2010-08-08

عن التجارة ب(غرف التجارة, أو ... بخصوص (خلصنا بقى ), والشهبندر العنيد

كان موقفا لافتا للانتباه حقا ذلك الذي ارتأى اتخاذه راتب الشلاح بعدم (الترشح) مجددا لرئاسة غرفة تجارة دمشق, ومن ورائها وتلقائيا رئاسة اتحاد غرف التجارة السورية لدورة إضافية مع نهاية هذا العام.
وذلك بعد عمر مديد قضاه الأخير في كلتيهما, لدرجة أن كثيرا من العارفين بظواهر الأمور وبواطنها استقروا منذ أمد على التفكير بأنها (ما عادت حرزانة).
والقصد هنا بالأمر غير (الحرزان) ليس الترشح, وإنما عدم الترشح, على اعتبار أن صاحبنا اعتاد الأمر و(أخدت إيدو), وأن الذين من حوله (تأقلموا) و(تركلجوا), بل وتعودوا بدورهم أن يأخذهم هو بالذات (بإيدو), الأخرى طبعا.

لكن الشيء الأكثر لفتا للانتباه في هذا (التطور) اللافت هو تلك الأصوات (التجارية), والإعلامية التي انبرت في التو واللحظة لمناشدة الرجل العودة عن قراره, والعدول عن رأيه, مطلقة في عدد من الافتتاحيات الاقتصادية, والصفحات المحلية, مندبة جوالة, وكربلائية ممطوطة, أقل ما يقال في مراثيها أنها رثـّة.
ومدار كل ذلك التباكي على أطلال الرجل, مديحٌ يتعلق بـ"استثنائية" فيه, وبخلو الساحة من "المنافسين والأنداد" له, وأن مكانه "لا يمكن أن يملأه أي من المرشحين", ناهيك عما ناله من "إجماعٍ قل نظيره"! (من قلة "الاجماعات" حولنا)!

بل إن أحد كتاب تلك المقالات لم يجد في معرض مدح مآثر الشلاح ما يقوله خيرا من وصف المذكور بأنه "تكلم كثيراً عن الاقتصاد, وعن التجارة, وعن التنمية، لكن الجميع كان يشعر أن الأهم هو ما لم ينطق به"!!
من دون أن يعطينا موعدا لليوم, أو الأسبوع, أو القرن الذي ينوي به السيد الفاضل إطلاعنا على "الأهم" الذي لم يقله, كيلا ينتهي المقام بالرجل ليكون أحد الساكتين عن الحق؟ (معاذ الله بالنيابة عن كاتب ذلك المقال).

بل إن الشطط بلغ من الكاريكاتيرية درجة أن رئيس اللجنة المشرفة على انتخابات غرفة تجارة دمشق هذا العام, لم يخجل على رؤوس الأشهاد من التصريح بـ"أسفه" لانسحاب الشلاح!
وهو من هو, على رأس هيئة من المفترض بها أنها تقف على مسافة واحدة من كافة المرشحين, وليس مطلوبا منها ضمن واجباتها أن (تحرد) أو تسعد لاشتراك أو انسحاب أحد.
(الانتخابات دوما بين قوسين, باعتبار أن من شارك من التجار في الاقتراع الأخير في الغرفة لم تتجاوز نسبتهم 39.4% علما أن النصاب القانوني هو 50%)!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما بال هؤلاء القوم في التجارة والإعلام وغيره, والذين ما فتئوا يتحفوننا في مطارح أخرى بشتى أنواع التذمر والشكوى من أولئك الذين تلتصق كراسيهم بأقفيتهم جينيا, ليأتوا هنا وينهجوا سيرة غير تلك التي (ربـّونا) عليها, وليطالبوا بالفم الملآن الزاهدين والزاهدات في مناصبهم أن يعودوا رملا إلى تلك الكراسي بالذات؟

أم أن البلد التي لا يفوّت أحد مناسبة وطنية أو (عميلة) إلا ويطنب في التغزل بأرضها, وهوائها, ومائها, ومطبـّات شوارعها؛ قد خلت على حين غرة إلا من بضعة أنفار, تتوافر فيهم تلك الشروط (الشرعية) لأهل الحل والعقد؟

إلى متى هذه (التنبلة) في محاولة استكشاف مقدرات مجتمعنا الغني والفتي؟

إلى متى هذا التراخي في التوعية الإعلامية بالإمكانات المركونة بين ظهرانينا, والتي يزخر بها محيطنا المحلي؟

لماذا نستسهل إلى هذا الحد الارتماء في الأحضان المترهلة لمن لا يملك لحاضره ما ينفع, فكيف به للمستقبل؟

لماذا هذه المساهمة المجانية في تكريس ممارسات استمرت عقودا, وأفرغت حق المشاركة في صنع الحياة من مضمونه, وغطت على المواهب, ووأدت القدرات, فارضة ما اصطلح عليه لا حقا بـ(واقع الحال)؟

ومن يدري, ربما تصبح هذه الانسحابات الطوعية خلـّة في بقية مسؤولينا المعمرين, فيتاح للبشرة الشابة في هذا المجتمع أن ترى النور, وتشم الهواء, وتصل إلى مواقع القرار.
وإن تبين لاحقا أن إدارة الشباب (كخـّة) أيضا, وثابرت هذه الأخيرة على المسير في ذات الدرب (المجعلك)؛ فعند ذلك بإمكان الشباب على الأقل أن يقنعوا بأن مصائبهم هي من صناعة, وتجارة, وسياحة, وسياسة أيديهم.

وعليهم ساعتئذ أن يتحملوا, ويكفوا عن (النق) الحرام, وتحميلكم -يا من كنتم ولازلتم- تبعات هذا الخراب, الذي تغذيه محسوبيات على منوال هذا (ابن الحجي), وذاك (جوز الست), وحضرتو (ابن أخو الاستاز), والعينتين (صهر المعلم), والأخ (من العيلة), وهلم جرا.
(فارطين) إلى غير رجعة سبحة الـ(لو) والـ(ليت), التي يشعر كثيرون بسببها بغبن من يتحمل أوزار طبقة أكلت حصتها, وحصة من بعدها, وأكلته معها.

وعلى رأي أحدهم من خلف مكتبه في مقهى (الروضة):
"يا عمي استقال..
يا خيي انسحب..
يا دادا ترك..
فيا ليتكم أيضا ترحمونا من مناشداتكم (الوطنية) وتتركوه أنتم أيضا.
هو..
سلميا..
إراديا..
تجاريا..
حلّ عنـّا وعنكم, ... فبشرفكم حلـّوا عنـه وعنـّا." (انتهى الاقتباس-الردح).

وإن كان لابد من مديح؛ فليكن خفيفا على الآذان والمنطق, إذ ليس من الحصافة في شيء الانجرار إلى منح ممدوحينا ما لا نملك حق هبته أو حجبه أصلا, أو أن نعلق رقابنا في (زنانيرهم), ونتمرغ على أعتابهم, كي (يتأبدوا) على مناصبهم, بغض النظر إن كان أولئك الناس مستحقين لما هم فيه أم لا.
أقله ليس قبل أن يقيض التاريخ, والصحافة الاستقصائية ربما, أولاد حلال -غير المعتمدين حاليا- كي ينقبوا في هذا التراث المديد, والجاه التليد, علهم يظـّهرون لنا الجانب (النيجاتيف) القابع هناك في العتمة, من هذا الفيلم الطويل, وذلك في سبيل أن تعتدل الكفة, ويستقيم السياق.

ألا يكفي الشلاح برأيكم 16 عاما في رئاسة غرفة تجارة دمشق, علما أنها –الضمير هنا قد يعود على الرئاسة أو الغرفة- ظلت في بيت الشلاح وآله ما يقارب العقود الأربعة, بعد أن كانت لأبيه منذ العام 1972؟!

فلتأخذ إذا جوقة المسبحين بحمد ما مضى وانقضى استراحة تقنية, تستدرك فيها مثلا أن الدكتور الذي قارب السادسة والسبعين, ليس بحاجة لما (تناضل) هي كي تتبرع به إليه.

فالرجل لن ينضم بهذه السهولة إلى الـ11 أوالـ16 أو الـ20% من العاطلين السوريين عن العمل, ولن يضطر في المدى المنظور إلى توسيط أحد كي يحجز له دورا متقدما في مكاتب التشغيل في العاصمة.

فهو بالغ الانهماك بمناصبه الأخرى الراهنة دون أدنى شك, باعتباره رئيس مجلس بورصة دمشق, ورئيس لجنة الإدارة في مركز الأعمال السوري-الأوربي, ونائب رئيس الاتحاد الإسلامي لغرف (الصناعة-التجارة, باكستان), ورئيس مجلس رجال أعمال سوريا-لبنان, وأمين سر الغرفة التجارة الدولية, وعضو في مجلس الأمناء العربي-الأوربي في جامعة دمشق, ونائب رئيس اللجنة الوطنية السورية منذ عام 1986.

ناهيك عن أشغاله الخاصة باعتباره رئيس مجلس ومدير تنفيذي في شركة الشلاح للتجارة منذ عام 1962 في سوريا, والمالك لمؤسسة راتب الشلاح في بيروت, وعضو مجلس إدارة في شركة رخا ووكالة نيسان للسيارات في سوريا, وعضو مجلس إدارة في بنك سوريا والمهجر, وشريك في شركتين للتجارة في القاهرة, والخرطوم, ومستثمر في شركة البحرين للزراعة العربية, وهو فيما علمنا, وقد يكون فيما لم نعلم.

بماذا ترانا نفسر هذا الحنين الأرعن للرجوع القهقرى إلى أبيض وأسود ذلك الزمن (الجميل), عندما كان شهبندر التجار خصما وحكما (شرعيا), والتقديرات والمقايسات (ع البركة), والعقود والمواثيق (برمة شوارب), والمخاصمات والمنازعات (تبويس لحى)؟

ما مبرر ليّ الأعناق المزمن هذا, والالتفات إلى ماض لا يريد له أحد (مستقبلي) أن يرجع؟

لا لأن رجال (وسيدات) أعمال اليوم يذرعون الأسواق بوجوه حليقة منتوفة, وليس لأن الشركات (المحترمة) اليوم تتسابق للحصول على براءات وشهادات منضدة ومكتوبة تثبت التزامها بمواصفات ومقاييس وضعية بالغة الدقة, ولا لأن مجالس النقابات والاتحادات أحلت الإدارة الجماعية محل الوحدانية الفردية (في محاضر المؤتمرات على الأقل)؛ بل لأن ذلك الزمن (الجميل) قد جايله زمن آخر قبيح وقميء, فيه بدع الغش والتدليس (الأكابري), وفنون تنجير الخوازيق, واجتهادات قطّـاع الطرق, وفروض (خوّات) القبضايات والعناتر –بالمناسبة شواربهم أطول من شوارب أتخن تاجر تاريخيا- وسوى ذلك الكثير.

وإن كانت أدوات ذلك الزمن الجميل بالكاد فاعلة حينها في التعاطي مع هذه الموبقات كلها, فإنها اليوم أعجز من أن تفعل ذلك, وعليه فعلى معتنقي هذا المذهب البائد أن يذهبوا بذهابه.

وليجربوا –على سبيل التنويع- سـَلسـَلة (من المسلسلات) مذكراتهم في أحد (أبواب الحارة) القادمة, أو ليركنوا إلى صنف آخر من الخلود, وهو الخلود للراحة.
وليكتفوا بعدما نالوا نصيبهم –ومن نصيب غيرهم- بغرف نوم وثيرة, بدل غرف التجارة والصناعة والسياحة, ناهيك عن غرف الثقافة والسياسة في هذا البلد.
ومن كان منهم ذا رأي أو حكمة, فليجـُد بها في الإعلام, والمجالس والهيئات الاستشارية, والدراسات, ومراكز الأبحاث, وليرفعوا وصايتهم عن عهد لم يعودوا قادرين على التأقلم مع مستجداته, أو الإلمام بمفرداته ومتغيراته.

وما دام ديدن هؤلاء القوم قول "نعم بصوتٍ عالٍ"، و"عدم قول لا حين يجب أن تقال", ناهيك عن "تغيير المنكر" بقلوبهم, حيث يتربع "أضعف الإيمان" -وفق اعترافات بعض المقالات-البكائيات إياها- فقد بات من الضرورة (البيولوجية) اليوم, استبدالهم بغيرهم من الجيل الشاب, ممن قد يمتلكون حناجر أقوى, قد تتمكن من رفع الصوت يوما, وقلوبا لم تثخنها الجلطات المتكررة, تكون أقدر على مداراة (أضعف الإيمان) التاريخي هذا والمستفحل, إن لم تلفظه نهائيا من دورتها الدموية.

ولا يخافن أحد علينا أن نضل السبيل بدون تلك الزعامات, لأن السوريين "قادرون على تدبير أحوالهم",وفق كلام الشلاح نفسه في المنتدى السوري-الإماراتي قبل سنتين وبحضور أحد شهود العدل الألمان.

وإن كان ثمة من لايزال يجادل بأننا لا نعرف (قدر) الرجل كما تعرفونه, ولم نمالحه كما مالحتموه على ما يبدو –رغم تقادم العهد على أمثال هذه الحجج-؛ إلا أن ما يشفع لنا في واقع الحال هي معرفتنا ومعايشتنا اليومية لـ(قدر) المصائب والكوارث الاقتصادية وأخواتها مما نرزح تحت وطئته اليوم.
وإن كان مدار الحديث بجملته عن التجارة, فإن أول جملة نسمعها –كما تعرفون- من تجار اليوم أنفسهم, موالاة ومعارضة, هي (السوق واقف), و...
(من ثمارهم –كلهم- تعرفونهم).

ليست هناك تعليقات: