2010-08-05

الحزبيون السوريون الجدد، دماء شابـّة, وشريان مفتوح!

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

بلد لكل محازبيه، ولكن... -البعث العربي الاشتراكي


"دعني أخبرك شيئا، لقد كنت في لبنان، وهناك لمست ذلك الوجود النافر للأحزاب والحزبية، وشهدت بنفسي كيف كان لكل من تلك الأحزاب المستقلة وجوده الفعلي على الأرض، وكان ذلك أكثر من واضح في الشارع، في المدرسة، في الجامعات، وسوى ذلك. لكن هذا الوجود الذي تحدثت عنه كان دائما يتخذ شكلا له طابع تناحري، إذ أن الحزبي في لبنان متطرف قولا واحدا".

بهذا الموقف استهل ثائر العبيد لقاءنا وأنا بالكاد سألته شيئا، كان التأثر باديا على وجهه وهو يتكلم، هو الذي يعرف مسبقا أنني هنا لأحاوره عن تجربته كحزبي شاب، ليستطرد من ثم بالحديث عن تجربته اللبنانية كطالب في جامعة بيروت العربية بالقول:

"الذي حصل أننا عندما ذهبنا إلى لبنان وشاهدنا أصدقائنا في حزب البعث اللبناني، ورأينا في نفس الوقت كيف أن حزب الله يدافع عن حزبه، والوطنيون الأحرار يدافعون عن حزبهم، والقواتيون يدافعون عن حزبهم، والكل يفعل ذلك باستماتة، شعرنا حينها بالضبط كم نحن مقصرون تجاه أحزابنا، لا البعث فحسب، بل وأحزاب الجبهة كذلك، لدينا للأسف أناس يحضرون الاجتماعات الحزبية ثم يخرجون منها كما دخلوا، فما الذي يقدمه أمثال هؤلاء لأحزابهم؟"

المحامي الذي يبلغ اليوم من العمر 32 عاما يذهب في مناصرته لحزبه البعث مذهبا غير مسبوق فيقول: "لا وجود في العالم لحزب كامل، وأنا كبعثي أؤيد حزبي في تطلعاته القومية منها والداخلية. هناك أخطاء و هناك عثرات، ولكن -كنظرة مستقبلية- أعتقد جازما أنه سيكون لحزب البعث شأن مستقبلي كبير لا على الصعيد السوري أو العربي فحسب؛ بل على الصعيد العالمي كذلك. وأنا أعتقد أن حزب البعث العربي الاشتراكي يشبه في هذا الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقا"!

وهنا يستدرك الحزبي المتحمس: ".... إنما بنظرة أخرى"، شارحا وجهة نظره "أنا لا أقول أنه –أي حزب البعث- مثل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق، بمعنى أنّ لديه نفس التصرفات ونفس الأهداف؛ وإنما كون حزب البعث سيستقطب مستقبلا أناسا كثيرين، باعتبار أنّ نظرته ليست نظرة إقليمية وإنما شاملة"

هنا كان لزاما علي أن أسأله عن الشيء الذي يجده في حزب البعث وليس موجودا في باقي الأحزاب السورية؟

ومن دون أن يحار جوابا يقول ثائر: "نحن هنا في سوريا وضع الأحزاب لدينا معروف، والنظام العام معروف، وحزب البعث يسير في توجه أنا شخصيا أدعمه في كل مناحيه.

وأرجو ألا تفهم كلامي على أنه تطرف لكني في واقع الحال أقول لك بأن النظرة العامة لحزب البعث هو أنه حزب شامل، وقوي وقادر على القيادة، كونه حزبا قوميا ذا نظرة بعيدة المدى،

وليس مجرد حزب إقليمي أو وطني يـُعنى بالمسائل الوطنية فقط. وحسبك أن تقرأ أهدافه لتتبين ماهيـّته وتميزه عن بقية الأحزاب"

ويثمن ثائر عاليا أهداف البعث المتمثلة في الـ(وحدة، حرية، اشتراكية)، ويعتقد أن لا وجود لأحد في هذا البلد يمكن له ألا يؤمن مثلا بالوحدة العربية: "منذا الذي لا يؤمن بالوحدة أو لا يريدها، هل ثمة أجمل من أن تركب سيارتك مثلا من هنا إلى الرباط دون أن يوقفك أحد، أو أن تذهب إلى السعودية من دون أن تحتاج إلى فيزا، ووكيل، وكفيل؟

الوحدة كلنا نريدها، والشيء ذاته ينطبق على الحرية، حرية المعتقد، والسياسة، والكلام... وهذه كلها أمور متوفرة لدينا اليوم".

ويعتبر ثائر أن ما يدور من أحاديث هنا وهناك تنال من سمعة البلد فيما يخص الحريات العامة "كلاما في الهواء"، ويقول: "أنا أتفق مع من يتكلم عن فترة مرت توجب على البلد أن تسير فيها ضمن طريق معينة، لكننا الآن نسير في طريق أخرى"، ويضيف: "سيادة الرئيس لا يمنعك من الكلام، والدليل على ما أقول اليوم؛ هو وجود كل وسائل الإعلام المستقلة تلك من تلفزيونات، وإذاعات، ومجلات، وهم كلهم يتكلمون بالطريقة التي تحلو لهم. لم يعد ثمة مشكلة في أن يبدي الإنسان رأيه، أما أولئك الذين لازالوا يشكون من هذا الأمر؛ فهم إنما يبنون رأيهم ذاك على تخوفات وهميّة لا أساس لها من الصحة."

ويعتبر ثائر أن المنابر الحزبية، واجتماعات المنظمات المختلفة هي الوسيلة المثلى والأجدى من اجل إيصال الأفكار و المقترحات إلى صناع القرار في البلاد، منتقدا الأساليب "الملتوية" الأخرى "المنظمات إطار موجود كي يمكننا الكلام عبرها، فأنا كعضو في حزب البعث بإمكاني أن أذهب إلى الاجتماع الحزبي و أتحدث بما أريد، أما أن أظهر على شاشات التلفزيون و لا أترك على البلد (ستر مغطى) فهذه ليست بالحرية"

حاملا على الذين يخالفونه الرأي في ذلك بالقول "أنا لا أعتبر أن المعارضة في سوريا معارضة حقيقية، وإنما هي تهديد"

مستطردا بحدة "ما الذي يريدون معارضته، أنا لدي إطار مؤسساتي و بإمكاني أن أتكلم ضمن إطار المؤسسات وأقول كل ما لدي، وإن لم يصل صوتي إلى صاحب القرار في المرة الأولى، لا بد أن يصل في المرة الثانية، إذ أنه يقع على عاتقي كمواطن أن أتكلم من موقعي. وأنا كمحام أتكلم من موقعي، ولدي نقابتي، وهي ملزمة بإيصال صوتي إلى وزارة العدل"

محذرا الشباب السوري من الانسياق وراء معسول كلام بعضهم، الذي لا يريد سوى إفراغ البلد من مؤسساتها "وبلد من دون مؤسسات و آليات (بتخرب)" ضاربا المثل بالحاصل على الساحة اللبنانية الداخلية.

"على العموم لا أحد يمنعهم من الحديث، وإذا كان لديهم شيء فليقدموه فربما تستفيد البلد منه"

ولا يخفي ثائر تبرمه من تلك الأسماء التي "يروج لها الإعلام" ولا يعرف أحد من أين اتت ولا على أين هي تريد الذهاب بنا

"هنالك من الشباب للأسف من يلتحق بأحزاب غير معروفة، أو يشارك في نشاطات (أكبر منه)، وانا أسال هؤلاء لماذا؟

ألمجرد أن ذلك الحزب معارض وغير معروف، أو أشياء من هذا القبيل؟ هل هذا يعقل؟

أمام الجميع أحزاب كثيرة ضمن الجبهة، وبإمكان أي أحد أن يوصل رأيه من خلالها، فلماذا يضع أولئك الشبان أنفسهم في موضع الشبهة؟"

ويخفف المحامي المتمرس لهجته قليلا ليقول "أنا شخصيا مع المبدأ الذي يقول بأن بلدنا سوريا يجب أن تتسع لكل أولادها، فلا يقولن أحد أنه بلا رأي ومن دون منبر، أنت لك رأي في موقعك، ولا أقوال في حزبك ، بل في عملك . أما أن تضع نفسك في مواقف (مشبوهة) ثم تتذمر من أنه لا يسمح لك بالكلام، فهذا وضع غير مقبول"

ويتحدث ثائر كيف أن التطورات التكنولوجية الأخيرة منحت الجميع مساحة تعبير غير مسبوقة، والشباب على وجه الخصوص هم المستفيد الأكبر منها، وهم الأقدر حتى على تثميرها كيف شاءوا "البلد بلد الجميع، والفرص متاحة أمام الجميع للتعبير عن آرائهم بشكل متساو، أي واحد منا بإمكانه اليوم أن يفتح الانترنت مثلا ليقرأ ما يشاء و يسمع ما يشاء ويكتب ما يشاء، من دون أن يقف أحد على رأسه، أو وراء شاشة حاسبه ليقول له لا تسمع هذا و لا تقرأ ذاك، و الأمر ذاته ينطبق على القنوات التلفزيونية الفضائية"

ولكن وباعتبارك محازبا وقانونيا في آن، ألا تعتقد أن تطوير البنية القانونية والتشريعية للحياة السياسية بات مطلبا تلح عليه كل الأطراف، بما فيها تلك الموجودة في سدة الحكم؟

"العوائق التي يتحدثون عنها وتمنع الناس أحيان من العمل والفاعلية هي في واقع الأمر عوائق وموانع ذاتية، وكامنة ضمن الأفراد والجماعات. هناك من يقصي نفسه عن العمل. وسيادة الرئيس يقول أننا نسير قدما في مسيرة التحديث و التطوير، وكل الأمور تسير خطوة بخطوة،

لأنه لا يمكنك أن تدخل على الانفتاح أو التطوير دفعة واحدة، في حين أنك غير مستعد له، وإلا كانت عاقبة ذلك التدمير الذاتي. (ومن تعجل الشيء قبل أوانه؛ عوقب بحرمانه)، وهذه شريعة إلهية. الموضوع الذي تتحدث عنه تتم دراسته بتأن من أجل مصلحتنا، وإذا شئت أن تنهيه خلال يومين لأمكن ذلك، لكن النتيجة ستكون قانونا مهلهلا"

ويشكك ثائر في نوايا بعضهم من وراء هذه الاقتراحات مكررا دعوته الشباب إلى الاختيار من بين الأحزاب الموجودة على الساحة أصلا "أما إذا كان البعض ينتظر قانونا للأحزاب مفصلا على قياسهم فهذه (مسخرة) ليس إلا"

وبسؤاله عن الطريقة التي انتمى بها إلى حزب البعث يؤكد ثائر أن الأمر تم بعد اطلاعه على مجمل الأحزاب الموجودة

"لقد وجدت في حزب البعث حزبا يلبي متطلباتي أنا كشخص، كما أنّ حزب البعث مليء بأناس عظماء من ذوي التأثير الكبير، لا في سوريا فحسب، بل في الوطن العربي ككل، وأنا قمت بدراسة كل الخيارات التي كانت متاحة أمامي"

وعن السن التي بدأ فيها ممارسته الحزبية أول مرة يجيب ثائر "كنت في 16 من عمري"

ويضيف "هم سألوا –في المدرسة- عمّن يود الالتحاق بالحزب، وكانت طلبات الانتساب جاهزة، إنما لم يجبرنا أحد على ذلك، وأنا شخصيا لدي أصدقاء غير حزبيين كانوا معي في نفس المدرسة ونفس الصف، وهم لم ينتسبوا وقتها، أما إن كان ذلك عن قناعة أم غير قناعة فلا أدري ذلك شأنهم هم، في حين كان خياري أنا نابعا عن اقتناع"

وعن مدى اقتناعه عن أن الفرص متاحة أمام الأحزاب والتيارات الأخرى لاستقطاب محازبين من بين الشباب بنفس الطريق يعتقد ثائر أننا "في بلد لا يتوجب علينا الخوض في مثل هذه الأحاديث، ليس من أصل للكلام عن أن فلانا ليس بعثيا فلذلك لم يحصل على تلك الوظيفة أو ذلك العمل، هذا كله كلام في الهواء، وأمامك بقية الأحزاب، أليسوا أعضاء في الجبهة الوطنية التقدمية؟ أليس لديهم كلمتهم في تلك الجبهة التي يرأسها رئيس الجمهورية؟ إذن فبإمكانهم إيصال أصواتهم إلى رئيس الجمهورية مباشرة؟"

وعن شكوى أحزاب الجبهة الأخرى من عدم مقدرتها على العلم في أوساط الشباب يجيب ثائر محتجا "لا، السبب يعود إلى أن تلك الأطراف المذكورة مقلة بعملها داخل أحزابها، وأسباب تراجعها تتحملها هي، وهي في النهاية أسباب ذاتية قولا واحدا.

اذهب واسألهم هل يلتقون هم بالشباب في أحزابهم؟

أليسوا هم الآمرون الناهون في تلك الأحزاب؟(وأقصد القيادات من الصف الثاني والأول)

هل يلتفتون في ممارساتهم إلى الالتقاء بالقواعد لديهم؟

لماذا لا يفعلون مثلنا، نحن في البعث لدينا اجتماع كل 15 يوما، ونحن نلتقي دوريا مع قيادات الفروع في كل الفرق الحزبية"

ماذا عن ابتعاد الشباب أنفسهم عن تلك الاجتماعات، حتى من قبل بعض منتسبي البعث -كما سبقت الإشارة" الأسباب أسباب ذاتية بامتياز، والذين يجلسون في منازلهم من دون أن يفعلوا شيئا هم سلبيون تجاه أنفسهم و تجاه بلدهم و تجاه حزبهم، و لا يحسنون سوى النقد، هؤلاء الشباب المشار إليهم في سؤالك لا يريدون البحث عن ذواتهم، أنا وجدت ذاتي، و بعد عودتي من لبنان تحمست أكثر لحزب البعث العربي.

والدافع الذاتي هذا ينبع من الإنسان نفسه. عليك التحلي بروح المبادرة ومساعدة حزبك على سبيل المثال حتى في الاختصاص الذي تجيده في مجال عملك. أنا كمحامي أدافع عن حزبي بكل ما أوتيت من قوة، وأفعل ذلك لأني أحب حزب البعث، وهذه نقطة جوهرية"

هل تعتقد أن ثمة ما يمكن تحسينه في هذه الشروط الذاتية أو الموضوعية لممارستك الحزبية داخل البعث؟

"بصراحة، كلما وصلت إلى نقطة في التفكير حول ما يمكن أن تكون عليه الأمور بشكل أصلح؛ إلا ووجدت أن الرفاق في حزبي كانوا سباقين إلى معالجة تلك النقطة أو النقاط.

وأنا أدعو من هنا كل حزبي بعثي أن يعود فيتعمق في مبادئ حزب البعث خدمة لبلده، فالبعث

ليس في الساحة من يوم أو يومين، وإنما منذ أربعين سنه، وما زال واقفا، وسيظل واقفا".




2007

ليست هناك تعليقات: