2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد،دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

عندما يكون الهمُّ سوريا, والحزب .... فلسطينيا! -حزبيون سوريون في أحزاب غير سورية


(....ولكن أحلام الرجال تضيقُ)

ولعله –وعلى منوال عّجُز شطر بيت الشعر هذا- تضيق كذلك أحزاب الرجال بضيق أحلامهم وصدورهم, فلا تعود تنظيمات البلد وتياراته ومؤسساته السياسية وأطره الرفاقيّة -على ما تسوق له (دعوياتها) وتبشيراتها الوافرة- تتسع لأبناء البلد ذاتها.

أبناء البلد الذين يفترض بهم أن يكونوا لا غاية تلك الأحزاب والتيارات فحسب؛ بل وعقلها المشرع, وضميرها الناقد, وأداة برنامجها للعمل.

كل هذا بالطبع, على افتراض أننا نقرّ الشاعر إياه على شطر بيته الأول (لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها....).

وكما يلقي الشعر بين أيدينا أحيانا بإيجازه ومجازه ما قد تنوء بحمله المطولات فتعجز, كذلك يضع بين أيدينا هذا الشاهد القصير من تجربة شابـّة من شبابنا الحزبي السوري, إشارات ومدلولات تفقأ العين لو نظرت.

فقد لا يكون في ذلك القرار الذي اتخذته (ق.ف) ذلك الصباح -بعد طول تفكير- بالانخراط ضمن إطار مؤسسة حزبية بعينها؛ ما هو خارج عن المألوف بالنسبة للعديد من الشباب الحزبي السوري, بل وحتى غير الحزبي وغير السوري أيضا.

لكن الغرابة تكمن في أن تقع قرعة الشابة تلك في لحظتها المحكومة بشرطها ذاتا وموضوعا على تنظيم (فلسطيني) كخيار وحيد لانتمائها السياسي الأول, على غير ما قد تفترضه البداهة من خيار أقرب إلى الـ(طبيعيـّة الوطنيـّة), وهو الالتحاق بحزب سوري.مهما كان تصنيفه

لا يهم, مادام الحزب سوريا, طالما أنّ الهمّ في الأساس كذلك.

فما الذي تراه يدعو شبانا سوريين اليوم إلى الانخراط في أحزاب غير سورية –داخل سوريا- رغم توفر تشكيل حزبي من صناعة محلية لا يعدم في نهاية المطاف بعض التنوع؟

تجيب صاحبة الخيار المختلف بنفسها قائلة:

"السبب الأساسي في ابتعادي عن اختيار أي حزب سوري هو تشرذم الأحزاب اليسارية السورية, وكثرة النزاعات والخلافات فيما بينها, على الرغم من أنّ الكثير منها جاءت في الأصل من أرومة واحدة, وكان لها الجذر نفسه.

إضافة إلى قلقي الدائم من عدم قدرتي على التأكد من أنني أستطيع العمل مع أي من هذه الأحزاب أو التيارات من دون أن أوقع نفسي في متاهات المشاكل الداخلية المزمنة التي كنت أطّلع على بعض تفاصيلها الممضة من بعض الأصدقاء الحزبيين المنخرطين فيها.

كنت أعرف أنّ الخيارات الحزبية (السورية) متوفرة, لكن هذه التيارات على كثرتها وتنوعها لم تستطع يوما التوصل إلى حل لأي مشكلة مهما صغرت أو كبرت, ناهيك عن أنّ الشباب المنخرطين في صفوف معظم هذه التيارات لا زال ينقصهم الوعي السياسي الحقيقي والفاعل, ومن خلال اختلاطي بمعظمهم وجدت أنّ منهم من هو بالكاد يعرف أهداف أو غايات ما يفترض أنه يعمل و(يناضل) لأجله, في حين أنّهم جميعا يحفظون عن ظهر قلب أسماء مسؤوليهم وقيادييهم, وهذا ليس في الأساس ما كنت في طور البحث عنه عندما قررت الالتحاق بالمؤسسة الحزبية."

(ق.ف) والتي تبلغ من العمر اليوم 24 عاما, هي في هذا الـ(وضع) التنظيمي منذ ثلاث سنوات تقريبا, مع أنها كانت راغبة في الانضمام إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جناح (جورج حبش) منذ مدّة أبعد من ذلك, لكن اتفاقيّة سبق للفصائل الفلسطينية اليسارية أن وقـّعتها مع الجانب السوري –على ما تفيد (ق.ف)- تتعهد فيها بعدم تنسيب سوريين إلى صفوفها؛ حال دون أن تكون تجربة الحزبية الشابة أبكر مما كانت عليه.

أمـّا الطريقة التي تعاطى فيها الحزبيون الآخرون من الشباب السوري مع هذه (البدعة) التنظيمية على رأي أحدهم فتقول (ق.ف):

"واجهت في واقع الأمر العديد من محاولات الاستقطاب الحزبي من قبل كثير من التنظيمات السورية الأخرى، بيد أنّ كوني في (وضع) سري، وعملي من دون إعلان, حال دوني وأن أطلعهم على أنني منظـّمة سلفا، لكنهم اكشفوا ذلك لاحقا على أيـّة حال، وغالبيتهم كان لهم موقف إيجابي من الموضوع, إذ أكبروا انتمائي لهذا التنظيم الفلسطيني بالذات بسبب تاريخه النضالي المعروف, في حين أنّ قلة أخرى لم تبادر إلى إبداء أي تعليق يذكر, في حين أنّ آخرين قالوا لي بأنّ (مرجوعي) إليهم, حتى أنّ بعضهم عرض عليّ التعاون معهم في تنظيماتهم وإن بشكل (سري)"!

ولكن إلى أي حد لبى هذا النوع غير المألوف من النشاط الحزبي الذي اختارته (ق.ف) طموحاتها التي كانت تتوسمها في تنظيمها الفلسطيني, فارة من الحزبية السورية؟

عن هذا تقول:

"حقق لي ما أريد إلى حد بعيد جدا, ومن دون أية مبالغة, بيد أنّ (الملاحظات) من قبل بعض الكوادر والرفاق أحيانا تزايدت من حولي, خاصة عندما كنت أشارك –بشكل شخصي- في نشاطات تتعلق بأمور لها علاقة بالوضع الداخلي السوري...."

... ولكن ألم يخلق ذلك لك على مستوى من المستويات أزمة (هويـّة) من نوع ما, كونك في النهاية سورية, ومن حقك التفاعل عاطفيا و(حركيا) مع كل ما يمس هذا الموضوع, في حين أن ولائك التنظيمي والإداري هو في إطار آخر, وهو غير معني مباشرة بتقديم وجهة نظر فاعلة في المجريات السياسية السورية تحديدا, خشية أن يتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلد المضيف؟

"إلى حد ما؛ نعم, إنما على فترات متباعدة نسبيا, وقد شعرت في تلك الأوقات بالفعل بما قد أصفه بأنه نوع من الانسلاخ عن وضعي الاجتماعي والسياسي الحقيقي، خاصة وأنني أنتمي إلى جزء من البلد حيث الطبيعة الاجتماعية أصلا لا تسمح إلا بالقليل من النشاط، بسبب عقلية الأهل التي تضع دائما المحاذير الأمنية نصب عينيها فيما يخص التعاطي مع الشأن الحزبي والسياسي عموما, وتعمد دائما إلى التضييق على أبنائها ومحاصرتهم كي يتخلوا عن أي نشاط من هذا القبيل, أيا كان شكله, وبغض النظر عن الحزب و التنظيم, الأمر الذي جعل تفاعلي مع الشأن المحلي أصعب في الإجمال, بيد أني تمكنت لاحقا من (تدارك) هذا الموضوع وحله بالاتفاق مع مسؤولي الحزبي داخل المنظمة, والذي سهل عليّ الأمر في واقع الحال كون الحزب الذي انتميت ذا نظرة وأفق قوميين, وهنا أعود لأذكر أن مشكلة من هذا القبيل لو كانت واجهتني وأنا داخل حزب سوري لكنت في وضع أكثر حرجا بكل تأكيد"

سألتك عن ردة فعل الحزبيين الشباب السوريين, ماذا عن (رفاقك) الفلسطينيين, ألم يطلب إليك أحد منهم مثلا (العودة) إلى حزب سوري أيا يكن وكما هو مفترض بحزبية سوريـّة؟

"كان لدي بطبيعة الحال مشاكلي الخاصة بهذا الموضوع, ولكنها باعتقادي جاءت من كوني أنثى أكثر منها من كوني انتمي إلى جنسية أخرى غير فلسطينية داخل تنظيم فلسطيني, خاصة وأنني أنتسب في النهاية –وقبل انتسابي الحزبي- إلى مجتمع تسيطر عليه وتحكمه (الذكورة) في كثير من مناحيه, قد لا يستسيغ بسهولة وجود فتاة حزبية فاعلة, وكثيرة العمل، ومنظمة المواعيد والأنشطة، علاوة على أنها سورية أيضا.

والطريف في الموضوع أنّ هذه المشاكل أتتني من شباب ذكور في مثل سني, في حين أبدى الأكبر سنا تفهما أعمق لوضعي, ربما لأنهم سبق لهم وأن تعاملوا مع حالت تشبه حالتي من قبل"

أهم كثيرون أولئك الحزبيون السوريون الذين يتمتعون بما لديك من (ميزات) داخل تنظيمك الفلسطيني على حد علمك؟

"إجمالا لا، لكن المشكلة -كما يمكنك أن تتوقع- تكمن عمليا في عدم قدرتي على تحديد الرقم الذي تطلبه مني بدقة, على اعتبار أن من هم في مثل حالتي لديهم (وضع) سري, الأمر الذي يحول بيني و بين تقديم إجابة دقيقة لسؤالك, غير أنني أستطيع القول عموما أنهم في الغالب سيكونون في سن تكبرني على الأقل بـ20 عاما"!

لدى (ق.ف) ما يشغلها ويأخذ جلّ وقتها كباحثة تربوية, وإذا خطر ببال أحدهم أن يسألها ربما للمرة الألف (هل ستفكرين قريبا بالانضواء تحت جناح حزب سوري ما؟)

فإن جوابها لازال على حاله مع ابتسامة ذات مغزى:

"باختصار.... لا"!

_______________________________________

* مداولات من نمط أنّ الهم القومي العروبي طغى على أفق صاحبة التجربة التي بين أيدينا هنا فجعلها أميل للتعاطف مع الشقيق الفلسطيني النازف على حساب إدراكها لمصلحتها الوطنية العليا (بغض النظر عما بين الاتجاهين من تلاق أو طلاق أيديولوجي لدى القارئ), أو استنكار من قبيل (هل يكون حال الفصائل الفلسطينية على ما بينها من انقسام -وتناحر أحيانا- أرحم من حال فصائلنا الحزبية السورية؟),

وغيره مما قد يعن على البال سوقه من تبريرات جاهزة؛ إنما هي مقاربات وإن كانت لها وجاهتها في سياقها؛ غير أنّ محرر هذه المادة يزعم أنّها غير ذات موضوع هنا تحديدا.



2007

ليست هناك تعليقات: