاية المادية والتمويل الذاتي لمختلف الوسائل الإعلامية في البلاد، حارمة إياها من أحد أهم دعائم استقلالها المنشود، وهو الاستقلال الاقتصادي، في ظل غياب أي دعم حكومي مالي مستحق لهذه الوسائل الخاصة.


ليمسي دور المؤسسة الهدام أفدح فأفدح على أبواب –بل في غرفة نوم- أزمة مالية يعرف أصحاب وسائل الإعلام والإعلان كما مديرو المؤسسة الطفيلية إياها أنها بالغتهم. بغض النظر عن التطمينات الوزارية الجوفاء بين حين وآخر، والتي بلغت حدود التضارب والتناقض.


وتفتح "العربية للإعلان" عبر ما تفرضه على وسائل الإعلام الخاص الناشئ، والجبان ماديا، من الضرائب والرسوم والنسب والاقتطاعات والخوات الجائرة والصفيقة الباب واسعا أمام احتكار المتنفذين السابقين والحاليين وأولادهم وشركاهم للقدرة المالية الضرورية لإصدار وتأسيس مؤسسات إعلامية وصحفية وفق المقاييس والمواصفات الرسمية، كأذرع إضافية للبروباغندا الحكومية. مع كل ما قد يشوب ذلك المال من شبهات فساد، نرى انعكاساتها ونسمع صداها بشكل شبه يومي.




-2-


سبب آخر يجعل قانونا مجحفا للإعلام أمرا يسير التطبيق، وهو وجود "المؤسسة العامة للنشر وتوزيع المطبوعات" وتمتعها بصحة وظيفية أكثر من ممتازة حتى الآن.


إذ يكاد من شبه المستحيل أن يمر مطبوع أو مكتوب أو منشور إلا من تحت إبط هذه المؤسسة الديناصور، والتي تستغل عند الطلب طاقاتها الكبيرة وطاقم موظفيها المنتشر على مساحة البلاد لعرقلة توزيع أي صحيفة أو مجلة عبر وسائل باتت معروفة للقاصي والداني، وتكاد المؤسسة نفسها لا تنكرها.
من تأخير التوزيع أو تحديد عدد الأعداد الموزعة، إلى سحب أعداد المطبوعة المغضوب عليها من الأسواق والمكتبات، أو نزع بعض صفحاتها، وصولا إلى منع توزيع المطبوعة نهائيا.


وعلى الضد من شقيقاتها في القطاع العام؛ لا تشكو هذه المؤسسة فيما يبدو من البيروقراطية السورية الممضة، بروتينها الرسمي الأشهر، إذ يمكن لإحدى تلك الإجراءات أن تأخذ طريقها للتنفيذ بسرعات قياسية، وعبر مكالمة هاتفية مقتضبة، وأوامر مرتجلة من قبل هذا المسؤول أو ذاك، كما سبق وأن حصل مع صحيفة الوطن شبه الرسمية، وجريدة بورصات وأسواق المحليتين، وصحيفتي الأخبار والديار اللبنانيتين، على سبيل المثال لا الحصر.


وترفض المؤسسة –التزاما بقانون الحصرية المبنية على أساسه- رفضا باتا، أن توكل مهمة التوزيع لمؤسسات محلية خاصة لا تنقصها الموارد والخبرات أحيانا، ما لم تخضع الأمر لمساومات مجحفة، تبقى تفاصيلها مثار التكهنات كما وقع مرة مع صحيفة "بلدنا" اليومية، والتي تملكها المجموعة المتحدة للإعلام، رغم ما هو مشهود لها من التزام الخط الرسمي في معظم ما تقوم به.




-3-


أما عن اتحاد الصحفيين السوريين فحدث ولا حرج. بدء بتعريفاته التمييزية ضد الصحفيين الذين لا يروقونه، ومرورا باستثناءه صحفيي الإعلام الخاص من عضويته، واحتكاره تمثيل صحافيي البلد في المحافل الدولية –إن كان له أي تأثير فاعل فيها أصلا- وصولا إلى وقوفه مكتوف اليدين، تجاه مصالح من يفترض أنه يمثلهم داخل كيانه وخارجه، وتحوله مع الأيام إلى مركز جباية للاشتراكات من أعضاءه الحاليين، بدل المنافحة عن حقوقهم المادية المتدهورة والمنتهكة.


ولا يسع معظم صحفيي الإعلام الخاص إلا الاكتفاء بالتقاط بعض التصريحات الثمينة من رئيس اتحاد زملائهم "الموظفين" والـ"بلا إبداع" **** في الحكومي، خاصة وهو يقرّع هؤلاء الصحفيين "الخاصـّين" بقول من قبيل "لا يلومن صحفيو هذا القطاع إلا أنفسهم لعدم تمكنهم من توفير مصادر معلومات لموادهم" !
وهو العارف أن اتحاده بقي عاجزا لسنوات طويلة رغم الانفتاح النسبي هنا وهناك في قطاع الإعلام عن استصدار أو طرح تشريع يتيح حرية الحصول على المعلومات أمام الصحفيين السوريين على الجملة، كسبيل بديل عن الطرق الكلاسيكية في تحصيل المعلومة والخبر سوريا، والتي كثيرا ما تعتمد على التلفونات الاستنسابية لرؤساء تحرير الرسمي ذوي السلطة ما فوق الصحفية، أو تسهيلات رئيس الفرقة الحزبية هنا وهناك، أو واسطات شهبندر التجار، أو شيخ الكار، أو دفع الرشاوى، أو الاعتماد على الإحصاءات والمعلومات "المغرضة" للمؤسسات الدولية المتآمرة على اقتصاد البلد وسياسته واجتماعه ورياضته ولحمته الوطنية.
وكل ذلك للتمتع بخمر وعسل بضع ليرات سورية للمادة الواحدة وفق أسعار الصحافة غير المدرجة في بورصة هذه الأيام.


والشيء ذاته ينطبق على أداء وزارة الإعلام السورية، والتي بلغ من "مهنية" ممارساتها أنها تعيق في بعض الأحيان دخول الصحفيين إلى البلاد رغم موافقة جهات أخرى لا تقل عنها نفوذا، وتعرقل بعض المشاريع الإعلامية الإنمائية في الجامعات السورية، وتمنع إعطاء بعض المعلومات الخاصة بالوسط الإعلامي المحلي لإعلاميين سوريين، ناهيك عن فهمها المتأخر لدور الإعلام الحكومي وقصره على تمثيل وجهة نظر الدولة كما جاء على لسان مديرة التلفزيون مؤخرا.




-4-


وإمعانا في النظرة التشكيكية بدور الإعلام السوري الخاص حد ابتذالات التخوين والعمالة أحيانا [2] فليس من المستغرب تماما السعي الرسمي الدؤوب لتدجينه و"تربيته" مع إسناد مهمة طباعة منشورات وزارة الأعلام -والتي هي ملك لكل الإعلاميين السوريين مادامت قائمة- إلى وزارة التربية، رغم الوظيفة المختلفة تماما لهذه الأخيرة.


ولو أن الإعفاءات الضريبية والجمركية الواسعة التي تتمتع بها المؤسسة العامة للمطبوعات توضع في خدمة جميع الصحف والمطبوعات السورية لهان الأمر، لكن خدماتها أيضا وأيضا حكر على المطبوعات والصحف الحكومية، ما يسبغ عليها ميزات تنافسية كبيرة تنعكس لاحقا وحكما على سعر مبيع تلك الصحف -دون الارتقاء بمستواها المهني ضرورة- ما يجعل منافستها لجهة التكلفة المادية الصافية من قبل المطبوعات الخاصة أمرا عسيرا وبالغ التعقيد، في بلد لايزال الإعلام الخاص فيه ناشئا، برؤوس أموال جبانة وعديمة الخبرة. ناهيك عن اضطراب دخل الفرد في البلاد نزولا، وتقلص إنفاق السوريين الضئيل أصلا على القراءة يوما بعد يوم.


ناهيك عن أن فصل عملية الطباعة للصحف الحكومية عن إجراءات التحرير وجعل كل منهما في جزيرة معزولة عن الأخرى, هو قرار أقل ما يقال فيه إنه "غير مهني" و لا يصدر عن خبير بأعراف العمل الصحفي.




-5-


أما "الاتصالات" فقصة أخرى. فـهذه المؤسسة العامة التي وبرغم أرباح جبايتها التي تقاس منذ سنوات بالمليارات إلا أنها تقدم خدماتها للسوريين بمفهوم الصدقة.


وتتعاطى "الاتصالات" مع المساءلات الصحفية والاستجوابات الإعلامية بطريقة فوقية تدعو للغثيان أحيانا،
ولا أحد تقريبا عدا المرضي عن تحريرهم من الصحف الرسمية وأشباهها يجد منفذا ليسأل أحدا فيها مجرد سؤال عن مسببات واقع الخدمة السيئ, والانقطاعات المتكررة أثناء الدخول على شبكة الانترنت المحلية، وبطء هذه الشبكة وغلاء أسعار خدماتها.


مع أن بعضا من أكابر متنفذيها والمسؤولين عنها لا يعدون كونهم –كما تبين لاحقا- لصوصا محترفين وسارقين وقحين للمال العام. [3]


ولا تكلف المؤسسة نفسها عناء الاعتذار عن أداءها المخزي بالمقاييس الإقليمية والدولية، والذي غالبا ما يعقب بعض فصوله ترقيعات إعلانية نافرة، و"وتوك شو" استعراضي أكثر منه مؤتمرات صحفية لكل تلك المنجزات التي لا يجد المرء منها مسمارا على الأرض.


ناهيك عما تضعه من شروط غير مهنية مقابل منحها رخص استثمار مقاهي الانترنت، وتحميلها المواطن العادي جريرة قوانينها المتخلفة، وكادرها الحقوقي والإداري المترهل والذي يحار منذ سنوات في مخارج قانونية لما يحلو للمؤسسة أن تطلق عليه اسم "تهريب الاتصالات عبر الانترنت".


إضافة لكون المؤسسة أداة تنفيذية طيعة لتوقيع سياسة الحجب الرسمية على المواقع الالكترونية السورية وغير السورية، وبمزاجية لا يفقه المتابع لها منهجا ولا منطقا.


(يتبع)
_____________________
[1] تصريح للمعاون السابق لوزير الإعلام طالب قاضي أمين.
[2] راجع صحيفة الوطن اليومية والأحكام القضائية الصادرة بحقها على خلفية مادة تتعلق بـ"سفراء إسرائيل العرب".
[3] راجع بعض مواد الرأي والتحقيقات في الصحف الرسمية في الفترة السابقة.

الإعلام السوري ...كرة على قدم

باغت رئيس اتحاد كرة القدم السوري أحد الزملاء الإعلاميين بمحاضرة عصماء (زاحفة)، كانت ثرية بالعبر والفوائد، وذلك منذ أيام قلائل.
تلك المحاضرة لم تكن عن حاضر كرة القدم (المفكوشة) السورية، ولا عن مستقبل المنتخب الوطني الذي يفوق غموضه غموض مستقبل المعارضة السورية نفسها (إن وجدا)، وإنما عن تمظهرات دور الإعلام السوري في المجتمع المحلي. لا أقل.

والمحاضرة الإعلامية التثقيفية إياها لم تأت مثل العادة (مهربة) على أسرة مرفوعة وأكواب موضوعة في مركز فخم في ضواحي العاصمة الأردنية عمان، ولا (مشموسة) بضيافة آذاريين طابور خامس في العاصمة الدبلوماسية بيروت، ولا (ضربة معلم) في إحدى الدول الاسكندنافية على أجنحة اللوفتهانزا، إنما من قلب دمشق، العاصمة السابقة للثقافة العربية الأسبق (وهذا موضوع آخر) وعلى الأثير المباشر لـ شام FM، إحدى الإذاعات المحلية الخاصة.
إذ فجأة، تغير الحديث الدائري –وليس الكروي- الذي كان رئيس الاتحاد أحمد الجبان مستفيضا فيه، ومستغرقا في تفاصيله البذيئة أحيانا عن الفساد، ليتحول بقدرة قادر إلى منيفستو (إعلاموجي) انبرى محدثنا فيه لموقع المحاضر المفوه، صابا جام إرشاداته الحرة المباشرة على جمهور الإذاعة، والزميل شبه المفلوج في شام سبور من ذلك الصباح الرائق.
والذنب الذي استحق عليه مذيع البرنامج كل تلك الأستذة والتدريس والتقريع، لم يكن سوى استفسار طرحه على المسؤول الرياضي الرفيع حول ما يدور في الكواليس من أحاديث تتهم بالفساد الفاحش أعضاء في الاتحاد المذكور وصولا لشخص أحمد الجبان نفسه.
وهي روايات ووقائع وسجالات مضى عليها حين من الدهر في التداول العام والخاص، متغذية على الربع مليار ليرة سورية التي يرقد عليها الاتحاد بمؤخرته الوثيرة. وطبعا بعيدا بما يكفي عن المعسكرات التدريبية الجوالة للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وإن من باب (مرحبا)، أو(شو في مافي).

على أن الجبان بدا متجاوبا في البداية مع استيضاحات زميلنا، بل سرعان ما انساق كعادته (إعلاميا) إلى رد الصاع صاعين لـ(المفترين) عليه، وبـ(الأدبـ)ـيات ذاتها، التي لم يكن مذيع البرنامج سوى ناقل أمين لها عن ألسنة أصحابها.

لدرجة أن رمى الجبان نائبه (سابقا) العقيد تاج الدين فارس مصدر بعض تلك (المزاعم) بأكثر مما يتهمه به من فساد، واستطرد في ذلك على سجيته، إلى ان وصل إلى فقرة مثيرة للاهتمام، ادعى فيها أن فارس استخدام حتى سيارات الجيش لأغراضه الشخصية (الفاسدة)، ثم... وخلال لحظات، تغيرت خطة اللعب عند الجبان، وانقلبت بوصلته، وراح يتوجه باللوم إلى مستضيفه الإعلامي على الطرف الآخر من الهاتف، وعلى الهواء مباشرة، بدعوى جديدة بدلت مجرى الحوار في الحلقة.

ومادة الحديث البديلة لم تكن سوى كيف أن الإعلاميين السوريين باتوا يركزون على الفساد في تناولاتهم الصحفية بشكل مبالغ فيه، ويسعون لـ"تكريس السلبيات"، والتغاضي عن الانجازات، والمكاسب، والتقدم، والمناحي (الفرحة)، والملاحظات التي (تشرح القلب) في واقعنا السوري الباش الضاحك، المستبشر.
وبعد نقد مرير وحاد شفى فيه بعض غليله من هؤلاء الصحفيين السوريين الكافكاويين، التفت الجبان بصوته النزق وراح يكيل الصفات والنعوت للمواقع الالكترونية السورية التي لا تمارس –وفق نظريته في الميديالوجي- دورها كما يجب.

فهي "فاضية"، ومليئة بـ"الترهات"، ومجرد ناقل مشبوه لـ"الاشاعات"، وممارس محترف لـ"الكذب".
ونسي الجبان في غمرة توتره الدرامي كل تلك التصريحات التي سبق وأن مررها هو نفسه لهذه المواقع (بنات الحرام) في أوقات سابقة، ردا على غرمائه ومنتقديه الكثر. إذ كانت هذه المنابر في حينه ولابد في منتهى الـ(دح), والمهنية، والموضوعية، طالما أنها كانت توصل وجهة نظره هو، وتسوق لـ(صدقه) و(حقائقه) و(أمانته) هو.

لا بل إن التناقض يصل مع المغتاظ من هذا الإعلام بالذات درجة أنه يتعامى عن اعترف ضمني له في إحدى مقابلاته السابقة بأنه يعتد بهذا الإعلام وشركاه، ويعتبره مؤشرا يقيس عليه قبل اتخاذ قرارته، التي كان منها "إراحة" مدرب المنتخب الوطني وقبول استقالته بعد "ضغط الناس في الإنترنت والإيميلات والرسائل الواردة"، وقال بالحرف " كنت أدخل الإنترنت وفوجئت بما كان يكتب وبالضغط الحاصل".

ربما اعتقد السيد الجبان أن بإمكانه أن يدلي بدلوه في التخطيط لإعلام سوري (أنظف) من باب يتجاوز حق الإدلاء بالرأي؛ إلى الإملاءات المجانية الجديرة بالرثاء. ولعله وجد نفسه (كفو) لهذه المهمة بعد تجربته الإعلامية الأخيرة، حيث قيل إنه رمى حذاءه على أحد أعضاء الاتحاد في اجتماع رسمي، أسوة بمنتظر الزيدي صاحب المذهب الإعلامي الفذ في هذا المجال.
في مقاربة جديرة بالاهتمام بين كرة القدم اختصاصه الأساس، وإعلام القدم (الأخرى)، هاجسه المستجد. في ظل اجتهاد (صرماياتي- كندرجي) أقدم عهدا من مسؤول محلي آخر، ونقيب فناني سورية الأسبق.

وبما أن الجبان عاد وأنكر مروره بهذه التجربة الصحفية، وقال إنه اكتفى في رده على العضو إياه في تلك الموقعة المشهودة بـ"الشتائم" فقط* نافيا استخدام أي أدوات صحفية أخرى كحذاءه، فمن حقنا عليه إذا أن نسأله أن يظهر من الآن فصاعدا بعض التواضع المعرفي بخصوص "دور الإعلام في المجتمع"، وأن يصمت صمت الحكماء عن التأصيل فيه. ربما متلهيا بما لديه من كوارث في الاتحاد العتيد.

ولا يعنينا هنا بالذات زواريب كل تلك الجعجعة والأخذ والرد -حد الإسفاف أحيانا- بين الجبان وفارس والسرحان والزعيبة والعمري وشركاهم من (اللعيبة) بأعصاب جماهير كرتنا، بيد أن التهجم على الإعلاميين بهذه الإطلاقية الساذجة تفاديا للإجابة على الأسئلة الحقيقية هو أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام.

إذ لا مبرر لهذه النرفزة الشعواء على الإعلاميين السوريين الذين يأتونه بأسئلتهم وتشككاتهم، حتى وإن حملت بعض التكذيب له. فقد سبق لمن هو أعلى مرتبة منه كرويا أن اتهمه بالكذب جهارا نهارا وعلى رؤوس (الفضائيات) ** من دون أن يخرج الجبان حينها عن حدود اللياقات المعهودة.
وقد يكون رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم على دراية بحكم منصبه بدهاليز الاتحاد كدرايته ربما بحال سوق الهال، باعتباره من تجار الجملة المعروفين فيه، إنما عليه أن يرسم لنفسه من حين لآخر بعض الحدود، كيلا يخلط (سوء الهال) بـ(صحفيي السوء) الذين يكرههم.

وأن يقنع من الإعلام (الإيجابي) الذي يبشر به، ببعض الإحالات الفاقعة على أقلام ومحايات زملاء آخرين في الصحف الرسمية والتلفزيون الحكومي، وبما لابأس بميزانيته من نظيره الخاص.
وإن كان من الصعب إيجاد تقاطعات (إعلامية) نظرية ذات مغزى يمكن البناء عليها مع الدكتور الجبان، فلا يبقى لنا إلا ان نلوذ بالقاسم المشترك الأعظم الذي يجمعنا به. وأن نطلب إليه ما سبق له وأن طلبه من صديق له منذ 20 عاما، وهو "عدم معاملة الناس وكأنهم أصحاب أعمار 10 سنوات"، باعتبار الإعلاميين (ناس) أيضا.

على أنه يجدر التنويه في النهاية بأداء مقدم برنامج شام سبور ذلك اليوم، والذي صدّ (ركلات) رئيس اتحاد الكرة (جزاء) سؤاله بصبر وجلد، وأحال في النهاية مستمعيه إلى الانتخابات التي باتت قريبة في الاتحاد المذكور.
انتخابات يا زميل؟ ...كمان ملعوبة.

_____________________

*حتى صحيفة الثورة اضطرت لوصف ما حدث بـ"المشادة اكلامية"، فإذا كانت الثورة قالت "مشادة" فما الذي تراه جرى إذا؟
**اتهمه رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم محمد بن همام العبدالله بالكذب مرة، عندما قال ابن همام إنه لن يصدق رئيس الاتحاد السوري الدكتور أحمد الجبان عندما يقول له أن صوت سورية كان له، مؤكدا أن الصوت السوري سقط من قائمة المناصرين له في انتخابات تنفيذية الفيفا التي ستقام في الثامن من أيار القادم. وذلك في حوار مع قناة دبي الرياضية.

شبابلك.. وقوف، قف... الإعلام السوري وجدل القشة والبعير

"مفاجئة"، "لم تكن مفاجئة"، "شو الخطوة التانية يا ترى"، "شبابلك + !!!"، "شببلك لببلك، آخر أيامك يا لوميير، وداعااااا", "قلوبنا مع الكرامة في المباراة النهائية", "عقبال سيريانيوز"..

هذه وسواها، بعض من التعليقات والتضمينات، التي جالت محليا الفضاء المفروض والافتراضي عقب الإعلان "الدرامي" عن التوقف الاحتجاجي لمجلة "شبابلك" منذ أيام قليلة.
ولكن هل من الضروري في هذا المقام، الاستهلال بلطميـّة جديدة حول "فتوحات" وزارة الإعلام السورية في الصحافة المحلية, رغم أن رئاسة مجلس الوزراء تفوقت منذ بعض الوقت على وزارتها المختصة، وبدت هذه الأخيرة وكأنها تنهل من معين الأصل ليس إلا؟

والجواب هو لا أبدا، أقله في هذه المناسبة، على اعتبار أن ثمة دائما أشخاصا ومراكز متابعة ومتفرغة لهذا الأمر بالذات, و"ما عم تلحق شغل".

تلك إذا كانت حصة الوزارة، فماذا عن نصيبنا ومصابنا "الشبابلكي" نحن.
ما يلفت النظر حقا، هو أن السيد إياد شربجي صاحب مجلة "شبابلك" ورئيس تحريرها لم يكلف نفسه عند تحضير بيانه ذاك بخصوص قراره إيقاف صدور المطبوعة الشبابية، مجرد التفكير في عناء تبليغ النبأ -غير العاجل بالمناسبة- لزملائه المعنيين، والصحفيين العاملين معه، كي لا أقول "أسرة" المجلة.. فقط "تبليغ" يا جماعة، وليس "مشاورة" لا سمح الله.

ليس لأنه كان من الممكن أن يكون لدى أولئك الصحفيين ما يقولونه مثلا بخصوص جدوى القرار إياه، وطرح بدائل أكثر إبداعا وحرفية، وليس لما قد يقترحون إضافته على شكوى الأستاذ من تجربتهم الميدانية مع حرية التعبير والتعسف الرقابي مثلا، بل من كون المجلة مجرد "باب رزق", وموردا –متذبذبا- لـ"مصريات أجرة الغرفة بمزة جبل" لا أكثر. ما يذكرنا بالإقالات التي كانت تتسرب من مكتب غسان عبود أحيانا لبعض مراسلي محطة "المشرق" وهم في الميدان، على رأس تغطياتهم الصحفية.

وكل هذا, من شربجي وعبود، في استلهام تاريخي متسلسل، ومتصل بمسيرة الإعلام المحلي حتى الآن، والذي ما فتئ يحيل من حوله على فنون "الطميمة", و"الانقلابات الخلاقة", والمصادر الخارجية، لمعرفة أحوال البيت وآله.* فكيف به –هذا الإعلام- إذا مصدرا لغيره للمعلومة والنبأ؟

ناهيك عن أن ما نعلمه، والحديث يدور عن الرقابة، وحجب المعلومات، هو أنه قد سبق للمقص الرقابي للسيد شربجي نفسه أن مرّ على مواد كثيرة في ملفات سابقة تناولتها "شبابلك"، وذلك ليس بحكم أعباء منصبه فحسب، وإنما انطلاقا من آراءه ومعتقداته الشخصية أيضا. وملف العدد الأخير بالذات الذي غصّ به السيد وزير الإعلام لاحقا لم يكن استثناء من ذلك، حيث اجتهد فيه السيد شربجي تشذيبا ومونتاجا.**

ومع أن صاحب المجلة قدم في خطابه الأخير الذي اختار أن يلقيه في آخر يوم من مهرجان تستضيفه "دار الأسد للثقافة والفنون"، فروض الطاعة والولاء لأولياء الأمر،*** غير أن ذلك لم يشفع له على ما يبدو لدى الوزارة التي تؤكد دائما وبأسلوبها الخاص، على ذات الولاء.
ليبقى جواب سؤال "الاستشهاد" الإعلامي التطوعي هذا –لئلا نصفه بوصف آخر- معلقا، فيما يخص ارتجاليته، ونجاعته، وتمسك من أقدم عليه بمفهوم "رجعي" لتلك الشهادة، يحيل إلى الاستقالة والهباء، في حين أن الشهادة المنتظرة، إعلاميا أقله، ليست سوى مواصلة "الشهود" من قبل أحياء متشبثين بمثلهم –فرضا- و"أعلامهم" و"إعلامهم" على سبيل التغيير.

كان الأحرى بإدارة المجلة أن تأتسي بتجارب سورية إعلامية ليست خافية على أحد، تطأطئ الرأس حينا، وتنطح به أحايين أخرى، ذات السقف "الوطني" الذي يظلل هامات السوريين جميعهم في هذا البلد. كأسبوعيتي "الخبر" و"بورصات وأسواق" مثلا، واللتين كانتا، ولازالتا، تصدران وفق السياسة التحريرية المبتكرة للوزارة إياها، أي "جمعة إيه، جمعة لأ" أو "صفحة إيه، صفحة لأ".

كما كان للسيد شربجي فيما لو قرأ حوله في بعض المناسبات الاستثنائية في الإعلام السوري –وهو الذي يعد ملفا عنه- أن يستفيد مثلا من تجربة أحد المواقع الالكترونية المحلية الذي قرر رفع دعوى قضائية أمام المحاكم السورية ضد قرار حجبه.

وكل ذلك بدل اعتزال الفن, والانسحاب الكيفي الذي اختارته "شبابلك" لحساب جهات لا تلقي بالا للداخلين والخارجين من حمامها، عكس المثل السائر. اللهم ما لم يكن لدى السيد شربجي "خبريات" لا نعلمها، قد تشي ببعض ما خفي منها، الأجواء المصورة على جدران مكتبه في المهاجرين.

ولكن، نعم، أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، متجاوزا عن فحص "DNA" البروباغاندا الإعلا(نـ)ـي، والتمحيص في وجوه منتسبي شجرة العائلة عن العلامات المهنية الفارقة, والأمراض الوراثية.

نعم وقوفنا على أطلال "شبابلك"، و"المشرق"، المتوقفتين الموقوفتين مؤخرا, ليس سوى تربيتةِ "لا حول ولا قوة" –حتى تاريخه- على أكتاف زملائنا وأصدقائنا في كل منهما، بل شد على أيادي زملاءنا وأصدقائنا الذين لازالوا على قيد الإعلام، في "الدنيا", و"شام إف.إم"، و"بقعة ضوء"، و"بلدنا"، و"الوطن"، بل و"تشرين"، و"الثورة"، و"صوت الشعب", و"التلفزيون السوري"..

أقول الزملاء، ذلك أن "المؤسسات"، بحسب التعريف الفانتازي لحاملي أسهم تلك الشركات، شأن آخر ولاشك. أقله إلى أن يعي من يقدمون أنفسهم على أنهم مستثمرو ومالكو وسائل الإعلام السورية، خاصة وحكومية، "إلى جانب محاضرهم العقارية الأخرى، ومناقصات المعكرونة وأغشية البكارة الصينية، ومعارض السيارات"، أنهم، والآن أكثر من أي وقت مضى، ليسوا وحدهم أصحاب القرار فيها.
______________
هوامش

* لصحيفة الوطن شبه الرسمية تجربة فذة على هذا الصعيد، وذلك بعد إحالتها قراءها السوريين إلى موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية لتسقط أخبار بعض الكتاب السوريين والعرب. أنظر أخبار الدعاوى المرفوعة على أصحاب الصحيفة ومديريها في "كلنا شركاء".
** على أن الأستاذ المذكور هنا ليس بدعا من الناشرين ورؤساء التحرير المحليين، والذين يصح في كثير منهم ما قيل فيه.
*** وهذا من حقه طبعا.

في سورية ..قصص للأطفال بعد القصاص من المتطفلين

"وليش بدك يانا نحط اسم الكاتب كمان؟ هدول ولاد صغار، شو بيفهمهون بهيك مواضيع" ..
صاحب مكتبة سوري بيفهم.

"والله أخدنا الصور من على جوجل، يعني ما بدها الحكاية، هالرسمات متل ما بتعرف، وظيفتها ثانوية، المهم إنو القصة نفسها يكون ماشي حالها، بعدين كمان اسم الرسام بيشوه الغلاف" ..
كاتب قصص ماشي حالو

"لأ يا أخي لأ، هلأ هوه زات النبي مزبوط، بس نوح عندي غير نوح عند باقي المؤلفين بهديك الأجنحة، المعرض أدامك، روح شوف بعينك، أنا قصصي مضمونة للصغار"..
ناشر قبل الطوفان

" _ بابا، جبلي من هدنك القصص الملونين فوق ؟
_ سد بوزك، والتهي بوظايف المدرسة أحسنلك"
أبو كرم


..وذلك الدكتور السوري الذي وضع اسمه كمؤلف لقصة "سندريلا" إياها, نعم "سندريلا"، وليس مثلا حكاية "ما قبل سندريلا"، أو "سكربينة سندريلا", أو"في رحاب سندريلا", أو"عبدالتواب سندريلا"، وإنما القصة نفسها، "سندريلا". وكما شرح لي أحد الأصدقاء، من باب الولوج في فضاءات العولمة، والنهــل –باللام وليس الباء- من التراث الإنساني الواحد الأحد.

أو، تلك الأشياء التي يصح فيها وصف "المنفستوات"، أكثر منها "كتب" أطفال ويافعين، لما تحتويه من التلقينات "الوطنجية" سريعة الالتهاب، والرسوم الدموية للأعداء "مفرطي الغباء" التي يمكن لطبيب لئيم أن يصفها يوما كمقيئات. ناهيك عن الإخراج الأشبه بطلاسم الشعوذة في القرون الوسطى. وكل ذلك بداعي حب الأرض –بلى حب- والجهاد والمقاومة وأخواتهما.

هذا غيض فحسب من فيض ما قد يقع عليه المرء إذا عنّ على باله تتبع ما يجول في مدار إصدارات دور النشر السورية التي تدعي اهتماما خاصا بأطفال البلد وأدبهم.
أطفال البلد الذين يمارس العنف الجسدي بحق 80% منهم، فيما يتعرض 20% آخرون للتحرشات الجنسية، ويجبر 17% على الانخراط في العمالة غير القانونية.

أطفال البلد، الذين تتمنع الدوائر الرسمية "التقدمية" ذات العلاقة في حكومتهم عن المصادقة لأجلهم على المواد "14" و"20" و"21" من اتفاقية حقوق الطفل العالمية، والتي تتعلق بالتبني، وحرية الفكر والوجدان والدين.

الأطفال، المتوقع لهم أن يشكلوا 50% من التعداد العام للسوريين في الأربعة عقود المقبلة.
أما ختامها، فنظرة على المتاهة التي يفترض أن يمر عبرها من يرغب في الحصول على قبس من إصدارات وزراة الثقافة السورية الخاصة بكتاب الطفل.

إذ وبناء على استراتيجات تسويقية بالغة "الفطنة" و"بعد النظر"، تحظر الوزراة إياها على مراكزها الثقافية اقتناء منشوراتها من كتب الأطفال، فيما عدا الإصدارات الثلاثة أو الأربعة الأخيرة فحسب.

وعليه، وبعد جولة مضنية بين مراكز "أبو رمانة" و"العدوي" و"المزة" و"جوبر" (1) قد ينتهي المطاف بالمرء "المثابر" في مديرية المطبوعات مثلا، متبرما، متسائلا، ليأتيه الجواب من "المسؤول" إياه على النحو التالي:

توجه إلى "الهيئة العامة السورية للكتاب" وخذ من هناك "كتاب" باسم المؤلفات التي تريدها، على اعتبار أنك تعرفها قبل أن تطلع عليها، وتوجه بعد ذلك إلى مستودع المديرية في منطقة "المليحة"، وابحث عن كتبك وخذ وصلا بها، لا إلى بيتك، وإنما رجوعا إلى المركز الثقافي الذي بدأت "سياحتك" الطفولية من عنده، كي يصار إلى تنظيم فاتورة بها، (غير متضمنة مصاريف المواصلات طبعا)، على اعتبار أن المستودع غير مخول بالتعامل ماليا مع "الزبائن"، وبعدها عد إلى مستودع الكتب إياه مرة أخرى، كي تتمكن أخير من اصطحاب غنيمتك الثقافية إلى منزلك، كي تقرأها على طفلك أو طفلتك، إن كانا لازالا أطفالا حتى ذلك الحين!

وكل هذا بالتوازي مع احتفال مديرية ثقافة الطفل في وزارة الثقافة، وبرعاية السيد الوزير شخصيا، بـ"يوم" الطفل العالمي.. إعلاميا.

__________________

1. على أمل ألا تكون ذات الإجراءات مطبقة ضد أطفال مغتربينا في المراكز الثقافية السورية في اسبانيا وفرنسا والبرازيل واليمن السعيد.

2. تكشفت بعض هذه المشاهدات المرضية (بفتح الميم) بين يدي محكمي مسابقة "آنا ليند" لأدب الأطفال في سورية، والتي أعلنت نتائجها مؤخرا. وهذه المسابقة تختلف بالمناسبة عن تلك التي انتحلتها وتعاطت معها بخفة بادية الأمانة الآفلة لدمشق عاصمة الثقافة العربية، والتي تنصلت من مسؤولياتها تجاه الموضوع سريعا، بل وأضاعت بضمير مهني مرتاح إحدى المخطوطات المقدمة للمسابقة المزعومة العام الفائت.

محاولة للإمساك بزمن الكتابة عن وفي ... "من وإلى"

على الرغم من أنّ "الـمقالات تعبّر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مجلة (من وإلى)" غير أنه ليس بوسع الـمرء إلا أن يفتري على الـمطبوعة الجديدة بعكس ذلك، على اعتبار أن ما ضمّته بين دفتيها منذ عددها الأول وحتى اليوم يعبـّر عنها أيما تعبير.

وعندما يستبين الـمرء سريعاً أن اقتراح النشر فلسطيني أيضاً، فإن ذلك لابد له أن يحسم للتو مذاقاً مختلفاً للتوقعات لا يد للـمجلة فيه ولا حيلة. وقد تريده وقد لا تسأل فيه.
بالطريقة نفسها ربما التي يصطاد العين فيها ويغويها منذ اللحظة الأولى الشكل والـمقاس الـمختلف والرشيق لها.

ليس من باب البهلوانيات اللغوية، ولا الجناس الطربي الـمبذول. "من" و"إلى"، أحرف الجر الهيـّنة التي يسهر على حركات ما يليها لغويو الإعدادية ومدققو إملاء الصحف قادرة كما لقنـّا مراراً على جرّ الجبال. ولا يبدو أن مهمة أحرف الجرّ تلك عنواناً لدوريـّة ثقافيـّة هذه الـمرة ستكون أسهل بحال من الأحوال.
(من وإلى) تفترض في ذهن مستطلعها جهات ما، أو أقطاب إرسال واستقبال تدور في بوصلتها الأشعار والقصص والـمنثورات والرسوم، وسواها من مواد العدد.
وبالنظر إلى غياب الافتتاحيات الكلاسيكية عن الـمجلة والتي عادة ما يكون من دأبها التوجيه وتيسير التأويل وابتكار السياق بحسب (سياسة) التحرير، فإن على القارئ هنا الالتحاق بفضاء تمهيدي بديل من قبيل:
"أعداؤنا يسمـّون البيانو (أفسنتير)
منذ متى وهذه الأفسنتيرات تضربُ في
يقظة الـميّت النائم؟
منذ ُمتى تـُواصل شـُغلها من إذاعة (كول
هاموسيكا) ــ بينما طائراتهم تقصف
(الضاحية الجنوبية) وتـُغيرُ على بيت من ثلاث غـُرف في مخيم جـَباليا؟"
إنما تحت اسم مقارب لـ"الافتتاحية"، وهو هنا "فتّاحة عدد". وإن كان يصلح كذلك برأي كثيرين كفتـّاحة مبدئية للفكرة، يسأل الـمرء من خلالها وبلؤم أحيانا، ماذا يريد نجوان درويش، الـمقدسي الشاب، شاعرا أو كاتبا ناشرا، من مجلته وقد بلغت روحها التاسعة؟
أصوات عربية جديدة، كإجابة أولى صارمة، مطوبة منذ الغلاف، قالت إحدى الصديقات مستغربة تجشّم عناء السؤال حتى. ومستشهدة بالجهد التنقيبي الذي قاد الـمحرر "من" رام الله الضفة الغربية "إلى" عربستان فارس. آخذاً بتلابيب أحوازيين جدد إلا عن عروبتـ(ـهم)، من الذين تتخلى عنهم اليوم دون جلبة تذكر أنظمة طوّبت نفسها لعقود حامية حمى هاتيك العروبة.
والصورة في (من وإلى) ليست ــ تشكيلا أو فوتوغرافا ــ متاعا طارئا على النص، بل تكاد تأخذ موضعها هناك في تتام وتناغم مع الـمكتوب الحروفي، كأنه لها وكأنها له.
من منزل دمشقي سرعان ما ينسى الـمرء اصطناعيـّة ندف القطن على سلّمه لتستحيل للتو عتبات لسحاب (زياد حلبي)، إلى غرف غزاويـّة في نسخها الأحدث 2008 ــ 2009 بعد القصف، والعربدة الإسرائيلية الأخيرة، وسطح منزل بصحن لاقط (مجعلك) كمظلة كسحتها ريح داهمة، وحمـّام على الشمع (محمد مسلـم).
نجاح عوض الله، حزيمة بشير، أميمة عبد الشافي، حمزة كوتي، فارس البحرة، مصطفى مصطفى، عناية جابر، حمدي زيدان، عبد الوهاب عزاوي، بهيج وردة، سحر مندور، شادي الزقزوق، حازم حرب، هاني زعرب، بهمان غوبادي، آلاء يونس، نسرين بخاري، صلاح أبو الدو، أحمد فارس، عثمان فكراوي.
هنّ وهم بعض شركاء العدد الأخير للـمجلة، منثورون بغير تساوٍ على أبواب لها إشارات ودلالات... "سرد متقطع، قاع الـمدينة، تجارب، قصيدة، قصة، بما إنو، بورتريه، أصوات الجوار، ملامح، فصول، رفوف".
ومن يعرف بعض أولئك الكتاب والتشكيليين يستدل بيسر على أنّ (من وإلى) لا تنتحل ــ أقلـّه حتى الآن ــ أمام قرائها أي غيتو شبابي تبسيطي وفق تعريفات سِنيّ الوجود الفيزيائي للشخص.
رغم أن بعض الـمشاريع الاستشرافية فيها تأتي (آلاء يونس) إنقاذاً للـماضي من تأريخيته الـمزمنة بصيغة "نفرتيتي" ماكنة خياطة فرعونية شغّلت وشغلت أرامل وأيامى الحروب الـمصريات إبان 1952.
أو كشفية فوتوغرافيا أخرى (محمد حرب) لطفل كان عليه أن يمشي على الـماء قبل أن يصل إلى شربة تروي ظمأه. كما يهيئ للناظر.
على أنه يبدو أن (من وإلى) لا تلقي بالاً لـمعاناة جدّاتها العربيات، أو حتى الغربيات الأكثر "إفصاحا" عن بلواهن. مثل (كريستيان ساينس مونيتور) (christian science monitor) و(نيويورك تايمز) (New York Times) و(شيكاغو تريبيون) (chicago tribune) وغيرها من مشيـّدات النشر و"العقارات" الصحافية الـمطبوعة الآيلة سراعا للانترنت، والإفلاس.
فللـمجلة موقع افتراضي على الشبكة الدولية لا تخشى من بث مطبوعها عليه دون كلفة إضافية، ولا تضن بشيء مما "يحبـّر" فيها على متصفحها الالكتروني الذي لا يتحمل أية أعباء مالية على الإطلاق. كيف لا، ومطبوعتها توزع بلا مقابل مادي أصلاً، وتخلو تقريباً من الإعلان والترويج التجاري.
ولعل هذا الأمر دون غيره أثار لدى بعض الدمشقيين بالذات حكة خفيفة في الذقن، خاصة وأن دمشق لـم تلبث طويلا خارجة من "تأميمات" الثقافة و"مجانية" التثاقف. إنْْ في العام الـماضي كعاصمة ثقافية، أو فيما غبر وعبر من "اشتراكية" الفكر ماضيا!.
سؤال الـمنشورات الجديدة حولنا وبلغتنا لـم يعد أقل خطراً اليوم من سؤال الكتابة الجديدة والكتـّاب الجدد، ثالوث يشد بعضه بعضا، أو يرخيه. ودائما نخب قارئ أكثر جدّة، ففاعل مجدد.
ولالتقاط هذا الأخير بالضبط لا مندوحة من انتظار الغد. على أن الغد "أقرب بكثير مما نظن" (نادين باخص).
* الهوامش والاقتباسات والإحالات من مجلة (من وإلى)، العدد التاسع، نيسان 2009، منشورات جيل للنشر، رام الله، فلسطين.

اسحبوا أظافركم جميعا من حنجرة فيروز

لم تكد الإشاعات تستحيل حقيقة عن قدوم فيروز إلى دمشق بعد جفوة قاربت العشرين عاما؛ حتى أزّت في أسماعنا دون سابق إنذار بعض النشازات الممرضة والتي انبرت تدعو وتنادي وتطالب وتناشد بلغة المنفستوات سيدة الصباحات الدمشقية أن تعدل عن قرارها بالقدوم إلى الشام, بحجة أن السلطة في سوريا هي المنظم لهذه الدعوة, تحت غطاء فعاليات دمشق عاصمة للثقافة العربية.
وأول ما يتبادر إلى الذهن عطفا على هذا المنطق المعوج في التعاطي مع الحياة -قبل أن نلصق بها كلمة ثقافية أو سياسية- هو إن كان لكاتبنا الحصيف صاحب البيان المبين وغيره من مفتي هذا العصر
ما يقولونه أيضا وفق شرعتهم فيما تبقى لنا من الهواء الذي نتنفس في هذه البلاد.
أليس الأحرى بنا وسد الذرائع قد آل في تهافته لديهم هذا المآل أن نستنكف


بالمعيـّة عن شرب الماء؛ لأن السلطة هي من يدير عنفات (عين الفيجة)؟!
أليس الأحرى بنا وسد الذرائع قد آل في تهافته لديهم هذا المآل أن نستنكف بالمعيـّة عن شرب الماء؛ لأن السلطة هي من يدير عنفات (عين الفيجة)؟!
وأن نضرب صفحا عن تناول خبزنا كفاف يومنا؛ لأن الحكم الحالي هو من يضع خطط الطوارئ في وزارة الزراعة التي تستنبت على ما يبدو بدورها القمح عرفيا؟!
وأن نمتنع أيضا وأيضا عن دفن موتانا في هذه الأرض, لأن النظام يحتكر الدفاع عن كامل التراب الوطني؟!

من المؤسي حقا أن هؤلاء الناس الذين ما فتئوا يبشروننا بالأمجاد الطارفة والتليدة للمجتمع المدني المنشود لا ينسون في غمرة اندفاعهم المدني الميمون ذاك سوى المدنيين أنفسهم.
ليمسوا بذلك الأقصر إدراكا والأكفّ بصرا عن رؤية خامات وقامات الناس والبشر, لأنهم عندما ينظرون إلى سوريا لا يرون إلا السلطة, ما يجعلهم أقرب في ذلك إلى التهمة التي يرمون السلطة بها من أنها لا ترى سوى نفسها ومصالحها عندما تجلس لـ(تتمرا) في البلاد, لتغيب عن الجميع في النهاية رؤيا البلد للبلد.

كثيرون يفضلون أن يقلقوا من كون رواتبهم قاصرة عن إسعافهم بثمن بطاقة حضور لحفلة فيروز, محملين الحكومة وزر وتبعات هذا العجز المؤلم والخطير لدى العديد من شرائح المجتمع السوري المفقـّر, على أن (يسمّـوا) أبدانهم بـ(ولدنة) من نمط الزج باسم فيروز في سجال لازالت سمة السفسطة التخوينية هي الغالبة عليه حتى الآن بين أقطاب المعارضة منذ الاجتماع الأخير لإعلان دمشق, على الرغم من أنّ من تبرع -غير مأجور ولا مشكور- بإطلاق ذلك النداء الأسود ضد مجيء فيروز؛ لا يمكن بعد المستجدات الأخيرة داخل (الإعلان) عده ناطقا باسم المعارضة كلها, على أنّ هذا الأخير لا يرعوي عن اعتبار نفسه في جـُمله البائسة تلك لا خطيبا فيهم بل متحدثا باسمهم وأعني (جميع السوريين الأحرار) وأنى له هذا.

فبعد كل هذا العجز والخصاء المزمن عن تقديم بدائل برامجية موضوعية وإن حتى من قبيل الاستشرافي الافتراضي بما يتجاوز التظلم والاستضعافية والنق الممض على المستوى السياسي البحت, لانعدم أصواتا تسترسل في مسيرتها العرجاء محاولة أن تقطع عنا غيث البقية الباقية من أمل قد يلوح في ترنيمة (ترندحها) فيروز بملائكية على مسامعنا المثخنة عرائضا وبيانات.
فيروز ليست بحاجة إلى (نداء) كي يفلتر للسوريين صوتها وطنيا, أو (إعلان) كي يلقنـّها وجهتها أيديولجيا, وهي قادرة تمام القدرة على التمييز بين (أمانة) الكلمة التي تحمل, و(أمانة) الكرنفال التي تصوب الدعوات, فـ(نهاد حداد) لم تبني خلال 77 عاما عزيمتها من (العزائم), ومن المعيب اتهامها بعد ما شهدنا من مسيرة حجها الموسيقي إلى الآن بأن ولائها مرهون لـثقافة (الولائم) وموائدها المنزلة على من لا يقرأ.
وما شيوع هذه الأنباء وسواها مؤخرا جدا إلا دليل نافر آخر على أنّ قياس الوقت بالسنوات الـ6 أو الـ7 أو الـ8 بعد الـ2000 أو قبلها مجرد تعلـّة لا تكاد تخفي الاستمرارية التسونامية لهذا السقم والزناخة في ثقافتنا المحلية, سقم لطالما تشكى وتذمر منه من كان بالضبط أمينا عليه وجزء أصيلا آخر منه.

أولئك الذين يحلو لهم التبختر بالنسخة الوحيدة لسجل نفوس (السوريين الأحرار), محتكرين تلك الحرية في استبداد لا يقل خطورة وعنجهية عن الاستبداد المقابل الذي يقفون ضده.
وإذا كانت البيانات والتقارير والتصريحات التي ترصد استبداد السلطة أكثر من أن تعد وتحصى؛ فمن تراه يتفرغ لرصد هذا التسلط والإقصاء المموه الذي ينتف دون هوادة ريش الجناح الآخر للحرية الطريدة.

سنميز بما لا يترك مجالا لشك في (الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية) بين (الأمانة العامة للاحتفالية) و (دمشق عاصمة للثقافة), بالطريقة نفسها التي سنميز فيها في (إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي) بين (الإعلان) و (دمشق التغيير الوطني الديمقراطي).
فمعظمنا لا ينتظر الكثير من هذه (الأمانة العامة) لكننا لا نبرح نتعشـّم في دمشق الكثير مما تتعشـّمه هي فينا, تماما مثلما لا نتوقع الكثير من (الإعلان), من دون أن يهز هذا إيماننا بضرورة التغيير.

ولعل هذه التوقعات في حدودها الدنيا -والتي قد تثير حفيظة بعضهم- تكون في صالح الطرفين معا, فتخفف عنهما عبء ما ينوءان بحمله مما تنضح به أسماؤهما الجليلة التي تخيروها لأنفسهم, وتفسح أمام آخرين مجالا هو رحب للمشاركة في كلا الواجبين المتحدين, ثقافيا سياسيا.
هل ساء أولئك القوم حقا أن يروا فيروز وغيرها وهي تـُغنـِي وتـُغنـّي, علها تنفخ في رميم الثقافة (العاصمة) بعض روح.

هل ترانا ننتظر من أولئك المنرفزين أن يفتحوا دفاتر فيروز القديمة ويحاسبونها مثلا على آثامها الغنائية بعد كل تلك الحفلات والمسرحيات التي قدمتها في سوريا (الأسد) وبشكل شبه سنوي حتى العام 1977, ربما عرفانا منها بما منحتها إياه إذاعة دمشق منذ بداية الخمسينات عندما دعاها مدير البرامج فيها وقتذاك الأمير يحيى الشهابي ومنحها يوما أسبوعيا خاصا بها مع الرحابنة الأخوين؟

أم تراهم سيفرضون على الناس تطنيش (صبحيات) الإذاعات الرسمية الثلاث -ناهيك عن الخاصة- والتي لم يجرؤ رسمي أو غير رسمي من مدرائها على إزالة أرشيف أغاني الرحابنة منذ ما يقرب ثمانية عقود من غرفة البث المباشر, رغم كل ما اعترى تلك الفترة من الزمن من تبدلات و(جمودات) سياسية؟
أم أنهم سيجمعون كلا على حدة -مثلما ما عودونا- على مقاطعة هذه المناسبة أيضا -مثل ما عودونا-؟

أتركوا لنا متنفسا خارج هذه المعمة الغبراء, والتي لا يكاد يعرف بعض المنخرطين فيها أنفسهم رؤوسهم من أرجلهم, اللهم إلا عندما تتدحرج تلك الرؤوس في الزنازين وراء قضبان القهر والقمع, أو عندما تنزلق بعض تلك الأرجل في مهاوي ودركات ما تتوهمه صراط (الخلاص).

ولتأذنوا لنا بأن نبترد على الظمأ بشربة الحلم الفيروزي هذه, ريثما يتسنى لكم ولغيركم قص شريط افتتاح الفردوس الإصلاحي الديمقراطي الموعود ميدانيا.

لن يطلب أحد إليكم التعفف عن لعن الظلام, فالعنوه ما طاب لكم اللعن, إنما كونوا على ثقة بأننا سنطالبكم أبدا, بل ونقف في وجهكم إن تطلب الأمر كي ترفعوا أيديكم عمن يحاول إضاءة بعض الشموع هنا وهناك في عاتي الرياح, أقله إلى أن تتعلموا القيام بهذه المهمة النبيلة بأنفسكم من باب التغيير (الديمقراطي أيضا).



2008

ليس كل ما يلمع دراما سورية ...

لم يكن السوريون في يوم من الأيام بعيدين عن الدراما بحال ؛ سواء التي يصطنعونها لأنفسهم أو تلك التي يصنعها الآخرون لهم و بهم , و كلنا يذكر من عهد غير بعيد كيف غزا أحد المسلسلات المكسيكية حياتهم بكل ما تحتمل الكلمتان "غزا" و "حياة" من معان ,

فصار اسم "كساندرا" _البطلة المتوجة لذلك العمل_ يطلق على كل شيء ؛ ابتداء بالمتاجر و السوبرماركات والمكاتب العقارية , مروراً بالعلكة و الشوكولا و السكربينات و ألقاب الدلع لباصات النقل الداخلي , و ليس انتهاء بأسماء المولودات حديثاً لآباء لا ينقصهم التهور , ناهيك عن أول الأخبار و آخر النكات , و لو أن بعض المتنفذين يتابعون على التلفزيونات شيئاً آخر سوى فتوحاتهم الخطابية و إعجازاتهم المنبرية ؛ لكان ثمة احتمال كبير لأن ينتهي بنا الأمر ذات صباح مواطنين في جمهورية "كساندرا" (الديموقراطية ربما).


كان ذلك في الماضي , أما الآن فصار للسوريين ما يشغلهم محلياً بعد تلك الفورة, (الثورة , الوفرة , الطفرة).. الدرامية أو أي اسم آخر برسم الاجتهاد , كلها لتوصف تلك الحال التي نعيشها و تعيشنا على شاشة التلفزيون يومياً , إن لم يكن على مدار الساعة.

لكن غياب المشروع الفكري لا وبل أحياناً الإبداعي التقني عن كم غير يسير من هذه الأعمال , و طغيان الهم الربحي الصرف على مشاغل القائمين عليها و بها , ألزم غير مرة التحقيق والمسائلة .



لقد جاء الانفلاش الهائل في فضاء البث العربي ليضع هذه الدراما أمام تحد لم تكن عناصر استعدادها له قد بلغت تمامها بعد , فعلى صعيد الحرية الافتراضية التي كان مؤملاً منها أن توسع أطر الخطاب الإعلامي العربي ؛ بدا السوريون متلعثمين في منطوقهم الدرامي , منفعلين و منتظرين أسوة بغيرهم في البلد أن تسفر حمى الطلق المستعرة من حولهم عن ولادة ما , تتقاذفهم هبات رياح ما اصطلح عليه بالتغيير , والذي كان أقرب إلى التحيير منه إلى أي شيء آخر.

أما على صعيد التمويل و الإنتاج فلم تكن الصورة رمادية تماماً , فالدراما كصناعة _أو تكاد_ لم تعول على ما يبدو على الاقتصاد المحلي الأعرج , والذي اتضح أن انشغال القيمين عليه تداولاً إلى حد أكثر من بعيد إنما كان انشغالاً لغوياً (بضم اللام و فتحها) بين اشتراكي , واجتماعي , مفتوح أو مغلق ؛ أكثر منه انشغالاً بالاستراتيجي والمنهجي , و عليه يمم صانعو الدراما وجههم شطر التمويل و من ثم التسويق الخارجي_ إن كان ثمة ما يزال خارجي بهذا المعنى _ الأمر الذي أدى لاحقاً و كما أظهرت السنوات العشر الأخيرة إلى طرح الدراما السورية كأسهم _ بخسة أحياناً إن على مستوى المادة أو المضمون _ في بورصة شرسة كان للمال الخليجي فيها القدح المعلى . وهكذا أصبح للشرط الاقتصادي الإنتاجي الكلمة الفصل في تحديد الكم العددي , و الإطار الزمني , و نافذة العرض لإنجاز و إيصال تلك الأعمال إلى جمهورها .

كالحاصل مثلاً في شهر رمضان , و الذي استحال إلى سوبر ماركت سنوية بأكداس مسلسلاته الثلاثينية الفضفاضة , دون أن يسهم دخول عدد من العاملين الأصلاء في الحقل الدرامي من ممثلين و مخرجين على خط الإنتاج من تحسين هذه الشروط إلا لماماً .


على أن هذا الصنف من الأعمال لم يعدم رغم كل شيء جمهوراً أزلي الوفاء و القناعة , و جاهزاً _ ما شاءت له الطوارئ _ للجلوس لساعات ماراثونية خلف جهاز التلفزيون , متماهياً مع الأبطال و الضحايا الذين تقترحهم على أحلامه و هواجسه أزرار الشاشات المختلفة .

ولم يكن خافياً أن هذا النوع من الإنتاج قد انتحى جانب التاريخ و الفنتزة كمخرج براغماتي يوفق بين شراهة السوق ممثلاً بالفضائيات العربية النامية ؛ و الرقابة الرابضة التي تناسلت رقابات عديدة طرداً و أعداد المحطات و توجهاتها , الأمر الذي فرض على المشاهد قراءات معكوفة وملتوية لهذا التاريخ , متجنية طوراً , طهرانية أطواراً أخرى , مع العجز الفاقع لهذه الطروحات عن الصمود زمناً أطول مما أراده لها أربابها في العرف و السياسة .

و كلنا يذكر هبة المسلسلات التي أفرطت في تناول الحقبة العثمانية , لتشبعها تحميصاً و بحشاً أكثر منه تمحيصاُ و بحثاً , و من ثم ارتداد تلك الموجة على أعقابها حد التلاشي بعد و بين قوسين (التحسن) في العلاقات السورية التركية و الذي _ وأقصد هنا هذا التحسن بالذات _ قد تفوق بأشواط على خيال أي كاتب درامي للسيناريو أو التاريخ صادف و كان مستيقظاً في تلك المرحلة .

أما المتابع للمعاصر من مسلسلات هذه الإنتاجية فعليه و قد أدركها أن يتمنطق ذخيرة غير يسيرة من المعاجم و القواميس , و يستل ما تطال يداه من عدة جلب الغائب و فك المربوط , كي يستعين بها على سبر طلاسم و خوارزميات العمل الفني , الذي لا يتوانى عن أن يرمي في وجهه و بلا هوادة كميات لا يستهان بها من الرموز و الإيحاءات و الإسقاطات , لينتهي الأمر بالمشاهد بعد طول عمر خريجاً صلداً لا يشق له غبار ؛ إما في ترصيص الشيفرات و المكوّدات , أو في تفصيص البزر و القلوبات , في حالة من الاستلاب الوجداني و المعرفي تتركه فريسة سائغة لباقي برامج التلفزيون الموجهة , و الأعتى خبرة في التفريغ والتجريف.

فقد كان الفرق و لا يزال جد شاسع بين سبر آفاق الهوية الوطنية و التسلح بمعرفة ما مضى لمواجهة الآني والآتي ؛ و بين الاتكاء على جدران آيلة للسقوط أو هي سقطت فعلاً , بانتظار جلاء الرؤية .


إلا أن ذلك كله لحسن الحظ و كنتيجة _ متأخرة ربما إنما ليست بحال مفاجئة _ لم يحل دون تنامي فئة أخرى من المتابعين باتت أكثر انتقائية و تطلباً مما تشاهده , و إن لم يكن ذلك تماماً بفضل الإعلام مرئياً أو مقروءاً كان أم مسموعاً , و لا بفضل البرامج النقدية و التحليلية ؛ بقدر ما كان بدافع الملل من التكرار و ضيق الوقت المعاشي . ذلك أن الإعلام السوري قد أظهر عجزاً مخزياً عن مجاراة الزخم الدرامي , نتيجة نوسانه المرضي المزمن بين المديح والهجاء , و عدم تمكنه لا أولاً و لا أخيراً من طرح وجهة نظر علمية موضوعية , تقوم بدورها أساساً بتقويم هذه الأعمال الفنية بعيداً عن المصالح الشخصية و الشللية و الزيت الشخصي العكر .



غير أنه لا يسع المرء إلا و أن يقر لبعض هذه الدراما بإسهامها بقدر ما في تغيير النظرة المجتمعية التقليدية تجاه جملة قضايا _ قد يكون منها عمل المرأة , و معضلة الفساد ، بل حتى تكريس الفن الدرامي نفسه _ أو على الأقل البدء في طرح مقدمات آفاق أخرى كبدائل محتملة للتعاطي مع بعض هذه الأمور , بانتظار نضوج الظروف الموضوعية لتطور طريقة تناول تلك المواضيع والدراما في آن.

فراحت الأعمال المنتجة _ و لا سيما الحديثة منها _ في تواترها المتصاعد ؛ تتبارى على لمس هذا السقف , والأكثر طموحاً منها ربما حتى على رفعه , و بالتالي تم تجاوز بعض هذه الخطوط التي طالما نعتت بالحمراء في سياق العمل الدرامي , إن لم يكن من خلال الفعل و تطور الحدث و الشخصية ؛ كان شفاهة عبر السرد و الحوار.

بيد أن الترهل النقدي الذي سبقت الإشارة إليه أجبر الدراما على أن تواصل السير على قدم واحدة في مواجهة كل ما سبق , ناهيك عن المعوقات المجتمعية الأخرى التي لا تقل عناداً و تسلطاَ , ممثلة بالأعراف السائدة , و التفاوت الطبقي المستفحل الذي حرم الدراما _كما حرم غيرها من قبل!_ مساندة و دعم طبقة وسطى متلاشية يفترض بها القيام بدور الحامل و المحرض لأي جهد تغييري حقيقي تكون هذه الدراما بالمقابل انعكاساً أميناً له , و التي عندما تحاول أن تكون كذلك فعلاً ؛ لا تسلم من تدخل الرقيب حكومياً مرة ليشذب بمقصه الرشيق و يقلم مثلاً قرون بعض الغزلان في غابة الذئاب , و مجتمعياً أخرى معترضاً بمهابة على تشخيص بعض الرموز الدينية على الشاشة , كما حصل مع غضب متدينين من إحدى الطوائف من وجود غسان مسعود في دور الإمام الرضا أمام أبناء الرشيد .


لكن القافلة هنا عودتنا أن تسير إن بكلاب نابحة أو بدونها , فنقرأ مثلاً في نَفَسٍ واحد "" أن ال( mbc ) و هي من هي ؛ إحدى حيتان الإنتاج و البث الفضائي , تسعى بل و تقوم عملياً _ بتوظيف ثلاثة مخرجين سوريين بغية الانتهاء بأسرع ما يمكن من (13) حلقة من أحد الأعمال , و قبل أسابيع ثلاثة فقط من رمضان (المبارك) , حيث انكب كل من هؤلاء الثلاثة و بالتزامن على تصوير جزء من العمل , ملتهمين جهد كتبة السيناريو الذين كان المطلوب منهم أن يرموا في كل يوم حلقة ناجزة على مكتب المنتج , ليصار إلى تصويرها على الفور في اليوم التالي , دون أن يتاح للممثلين حتى مجرد الإطلاع عليها مسبقاً , لتعرض الحلقة التي يتم الانتهاء من عملياتها الفنية في اليوم الذي يلي ذلك مباشرة على الشاشة .... "" (من دون إشارة تعجب).


و ختاماً _ و قد لا يكون _ فإن غياب التخطيط الإعلامي و النظرة الإستراتيجية البعيدة لآفاق العمل الدرامي عن أولئك المهتمين أو المتلبسين به ؛ لا يمكن أن يجعل من الدراما السورية سلاحاً في أي مواجهة سواء كانت اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية , بل إن ذلك يهددها حتى في غايتها الأدنى منالاً و المتمثلة في الإمتاع والتسلية _ إن كان لنا أن نفترض ذلك حتى _ مع قلة البدائل الأخرى حد الندرة من مسرح و سينما و موسيقى , و غياب طقوس أي منها عن حياة الفرد السوري .

و هذا الإعلام نفسه إذا لم يرتق ليمارس مهنيته بحرية , خالعاً عنه صوتيات شعاريات منهَكة منهِكة , و خارج أطر المخلد من طوارئ و عرفيات , معبراً بصدق يلزمه عن طموحات و هواجس من يمثلهم بموزاييكهم الفريد ؛ فلن يتأتى له يوماً أن يهيئ المناخ الصحي ليس أقله لدراما فاعلة .

أمَا أولئك الذين لهجوا بالدفاع عن عصمة شخصيات و أحداث , فعليهم أن ينتبهوا _ و غيرهم الكثير _ إلى أنهم جميعاً لم يكونوا معصومين أنفسهم على سبيل المثال في ذلك اليوم من "أيام شامية" أو تلك الليلة من "ليالي الصالحية" , عندما أنفقوا بلا حساب على أبنائهم لا "أبناء الرشيد" لشراء الخناجر و الشنتيانات _ من البلاستيك لحسن الحظ_ أو عندما راحوا يراقبون صغارهم بمزيج من الدهشة وقلة الحيلة و هم يشحطون أقدامهم في الشوارع شحطاً مؤتسين بمشية "الزعيم" .

لقد نجحت الدراما في تقديم السوري ممثِلاً أكثر مما قاربته ممثَلاً , و أنا هنا لا أحاول أن أضع "المخرز" في عين أحد , بقدر ما أنا متورط ربما بالقول : ( كما تكونوا يسلسل عليكم ) .




2007

الغارة الاسرائيلية الأخيرة بعيون الشباب السوري

استقالة موصوفة, ومتابعة بالريموت




أربع مقاتلات اسرائيلية على الأقل فيما تناقلت الأنباء يسمع شهود عيان دويها في السادس من أيار الجاري, خارقة جدار الصوت فوق المجال الجوي السوري في هدوء ليل الأربعاء ـ الخميس لمنطقة تل أبيض, على بعد 160 كيلومترا شمال الرقة, قريبا من الحدود التركية.
الطائرات التي قدمت من المتوسط -وربما عن طريق تركيا نفسها- استهدفت وفق التقارير إياها شحنة أسلحة إيرانية كانت موجهة إلى حزب الله على ما يؤكد مسؤولون أمريكيون, ليخالفهم في التو واللحظة مسؤولون آخرون -أمريكيون أيضا- ارتأوا أن الهدف إنما كان موقعا ذا طبيعة (نووية), مع التشديد على وجود زوار من كوريا الشمالية (الديموقراطية) أشرفوا على العناية بعتاد ذري وصل عن طريق ميناء طرطوس أوائل هذا الشهر على متن باخرة من بيونغ يانغ, التقط صورها قمر التجسس الاسرائيلي (أفق 7) الذي أطلق في حزيران الفائت بحسب رئيس جهاز الموساد مائير دغان, قبل أن (تصادر) هذه الشحنة (المهربة) فرقة الكوماندوس الاسرائيلي المرافقة والتي أنزلت في المنطقة, بحسب أنباء متفاوتة الـ(فبركة) في الاعتبار الرسمي السوري.

ومع أنّ رواية الغارة الاسرائيلية الأخيرة هذه والتي من غير المنتظر أن تصدر طبعتها الأخيرة قريبا؛ نالت نصيبها الوافر من التغطية الاعلامية عربيا ودوليا؛ إلا أنها لم تحظ لسبب ما بالقدر ذاته من الاهتمام والمتابعة الشبابية سوريا.
على الرغم من كونها قضية لم يبخل المحللون السياسيون والأمنيون بمختلف مشاربهم على مدى أسبوعين ونصف هما عمر الانتهاك حتى اللحظة في أن يسبغوا عليها صفات ونعوتا من قبيل (بالغة الأهميـّة), و(مؤشر خطير), و(شديدة الحساسية)...
ومن طهران (شبه النووية) وحساباتها, إلى بيروت (شبه الأكثرية) وتحسباتها, امتد طيف العواصم والمواقف واسعا إقليميا ودوليا, والغائب الأكبر عنه ليس سوى أحد أصحاب الشأن الأساسيين من شبيبة البلد نفسها.


للبيت رب يحميه ...

سامر البالغ من العمر السادسة و العشرين يعمل منذ بعض الوقت وبشكل متقطع مترجما بين الانكليزية والعربية, ويقف اليوم بالحاح على أبواب إحدى السفارات الغربية سيئة الصيت محاولا نيل كرت هجرة يعشـّمه بعض الأصدقاء خيرا في تحصيله, يقول سامر:(كنت أعمل كالعادة على ترجمة بعض المواد في المنزل عندما دخل أخي الغرفة وأطلعني على نبأ الغارة الاسرائيلية, والذي ربما كان قد سمعه أو قرأه كخبر عاجل فيما أذكر على إحدى القنوات الفضائية), ويتابع:(أنا عادة ما أشاهد الأخبار بشكل يومي تقريبا, لكن في ذلك النهار بالذات لم أتمكن من ذلك لتراكم بعض المهام علي في العمل, لذلك فقد سارعت الى محاولة استقصاء مزيد من التفاصيل على الانترنت, لكن الأنباء كانت متضاربة بشكل مزعج, الأمر الذي أصابني بالملل فعدت إلى عملي).

وعما إذا كان شعر بالخوف أو بالتهديد في تلك اللحظة يجيب سامر بالنفي قائلا:( لا أبدا, لم أحس بأي خوف أو ماشابه, لاعتقادي أن اسرائيل لا يمكن أن تضرب \عن جد\ حاليا).
أما مصدر يقينه في أن الاسرائيليين لن يعمدوا إلى مهاجمة سوريا؛ فيؤكد سامر أنّ هناك (حالة من عدم الاستقرار كانت سائدة منذ زمن طويل بين سوريا واسرائيل ولازالت), وأنّ الأمور سارت (على ما يرام) بين الطرفين طوال الفترة الماضية, وأن( شيئا جديدا) لم يطرأ ليغير المعادلة القائمة.

وحول الطريقة التي أمضى فيها بقية يومه ذاك يقول سامر(ذهبت ذلك المساء مع رفيقة لي ملببيا دعوة أحد الأصدقاء الى حفلة كنا رتبنا لموعدها مسبقا في منزله, وقد قضينا وقتا ممتعا).
ومادام أن الاسرائيليين غير جادين في مهاجمة سوريا كما يقول, ينظر سامر إلى الغارة الاسرائيلية باعتبار أنـّها(رسالة أكثر منها عملا عسكريا فعليا, بمعنى أنهم في اسرائيل يقولون لنا افهموا أننا نستطيع الوصول الى أي مكان نريده, ومتى شئنا ذلك).
وعما إذا كان قد توقع ردا سوريا من نوع ما على الخرق الاسرائيلي؛ يجيب سامر (لم أتوقع ردا سوريا سريعا في حينه, وشخصيا لا أتوقع ردا سوريا بطيئا كذلك), ويضيف( في الحقيقة لا أنا ولا معظم من أعرفهم ننتظر أي رد سوري على الإطلاق, اللهم فيما عدا التصريحات التي صدرت حتى الآن, وربما المزيد منها, إنما ليس أكثر).

ويضرب سامر مثلا بالانتهاك الاسرائيلي المماثل الذي وقع السنة الماضية في اللاذقية, ومن قبله الاعتداء الذي تم فيه قصف بناء في "عين الصاحب", قبل أن يضيف (لو كان هناك مزيد من الحرية في البلد لحصل تحرك من قبل الناس من نوع ما للتنديد بهذه الغارة, كي يعرف الآخرون في الخارج أن الناس قد يقومون بشيء اذا سنحت لهم الفرصة), ليستدرك لاحقا (مع أنني لا أفضل أي رد عسكري على أمثال هذه العمليات, بل أرى أنّ التعامل السياسي و الديبلوماسي هو الأجدى).

ويبدو أن هادي. أ يتفق من جانبه مع كثير مما سبق. ونظرا لأنّه يعمل محررا في إحدى وسائل الاعلام السورية الخاصة؛ فقد عرف بخبر خرق الطائرات الاسرائيلية للأجواء السورية أبكر نسبيا من غيره,وذلك عن طريق (الموظف المكلف )AFPمراقبة وكالة فرانس برس
إنما من دون أن يشكل الخبر أية مفاجئة له. ويبررهادي الـ(العاديـّة) التي استقبل بها النبأ بالقول (في المرحلة الحالية يمكن للمرء توقع كل شيء على هذا المستوى). ويستطرد شارحا وجهة نظره(لقد مررنا منذ وقت قريب بفترة من التصعيد \السلمي\ إن صح التعبير, حيث انهمرت رسائل السلام من هنا وهناك, تلاها مباشرة تهديدات متبادلة وأخبارعن تحركات للقوات على الأرض من الجانبين, ومن ثم تراجع هذه القوات, وتسويق للحديث عن جهود لـ\إاراحة\ الجبهة السورية, وتخفيض الاحتقانات, الأمر الذي يجعل أي أحد -وقد مرّ عبر هذه السلسلة- يتوقع خطوة ما تصعيدية من أحد الطرفين, وأنا شخصيا كنت أتوقع للتصعيد أن يأتي من الجانب السوري لا الإسرائيلي).

هادي سيتم الرابعة والعشرين في غضون أسبوع, وهو لا يتوقع أن تقوم بلاده برد عسكري من نوع ما قبل عيد ميلاده, عدا عن(الرد الروتيني بالاحتفاظ بحق الرد), معللا ذلك بأنه لايمكن للسوريين أن يردوا (كلاسيكيا), مع أنه يعود بعد قليل ليتحدث عن أنّه لا يريد أن يقطع (الأمل) نهائيا من هذا الأمر, مرجحا للرد الميداني -فيما لو تم- أن يأتي في (غزة أو الجنوب اللبناني), و(ربما... ربما الجولان), إنما مع مزيد من انتظار (اللحظة الأنسب لسوريا) فيما يخص الخيار الأخير بالذات.

ويسرد هادي مفارقة أنه كان من بين المحررات في مكتب العمل من اطلعن قبل غيرهن على الخبر, إنما من دون أن يحركن ساكنا, إلى اللحظة التي انتبه إليه فيها المحرر السياسي, ويتابع واصفا ما جرى بعد ذلك (تحلقنا جميعا حول التلفزيون بانتظار ما ستبثه الجزيرة في النشرة التالية), معربا عن خيبة أمله في الطريقة التي أتى فيها الرد الرسمي الأولي على الحدث, ووصفا أداء وزير الاعلام بأنّ (أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه كان سيئا للغاية, وليس على مستوى المستجد من تطورات بأي شكل من الأشكال), مفضلا عدم إعطاء تفاصيل محددة لانتقاداته, مؤكدا أن الحياة استمرت بشكل(طبيعي) بعد (بيان) الوزير, وعاد كل (إلى عمله المعتاد).

وعن الرد الذي كان يراه الأنسب على الانتهاك الاسرائيلي, لايخفي هادي حماسته الشخصية لرد عسكري مباشر, من قبيل( قصف ثكنات ومواقع عسكرية اسرائيلية في الجولان), معتبرا أنّ(لا أهمية لمن يبدأ التصعيد في هذا الوقت, بل ربما يكون ذلك في صالح من يبادر به), باعتبار أنّ الحرب (قادمة قادمة)!

(الله أعلم) يقول مصطفى عن نبوءة (قادمة قادمة) تلك, وقبل أن يطلب مني بتوجس إطفاء جهاز التسجيل بين يدي؛ يذكرني للمرة الثانية أنّه لايملك سيارة الأجرة التي يعمل عليها, وأنها تعود لابن عم محسن له, وهو لايريد (وجع راس), ونصحني أن ابتعد عن هذه المواضيع التي لها (أهلها) ومكانها في (مجلس الشعب) و(قصر المؤتمرات)!!

يقول مصطفى (أبو الخير) بعد تردد ومداورة وهو يقطع بنا أتستراد المزة, مشعلا سيجارة (الحمرا), ماسحا عرقه بفوطة متدلية على كتفه (عندما سمعت عن \القصة\ أول مرة, كنت \أتسبب\ على السيارة عالقا عند زحمة المرور في شارع بغداد, وكان أحد الشوفيرية على محطة الوقود \يتسمّع\ على غارة \ما غارة\, فحاولت البحث في الراديو عن الخبرية, ولكني لم أجد شيئا, ولم يكن هناك شيء على إذاعتنا كذلك, ثم غاب الموضوع عن ذهني \شي ساعت زمن\ بعد أن اتصلوا بي من البيت مشان دوا للوالدة, وعدت فتذكرت الموضوع عند \السمّان\ وأنا اشتري \مونة\ للبيت, لأن المذيع في الدش كان يتحدث عن ذات الموضوع).
ويشرح (أبو الخير) ببعض الضيق كيف اضطر لـ( الأخد والعطا) مع البائع حول المسألة, بعد أن راح العجوز يشتم ويلعن لأنه ليس في موقع يؤهله كي (يحرق نفس أعداء \لا إله إلا الله\ المستكبرين).

ويعترف مصطفى خيرو أنه لايتذكر الكثيرمن تفاصيل ما وقع, ولم يسمع الكثير من التحليلات على (لندن) لأنها مليئة بـ(الكلام الكبير), بل حتى أنّ متابعته للخبر عند ذلك البائع لم تتعد الدقائق الخمس لاضطراره مغادرة السوبرماركت بسرعة كون السيارة (مصفوفة رتل تاني).

وعن رأيه في السبب الذي شنت إسرائيل هذه الغارة من أجله, يجيب (أبو الخير) فجأة (فركت إدن), ويصمت قليلا منتبها لتغير لهجته في الحديث, ليعود ويؤكد بأن أمورا كهذه (تحصل دائما), لأننا (وحدنا), ولايوجد أحد لـ(يدعمنا), أما (هدول العرب), فلا يمكن أن نستفيد منهم بشيء سوى (الكلام) و(الارهاب)!!
وعن طبيعة الرد الذي يرى أنه الأنسب ليكون من طرفنا, يجيب مصطفى بأنه كان علينا أن (نسقط على الأقل إحدى الطائرات التي هاجمتنا), أمّا مستقبلا فـ(سيقوم حزب الله والشيخ حسن \ربي ينصرو\ باللازم عاجلا ام آجلا), وعما إذا كان قد تحدث مع أحد حول موضوع الخرق الاسرئيلي للأجواء السورية بعد عودته إلى البيت, قال (أبو الخير) أنّه قد تحدث عن ذلك بالفعل مساء مع بعض الأصدقاء الـ(المسقفين), وهم يدخنون النرجيلة في بيت (نزار) -أحد أولئك الصحبة- والذي كان من رأيه أن هذه السنة (لن تمر على ستر وسلامة أبدا), خاصة إذا لم (تنتخي إيران إلى جانبنا).

من جهتها لم تكن يمنى \23\ عاما أقلّ ترددا من مصطفى, إنما لأسبابها المختلفة.
فالطالبة الجامعية, والسكرتيرة في إحدى شركات القطاع الخاص حديثة العهد, تشعر ببعض الحرج كونها كانت (في إجازة على البحر) مع بعض الأصدقاء والصديقات, الأمر الذي حال دونها وأن تعرف عن الموضوع في حينه.
(سمعت الخبر بعد يومين وأنا اقلب محطات التلفزيون) تقول يمنى, وتضيف بأنها لم تشعر بخوف حقيقي إلا عندما علمت أن الطيران الحربي الاسرائيلي الذي دخل الأجواء السورية ربما قد يكون (مرّ فوق المنطقة التي كنت أسبح فيها مع صديقاتي على البحر).

على أن مخاوفها تلك سرعان ما تبددت عندما طمأنها ابن عمها الذي يملك مقهى انترنت, ولديه اطلاع على أخبار (المواقع المحجوبة)؛ أنه (لا وجود لأي خطر), لأنه لو كان مقدرا لأي شيء أن يحدث لـ(حدث يومها مباشرة), أما الآن وقد مرت عدة أيام على الحادثة فكل شيئ مستقر وطبيعي حسب تعبيرهما.

ليس لدى يمنى أي معلومات دقيقة عمـّا كان عليه رد الفعل الرسمي للمسؤولين السوريين, ولم تسمع أيا من محسن بلال أو فيصل المقداد أو وليد المعلم أو عماد مصطفى وهم يدلون بتصريحاتهم تباعا إثر الحادث, ذلك أنها (لاتفتح على القناة الأولى أو الفضائية), كما أنّها لاتملك تصورا يعتد به عن الطريقة التي تريد للرد العسكري أن يكون عليها فيما لو كان, باعتبار (الجيش أدرى بعمله منا جميعا), وهم لن يقصروا في (ساعة الحقيقة).
أما عن إذا ما كانت تشعر بأنه يمكن لهذه الحادثة أن تتكرر قريبا, أجابت يمنى أنها (لاتدري), بيد أننا (تعودنا على هذه الأمور), وأن الوضع عندنا (مهما حصل) يظل (أرحم) من الجاري في (العراق ولبنان وفلسطين), إنما بكل الأحوال (ربنا يحمينا).

أمّا (أم ناريمان) فليس عندها ما تقوله ابدا, و(لاتحاول)!
فهي (لا تفهم بالسياسة), ومع طفلتها التي تبلغ السنة إلا شهرين بالكاد تجد وقتا لأي شيء على الاطلاق. لكن طالبة البكالوريا المتخلفة عن دراستها, وزوجة المهندس الميسور, سرعان ما تبدي استعدادها للتطوع بالحديث عن موضوع آخر هو (الدراما السورية) ومساسلات رمضان, والتي حسب كلامها (تشد المشاهد), وهي شخصيا (لا تفوت منها شيئا) على ضيق وقتها الذي تذمرت منه آنفا!!

حول الـ(لماذا) ...

لايحتاج المراقب كثير جهد ليدرك أنّ أغلب الشبان السوريين ليسوا على ذلك القدر من الاستثارة والاستنفار حتى يعاجلهم بمهدئ موضعي من نمط أن البلاد ليست مستهدفة لذاتها, وأن الغارة قد لا تعدو كونها (بروفه) قريبة لهجوم مستقبلي أبعد في طهران.
F16-Eأو ليضع ذلك الملاحظ ضمن توقعاته أنّ تلك الشبيبة لن تميز بسهولة الـ
أو تتعرف على (بانتسير), نظام الدفاع الجوي الذي تزودت به دمشق مؤخرا من موسكو, والذي يحلو للبعض الاعتقاد أنّ المقاتلات الاسرائيلية إنما شنت تلك الغارة للوقوف على مدى نجاعته في أيدي السوريين.
إذ أنّ هذه المقاربات والتحاليل تظلّ -كغيرها مما سال الحبر فيه مؤخرا- قاصرة عن انتزاع استجابة من شبابنا تداني في حرارتها سخونة الحدث الداهم.

الدكتور مروان قبلان عضو مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق, والأستاذ فيها, لم تشكل له ردة الفعل المرتخية هذه لدى الشباب السوري أية مفاجئة -شخصيا على الأقل-, حتى وهو يشهد كيف أن هذا المسلسل الرمضاني الطارئ على ما فيه من عناصر التشويق والاثارة السياسية, والأحداث التي تكتسي مع مرور الوقت والتسريبات بوليسية فضفاضة؛ فشل في الاستئثار بانتباه شريحة هي الأوسع ضمن المجتمع السوري اليوم, وكيف أنّ الاستبصاري المتخيل لتمثيليات رمضان ودراماه الأصلية؛ استحوذت على البصري المثخن بواقعية صلدة دونها مثل هذه المستجدات.

ويعزو الدكتور قبلان هذا الأمر إلى مجموعة من العوامل والترسبات القديمة, يأتي على رأسها ضعف المشاركة في الحياة السياسية لدى المجتمع السوري في العموم, ولدى هذه الشريحة الواسعة على وجه الخصوص, والتي تتعدى نسبتها إلى العدد الإجمالي للسكان الـ\43%\.
معللا بأنّ (الحياة المجتمعيّة في سوريا قد مرت بمراحل كان التعاطي خلالها في الشأن السياسي يعد نوعا من أنواع التابو), مذكرا بموروث قديم حديث, يتداول فيه الناس بين بعضهم التحذيرات من الحديث حول التمظهرات السياسية لـ(الأوضاع العامة للبلد), وهي الحالة التي ورثتها الأجيال الجديدة لاحقا, ووجدت نفسها عالقة فيها, الأمر الذي كان من نتيجته أن (ابتعد الشباب عن السياسة, والنشاط السياسي), ووصلوا في ارتدادهم عن التواصل مع مفردات المُعاش السياسي حدا دفع أكثر من\76%\ منهم -وفق دراسة رسمية لافتة- إلى الاعتقاد أن بلدهم لاتتهدده أيّة أخطار عسكرية من أي طرف!
وذلك في وقت يعافر فيه دون جدوى ما يربو على \200,000\ جندي أميريكي ومرتزق لضبط الأوضاع الأمنية المتفلتة في بلد جار لهم, وتجتاح موجة الاغتيالات الجوالة عاصمة لاتبعد عن عاصمتهم أكثر من ساعتين بالسيارة, ويحجر فيه على مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة, باحتهم الخلفية إقليميا وسيكولوجيا, دون أن يحرك أحد -دولي- ساكنا. ناهيك عن أنّ بلادهم لازالت عمليا منذ العام 1967في حالة حرب مع اسرائيل, ولديها أراض محتلة تتجاوز مساحتها الـ\1200\ كم‘.

سبب آخر -فيما يرى الدكتور قبلان- يعزز فصام جيل اليوم عن واقعه السياسي, ألا وهو (ضعف أداء الاعلام السوري في مجمله), ضعف حرم هذا الاعلام من أن يكون حاملا موثوقا للمعلومة والخبر أولا, و(منبرا) ومتنفسا لهواجس هذه الفئة في المقام الثاني, وسهل اتجاه هذه الشريحة نحو الـ(استقالة) من الحياة العامة محليا.
يضاف إلى ذلك كله (سلسلة الاحباطات) التي غرق -أو أغرق- فيها الشباب السوري جراء (المواقف العربية من القضايا الأساسية والمصيرية), والنكسات المتتالية التي لازالت شعوب المنطقة ككل تعاني نتائجها وعواقبها المدمرة على مستوى قومي.

وبنسب تعليم متواضعة /85.4% منهم تعليم ثانوي فما دون/, وبطالة مرتفعة؛ يعتبر ارتهان شباب هذا الجيل للهم المعاشي اليومي, وانخراطهم في اللهاث وراء أوليـّات اقتصاديـّة عصيـّة, وآمال الحد الأدنى من مستقبل بلا خضات (داخل او خارج حدود بلادهم), عاملا إضافيا ينأى بهم عن الاشتغال بالهم العام كما يوافق الدكتور قبلان, والذي لا يرى في المدى المنظور أي علاج (فوري) للخلاص من هذه الظاهرة الخطيرة, بيد أنه يعتقد أنّ أيّ محاولة في هذا الصدد لا بد لها إن كانت جادة في سعيها أن تبدأ من نقطة (الاعتراف) بوجود هذه المشكلة بين ظهرانينا, منطلقين نحو (طمأنة) هذه الشريحة الفتية من المجتمع بأنّ (الانخراط إيجابيا في النشاط السياسي؛ أمر لا يترتب عليه أية محاذير, أو متاعب), بل على العكس, يجب أن يكون واضحا في أذهان هؤلاء (المواطنين) أنّ ذلك (مسألة مطلوبة, وواجب وطني).

وكغيره من الباحثين, والسياسيين, وأصحاب الرأي في هذا المجال, لا يألو الدكتور قبلان جهدا, في الحث على ضرورة البدء بتهيئة الأرضية الملائمة لاستقبال وتفعيل المشاركة الشبابية في الشأن العام, من قبيل (إصدار قانون عصري وملائم للأحزاب والجمعيات) و(السماح بقدر أكبر من الحريات الإعلامية).
وهما مطلبان ملحان, من شأنهما اليوم أن يفسحا المجال أمام فئات المجتمع المختلفة -وعلى رأسها الشباب- لـ(التداول في الشأن السياسي, وبالتالي تحمل هذه الفئات لمسؤولياتها تجاه وطنها وما يحيط به من تحديات وأخطار).

........

وبين تطنيش أولمرت, وتبصيرات بولتون, وهزة أكتاف كوشنير؛ لا يبدو على الشباب السوري أنّه تسلم حقا, عبر ذلك البريد الجوي الحربي المضمون؛ ما اصطلح عليه أخيرا ليكون الـ(رسالة) الاسرائيلية.
وجدار الصوت الذي تتفنن مقاتلات الـ(عدو) في خرقه كل مرة, هش على ما يظهرمقارنة بجدار الصمت الذي يعلو ويرتفع مع غيره من الجدران في المنطقة, ليلف مواقف وردات فعل سوريين شباب.
لتبدو في النهاية تلك الأسماء المستعارة التي أصرّ الشباب على تنقبها والتـلطي خلفها قبل أي حديث, مقدمة منطقية للحقائق المستعارة التي تمنح الواشنطن بوست نفسها –على سبيل المثال- ترف تخليقها بلا رادع.
ومن اتهم سوريا بالأمس باستخراج اليورانيوم من (الفوسفات) الذي قد يتراجع مخزونه مع الوقت, قد يعنّ على باله اتهامها غدا باستخراجه من (المتـّة), والتي قد لا تنضب أبدا, شراب الاسترخاء الشبابي المفضل كل يوم.



2007

على سبيل الإعلام المقاوم: مقاومة (التخوين), وممانعة (الإسفاف) أولا ً !

طالعت صحيفة الوطن الخاصة الصادرة في دمشق السوريين في عددها رقم /572/ صباح الأربعاء 28-01-2009 بخبر منقول عمّا قالت أنه بيان لـ"حركة القوميين العرب" يتهم فيه كتابا عربا وسوريين بمهاجمة حركة المقاومة الاسلامية (حماس), ويصف البيان فيما نشرت الصحيفة السورية على لسان وزيرة خارجية دولة الاحتلال الاسرائيلي هؤلاء الكتاب بأنهم "سفراء" لتل أبيب في العالم العربي.

كما تصدر موقع الصحيفة المذكورة على الانترنت عنوان يقول "ليفني توصي بنشر مقالات عدد من الكتاب العرب على موقع وزارة الخارجية باعتبارهم «سفراء»".
وختمت جريدة الوطن خبرها بنشر أسماء اثنين وعشرين كاتبا عربيا ينشرون في صحف ومواقع خليجية ولبنانية ومصرية وأردنية منهم خمسة كتاب سوريين على الأقل.
وقد اصطدمت محاولات الاستفسار وتقصي مصادر الصحيفة السورية في خبرها الخطير إياه بتهرب أحد مسؤولي تحريرها المتكرر عن الإجابة, في تقمص سافر لذلك اللبوس التراثي السمج لكثير من المسؤولين السوريين على الجملة, وباختلاف مواقعهم ودرجات مسؤوليتهم, والمتمثل بالأذنين الفلكلوريتين المقدودتين من الطين والعجين.
وهكذا آثرت الصحيفة الصمت العنيد تجاه مادة مثيرة للجدل ترمي دون براهين أو أدلة كتابا سوريين بتهمة تمثيل مصالح العدو الاسرائيلي في عاصمة بلادهم, والتي لاتزال عمليا في حالة حرب مع تلك (الدولة).
المحرر (المهني) -كما أصرّ مسؤول الصحيفة إياه- قام بخفة لا يحسد عليها بنشر مادة زعم أنها وصلته عبر البريد الالكتروني من جهة تسمي نفسها "حركة القوميين العرب", بعد أن أسبغ عليها –المادة- صفة (التقرير).
على أنّ محرر (الوطن) لم يكلـّف خاطره الصحفي بذل أدنى حد من المتابعة البحثية, والتمحيص الضروري في أصل الخبر وفصله, ولم يطرح على ما يبدو -وإن بينه وبين نفسه- سؤالا واحدا من الأسئلة الصحفية الخمسة او السبعة اللازمة لمصداقية ومهنية أي خبر على الاطلاق.
وإلا لكان الناشر الحصيف –والمستقل- لذلك المنفيستو تبين على سبيل المثال أن رابط الموقع الالكتروني الموجود في أصل البيان الذي بين يديه, والذي يزعم أنه يحيل إلى أحد منافذ وزارة الخارجية الاسرائيلية بهدف التعرف على المزيد من من "سفراء اسرائيل" المعتمدين صهيونيا من الكتاب العرب والسوريين؛ لا يحوي أي رابط او مادة على الاطلاق لواحد على الأقل من أولئك الكتاب السوريين الذين تقصد البيان سيء الذكر التشهير بهم, والتحريض عليهم.
لتتساوى بذلك الجريدة اليومية المطبوعة ذات الميزانية المرقومة, مع مواقع (الشات), ونوادي الترفيه المبتذل على الانترنت, والتي يتغذى معظمها على الاشاعات والنميمة, وما يعرف بالدارجة الشاميـّة بـ(العلاك المصدي), والتي لا ترقى بالطبع لشعار فضفاض من قبيل "أول وسيلة إعلامية مستقلة منذ 40 عاما", مع كل تلك الخطوط وإشارت التعجب والاستفهام التي يمكن تذييل تلك (الاستقلالية) بها من حين لآخر.
أين هي المهنية المزعومة التي ينافح مسؤولوا الجريدة عنها؛ عندما يكون الموقع الوحيد الذي يحمل اسم مصدر خبرهم "حركة القوميين العرب" خاليا من أي من الادعاءات التي روّج لها بيانهم, علما أن الموقع المذكور يتصدره بيان آخر لايمت من قريب او بعيد لبيان الجريدة, ينادي بالحرية من سجون الاحتلال الاسرائيلي لأحمد سعدات (أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -جناح جورج حبش- في الأرض المحتلة)؟
ثم منذ متى واجتهادات العدو الاسرائيلي (الهمجي, البربري, المجرم, الغادر, الكاذب, ...كذا) تشكل مرجعا –لا أقول لا ينشر- وإنما لا يترك منه, ولا يناقش, ولايرد, ولا يعلـّق عليه, في إعلامنا السوري رسميا وخاصا على الجملة؟
ومنذ متى تحيل المطبوعات المحلية السورية أيا كان ولاؤها السياسي لمواقع اسرائيلية للاستزادة في (الخبر) و(المعرفة)؟
هذا إذا تجاوز المرء حقيقة صعوبة الوصول لغالبية المواقع الالكترونية الرسمية للعدو ضمنا, نتيجة الجهود الحثيثة والموصولة لمؤسسة الاتصالات السورية الرسمية في الحجب والتشويش على العشرات من المواقع الالكترونية على الشبكة الدولية, في حين يفاجئ المتصفح السوري هذه المرة بأن الموقع مثار الجدل -والاسرائيلي كما هو مفترض- متاح بصفحاته العربية, والانكليزية, والفارسية, وبالطبع العبرية!
هل من عادة الصحيفة المذكورة حقا –على ما زعم مسؤول فيها - نشر ما يردها من بيانات بمثل هذه الخفـّة والارتجال بعفـّة تحريرية ملحوظة, وعلى صدر صفحتها الأولى, ما لم يكن قد وافقت المادة –أي مادة- هوى في نفس القيم على تلك المطبوعة؟
خاصة وأننا لا نتحدث هنا عن صحف التابلويد والفضائح الصفراء. (أليس كذلك؟)
ألم يكن بمقدور المحرر الهمام, الفخور بسبقه الإعلامي رفع سماعة الهاتف للاتصال بأحد أولئك الكتاب السوريين للحصول -ولو من باب رفع العتب- على تعليق ما,أو ردة فعل, أو تصديق, أو تكذيب, والمتابعة بعد ذلك في نشر المادة كما يريد ذلك المحرر ويشتهي؟
لماذا هذا السقوط غير المبرر في المزالق العريقة للبروباغندا غير المسؤولة, والتي تستند إلى مساواة مقلقة بين المادة الاعلامية والاعلانية, والتي يرمح بعض ناشرينا في غياهبها دون وازع؟
بل يبلغ الأمر حدا مثيرا للسخرية, عندما يتلطـّى ذلك المسؤول الإعلامي في صحيفة الوطن وراء سكرتيرته, التي لم يكن لها خلاص في النهاية سوى ترديد جملة ببغائية مفادها أنّ "الأستاذ خرج, وترك - نسي موبايله في المكتب"!
على أن فقدان الذاكرة ليس مرضا نادراعلى أية حال في أوساطنا الاعلامية والصحفية, وإلا كيف يفسر المرء إلحاح الاعلامي ذاته وغيره, هو ووسيلته فيما تبقى لهم من وقت قرائهم على مواصلة ذم سياسة حجب المعلومات –عند الآخرين طبعا- وتدبيج المقالات المنافحة عن حرية الإعلام, واستحضار الكربلائيات لطما على الشفافيـّة الإعلامية, وتعريضا بالتطنيش المثير للغثيان من بعض أصحاب القرار تجاه الصحافة المحلية, ونعيا للحق المسفوح في الحصول على المعلومة والخبر من مصادره؟
بل لعل الأنكى هو تلكؤ محرر الجريدة المذكورة في نشر رد لأحد الكتاب المشهر بهم, واشتراطه المسبق بأن تتم قراءة الرد من قبل محرر الصحيفة لمعرفة مدى صلاحيته للنشر أولا؟
الأمر الذي يظهر مدى الاسفاف في لي عنق المهنية التي يتم التشدق بها, والتعلق بأستارها الطوباوية, ويكشف عن تناقض فاضح في ادعاء مسؤول التحرير إياه عن انه ينشر عادة ما يرده من تقارير دون جلبة تذكر.
ومن نافلة الحديث القول أن هذا الزعم يحمل في ذاته من التهافت الفاقع ما يجعل في مجرد التفكير في تفنيده والرد عليه مضيعة للوقت, وامتهانا لمدارك أقلّ السوريين إلماما بواقع الاعلام المحلي ووقائعه, مع افتراض حسن النوايا, وسذاجة الادعاء.
فحتى جرائد الحائط في مدارسنا لديها (سياسة تحريرية), ولا تقبل على نفسها نشر كل (إبداعات) طلابها فما بالك بمؤسسة إعلامية ناجزة.
هل تخفى على ذي نظر ومتابعة تلك الوسواسيـّة الراسخة التي يتسم بها -كخلـّة أساس- مسؤولوا التحرير الكبار في أوساطنا الصحفية والاعلامية المحلية ؟
لدرجة باتت معها هذه الصفة بالذات تشكل لدى عدد منهم الميزة الوحيدة تقريبا التي يتم بناء عليها اصطفاؤهم لمناصبهم الجليلة!
ويملك كثيرون منا في الوسط الاعلامي السوري مرويـّات لاتنقضي, ومطولات موثقة في الحوادث والقصص التي تدور حول المدى الميتافيزيقي الذي يمكن لـ(مراجعة) المادة الاعلامية من قبل مسؤول التحرير أن يبلغه لدينا قبل النشر, إن تم.
إذ يـُجهد –والكلام هنا وصفي محض- أولئك القوم أنفسهم في بحث مضن عن كل ما يمكن أن يكون تضمينا, أو إشارة, أو تلميحا, أو حرتقة -متعمدة او عفوية- من قبل كاتبـ/ ـة المادة, وسوى ذلك مما هو مرشح لأن يكون له نصيب ليتطور تأويليا إلى (وجع رأس) رقابي لاحق, يرتب بدوره على المؤسسة نتائج لاتحمد عقباها عادة, مما يعتبر أصحاب الشأن الاعلامي في تلك الوسيلة انفسهم هم ومحرروهم وممولوهم في غنى عنه.
أين هي المسؤولية –وليس الرقابة أبدا- في تعريض أرواح وممتلكات مواطنين لاينقصون سوريـّة عن غيرهم لخطر الاعتداء, أو المساءلة الأمنية دون دليل أو برهان ؟
ماذا لو أن بعض الغوغاء تبرعوا لمعاقبة "أصدقاء وداعمي إسرائيل" المزعومين هؤلاء مدفوعين بما يخالون انـّه حسهم الوطني المستثار ؟
ماذا لو عن ّ على بال أحدهم مثلا الاستشهاد (في) أحد هؤلاء الكتاب الذين يعيش عدد منهم بيننا ويمشون في شوارعنا, ويركبون وسائل نقلنا, والذين لا يحول بين المادة المنشورة في تلك الصحيفة وبين أن تصفهم بالخونة والعملاء سوى ذكر كلمة (الخيانة) حرفيا؟
وهل يبدو هذا الاحتمال ضربا من المبالغة أو الغلو حقا في ظل الأجواء المشحونة التي يعيشها الشارع السوري إثر كل تلك المذابح والمجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين العزّل, والذين لاتزال كثير من جثث شهدائهم مدفونة تحت أنقاض البيوت والمدارس؟
هل هذا هو ما تحتاجه (مقاومتنا) حقا من الإعلام ؟
هل هذه هي الطريقة الرسولية التي نحاول من خلالها تنمية الوعي الوطني لمواجهة المحتل على ما تزعم منابرنا الاعلامية وتدعي؟
ليس مثار خلاف جدي الادعاء أنه لازال أمام الإعلام السوري, وملكاته التحاورية مع هذا الآخر, دربا مضنية ليقطعها قبل ان يستحق وظيفته ودوره.
وإذا وفرنا على أنفسنا الاستماع من هؤلاء القوم الموكلين بمنابرنا الإعلامية لسفسطة الاجابة على سؤال حرية التعبير, والرأي الآخر, ومقارعة الحجة بالحجة,...
فهل يمكن لنا أن نسأل على الأقل عن أية دروس بين ظهرانينا وحولنا يمكن لأحد على الاطلاق أن يستشف منها ضرورة الكف –ولو مؤقتا- عن توزيع صكوك الغفران, وشهادات حسن السلوك الوطني, بهذه المجانية المخزية؟
على جريدة الوطن التي لايملك أحد الحق في أن يملي عليها توجهها وسياستها –ونرجو ان يكون الحال كذلك- ألا تتباطأ أبدا في فتح صفحتها الأولى إياها للردود والتوضيحات التي تردها من الكتاب السوريين وغيرهم ممن أحسوا في مادتها المنشورة تلك إجحافا بحقهم, ومساسا بكرامتهم, أو تأليبا عليهم.
ويجب على مسؤولي تلك الصحيفة ألا يتذرعوا بحجج واهية للتفلـّت من مسؤوليتهم حيال أي أذى جسدي أو معنوي يمكن له ان يلحق بهؤلاء الكتاب, شركائهم في القلم, سواء اتفقوا وإيـّاهم في الرأي, أم اختلفوا عليه.
وللصحيفة -من باب الاختيار الحر دوما- أن تتحرى في المستقبل مهنيـّة أعلى لأداءها, تليق بإعلامنا الخاص الموعود, وتحترم قارئها السوري, الذي يقضي بالمناسبة معظم وقته داخل هذا البلد!
وأن يكفّ إعلامنا المحلي عن معاملة السوريين كلاجئين إعلاميين, او سياحا أجانب, لا يفقهون, ولا يبالون.
وان يتوقف هذا الإعلام عن ركل جمهوره خارج مجال بثه الافتراضي, ودفعه مرغما إلى مصادر أخرى, وصل بنا مطاف الأمور أن تكون إسرائيلية.

في حديث الجنس السوري, ... وللرقيب (شبقه)

لا تخفي سلوى النعيمي دهشتها حيال (فرمان) سحب كتابها برهان العسل من على الرفوف الثقافية الرسمية, والمرسومة في بلدها الأم.
ولم يكن إنكارها -وهي الدارسة (الأكاديمية) لهذه اللغة- لوجود كلمات سافرة في العربية على حساب الـكلمات الـ محجبة , أو احتجاجها على مجتمع التقية الذي نعيش فيه سرا ما عاشه أجدادنا في العلن ؛ ليزيد او ينقص على ما يبدو في ميزان (احتشام) عاصمة الثقافة العربية 2008 .... المنتهية ولايتها.

بل إن محاولة الشاعرة السورية المقيمة في باريس (إنقاذ) مفردات الجنس, وأسماء الأعضاء الجنسية, و(أفعالها), من درك توظيفها (الشتائمي) على مستوى التعاطي اليومي معها، لا تلبث ان تصطدم بالعادات السرية الفكرية لـ(الراشدين فقط), والذين يغتسلون صبح مساء من (مجانبة) ما يزعمون بهتانا أنه ليس من (ثقافتنا) (أصلا).
إذ أن الجنس وعلى الرغم من اتساع ثقوب غربال الرقابة في بعض الأحيان كما تقول النعيمي, إلا أن المتابع لا يزال يجده هناك بوتيرة متزايدة معلقا على الخشبة, دريئة منخولة بالشك والمقصات.

بل لا يبالغ من يزعم أن ثمة ردة (مقدسة) لتمكين هذا التابو, وشد دعائمه أكثر فأكثر بين ظهرانينا, وفي برهان العسل نفسه برهان.
فالكتاب (السوري) الذي سلم جانبه في معرض بيروت للكتاب, وغـُضت الأبصار عنه في معرض أبوظبي, كان لابد أن يغص به معرض دمشق للكتاب.

ربما لأن الوصايات تلح من (منابرها) أن السوريين لم يبلغوا سن الرشد بعد, وربما لأن المافيات (الدينـ-ــوية) ومن بحكمها شنت في حينه –على هذا الكتاب وغيره- داخل أجنحة المعرض وكواليسه بضع (غزوات) مبيتة, تكللت في نهاية المطاف –ليس آخره- بالسرقة الموصوفة, وحجب الأفكار.
ولا رادا على (القضاء) يقضي, ولا عاصمة للثقافة تعصم.

بل إن هؤلاء (الحجَاب) ليجدون على غير موعد سندا لهم في بعضنا الملجم الساكت, أو المقارب المضطر او المدعي, او بأحسن الأحوال فاقد الرؤية, وإن امتلك الأداة.
فتناولنا الصحافي والإعلامي على سبيل المثال للجنس وثقافته يشي بالكثير من الخفة, إذ لا يزال هذا الموضوع بالذات يراوح في التداول (الصحافاتي) بين (العنـّة) و(سرعة القذف).

فهو إما مسربل بالتوريات, والمجاز القاصر, او مثقل بالأكاديمية التربوية, والوعظي المفتعل, وفي كلا الحالين تـُغتال المتعة, وتـُسفـّه الأحلام, ليتمخض الجمل عن مقاربة مبتسرة يابسة, لا نشوة فيها ولا رهز.

وإلا كيف ترانا نقيـّم مركونات كل تلك الملفات الجنسية التي يتعاورها إعلامنا المحلي بين الحين والآخر, والتي لا (تفتح) في فتوحاتها المبينة لا وعيا, ولا جسدا.
أو بماذا عسانا نفسر (الحفاوة) التي استقبلت فيها صحيفة سورية (مستقلة) –جدا- زميلتها البيروتية التي صدرت مؤخرا تحت مسمى "جسد", عندما لا يستطيع المحرر-المحتل الثقافي في صفحته أن (يقاوم) نشر الخبر إياه؛ من دون (بعبصة) رصينة, تستدعي التربوي الوصائي, ليأتي سياق مادته على شاكلة:

"... وحتى لا تتسرعوا بالحكم على الناشرة اللبنانية «المجتهدة»، فهي لا تقدم بورنو رخيصاً باسم الفن, أو جنساً مبتذلاً باسم الثقافة, حاشا للخالق!" نعم, لـ(الخالق).
أو نمط :

"..حسناً, في الغرب هناك اسم مخصص لهذا النوع من «الثقافة» له رواده وأعماره، لكنهم على الأقل لا يتشدقون بالثقافة والفن كلما قاموا بمشروع «هادف» كهذا." نعم, (هادف).

ويـُسقط عزيز قومنا من (شهوته) التطهرية الجارفة أن ثمة في ناسه و(عشيرته) "ن يعيش ويموت من دون أن يعرف طريق جسده, وأجساد الآخرين"*, وإن وفق الأمثولات (الشرعية) وأحابيلها حتى.

ومن قبل هذه وتلك؛ ما اجترحته وزارة الثقافة السورية في مهرجان دمشق السينمائي منذ عام تقريبا, عندما قرر السيد الوزير (ختان) فيلم الافتتاح الروماني (أربعة أشهر, وثلاثة أسابيع, ويومان) لمخرجه (كريستيان مانجيو), وذلك عبر (فرفطة) عدد من مشاهده في سلة قمامته, واقتطاعها لحساب إقطاعيته (الأخلاقية), باعتبارها بورنو, و"إباحية", ودوما في سبيل الحفاظ على (عفة) مهرجاننا و(رزانته).

ورغم أن الكاتبة سلوى النعيمي بثت في أعطاف مؤلفها الأخير "برهان العسل" ما مؤداه أنه من غير المحتمل أن تكون الرقابة "على هذه الدرجة من الغباء"* , فإن كثراً يميلون للاعتقاد أن الكاتبة لم تكن جادة تماما في هذا الجزء بالذات!

لا تجد النعيمي مندوحة من الاستسلام لطلبتها الوحيدة, في ومض حسي لاهث وراء أناه, وإن كان هناك ثمة من يوقد الشمع ويوصد النوافذ لاستحضار الأرواح, فإن بخور الكاتبة و(عسلها) كله منذور لاستحضار الأجساد, بل -وبمزيد من الإمعان- جسدها وشبقها هي بالذات.

على أن القصة تبدأ دائما حين ينتهي الكلام.
بعد ان تفلتنا آخر صفحة من الكتاب وجها لوجه أمام التابو إياها, (منشورا) في عسل وحنظل كل منا بشخصه, محرما يكرر بكارته, وينسج عشه الدبق في رؤوسنا وفروجنا من جديد.

* الاقتباسات المشار إليها مأخوذة من كتاب برهان العسل الصادر مؤخرا في طبعته الثالثة عن دار رياض نجيب الريس-بيروت